عوائـق في طريق الدعوة

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
عوائـق في طريق الَّدعْـوةِ

بقلم الدكتور / علي محمد جريشة


محتويات

مقدمة الكتاب

*هذه دراسة كانت بحاجة إلي مجموعة علماء :

تشخص الداء ، وتضع الدواء ..., لأنه مستقبل دعوة ، ومستقبل أمة ، أقول ذلك اعتذارًا مسبقًا عن عجز وقصور سوف يلمسه القارئ ودعوة لأن ينفر لهذه الدراسة من بعدي من أحسبهم خيرًا مني ...!.

•بيد أني حاولت ... حاولت أن أجد الطريق وسط ظلمات بعضها فوق بعض ...!. وحاولت أن أسمع النداء ... وسط صرخات ، وآهات ، وأنات ، وآلام !. وحاولت أن أرسم ... وسط ... الصواعق ، والزلازل ، والمحن ..!.

*وهذه فصول خمسة :

الفصل الأول : عن واقع الدعوة المعاصر .

الفصل الثاني : يتناول الأكابر .. من هم ؟ ماذا يفعلون ؟ ماذا نفعل بهم ؟

الفصل الثالث : يتناول الأصاغر .. مواصفاتهم ، ماذا يفعلون ؟ ماذا نفعل بهم ؟

الفصل الرابع : يتناول القوى الكبرى .. كيف صارت ؟ كيف يمكن أن تواجه ؟

الفصل الخامس : آلام وآمال ... آلام هي حصيلة ما سبق ، وفوقها حصيلة ما يعاني الصف ، وحصيلة ما يعاني المجتمع ... وآمال لنا في الله ، ثم في سنته الكونية ، ثم في دعوته وأبناء دعوته .

•ويأتي الختام وأعترف .. لقد وقفت فيه عاجزًا إلا في نقاط سبع جعلتها بمثابة ( العناوين ) ، وتركت لذوي الألباب أن يضعوا تحتها التفاصيل .

وبعدُ ... ، فهل يُعفي الكاتب اعترافه بعجزه وقصوره ؟ إن كان ذلك ... فحمدًا لله علي فضله وعفوه .

وإن كان غير ذلك فلا أزال أقف علي الأعتاب أسأل الله الفضل والعفو .

الفصـل الأول

واقع الدعوة المعاصرة

•تقدمة

لا أود في هذا المكان أن أكرر ما قلته في مكان آخر ، لكن أود أن أسجل شيئًا عن ملامح الوضع الدولي الجديد ، وأن أسجل شيئًا عن واقع العالم الإسلامي ، وأخيرًا شيئًا عن واقع الدعوة ... والله المستعان ، وعليه التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .


المبـحث الأول

الواقع الدولي الجديد :

ماض قريب

عاش العالم واقعًا دوليًا .. يتحارب فيه ، ويتنافس في استلاب خيرات الدول الضعيفة ، ويغتال حريتها واستقلالها وحرماتها ... وغاص في ذلك قرنين أو يزيد !

ثم شاء الله أن تولد (الشيوعية) ، وأن تكون لها دولة أو دول ، وأن تشكل حلفًا أو أحلافًا ، وأن توجد في مقابلها ( الرأسمالية ) تقليدية أو مُشَذبة ، وأن تصطف هي الأخرى في حلف أو الأحلاف .. وأن تتنازع النفوذ مع الأولي فيما أسمي بـ ( العالم الثالث ) أو ( الدول النامية ) وكان أولي أن تسمي بـ ( الدول النائمة ) .

وخاض العالم خلال قرن حربين طاحنتين .. راح فيها ملايين القتلى ، وملايين الجرحى ، وملايين وملايين أخري من الخسارات المادية ، والخراب العمراني ! . وخلفت هذه الحرب الباردة بين المعسكرين الجديدين ... يتربص كل منهما بالآخر ، وينتقد كل منهما الآخر ، ويتنافسان علي النفوذ وعلي المكاسب ! وبين الحين والحين ، وخلال النصف الأخير من هذا القرن سخنت الحرب الباردة أكثر من مرة ، حتى كادت أن تصل إلي حافة الهاوية ؛ لتهدد العالم بفناء ، تستخدم فيه أحدث أسلحة الفناء ( الذرية والهيدريجونية ، والصواريخ العابرة للقارات ) . ومنذ عقدين بدا أو بدأ تقارب بين المعسكرين . ومنذ عقد بدأت معاهدات الحد من الأسلحة .

وأخيرًا تهاوت الشيوعية في معاقلها الأوروبية ... ثم في معقلها الأصلي ( الاتحاد السوفيتي ) .

سقوط الشيوعية

- لئن كانت الحرب العالمية الأولي (1914-1918 م) ، وظهور دولة شيوعية (1917) ، وسقوط الخلافة الإسلامية (1924 م) هي أهم أحداث الربع الأول من القرن العشرين .

- وكانت الحرب العالمية الثانية (1939-1945) ، وميلاد الأمم المتحدة (1945 م) ، وسقوط فلسطين (1948 م) ، وتنامي قوة الولايات المتحدة الأمريكية هي أهم الأحداث الربع الثاني .

- وكان سقوط الاستعمار التقليدي ، وتحرر أكثر البلاد الواقعة تحت سيطرته ، وقيام المعسكرين المتنافسين ( الاتحاد السوفيتي وما يتبعه ، والولايات المتحدة الأمريكية وما يتبعها ) ، ونشوب الحرب الباردة بينهما هي أهم أحداث الربع الثالث .

- فإن سقوط الشيوعية هي أهم أحداث الربع الأخير من هذا القرن ، وقد سبقه تقارب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي .

- وبدأ السقوط في شرق أوروبا ، ثم تلاه سقوط جدار برلين واتحاد الألمانيتين .

- ثم تداعت الأحداث في الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينات حتى ثم سقوط الشيوعية هناك ، وهوي معها تمثال مؤسسها ( لينين ) .

- ولقد يكون لـ (يقظة) الشعوب دَخْلٌ في هذا السقوط ، خاصة مع مضادة الشيوعية للفطرة .. في إلغائها للملْكية ، وإزرائها بنظام الأسرة .. ثم سائر قوانينها التي ترفضها الفطرة السليمة .

- ولقد يكون للمعسكر المقابل دخل في هذا السقوط ، خاصة وأن السقوط بدأ في أرضه أولاً ( أوروبا ) .

- مع ما نعلم من أن الغرب كان يشكل أحيانًا بعض الأحزاب الشيوعية ؛ لتحقيق أهداف مرحلية ، وقد يكون من بيتها ضرب الشيوعية نفسها ! .

- لكن سببين – في ظننا قد يغفلهما الكثير – هما السبب الرئيسي في سقوط الشيوعية ، خاصة في معاقلها ( الاتحاد السوفيتي ) .

أما السبب الأول :

فهو جهاد الأفغان .. الذي أسقط هيبة الاتحاد السوفيتي كدولة كبرى ، وأظهره هشًُا ، غير قادر علي دحر شعب بسيط ، مجرد من أكثر أسباب القوة الحديثة .


أما السبب الثاني :

وهو ما نقدمه علي الأول لكنا بالأول ابتداء ترتيب لا ابتداء أهمية ... كان انتقام الله لدماء المجاهدين الأفغان ، ومن قبله لدماء مجاهدي بخاري ، الذين قاوموا الغزو الروسي الشيوعي علي مدي عشر سنوات ، لا تمتد إليهم يد المساعدة من أحد ! .

وإذا كان الله سبحانه قد علمنا في كتابه أنه لا يضيع صلاتنا بقوله : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم ) ، فإننا نقول : من باب أولي ما كان ليضيع جهادنا وهو ذروة سنام الإسلام . وإذا كان زوال السموات والأرض أهون علي الله من قتل امرئ مسلم بغير حق .. فكيف بقتل عشرات الآلاف .. بل مئات الآلاف في بخاري وفي أفغانستان ! . حقًا إن الله عزيز ذو انتقام ! وقد أدي سقوط الشيوعية إلي حدث هام تامٍ لذلك أو مصاحب له :

تفرد الولايات المتحدة الأمريكية بالقطبية الدولية

سواء أسهمت أو لم تسهم .. فقد أفادت من النتيجة ، وبلغتهم .. فإن التوازن الدولي الذي كان قائمًا بين قوتين دوليتين أصابه الخلل .. بعد سقوط إحداها وتفرد الأخرى بالنفوذ ولئن كنا نتوقع للولايات المتحدة سقوطًا ذريعًا وسريعًا بإذن الله إلا أننا ينبغي أن نشير إلي الحدث ، وأن نبين نتائجه ، وكيفية مواجهته ، حتى يتم السقوط بإذن الله .

