فتح مكة
« كلمة فضيلة المستشار
كرست وقائع فتح مكة عدة قيم إسلامية رائعة، منها قيمة الرحمة التي تجلت في موقف الرسول (صلى الله عليه وسلم) من المشركين، وكذلك قيمة الحكمة في تعامله مع المؤلفة قلوبهم، وقد كان الفتح خاتمة مرحلة صراع الحق مع الباطل، والتصدي للظلم والطغيان، واجتثاث جذور الكفر والشرك، والقضاء على منابع الشر وأوكار البغي والإجهاز على لوثات الجاهلية التي كانت تعم الجزيرة العربية، وتخيم على أرجائها، وتفرض هيمنتها على الناس جميعًا، والتي واجهت بعثة الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالحرب الشرسة والمقاومة العنيفة، والإيذاء، والاضطهاد، والابتلاء، والمحن، والتجويع، والمقاطعة؛ لأن هذا الدين الجديد كشف عوارها، وزيف دعاواها وسفه آلهتها، وأعلن الوحدانية لله في الألوهية والربوبية والحكم، وقد صبر الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحابته على الابتلاء والامتحان في مكة ثلاث عشرة سنة، ثم لما أذن الله بالهجرة، وقامت نواة الدولة الإسلامية أخذت الحرب طابع المعارك والغزوات التي خاضها المسلمون ضد المشركين، والتي كان فتح مكة خاتمتها.
والمتأمل في هذا الفتح العظيم وما صاحبه وأعقبه يدرك تمام الإدراك المنهج الإسلامي الحكيم الذي التزمه الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وألزم به صحابته، فهم لم يقصدوا التدمير والتخريب والإبادة والفتك، بل كانوا يهدفون إلى هداية الناس إلى الحق والخير، ونشر الأمن والأمان والسلم والسلام.
وما أروع كلمة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) التي قالها لأهل مكة حينما سألهم: ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم، وابن أخ كريم. قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، بل إنه قال قبل ذلك: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن».
والذي ينبغي علينا الاستفادة منه ونحن أمة التوحيد التي تتمسك بكتاب الله (عز وجل)، وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) أن تكون خطواتنا كلها على خطى الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فهو القدوة والأسوة، وهو القائد والرائد، وهو المثل الأعلى لكل المسلمين (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، (من يطع الرسول فقد أطاع الله)، (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).
وإن القيم الإسلامية الرائعة التي تجلت في وقائع الفتح الإسلامي لمكة كانت كثيرة، ومن أبرزها الرحمة التي هي من طبيعة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) وخُلُقه، فهو كما قال عنه ربه (بالمؤمنين رؤوف رحيم)، وعلى ضوئها كان العفو والإحسان إلى من أساء إليه التزامًا بتوجيه الله تعالى له (ادفع بالتي هي أحسن)، فإن من شأن هذا الأسلوب أن يستل السخائم من النفوس، ويعيد الصفاء إلى القلوب، ويقطع دابر الشقاق؛ لأنه هو الأسلوب الحكيم في معالجة العلل والتصدي للمشكلات والبحث عن الحلول الناجعة لها.
نسأل الله تعالى أن يجمع كلمة المسلمين جميعًا على الحب والخير، وأن يسدد خطاهم جميعًا إلى ما فيه صلاح الدين والدنيا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
المصدر
- مقال: فتح مكة موقع العقيل ابومصطفي