فريضة محكمة

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
فريضة محكمة

بقلم / الإمام حسن البنا

﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ (البقرة: من الآية 185).

صوم رمضان فريضة محكمة من فرائض الله التي أوجبها على المسلمين، ما في ذلك شكّ، قرَّرها القرآن الكريم ﴿فَمَن شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (البقرة: من الآية 185).

وأكدها قول الرسول العظيم- صلى الله عليه وسلم-: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً" (صحيح الإمام البخاري، كتاب الإيمان، باب الإيمان وقول النبي- صلى الله عليه وسلم-: "بني الإسلام على خمس": 1/12 رقم 8 بلفظ: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان"، وصحيح الإمام مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان أركان الإسلام: 1/45 رقم 16)، ومضى عليها عمل سلف هذه الأمة والصالحين منها منذ وُجد الإسلام إلى اليوم.

ولها من الفوائد الروحية والنفسية والبدنية والاجتماعية ما لا يماري فيه إلا جاهل أو جاحد؛ فهو صفاءٌ للروح، وتهذيبٌ للنفس، وتقويةٌ للإرادة، ومضاءٌ للعزيمة، ومقاومةٌ للشهوات، واعتيادٌ على الصبر، وراحةٌ للبدن فترةً من الزمان، تستجمُّ فيها الأعضاء من عناءِ عملٍ دائمٍ شاقٍّ، ولونٍ جديدٍ من الحياة، يتجدد بعده النشاط والاهتمام.

ذلك فضلاً عن مثوبة الله للصائمين، وما وعدهم إياه من جزيل الأجر، وعظيم الثواب، وحسن القبول، وشمول المغفرة، ومضاعفة الحسنات ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة: 186).

لهذا كان عجيبًا وغريبًا كلَّ الغرابة أن يحجم بعض المسلمين عن الصيام، ويتظاهرون بالفطر غير مبالين بعقاب الخالق أو لوم المخلوقين، ولا مهتمِّين بما حُرموه من فوائد هذه العبادة في الدنيا والآخرة، وإن الإنسان ليحار في الدوافع التي تدفعهم إلى هذا الإفطار في نهار رمضان، ولا يجد لها تعليلاً إلا أنه الخذلان والحرمان، نعوذ بالله من ذلك.

فإن قالوا: إن كثرة أعمالنا وطبيعتها تحُول بيننا وبين الصوم.. قلنا لهم: إن الواقع يخالف ذلك؛ فإن الأعمال تخفُّ في رمضان، ويجد الناس من أوقات الترويح والراحة ما يخفف عنهم أعباء الصوم، على أن الأعمال التي تستوجب طبيعتها الفطر كالجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، ومباشرة الحرب والقتال فعلاً.. قد رخَّص الإسلام بالفطر من أجلها بشروط وأحكام مع الإعادة عند الفراغ منها، ومع ذلك فلا يستلزم هذا الترخيص أن يتجاهر الناس بهذا الإفطار.

وإن قالوا: إن الصوم يُتعبهم ويؤذيهم، وأجسامهم لا تتحمَّل.. قلنا: إن ذلك وهْمٌ يزيِّنه الشيطان ويقوِّيه، ولو غالَب أحدُهم نفسه لَعَلِمَ أنه مخدوع، وأنه يستطيع الصوم بدون مشقة، وسيجد فيه راحةً وطمأنينةً، ولم يفترض الله على عباده ما يؤذيهم أو يؤلمهم ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ (البقرة: 185).

وإذا قيل: إن الصوم سيحرمهم بعض العادات والكيوف التي اعتادوها؛ فلا شكَّ أن من حِكَم الصوم البالغة تدريب الأمة الإسلامية على الصبر واحتمال المشقة والحرمان، وإنما تمتاز الأمم وتنتصر في ميادين الحياة في السلم والحرب على السواء بقدرِ حظِّها من هذا الخلُق؛ خلق الصبر والاحتمال، ومغالبة الشدائد؛ ولهذا أمر الله المسلمين بذلك أمرًا لازمًا جازمًا ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 200).

فلم يبقَ إذن من سبب إلا الاستهتار بأوامر الله وتعاليمه، والاستهتار في ذاته معصية أعظم من الإفطار؛ فليتق الله أولئك المفطرون، ولينتهزوا فرصة هذه الأيام الفاضلة، فيجدوا المتاب، ويقبلوا على الله- تبارك وتعالى- ويجددوا طرائق حياتهم، ويسلكوا سبل المهتدين؛ ليفوزوا بالراحة والخير في الدنيا، وبالمثوبة والأجر في الآخرة، وفَّقَنا اللهُ وإياهم إلى ما يحبه ويرضاه، آمين.