وحدة أوروبا بعد وحدة الألمانيتين

تزامن سقوط الشيوعية مع حدث خطير من أحداث هذا القرن العشرين ، وهو وحدة أوروبا ( اقتصاديًّا ثم سياسيًّا ) ، وهو أمر سعت إليه الدول الأوروبية من خلال النظر إلي مصلحتها في هذا التكتل إزاء التسلط الأمريكية ، أو محاولة التسلط الأمريكي ، مع الإمكانات الاقتصادية والبشرية والسياسية للولايات المتحدة الأمريكية . فيما بينها ، ثم انتهاء إلي الاستفتاء علي وحدة سياسية واحدة ، مع توحيد العملة فيما بينها .

وواكب بذلك سقوط جدار برلين بين الألمانيتين ، ثم إعلان الوحدة فيما بينهما ، بعد إعلان روسيا انسحاب جنودها من ألمانيا الشرقية ! . ولئن كانت الوحدة الألمانية مهيأة الأسباب ، لما كان في الفصل بينهما من افتعال صنعته الخلافات والانقسامات بين الخلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الثانية – لئن كان ذلك هو الوضع بالنسبة لألمانيا فإن وضع أوروبا مغاير تمامًا ....

ذلك أن القوم وإن جمعت بينهم روابط يمكن أن تقوم معها وحدة ، فإن عناصر الخلاف وجذوره ربما كانت أقوي ! . ولا نتوقع كثيرًا لهذه الوحدة أن تعيش أو تدوم .

أحداث تترى

هل يذكر العالم الإسلامي أحداث قرنه الرابع عشر ( وتقريبًا قرنه العشرين ) .

في بدايته .. كان إسقاط الخلافة .. وهو حدث جلل ! وقريبًا من منتصفه كان إسقاط فلسطين ... وهو حدث جلل كذلك ! . ومن بعدها كان سقوط العالم الإسلامي – إلا ما رحم ربي – في أيدي ( دكتاتوريات ) عسكرية أو مدينة .. لكن أغلبها كان عسكريًا ، ليذوق المسلمون علي أيديهم ما لم يذوقوه علي أيدي الاستعمار الحاكم قبل ذلك . ومع ذلك الأحداث كان تنامي الصحوة الإسلامية المباركة ، حتى أشرفت علي التمكين في بلاد إسلامية عديدة ، لكن مؤامرات الخارج والداخل تعاونت علي الإثم والعدوان ، ومحاولة إطفاء نور الله ! ونلمس هذه الأحداث بشيء من الإجمال يسلط الضوء علي أهميتها وخطورتها وآثارها .

1 – إسقاط الخلافة :

لم يقع من بعد وفاة رسول الله صلي الله عليه وسلم .. أخطر من الحدث ..

- لقد هز موت الرسول الحبيب القلوب .. حتى اهتز إيمان واحد كعمر ! فقال : من قال : إن رسول الله صلي الله عليه وسلم مات قتلتُه بسيفي .. فوقف الصديق رضي الله عنه يثبت الإيمان لعمر وأمثال عمر .. فقال قولته : من كان يعبد محمدًا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حَيٌّ لا يموت .

- وقالت فاطمة بنت محمد صلي الله عليه وسلم : أبتاه ، أجاب ربًّا دعاه .. إلي جبريل ننعاه . ثم قالت بعد أن دفنوه : أطابت أنفسكم أن تحثوا علي وجه رسول الله صلي الله عليه وسلم التراب ؟! .

- وذهب الصديق ومعه عمر – رضي الله عنهما – يزوران حاضنة رسول الله صلي الله عليه وسلم فإذا بها تبكي .. فقالا لها : ما يبكيك وقد انتقل إلي مكان أفضل ؟ قالت : إنما أبكي انقطاع الوحي ! .

ومع هذا الحدث الجلل .. الذي هو القلوب ، فقد انشغل الصحابة عن دفن الجثمان الحبيب – وهو عليهم جد عزيز بتقرير أمر الخلافة ، واجتمعوا في سقيفة بني ساعدة ، وقامت الخلافة بعد اختلاف بسيط أملته اجتهادات ، أو أملته طبيعة البشر في الاختلاف .

وانعقد بذلك الإجماع علي وجوب الخلافة . وظل هذا الإجماع جيلاً .. بعد جيل .. أكثر من ألف عام حتى كان التآمر علي إسقاطها علي نحو لا يتسع المجال لسرده .

لكن من المهم هنا أن نقرر الحقائق التالية

أ‌-أن التآمر الخارجي – برغم ضعف المسلمين – لم يكن قادرًا علي إسقاط الخلافة ، كما لم يقدر من قبل إبان الحروب الصليبية علي إخضاع العالم الإسلامي ! .

ب‌-أن التعاون الداخلي ، وبعبارة أخري الخيانة .. لله ولدينه وللمؤمنين هي التي أسهمت بالنصيب الأكبر في إنجاح التآمر .. وكان ذلك عملاً بوصية لمؤتمر للتبشير انعقد من قبل ( إن الشجرة لابد أن يقطعها أحد أعضائها ... ) . ومن ثم كان اختيار ( الخائن ) مصطفى كمال الذي تسمي زورًا بأتاتورك ، ومعناه ( أبو الأتراك ) هو ذلك الاختيار الخبيث ! .

ت‌-أن الحادث الأليم لم يأخذ مساحته الواجبة من تفكير المسلمين ومن رد فعلهم ، وإن أخذ مساحة كبيرة من عاطفتهم وشعرهم فبكي الكثير ، وتباكي الكثير .. ولكن مضت المؤامرة إلي غايتها ، ولا تزال حتى اليوم محروسة .

2– سقوط فلسطين :

كان هذا هو الحدث الثاني الذي هز العالم الإسلامي بعد سقوط الخلافة ، ولئن مضي بينهما ربع قرن .. إلا أن الرابط بينهما قائم حتى ليمكن أن نقول : إن إسقاط الخلافة كان لازمًا لإسقاط فلسطين ، وهو ما باح به مفكر روسي من قبل السقوط بما يقارب نصف قرن ! ربما من خلال قراءة الأحداث ، ربما من خلال الاطلاع علي البروتكولات ، ربما كان قرارًا من قرارات مؤتمر بال (1897 م) الذي قرر قيام دولة لليهود علي أرض فلسطين خلال خمسين عامًا.

وفي فلسطين نكتفي بهذه الكلمات إن شاء الله

1 – إن إسقاط ، ثم زيادة المساحة المحتلة إلي أضعاف كثيرة خلال عامي (1956،1967) – لم يكن فقط راجعًا إلي تخطيط اليهود ومثابرتهم علي إنجاح التخطيط ، وليس كذلك راجعًا فقط إلي التآمر الخارجي من قبل دول الاستعمار : بريطانيا ، في فرنسا ، وأمريكا ، وروسيا ، بل راجع كذلك إلي الخيانة الداخلية التي كشفت بعض الكتابات العلمية عنها ..

2 – إن المؤامرة لا تزال مستمرة .. لمحاولة تثبيت أقدام اليهود في فلسطين ، وأنها قد اتسعت مساحتها ، وتعددت عناصرها وأبطالها ، وانتقلت من دور الاستخفاء والاستحياء إلي دور الظهور والتبجح .. تحت أسماء وشعارات عديدة !

3 – إن طريق العودة إلي فلسطين .. لن يكون من خلال المحافل الدولية .. التي لم يستطع يومًا أن تفرض علي اليهود تنفيذ قرار واحد ! ولن يكون من خلال الاستعانة بالدول الكبرى ؛ لأنها ضالعة مع اليهود في التآمر ، والاستعانة بمثلها كمثل المستجير من الرمضاء بالنار !

