عودة الوعي
بقلم : صادق أمين
(24/08/2014)
الفاعلية تكون أقوى في الوسط الذي يتيح أقوى الدوافع و أقوم التوجهات و أنشط الحركات و هو مالم توفره أوساط مؤيدي الانقلاب لأبناء الصف الدعوي الثوري كي يتعامل معهم لكسب تعاطفهم و توعيتهم و حشدهم لكسر الانقلاب.
فقد أصبحت الدوافع تجاهم فاترة، خاصة و أنهم _ مؤيدي الانقلاب_ في غالبيتهم ببغاء عقله في أذنيه، علاوة على سلبيته التي تنمو فيه يوماً فيوماً، و ما زالوا يعيشون في أبخرة الدعاية الفاجرة التي صورت المجرمين أبطالاً و جعلت من عباد الله الاتقياء مجرمين و قتلة.
مما يدعونا إلى إعادة النظر للخروج من هذا المأزق؛ لنقوم بواجباتنا الدعوية و الثورية مهما كانت الظروف؛ لتوعية و تفعيل المجتمع و حشد جهوده؛ لنكون جميعا على قلب رجل واحد لكسر الانقلاب و العودة بالمسار الديمقراطي و الإعداد لمرحلة ما بعد الانقلاب.
و لنا في رسولنا النبيل أسوة حسنة؛ فقد عامل قومه حتى في أقسى أوقات الصد عن سبيل الله و ما يئس لحظة من هدايتهم، فها هو يوم الطائف _ و ما أدراك ما يوم الطائف _ يأبى الانتقام بقوله ( عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يشهد ألا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله )، و يوم أُحد يدعو ( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون )، و يكفكف دمه خوفاً عليهم و يقول ( لا يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم ).
بل إنه _ عليه السلام _ قد أمر بحبس أسرى بدر في بيوت الأنصار المفعمة بالإيمان و الحب و الإيثار كي يعايشوا أهل الإيمان و يبلوا أخلاقهم و أثر الدين الجديد على حياتهم و سلوكهم، و قد كان ما هدف إليه رسول الرحمة إذ آمن الأسرى و كان من جملة ما عللوا به إيمانهم (رحم الله إخواننا الأنصار؛ كانوا يؤثروننا بالخبز )، و عقب رسول الله ( عجبا لرجال سيقوا إلى الله في السلاسل ).
الشاهد أنه بالممارسات الإيمانية و الأخلاق الإسلامية انقشعت سحب العداوة و المفاهيم المغلوطة؛ وأدركوا مدى الجرم الذي اقترفوه في حق أنفسهم و صدق الله ( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك و بينه عداوةٌ كأنه وليٌ حميم ).
و هذا ما ينبغي علينا فعله، أن نعاود الاتصال بالمجتمع مهما أصابنا منه في هذه الظروف التي نمر بها و أن نوجه أنظارنا إلى الواجبات الدعوية التي يجب ألا تغيب عنا مهما كانت الظروف؛ فهي واجبات فردية على مسار حياتنا المعيشية يمكن أداؤها دون تكلف من وقت أو مال، و دون تعارض أو مزاحمة لواجبات الحشد و المشاركة في فعاليات عودة الشرعية، بل هي تصب لصالح المشروع الإسلامي و واجب اللحظة في الدفاع عن الحرية و العدالة و الكرامة الإنسانية.
ومن التجارب العملية التي قام بها أخ فاضل؛ كي يصل بأحد مؤيدي الانقلاب الشرسين نقاشاً و تبريراً إلى عودة الوعي، أن جاء إلى صاحبنا هذا بما لديه من مال، فتعجب الرجل و تساءل لم ؟!!!!
قال: لأنني اعتقلت من قبل و أثناء مداهمة البيت استولوا على كل ما وقع تحت أيديهم من مال و أشياء أخر، و أنا كما تعلم أريد أن أنفق على بيتي و لا آمن عدم عودتهم، لذا أستودعك هذا المبلغ على أن آخذ منك يوماًبيوم ما يكفيني، و إن اعتقلت ترده إلى أهلي.
فما كان من صاحبنا إلا أن فغر فاه و استرجع و حوقل و أرغى و أزبد حنقاً على الانقلاب و أزلامه، و لا شك أنه قام بعد ذلك بنقل ما آلمه إلى من حوله من دوائر اتصال.
هذا النموذج يمثل طريقة كيف تقدح شرارة الفهم الأولى لإنارة الطريق و وضوح الرؤية و إشعال الحراك الثوري لحرق الانقلاب بتوسيع دوائر الرفض و عودة الوعي الذي سينمو يوماً بعد يوم خاصة في ظل نظام انقلابي أحمق و متعجل بما يقرره و يفعله بالناس يومياً.
وأُذكر بما كتبته في المقال السابق : و إذا كان الباطل ـ و الكلام للشيخ الغزالي ـ يبذل جهودا مضنية؛ فإن على حملة الحق أن يكونوا أطول نفسا، و أشد غيرة، و أرسخ قدما؛ و يوم يعرف الشعب الحق سيبادر إلى قبوله و إِنْ تريث إلى حين؛ لأن الاقتناع الحر أساس النجاح؛ و هذا يقتضي جهادا طويلا من العناصر الثلاثة التي أحصاها القرآن في دعوته: الحكمة، و الموعظة الحسنة، و الجدال الهادئ الرفيق، و الزمن جزء من العلاج؛ فليس من العقل أن تبذر اليوم لتحصد اليوم !).
المصدر
- مقال:عودة الوعي موقع:نافذة مصر