فصل آخر من نكبة البارد...
بقلم : أركان بدر
مخيم البداوي ـ لبنان
خلافاً لما كان متوقعاً، فإن توقف العمليات العسكرية في مخيم نهر البارد ومحيطه، والإعلان عن القضاء على مجموعات العبسي، زاد النازحين الفلسطينيين من أبناء مخيم نهر البارد قلقاً: خاصة وأن التصريحات حول مستقبل المخيم ومستقبل وجودهم فيه لم تقدم لهم التوضحيات والحلول الشافية.
وقد لاحظ أبناء المخيم المنكوب، أنه كلما طرحت على بساط البحث قضية عملية تتعلق بمصيرهم ومصير المخيم، كلما زادت التصريحات غموضاً، وكلما تأكد لهم أن المسؤولين عن إعادة إعمار المخيم، لا يملكون الخطط الواضحة والتفصيلية وان الأمور مازالت تراوح عند عناوينها العامة، ولم تدخل في التفاصيل والآليات المعنية بوضع حد لنكبة المخيم وأبنائه.
قضية العبسي.. إلى متى؟
القضية الأولى التي شغلت بالهم وزادتهم قلقاً هي قضية التأكد من مصير شاكر العبسي، المطلوب الأول للسلطات اللبنانية في حوادث نهر البارد.
فبعد أن ألقي القبض على إحدى الجثث، التي قيل إنها للعبسي، وبعد أن تعرفت عليه زوجته وشقيقته، وبعد أن أقام له ذووه داراً للعزاء في الأردن، عادت الدوائر المعنية ونفت أن تكون الجثة للعبسي، مستندة في ذلك إلى تحاليل مخبرية أجريت لهذا الأمر.
وبعد أن حسم القضاء الأمر مؤكداً أن الجثة لا تعود للعبسي، عادت قوى الجيش لتتخذ في محيط البارد إجراءات أمنية مشددة، طالت حتى رجال الإعلام الذين منعوا من الاقتراب من مخيم البارد، بل منعوا حتى من التواجد في مناطق كانت متاحة لهم والمعارك في ذروتها.
وقد فسرت هذه الإجراءات أنها لمطاردة العبسي الذي يحتمل أن يكون مختبئاً في مكان قريب من المخيم.
لكن الملاحظ أن نازحي البارد تابعوا هذه القضية بقلق، وبشيء من الشك والريبة.
حتى أن بعضهم اعتبر أن قضية العبسي فيها ألغاز وأسرار، ربما كان الهدف منها فرض طوق على مخيم البارد لمنع النازحين من الزحف إليه، خاصة وأن الأنباء الواردة منه تؤكد أن ثمة أحياء فيه مازالت تصلح للسكن إذا ما رممت سريعاً، وأن بإمكانها أن تستوعب مئات العائلات.
ويرى النازحون أن ملف العبسي ما هو إلا محاولة لقطع الطريق على النازحين للعودة إلى هذه الأحياء في المخيم الجديد.
استأجرت.. لم تستأجر
أما القضية الثانية التي شغلت بال النازحين، فهي الغموض الذي طال قضية الأراضي المحاذية لنهر البارد، والمملوكة لفلسطينيين، وقد أبدوا استعدادهم لتقديمها مجاناً إلى الأونروا، لمدة عام لإقامة البيوت الجاهزة فوقها لإيواء النازحين بانتظار إعادة إعمار منازلهم المدمرة.
ثمة من أخذ يسرب أن الوكالة فكت عقداًً كانت قد أبرمته مع أصحاب هذه الأراضي.
وأن موقف الوكالة هذا جاء استجابة لطلب رسمي تلقته من دوائر لبنانية رسمية، لا ترغب في إعادة تجميع النازحين في محيط مخيمهم.
وقد نقل إلى النازحين أن البديل للأرض المذكورة، ستكون مساحات فراغ في محيط البداوي، أي أنه ليست هناك عودة سريعة إلى البارد، وأن الأمر رهن بإعادة الإعمار.
وما زالت هذه القضية موضع أخذ ورد خاصة وأن الوكالة، بذريعة عدم رغبتها في الدخول في سجالات إعلامية، لم تقلق على هذه الأنباء، ولم توضح فيما إذا كانت فعلاً قد تعاقدت مع أصحاب الأرض، ثم فسخت العقد، أم أنها لم تتعاقد معهم أصلاً. وفي الحالتين تصدق أحاسيس القلق عند النازحين من خطورة ما يخطط لهم في المستقبل.
التمويل.. التمويل
القضية الثالثة هي قضية توفير التمويل اللازم لإعادة الإعمار، وإصلاح الأضرار التي أصابت البلدات والقرى والمزارع اللبنانية المجاورة، وتأمين الإغاثة الضرورية للنازحين إلى حين عودتهم إلى مخيمهم.