ولن يكون من خلال أنظمة حاكمة تقف اليوم حارسة لحدود اليهود من أن يفتحها مجاهدون سموهم بالمتطرفين ، أو بالمتطرفين ، أو وصموهم بالإرهاب ! إنما سوف تكون من خلال من ذكرهم الله في كتابه ، وذكرهم رسول الله صلي الله عليه وسلم في حديثه ، ونراهم اليوم بعين الحقيقة لا بعين الخيال ، وإن الطريق إلي فلسطين لابد أن يمر بعواصم أربع أو خمس قبل أن يصل إلي القدس بإذن الله ! .

3 – حرب الخليج وحرب البوسنة : وبينهما عام واحد أو عام وبضع عام ! وهو في عمر الدول قصير وقصير جدًّا ، ومع ذلك ضعفت ذاكرة العالم فنسيت أو تناست ! . تناست ما تم في الخليج .. وما حدث في البوسنة بالمشاركة أو المباركة ، أو التآمر وتوزيع الأدوار .. ولسنا بصدد سرد للأحداث .. فليس المقام سرد ، ولكنا بصدد تسجيل ظاهرة زيف الشعارات ، وسقوط الأقنعة ، وظهور المخالب والأنياب ! .

4– تنامي الصحوة المباركة :

كتبت عن الصحوة في غير هذا المكان لكنا نود هنا أن نؤكد :

أ – أن تنامي الصحوة هو تقدير العزيز العليم ، ومن ثم فلا قبل لقوة أن تجتثها أو تنهيها ... إلا أن تتطاول هذه القوة إلي قوة رب العالمين فتردد ما قاله فرعون الأمس ( يا هامان ابن لي صرحًا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلي إله موسي وإني لأظنه كاذبًا ... ) ومعلوم نهاية فرعون الأمس ، وبها نبشر فراعنة اليوم : ( فكذب وعصي ثم أدبر يسعي فحشر فنادي فقال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولي إن في ذلك لعبرة لمن يخشي ) .

ب- أنه لا خوف علي الصحوة من الخارج ، ولو تعدد التآمر أو تمدد ؛ لأن قوة الله لها حامية ! وعنها مدافعة إن شاء الله : ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور ) ، ( فإما تذهبن بك فإنا منهم منتقمون أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون ) ، ( ومكروا مكرًا ومكرنا مكرًا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ..) .

ج – لكن الصحوة تحتاج من الداخل :

1– استواء الصف ، فإن الله لا ينظر إلي الصف الأعوج : ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًّا كأنهم بنيان مرصوص ) و ( إن الله مع الذين اتقَوْا والذين هم محسنون ) ( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) لنتعاون علي إقامة الأصول ، ثم لنختلف أو لنجتمع بعد ذلك حول الفروع . لنتعاون حتى ندحر الكفر والكافرين ، والظالمين ثم : ( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون إن في هذا لبلاغًا لقوم عابدين . وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) .

2 – خلوص النية لله ، وابتغاء وجه الله ؛ لأن الله هو الناصر ، وهو الذي بيده الأمر كله ، ولن ينصرنا إلا إن ابتغينا وجهه ، وإلا إن حكمنا شرعه : ( إن تنصروا الله يَنْصُرْكم ويثبتْ أقدامكم ) .

3 – حسن التخطيط ، وحسن التنفيذ ، فالتخطيط رأس الإعداد ، ولابد أن نبلغ فيه غايته : ( وأعدوا لهم ما استطعتم ..) أي : أقصي استطاعة لكم ، ومعها : ( وأحسنوا إن الله يحب المحسنين ) ، " إن الله كتب الإحسان في كل شيء ؛ فإذا قتلتم فأحسنوا القتْلة .. " .

الفصـل الثاني

مع الأكـابر .. !


تقدمة

( وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون ) . هؤلاء الأكابر .. ما صفاتهم ؟

ما يفعلون ؟

ما نفعل بهم ؟

هذه نقاط ثلاث نتناولها بمشيئة الله ، وإن كنا قد أفردنا لهم بحثًا مستقلاً بحمد الله .


المبـحث الأول: صفـات الأكـابر

صفـات الأكـابر :

- ونلجأ هنا إلي السنة التي جاءت تبيانًا للقرآن .

- ومع الروايات المتعددة لحديث حذيفة بن اليمان الذي يشرح : " دعاة علي أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها .. " .

فإننا نجّمع هذه الصفات في ثلاث بإذن الله

1 – أمراء ... من جلدتنا .

2 – يدعون إلي جهنم .

3 – لهم قلوب الشياطين في جثمان إنس !

1 – أمراء من جلدتنا ويتكلمون بلساننا :

أما أنهم أمراء فقد أخذناها من رواية لمسلم (رضي الله عنه) يصفهم رسول الله صلي الله عليه وسلم بأنهم : " أئمة لا يهتدون بهداي " . واستخدام الأئمة جاء في القرآن والسنة تعبيرًا عن (القيادة) . ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ) ( ونريد أن نَمُنَّ علي الذين استُضْعِفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) وفي مقابل ذلك : ( وجعلناهم أئمة يدعون إلي النار ويوم القيامة لا يُنصرون ) فأول صفاتهم أنهم أمراء ، أو أئمة ... يعني أنهم يتولون أمور المسلمين .. وإن كان الظاهر أنهم لا يلتزمون الإسلام : " لا يهتدون بهداي " .

لكنهم ينتسبون إليه بدليل قوله صلي الله عليه وسلم : " من جلدتنا ويتكلمون بلساننا " . وأيا كان التأويل الذي يذهب إليه البعض من هذه الصفة ، إلا أن أحدًا لا يستطيع أن ينكر نسبة هؤلاء الأئمة أو الأمراء للمسلمين .. وأقصي ما يقال : إنهم لا يلتزمون ولكنهم مع ذلك لهم بالمسلمين نسب ، وبعبارة أخري لهم مع المسلمين ... انتماء لا التزام ! .

2 – يدعون إلي جهنم :

ذلك من الحديث ، ومن القرآن : ( وجعلناهم أئمة يدعون إلي النار ... ) فهم أيضًا دعاة .. كالدعاة

لكن ليسوا سواء ! كما قال عمر لأبي سفيان يوم غزوة أُحُد ... حين قال أبو سفيان : أُعُل هبل ، فأمر رسول الله صلي الله عليه وسلم عمر أن يقول : الله أعلي وأجل . قال يوم بيوم بدر . فأمر رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يقول : " ليس سواء ... قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار " ! .

نعم .. دعاة الإسلام .. يدعون إلي الجنة .. ودعاة الكفر والفسوق والعصيان .. يدعون إلي النار .. ومن قبل كان فرعون كذلك .. ومعه هامان ، وقارون ، ومعهم جنوده . وهم يدعون إلي النار بأكثر من سبيل

أ – بقيادتهم لشعوبهم في طريق الشيطان :

( يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود ) .

ب- تسخير إعلامهم لإضلال الشعوب :

ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون ) .

( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا ... ) .

ج – تبديل نعمة الله كفرًا وإحلال قومهم دار البوار :

( ألم تر الذين بَدَّلَوا نعمة الله كفرًا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم ... ) .

أما كيف يبدلون نعمة الله كفرًا ؟ ... فإنهم يستخدمون ما منحهم الله تعالي في غير ما خلقه الله له .. فالقوة .. لإذلال المستضعفين ، وتعذيب الصالحين . والمال .. ليس لنشر دعوة الله ، ولا للفقراء والمساكين ، ولا لالجهاد في سبيل الله .. وإنما في الشهوات وللشهوات ، وتأييد الكفر والكافرين . والعلم .. ليس بلوغًا إلي تقوي الله عز وجل ، ولا لخدمة المسلمين ، ولا لتعليم الجاهلين .. وإنما للإفساد في الأرض بوجوه كثيرة .. وهكذا .

وتتبدل هذه النعم التي أنعم الله بها كفرًا .. ويحلون قومهم دار البوار .. يقودونهم إلي جهنم وبئس المصير .

3 – لهم قلوب الشياطين في جثمان إنس : وهنا تبدو روعة البيان النبوي .. الذي أوتي جوامع الكلم ، والذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي .

لقد كنت أسأل نفسي كثيرًا ...

-لِمَ تتحجر قلوب ( دعاة جهنم ) فلا يحسون ما تعانيه شعوبهم .

-ولم تتحجر أكثر .. فيستعذبون العذاب لشعوبهم .

-ولم تتحجر أكثر وأكثر ، فيعلمون لحساب العدو أكثر مما يعملون لحساب الشعوب التي رفعتهم فوق رؤوسها.

-ولم تتحجر أكثر وأكثر .. حتى يذهب أحدهم ليشهد عذاب امرأة مؤمنة تُعذَّب في سبيل الله !

أعرف أن القلوب إذا تحجرت افتقدت المشاعر .. فاستوي عندها الخير والشر ، ولم تستشعر آلام البشر ... لكن لا أعرف أن الحجارة تؤثر البشر علي الخير ، أو تستعذب العذاب لغيرها ، أو تتشفي في الضعيف الذي لا يملك من الأمر شيئًا ، لكن قلوب الشياطين أسوأ .. هي بلا شك أشد قسوة ... بل هي – وحدها – التي تؤثر الشر علي الخير ، وتحب العذاب لغيرها وتسعد لهذا العذاب ... لذا وجدت البيان النبوي يصور هذا المعني أروع تصوير ! ولك بعد ذلك أن تفسر ما يقع من الأكابر ! هذه عجالة عن أهم صفاتهم ، حاولنا أن نتلمسها من البيان النبوي الكريم .

المبـحث الثاني

ما يفعلـون :

صعب أن نلم بكل ما يفعلون أو أن نجد له التفسير .. لكنا بإذن الله سنحاول أن نضع تصورًا لتخطيطهم ؛ علنا نضع الخطوط الرئيسية لما يفعلون .

أولاً : تبعيتهم

برغم أنهم يبدون (كبارًا) أو (أكابر) أو (قممًا) تجتمع وتنفض .. إلا أن الحقيقة الأولي المؤلمة .. أنهم (أتباع) رضوا بهذه التبعية . ولقد كانوا حريصين منذ بضعة عقود علي إخفاء هذه التبعية ، لكنهم لم يعودوا حريصين علي ذلك ؛ إما لأنهم وجدوا في تبعيتهم ( للعظام ) عظمة ! . أو لأنهم فقدوا الحياء الذي كان يحدُهم إلي الإخفاء . أو – أخيرًا – لأنهم شعروا بافتقاد قيمة هذه الشعوب لعجزها عن التغيير .. فهم ينظرون إليهم أنهم (قطعان) .. عبيد لإحساناتهم ! .

- وفي مكان آخر شبهتهم تشبيهًا .. هو القريب من الحقيقة والواقع ، لكنه من ناحية أخري قد يكون غير مناسب لكتاب علمي .

- وفي القرآن تشبيهات قد نصح فيهم .. نحيل إليها لمن أراد المزيد .

ثانيًا : إذلالهم لشعوبهم

- عجيب من (الأذلة) أن يُذلُّوا شعوبهم .

لكن يبدوا أن الأمر (نفسي) خارج عن إرادتهم ... إنهم يستشعرون بتبعيتهم الذلة في أنفسهم .. فهم يُنفَّسون عنها بإذلال شعوبهم ... والإذلال قد يتمثل في (قهر سياسي) يفرضونه علي تلك الشعوب ، ويصادرون به حرية تفكيرهم ، بل يلغون به (شخصياتهم) ، ويتمثلون قول فرعون من قبل : ( ما أُريكم إلا ما أري وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ) .

- والإذلال قد يتمثل في جانب اقتصادي يلجأ إليه الكثيرون حين يفرضون (الفقر) ظنًا أن الشعوب بذلك تلهث خلفهم بحثًا عن لقمة الخبز ، وفي ذلك يتبعون حكمة قديمة قالها بعض المستعمرين ( جَوّعْ كلبك يتبعك ) . ومن ثم شهدنا (المصادرة) و (التأميم) وفرض النظم الاشتراكية .. لإفقار الشعوب ، في الوقت الذي ينطلق الإعلام مبشرًا تلك الشعوب بنعيم الدنيا بإتباعها لهذه النظم .

وقد يتمثل ( الإذلال ) في صور أخري : كإظهار الفارق الاجتماعي .. وجاهة ، وألقابًا ، ومالاً . فتبدو العلاقة بينهم وبين شعوبهم في صورة السيد مع العبيد ...

ثالثًا : تحطيم ( القَيِم )

- ولقد يكون تحطيم القيم كراهية لها .. لأن من عرف (الخسة) فإنه يكره (الرفعة) و (العفة) وسائر القيم ...

- ولقد يكون ذلك ظنًا أن تحطيم القيم يجعل الشعوب أكثر طواعية ، وأكثر استسلامًا ، أقرب إلي (القطعان) تقاد بأعواد الكلأ .. !

- فإذا كانت القيم (إسلامية) فإن كراهية (دعاة جهنم) لها أشد ، ألم تر إلي قول الله سبحانه : ( والذين كفروا فتعسًا لهم وأضل أعمالهم ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ) . فهذا فريق كره ما أنزل الله .. لأنه من عند الله .. ؛ لأنه : ( ختم الله علي قلوبهم وعلي سمعهم وعلي أبصارهم وعلي أبصارهم غشاوة .. ) . وكل ذلك لأنهم من قبل : ( كفروا فتعسًا لهم وأضل أعمالهم ... ) .

- وهذا فريق آخر يشارك ذلك الفريق الكفر .. لأنه يطيعه رغم كراهيته ما أنزل الله : ( إن الذين ارتدوا علي أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدي الشيطان سول لهم وأملي لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم ) . وهؤلاء بسلوكهم : ( اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم ).

رابعًا : محاربة الدعوة

يحاول هؤلاء القوم في البداية تأجيل حرب الدعوة ... لكن أول ما يبدو منهم كراهية القيم عامة ، والقيم الإسلامية خاصة ... ولا يلبثون أن يظهر منهم ما تخفي صدورهم ، فيبدءون تضييقًا علي الدعوة .. منعًا من اللقاء والاجتماع والاختلاط بالجماهير ، منعًا من تمثيل هذه الجماهير ، ولو كان وقفًا لما سنوا من قواعد وقوانين ثم لا يلبثون طويلاً حتى تظهر أنيابهم ومخالبهم .. ويحاولون أن يجدوا لذلك المعاذير ..

والقبضة العسكرية تسارع أكثر من القبضة المدنية أما الأخيرة فتحاول تأخير المعركة قدر الإمكان ... علتها تظفر بشيء من الاحتواء الذي ينحرف بالدعوة عن طريقها ، والذي يؤدي إلي تخلي هذا الفريق عن كثير من (التطرف) الذي كان يتسم به . فإذا أقدمت هذه أو تلك علي المعركة ... فإنها تحبها ( غير متكافئة ) ، كما تحبها (خسيسة لئيمة) ، عارية عن المثل والأخلاق والأعراف ، وهم في ذلك يعتبرون الغاية تبرر الوسيلة .. والغاية هي الحفاظ علي (الكراسي) وإن أَسْمِيَ ذلك بغير أسمائه الحقيقية ، وبقتل البعض ، وتعذيب البعض ، وتشريد البعض ، وسجن البعض ، تظن الأيدي الباطشة أنها انتصرت في المعركة ... وأنه لا قيام للدعوة بعد ذلك !.

بيد أنها لا تدرك أمورًا :

- إن الدماء تروي شجرة الدعوة ؛ فتمتد جذورها في الأرض ، وتنتشر فروعها في السماء .

- وإن السجن والتعذيب لا يقضي علي الداعية ؛ بل يمحصه ، ويشحنه ، ويشحذه لمرحلة أخري يكون فيها أصلب عودًا وأوفر يقينًا .. وهكذا يطيش سهم الظالمين ، ويخيب كيدهم ومكرهم .

المبـحث الثالث

ماذا نفعل بـ ( الأكابر ) :


تقدمه

لعل هذا أدق البحوث في هذا الفصل . فما سبق وصف وتحليل وتشخيص . لكن هنا تقرير الدواء ووصف العلاج . ولقد يكون الكثير أدرك (الأكابر) ، وما يفعل الأكابر .. لكن القليل الذي ما يمكن أن نفعل بالمجرمين ، وفي الساحة تجارب .. كتب لبعضها النجاح ، وكتب علي أكثرها الفشل .. .