في السياق راقب النازحون أعمال المؤتمر الدولي الذي ترأسه رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة، في السراي الكبير في بيروت، للأطراف المانحة لتأسيس صندوق لإعادة إعمار البارد (10/9/2007) الأرقام الرسمية تتحدث عن الحاجة إلى 382.5 مليون دولار ستوزع كالتالي: 55 مليون دولار لإغاثة نازحي البارد لمدة عام.
294 مليون دولار لإعادة إعمار المخيم. 50
مليون دولار لإعادة اعمار وتنمية المناطق والقرى المحيطة بالبارد.
وتنص الخطة على استحداث صندوق ائتماني في البنك الدولي تودع فيه أموال المانحين، ويتم الصرف تحت إشراف الدولة اللبنانية والأونروا، ولجنة الحوار اللبناني ـ الفلسطيني والهيئة العليا للإغاثة وعدد من الدول والمؤسسات المانحة.
وبالتالي يصبح تنفيذ خطط الإعمار رهناً بتوفر الأموال.
وبالتالي كلما توفر مبلغ كلما خطت مشاريع الإعمار خطوات.
وكلما توقفت الدول المانحة عن الوفاء بوعودها، كلما توقفت مشاريع الإعمار.
يؤكد صحة هذا التقدير أن ما جرى التعهد به في المؤتمر كان مبلغاً ضئيلاً مقارنة مع الدراسات المقدمة، وأن الدول المعنية لم تفصح عن نواياها، بل وعدت بدراسة الملفات على أن تبلغ الحكومة اللبنانية لاحقاً بمدى استعدادها للإسهام في تغذية صندوق إعادة الإعمار.
وهذا يعني أن الجهات المعنية بإعادة الإعمار لا تستطيع أن تضع أجندة زمنية، ولا تستطيع بالتالي أن تلتزم بها لأنها لا تمتلك الأموال الضرورية.
تشتيت النازحين
القضية الرابعة: ما يجري تسريبه من معلومات عن مشاريع «مؤقتة» وبديلة للإعمار.
وكما يقول المثل الفرنسي: «كل ما هو مؤقت فهو دائم».
فإن المشاريع البديلة والمؤقتة أثارت ريبة النازحين. ويجري تسريب «حلاً مؤقتاً» في ثلاثة اتجاهات متوازية وهي:
@ الشق الأول: تأمين بدل إيجارات لحوالي 2600 عائلة، بمعدل 600 دولار كل ثلاثة أشهر للعائلة الواحدة، ولمدة عام.
أي أن هؤلاء سوف ينتشرون في أماكن شتى، كل حسب ظروفه وحسب المكان الذي يتوفر فيه البيت المناسب، إن من حيث الموقع أو من حيث الأجرة وبما يتناسب مع توفير فرص عمل.
@ توفير حوالي 1000 بيت جاهز لإيواء ألف عائلة في محيط مخيم البداوي، بإشراف وكالة الغوث ورعايتها.
@ تقديم إعانات لحوالي 800 عائلة، يمكن لها أن تبني بيتاً خاصاً بها فوق سطح بيت قريب لها في مخيم البداوي (أي الإفادة من «الهواء» حسب التعبير الدارج).
وتقول المعلومات أن الأولوية في هذه الحلول ستكون للنازحين في مدارس الوكالة في مخيم البداوي وفي المدارس اللبنانية الرسمية القريبة من البداوي، وبما يوفر الفرصة لإطلاق العام الدراسي.
ويرى النازحون في هذه الحلول تفتيتاً للبنية الاجتماعية لسكان البارد، وتشتيتاً لهم الأمر الذي يهدد بقاء المخيم.
ما المطلوب إذن؟
المطلوب حسب النازحين هو أن تقدم الدولة اللبنانية أجندة واضحة ومحددة، ترسم بالتواريخ مراحل العودة إلى البارد.
فالكلام الغامض لا يشفي الغليل وكذلك لا يشفيه الكلام الطيب الذي يستمع له النازحون على لسان المسؤولين اللبنانيين.
فالكلام الطيب لا يعيد إعمار بيت مهدم، ولا يوفر غذاءً ورغيف خبر وحبة دواء وإغاثة وفرص عمل.
نازحو البارد لم يعودوا يحتاجون إلى وعود إنهم يريدون أن يتلمسوا النتائج بأيديهم.
وتحركاتهم الأخيرة ليست مجرد تنفيس جو، بل هي رسالة إلى كل من يعنيه الأمر، «أن نازحي البارد لن يهنأ لهم بال إلا إذا عادوا إلى مخيمهم».
الكرة في ملعب الحكومة اللبنانية.
والخطوة الأولى هي أن تضع لنفسها أجندة لإعادة النازحين إلى المخيم، وأن تضع لهذه الأجندة آليات، وأن تطلق ورشة العمل، لإعادة إعمار مخيم البارد المنكوب، والذي لا ناقة له ولا جمل في كل ما حصل.
المصدر
- مقال:فصل آخر من نكبة البارد...المركز الفلسيطنى للتوثيق والمعلومات