ونحن هنا أشبه بالجراح يمسك بالمشرط .. يتقي الله أن يقطع ما ليس بحق ،ـ أو أن يفشل في استئصال مصدر الألم ! وقد استخرنا الله أن تكون خطوات ثلاثة :

صبر ....

عدول لهم ....

ثم عدول عنهم ....

أولاً : صبر عرفه الناس

- والصبر هنا ليس صبرًا عن معصية .. فالسكوت هنا هو المعصية ..!

- وليس صبر المقهور المظلوم لا يملك أن يتحرك ، أو يخاف أن يتحرك ...!

- لكنه صبر من نوع جديد .. يتلقي مع ألوان من الصبر .. أخري .

صبر جديد :

- هو صبر الكاره يريد أن يتململ .. لكنه ينتظر ساعة الصفر .

- هو صبر الإعداد .. يُباغت به العدو .. فالمباغتة من عناصر النصر : ( بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون ) .

- هو صبر العازم علي التخلص من إثم السكوت .. ليبرأ ويسلم : " فمن كره فقد برئ ، ومن أنكر فقد سلم ، ولكن من رضي وتابع " .

- وهو يلتقي مع ألوان من الصبر .. أخري .

- الصبر علي الطاعة ... والطاعة هنا هي الإعداد .

- الصبر مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه ... لأن هؤلاء هم عدة النصر الأصيلة بإذن الله .

- الصبر هنا – شأن ألوان الصبر الأخرى – طاقة إيجابية .. تلتقي مع طاقات كثيرة ، تتحرك نحو النصر ، يتحقق فيه " واعلم أن النصر مع الصبر " ويتحقق (ما بين الهزيمة والنصر غير صبر ساعة) .

متى ينتهي هذا الصبر ؟

هو لا ينتهي إن شاء الله ... لكنه يتبدَّل به صبر آخر .. هو الصبر عند اللقاء ! يتبدل به .. ثبات ، وذكر ، وطاعة ، وبُعد عن التنازع ... ثم صبر . وهذه الخمسة تلزم عند اللقاء ولابد من اللقاء ! . لكن قبله مرحلة أخري نشير إليها بإذن الله .

ثانيًا : نعـدل بهم

لم العدول ؟

- صبرنا .. علي غدرهم ومكرهم وإجرامهم .

- واليوم نحاول – قلوبنا تلعنهم – أن نعدل بهم .

- ( وإذ قالت أمة منهم لم تعظونا قومًا الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرةً إلي ربكم ولعلهم يتقون)

- نعم إعذار إلي الله أولاً ...

- بلغناهم الدعوة ...

- حاولنا نصحهم .

- حاولنا أن نأخذ بأيديهم أو بخطامهم .

- ثم لعلهم .. يتولون أو يذكرون .. ( لعلهم يتقون ) .

- لعلهم يدركون : ( واتقوا يومًا ترجعون فيه إلي الله ثم توفي كل نفس وهم لا يظلمون ) .

درجات العدول بهم :

تبدأ هنا القول اللطيف (اللين) وتنتهي بالقول العنيف الأول : يحمل البشير ، والثاني : يحمل النذير ... ثم محاولات الضغوط المختلفة التي قد تؤثر في تغيير الطريق . وكل ذلك تجنبًا للصدام ... لأن للصدام تكاليفه وتضحياته ! .

متى تنتهي من هذه المرحلة :

يقرر ذلك أهل الحل والعقد في الأمة ، فهم الذين اختارهم الله لهذه المرحلة باختيار المجاهدين الصابرين لهم ؛ لأن بلوغ (اليأس) من صلاح القوم لا يستطيع أن يقرره كل أحد ! ومن ثم كانت هذه أمانة في عنق القيادة تتقي الله فيها لحساب القاعدة ، القاعدة العريضة التي تتأهب إلي اللقاء .

ثالثًا : نعدل عنهم

تقدمة :

هذه هي المرحلة الأخيرة ... بعد استنفاد الصبر والإصلاح ما استطعنا ، وهي قدر من قدر الله .. قد نكون له كارهين ، لكنا بإذن الله به مستبشرين وله مستشرفون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ! ( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسي أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم ، وعسي أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) .

ضوابط العدول :

- لا تنتقل إلي هذه المرحلة حتى نستفيد المرحلتين السابقتين ، فينتهي الإعداد مع الصبر .. وتحقق بذلك القدرة علي التغيير ، وننتهي من محاولات العدول بهم ، توفيرًا للجهود وحقنًا للدماء ! . بيد أننا نحاول في العدول بهم محاولات أخري نذكرها بإذن الله تحت مراحل العدول عنهم .

مراحل العدول :

هنا لا نعدل بهم لكنا نعدل عنهم لكنا نحاول ذلك بأقل تضحية .

- فإذا أمكن العدول عنه وحده دون تضحيات فيمن حوله فهو الأفضل .

- وإلا فالعدول عن النظام كله بما فيه ومن فيه ، ثم يبحث العاملون في خط الدعوة علي نياتهم ! .

لفت نظر :

نحن نضع كلمات للدعاة ولا نضع ( خططًا ) للتنفيذ لكنا مع ذلك نلفت النظر .. ألا يستغرق العدول وقتًا ، ليكون بعده التمكين بإذن الله حتى لا يعطي العدو الخارجي فرصة للتدخل ، وحتى لا يستعان بالكافر تحت دعاوى عديدة قد يعطي بعضها الشكل الإسلامي زورًا وبهتانًا ونفاقا وخداعًا لله وللمؤمنين .

ماذا بعد العدول ؟

هو بإذن الله ( التمكين ) . ( وأخري تحبونها نصر من الله وفتح قريب ) لكن لهذا التمكين تبعاته .. لا يغرنا النصر ، ولا تغرنا الدنيا ، ولا يغرنا بالله الغرور . ولا ننقلب إلي حرب فيما بيننا ، بعد أن كنا حربًا علي عدونا فذلك الخسران المبين . وذلك تضييع لثمرة الجهاد ، وخيانة لدماء الشهداء ! والتمكين بداية مرحلة جهاد آخر بإذن الله .

ماذا بعد التمكين ؟

إقامة دولة الإسلام بدعائمها :

إقام الصلاة وإيتاء الزكاةة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

- وإقامة الصلاة رمز لعقد الصلة بالله وتحكيم شرعه .. والصلاة في مقدمته " الصلاة عمود الدين " .

- وإيتاء الزكاة رمز لبناء اجتماعي يقوم علي التكافل .. والزكاة في مقدمته .

- والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رمز لنظام سياسي مبصر يتعاطي المعروف ويتناهي عن المنكر ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أهم وسائله .. وهكذا ....وبعــد

فلقد مشيت علي الأشواك شوطًا ليس بالقريب مذ بدأت أحدد ملامح ( أكابر المجرمين ) ، مرورًا ببيان ما يفعلون ، وانتهاء إلي بيان ما نفعل بالمجرمين .. أو بأكابر المجرمين ... ورغم معرفتنا بهم ، ورغم ترجيحنا أنه لا خير في كثير من نجواهم ، فقد نصحنا بالصبر عليهم ... ثم بالعدول بهم .. بدرجات عديدة . فلما بلغنا العدول عنهم .. اتقينا الله .. حتى لا نلغ في الدماء بغير حق ... فجعلناها أشبه بالجراحة التي يستأصل فيها عضوٌ فاسد .. فإنه يقتصر في الجراحة الماهرة دائمًا علي أضيق نطاق .

وأخيرًا نصحنا بما ينبغي بعد التمكين .. إفادة من تجارب قديمة وحديثة ، وبلوغًا إلي رضوان الله سبحانه بتحقيق أمره : ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور ) . والله نسأل أن يلهمنا الرشد ، وأن يلزمنا التقوى ، وأن يجعلنا أحق بها وأهلها ، وأن يمكن لدينه وجنده في الأرض . والله المستعان .

الفصـل الثالث

أصاغر المجـرمين

ماذا نعني بالأصاغر ؟

- تحدثنا في فصل سبق عن الأكابر ، وأنزلنا عليهم وصف القرآن ، ( وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها .. ) وأنزلنا عليهم وصف السنة كذلك : " دعاة علي أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ... " وفي رواية لمسلم : " أئمة يهدون بغير هديي " وفي روايات أخري : " لهم قلوب الشياطين في جثمان إنس " . بيد أن هؤلاء لا يمكرون وحدهم ! ولا يستطيعون أن يبطشوا بأيديهم .. إنهم أجبن من ذلك ! فلابد معهم ممن هم أخس .. ممن يقبلون أن يبيعوا دينهم بدينا غيرهم ؛ ليكونوا أشد خسرانًا ممن باعوا دينهم بدنياهم ! هؤلاء هم الجلاوزة والشرط .. أعوان الظالمين .

ممن قال فيهم رسول الله صلي الله عليه وسلم : " الجلاوزة والشُّرط أعوان الظلمة ... كلاب النار " . ولقد أدانهم القرآن كذلك مع فرعون وهامان : ( إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين ) .

1– أوصاف الجلاوزة :

- هم ( عبيد ) أسيادهم ! ليس ذلك إطلاقًا أدبيًا .. لكنه إطلاق حقيقي أولاً وشرعي ثانيًا ، أما إنه إطلاق حقيقي .. فإنك إن سألت أحدهم قال لك : إنه عبد المأمور ! فالمأمور يأمر .. وهم عبيد ينفذون ... ! وهو إطلاق شرعي ذكره رسول الله صلي الله عليه وسلم حين قال : " ولكنهم أحلوا لكم الحرام ، وحرموا عليكم الحلال فأطعتموهم ، فتلك عبادتكم إياهم " إن الأمر بلغ حد ( العبادة ) من العبيد ! .

- وهم مثل أسيادهم كارهون : كارهون لرضوان الله .. ومن ثم يُعادونه كما يعادون أولياءه . أسيادهم كارهون لحكم الله كما أنبأ عنهم القرآن :

( والذين كفروا فتَعْسًا لهم وأضلَّ أعمالهم ذلك بأنهم كرهوا ما أنزَلَ الله فأحبط أعمالهم ) .

أما العبيد : ( إن الذين ارتدوا علي أدبارهم من بعد ما تبيّن لهم الهدي الشيطان سوَّل لهم وأملي لهم . ذلك بأنهم قالوا للذين كرِهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسْرارهم ) . ( ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم ) .

ولئن كانت كراهية الأسياد لما نزل الله . فإن كراهية العبيد لرضوان الله .. لأنهم قالوا للأولين : سنطيعكم في بعض الأمر ! قد يكون .. لأن العبيد لا يميزون بين ما أنزل الله ، وما يقوله الأسياد لكنهم يعطونهم الطاعة وهو يعلمون أنهم لا يستحقون .

ومصيرهم مع أسيادهم :

- في الدنيا : يرتبطون بأسيادهم .. فهم يسقطون مع سقوطهم ، ويحاكمون مع محاكماتهم .. بيد أنهم قد يسبقون أسيادهم في السقوط .. لأن أسيادهم يحبون بين الحين والحين أن يمتصوا غضب الجماهير ، ولو ترتب علي ذلك التضحية بهؤلاء العبيد ، وتحميلهم وحدهم ما شاركهم فيه أسيادهم ! وهنا قد يلتقون مع الأسياد في ظاهرة التغيير التي تحدث للأسياد – كما أشرنا من قبل – لكن التغيير في العبيد أسرع وأسهل .

- وفي الآخرة : بشرهم الله بنفس المصير : ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون ) . وقبل في تفسير الأزواج : ( الأتباع ) . ( إذ تبرأ الذين اتُبعُوا من الذين ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب ) ( وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرةً فتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار )

وهكذا يلقي العبيد العذاب مع أسيادهم ويلقون فوقه ( الحسرات ) تُري هل يصحو العبيد ؟ !

2– ماذا يفعلون ؟

يفعلون كل ( خسيس ) عرفه البشر أو لم يعرفوه . بدءًا من المكر والتآمر والإيقاع . وانتهاء إلي الفتنة بالتعذيب . ليحق فيهم ( إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق ) ولن أشغل هذه السطور بما يفعلون . فذلك مكان آخر ! .

3 – ماذا نفعل بهم ؟

وهو سؤالي حيرني طويلاً .

هل الصبر علي إجرامهم يوقف ذلك الإجرام ؟ .

هل مواجهة الإجرام توقف الإجرام ؟ .

هل اللجوء إلي ما يتيحه ( القانون ) .. يحقق القصاص ؟ .

وفي السؤال الأول نغلب النفي ، وفي الثاني نغلب النفي كذلك ، وفي الثالث نغلب النفي كذلك ! .

ولقد يخالفني البعض في الثاني ، لكن الواقع يؤكد ما ذهبت إليه .

- وفي ظني أنه لا شيء يوقف إجرام هؤلاء إلا القصاص الحق الذي قال الله فيه : ( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن والجروح قصاص ) . ... وحتى يمكن ذلك .... ليس إلا ( صبر ) المتربصين ....

( قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربَّصُوا إنا معكم متربصون ) . والله أعلم .

الفصـل الرابع

مع القـوى الكـبرى

تقدمة

.. القوة إن لم يُحطْها حتى أضحت غاشمة ، لا ترعي إلاَّ ولا ذمة ، ولا تعرف معروفًا ولا منكرًا ، تمضي لغايتها ، تبرر لنفسها الوسيلة ، مهما انحطَّت ومهما بَشِعَت ! . فإن كانت القوة كبرى أمست أشد غشمًا ، وأكثر غدرًا ، وأعظم خِسَّةً وبشاعة وجبنًا .. ! والتاريخ شاهد ! والواقع قائم ! فإن تفردت القوة الكبرى .. فكما يتفرد الفرد القوى .. يقول : ( أنا ربكم الأعلى ) ! ويقول : ( ما علمت لكم من إله غيري ) ! ولقد عاني العالم الإسلامي .. خلال القرون الأخيرة من القوة الكبرى .

- حاربته تحت علم الصليب ، وارتكبت من المجازر ما لم يسبق .

- وتواطأت علي استعمار أرضه ، وإذلال شعبه ، وامتصاص خيرات بلاده .. كان ذلك مع السجن ، كل ذلك مع السجن ، والتعذيب ، والتطاول علي الإسلام ، والمنتمين إلي الإسلام ! .

وتقاسمت القوتان العظيمان (بريطانيا وفرنسا) أطراف العالم الإسلامي ، وقطعت أوصاله ووشائجه خلال قرن أو يزيد .. ثم تفردت قوة كبرى .. هي الولايات المتحدة الأمريكية . كنا نظن بها (الرشد) وقد جاءت في أعقاب سقوط الاستعمار (التقليدي) ، ثم سقوط الاستعمار الشيوعي كذلك ! .

وكنا نظن بها (التحضر) وقد جاءت بعد أن بلغت الإنسانية قدرًا كبيرًا من التقدم التكنولوجي ، كما بلغت مبلغًا كبيرًا في المناداة بحقوق الإنسان ، وبمبادئ الديمقراطية .

وكنا نظن بها (عدلاً) .. وقد أعلنته في مبادئ قيامها ( مبادئ ويلسن ) ، ورددته في المحافل الدولية إعلاءً للشرعية الدولية ، ثم تظاهرت بتطبيقه في احتلال صدام للكويت منذ عامين أو يزيد ! لكن الأمر في حقيقته غير ذلك ، وهو ما نحاوله في هذه السطور بإذن الله . ونحاول بإذن الله أن نعرض للماضي القريب . ثم نتناول بإذن الله الحاضر الماثل .. والله المستعان ، وعليه التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

1– الماضي القريـب

الأحداث :

لعبت القوى الكبرى دورًا مؤثرًا في كيان العالم كله عامة ، والعالم الإسلامي خاصة ، ففي خلال القرن التاسع عشر .. تنافست القوى الكبرى علي (استعمار) العالم عامة ، والعالم الإسلامي خاصة ، وحققت أغراضها في ذلك . والتقت حينًا علي تقسيم النفوذ ، واختلفت أحيانًا ، فوقعت بينها الحروب ، وفي خلال القرن العشرين تحقق التقاؤها مرتين . مرة عام 1905 فيما أُسْمِي بالاتفاق الودي الذي وقع بين بريطانيا وفرنسا . ومرة ثانية في اتفاقية سايكس بيكو – التي تزامنت مع إسقاط الخلافة ....

بيد أنها مع أنها تطاحنت مع قوة أخري متصاعدة وهي ألمانيا الاتحادية ، فوقعت معها حربان عالميتان طاحنتان ، الحرب الأولي (1914-1918) ، والحرب الثانية (1939-1945) . وفي كل مرة تحاول أن تفرز شيئًا من التنظيم الدولي الذي يحول دون وقوع الحروب . عصبة الأمم ، ثم هيئة الأمم ، ومعها مجلس الأمن الدولي . ومع نهاية كل حرب تقدمت قوي ، وتأخرت أخري . فبعد الحرب العالمية الأولي تمثلت القوي الكبرى في بريطانيا ، فرنسا ، وأمريكا ، روسيا ( الاتحاد السوفيتي ) .

وانتقلت كل من بريطانيا ( العظمى ) وفرنسا إلي الصف الثاني .. أو الثالث . وبعد سقوط الشيوعية ... . تفردت الولايات المتحدة الأمريكية بالقطبية الدولية ! .

تحليل الأحداث :

أ – حرب صليبية : لم ينس العالم الإسلامي بُعدُ أن الغرب الصليبي أنفق مائتي من عمره يجمع لحرب صليبية ، تستهدف مقدسات العالم الإسلامي ، وقبلها تستهدف دينه وعقيدته ، ولم ينس العالم الإسلامي .. أن هذا ما كان يجمع الغرب علي حربه . لكن .. مع الثورة الصناعية في أوربا .. ومع بدء اختلاف المصالح ، ومع فشل الحروب الصليبية ، وإيقاظها للعالم الإسلامي .. بدأ أسلوب آخر ... يخفي أغراض وأهداف الحروب الصليبية ... ويتخذ معها أهدافًا وأغراضًا أخري ، وهو ما نعرض له في النقطة التالية بمشيئة الله .

ب – استعمار : في ظننا أن القوى الكبرى لجأت إلي أسلوب (الاستعمار) لأسباب عدة :

أولها : فشل الحروب الصليبية التي كانت تجمع القوى الصليبية في جيش واحد ، إذ أيقظت الروح في العالم الإسلامي .. روح المقاومة باسم الإسلام ، ومن ثم كان واجبًا إخفاء الصليب ... مع بقائه في قلوبهم وفي تصرفاتهم !

ثانيها : تعارض المصالح بين القوى الكبرى : فأصبحت كل واحدة تسارع إلي ما تعتقده الأصلح لها دون نظر إلي مصلحة الأخرى ، بل مع التنافس مع مصالح الآخرين ، وأحيانًا بالتحدي لمصالح الآخرين . الأمر الذي أدي إلي وقوع حروب ثنائية ، وحروب عالمية في الوقت نفسه ، لكن ذلك لم يمنع من إمكان التوفيق بين المصالح المختلفة في بعض الأحيان خاصة إذا وجد عدو مشترك (مثل ظهور ألمانيا قوية منافسة مرتين !) .

ثالثها : ظهور ثروات العالم الثالث : حتى عهد قريب لم تكن القوى الكبرى ملتفتة إلي أهمية ثروات العالم الثالث الذي يمثل العالم الإسلامي أكبر مساحة وأهمية فيه ! .

ثم بدأت الأهمية والخطورة تترى ..

موقع ...

معادن ...

أرض زراعية ...

وأخيرًا ... بترول ... !

ومن ثم أثار هذا كله أو بعضه (شهوة) القوى الكبرى للاستعمار ! .

ج – سقوط الاستعمار القديم :

أذن الله للاستعمار القديم أن يسقط . ولقد يكون ذلك انتقامًا من العزيز العليم لما فعله الاستعمار في بلاد العالم الإسلامي خاصة ! ولقد يكون ذلك من سنن الله التي صرح بها في مثل قوله : ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) . ولقد يكون من بعض أسبابه الظاهرة : المقاومة ( الدينية ) و ( الوطنية ) لهذا الاستعمار . المهم أن نصف القرن الثاني لهذا القرن شهد ذلك السقوط فماذا بقي بعد السقوط ؟ .

هل أقلعت ( القوى الكبرى ) عن (شهوة) الاستعمار ؟ هذا ما سوف نتبينه بإذن الله في الموضوع الجديد !

2– الحاضر الماثل

أ – ضعف أوروبا :

ضعفت أوروبا .. سقطت منها مستعمراتها ، تقلصت ميزانياتها ، دخلت حربين طاحنتين خلال نصف قرن من الزمان ، فقدت مواردها من دماء شعوب استعمرتها عقودًا بلغت القرن أو يزيد ! . دب الانحلال بين رجالها ونسائها . تأخرت عن الصف الأول إلي الثاني أو الثالث . واعترفت بالضعف .. وخاطبت الولايات المتحدة الأمريكية أن ترث نفوذها في الشرقين الأدنى والأوسط . وآثرت أن تنطوي علي نفسها ، تلعق جراحها ، وتجتر أجزائها ، وتدفن همومها في السُّكر والمجون والجنون ! .

ب – سقوط الشيوعية :

ونعني بسقوطها هنا تخليها عن الصف الأول ، الذي كانت تتنافس فيه مع القوى الكبرى . وانشغالها بمشاكلها الاقتصادية الحادة ، التي مدت بها اليد تشحذ وتستجدي .. مرة من دول الخليج ، وأخري من الولايات المتحدة الأمريكية والسبعة الكبار .

ج – وخلا الميدان للولايات المتحدة الأمريكية :

فتسنمت القطبية الدولية بغير منازع ، إلا أصواتًا خافتة تصدر ، حاسدة أو حاقدة أو محذرة ، وراحت ترسم استراتيجيتها تحت اسم ( الوضع الدولي الجديد ) أو ( الشرعية الدولية ) واْرتَدَت شيئًا من المبادئ كالتي ارتدتها يوم ولدت سفاحًا علي عهد نيلسون .

د – وأفصحت عن عدائها للإسلام :

في كتابات وتصريحات تناثرت هنا وهناك معتقدة أن المسلمين لا يقرءون ، وربما إذا قرءوا لا يفهمون ، وربما إذا فهموا لا يتحركوا ! .

هـ - وارتعدت فرائص المهزومين :

خوفًا أن يمسهم السوء ، أو أن يقصوا عن كراسيهم . وأبدوا ( منتهي التجارب ) ومنتهي الولاء . وشددوا القبضة علي دعوة الله وجندها المخلصين .. ناشرين شتي الشعارات ( مقاومة الإرهاب ) ، ( مقاومة التطرف ) منع المساس بالوحدة الوطنية . واصطنعوا (أحداثًا) واستغلوا أحداثًا ، واستطاعوا أن يواجهوا بعض الأحداث . ليصنعوا ما لا ينبغي أن يصنعوه .

ز – وتدخلت تدخلاً سافرًا في الشئون الداخلية :

فراحت تخطف رئيس دولة من داخل دولته .

وتقتل جنديًا داخل سجنه .

وتستولي علي مصادر ثروة دولة بل دول .

وتحتل بجنودها أرض دولة أخري تحت دعاوى إنسانيته .

ح – والعالم الغربي يتفرج ، وأحيانًا يريد ويساعد :

وظهر – حتى الآن – أن الغرب بين متفرج أو مؤيد ومساعد ويبدو أن الغرب – أوروبا بالذات – لم تشعر بعد بكيانها المستقل ، ومن ثم لا تزال – كدول متفرقة – تسير مع عجلة السياسة الأمريكية ، وهو ما وضح في أكثر من قضية ، آخرها قضية البوسنة والهرسك ، وربما جمعت المصالح المشتركة بين أولئك والولايات المتحدة الأمريكية .

3– مستقبل ننتظره بمشيئة الله

المستقبل غيب لا يعلمه إلا الله :

لكننا من قبيل الإعداد ، نضع التوقع من خلال الأحدث ، والله المستعان ، ونري – بإذن الله – أن الأمر سيسير وفقًا لسنن الله التي علمنا إياها علي النحو التالي :

1 – تنامي ( القوة الأوروبية ) إلي حين :

إن وحدة أوروبا الاقتصادية ... ووحدتها السياسية بتساقط الحدود بينها وبقيام برلمان مشترك لها ... وربما وحدتها العسكرية ... كل ذلك يؤذن بتنامي قوة أوروبا في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية . ولما كانت المصالح – غالبًا – متعارضة ، ولما كان بدء الوحدة الأوروبية إنما كان بسبب الشعور ( بالطغيان الأمريكي ) ؛ فإن من المنتظر أن تختلف وجهات النظر بين أوروبا وأمريكا خاصة في مجال القضايا والعلاقات الدولية .

2 – تنامي القوة الألمانية :

تنامي القوة الأوروبية إلي حين ... لأنها من الداخل متعارضة المصالح . لكن تنامي القوة الألمانية يمكن أن يستمر متصاعدًا ، سواء بقيت الوحدة الأوروبية أم تفككت ، لتعارض المصالح . ولما كانت ألمانيا بعد وجدتها قد اجتمع لها من القوة البشرية والمساحة الأرضية ما يجعلها – مع تقدمها التقني – مؤهلة لبلوغ ( القطبية الدولية ) .

3– تنامي القوة اليابانية :

اليابان بوضعها الراهن تتفوق اقتصاديا علي الولايات المتحدة الأمريكية . فلدي اليابان فائض سنوي في ميزان المدفوعات يصل إلي حوالي 50 مليون دولار ، في الوقت الذي تعاني الولايات المتحدة من عجز في ميزان المدفوعات ، كما تعاني تضخمًا كبيرًا . وإذا كانت اليابان من بعد الحرب العالمية الثانية ممنوعة من الإنماء العسكري وإذا بدت أو بدأت أخيرًا تتحرك نحو شيء من النمو العسكري السريع . وإذا كان الاقتصاد يشكل في عالم اليوم الفصل الأول . فإن اليابان مؤهلة لبلوغ (القطبية الدولية) في وقت قريب إن شاء الله ... .

الولايات المتحدة الأمريكية ساقطة إن شاء الله :

ليست مجرد (أمنية) ! وإن كان لنا أن نتمنى ، ولنا أن ندعو ، ولنا ما بعد ذلك ( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ) لكن الأمر غير ذلك ... الأمر أمر حق وحقيقة .

- حق ؛ لأنها بلغت الذروة ، وآن لها أن تسقط . ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) .

- حق ؛ لأنها طغت ، وأكد أن نري سنة الله ( وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال فلا تَحْسَبنَّ الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام ) .

- وهو حقيقة ؛ لأنها تحمل عناصر فنائها فهي أولاً ليست الشعب الأصيل .. إنما شراذم جمعت من الآفاق . وهي ثانيًا منحلة أيما انحلال ، يكفينا منه ما نفذه الرئيس الجديد من السماح للشاذين بدخول الجيش . وهي ثالثًا بالقياس إلي شعب كالشعب الياباني ، أو كالشعب الألماني ؛ تعد محكومًا عليها بالفناء بإذن الله . والسؤال الذي يلح : من الوريث ؟! .

من الوريث ؟

- قد تكون الأوضاع الدولية تشير إلي دولة كألمانيا المتحدة ، وقد تشير إلي دولة كاليابان .. بما اجتمع عند الاثنتين من الأسباب .. وقد تكون أوروبا الموحدة إذا قدر للوحدة أن تعيش ..!

لكن إحساسًا يلح علينا لا نخفيه إنه شاء الله . قد يتاح لأوروبا أن ترث القطبية الدولية حينًا من الدهر لكنه بكل تأكيد قصير وقصير جدًّا . ففضلاً عما تحمله أوروبا من عناصر الفناء المماثلة . فإنها تحمل عنصرًا زائدًا هو عنصر التفكك بين دول من الصعب أن تقوم بينها الثقة ... ومن ثم فإن تفككها أسرع ، وسقوطها أشد ! . وقد يتاح لليابان أو لألمانيا المتحدة أن تتسنم واحدة منها أو الاثنتان القطبية الدولية .. لكننا لا نأمل لهما أن يستمرا كثيرًا .

- لكن قوة تتنامي تحت الطرق بالحديد ، والكي بالنار ، أمة تنضج علي نار تحرق ! . ليس تعبيرًا أدبيَّا .. لكنه بكل أسف حقيقة ماثلة . وأمة تنضج علي النار هي أولي الأمم بأن ترث الأرض .

وأمة لها من النور ما لا يوجد لغيرها هي كذلك أولي الأمم وفي النهاية أمة وعدها خالقها وخالق الكون ومدبر أمره .. لابد لوعده أن يكون ! . ( ولقد كتبنا فِي الزَّبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون إن في هذا لبلاغًا لقوم عابدين وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين ) .

الفصـل الخامس

دعوة الله بين الألم والأمل


تقدمة :

ما قدمنا في الفصول الأربعة السابقة ترجح معه كفة الألم . بيد أننا نضيف إليه آلامًا أخري من داخل الصنف ، أو من داخل المجتمع . ومما تقدم – وأثناء التحليل – بصيص من الأمل ، نضيف إليه بإذن الله أمالاً أخري ! .

ونعرض بإذن الله للأمرين .

ثم نكون الخاتمة إن شاء الله .


المبـحث الأول :

آلام :

- تحدثنا عنها في أماكن أخري تحت عناوين أخري . لكننا هنا نصارح أنفسنا و إخواننا .. إنها آلام ، ولم نقل بعدُ إنها أمراض ! .

- وأهمها داخل الصف الإسلامي – في نظرنا :

ضعف ، وتواكل . ,

تنازع ..

استدراج ..

- وأهمها في مجتمعاتنا :

جهل وتجاهل .

بُعد وبلادة .

تحلل وانحلال ..

أولاً : داخل الصف

1– ضعف وتواكل :

والضعف .. قد يكون طبعيًًّا لصدوره عن ضعفاء ! لكنه قد يتأتي عن تقصير وإهمال ... وهنا تكون المسئولية ... ويكون الواجب تقويم التقصير والإهمال . وصور التقصير والإهمال كثيرة .. أدناها جعل أمر الدعوة هو الأخير .. فيكون له فضل الوقت ، وفضل الجهد وفضل المال ! وأعلاها ترك الأسباب (وهو ما نعنيه بالتواكل) ، وعدم الإعداد ودراسة التخطيط .

وقد يصل هذا وذاك حد الاطمئنان إلي الأعداء أو الركون إليهم ، مع أن الله يحذرنا : ( ولا تركنوا إلي الذين ظلموا أنفسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون ) .

2 – تنازع :

والتنازع قد يجري داخل الجماعة الواحدة . أو بين الجماعات المختلفة العاملة في الحقل الإسلامي . والصورتان غالبًا ما يكون دافعها : هوى متبع ، أو شح مطاع ، أو إعجاب كل ذي رأي برأيه . لكنه في الحالة الأولي كثيرًا ما يكون الدافع إليها حب الإمارة ، لكنه يلبس بأشكال الحق والباطل وليس مجرد الخطأ والصواب . وهذا أمر بشري .. يتسلل فيه الشيطان ليوقع بين أخوة الصف الواحد ! .

وعلاجه .. تحرك القاعدة الواعية .. لتنْفَضَّ عمن يثير الفتنة ، ولتلتف حول القيادة الشرعية .. ولقد أطلت هذه الفتنة مبكرًا علي عهد عثمان رضي الله عنه وكان موقف عثمان القوي – رغم تقدم سنه وضعف جسمه – ( لا أخلع قميصًا ألبسنيه الله سبحانه ) وأطلت بعد ذلك علي عهد علي رضي الله عنه . وكان موقف الحسن – رضي الله عنه – الكريم ؛ إذ تنازع لمعاوية رضي الله عنه ، وسمي عام الجماعة . وأطلت ثالثة علي عهد يزيد ، إذ خلع الحسين رضي الله عنه بيعته ، وكان موقف عبد الله بن عمر ...... رائدًا في هذا الموضوع . وهذه مجرد نماذج ، ولكل حَدَثٍ حديث ! .

3 – استدراج :

في فنون الحرب بعد الاستدراج وسيلة من وسائل الخداع للطرف الآخر ؛ لأنه كثيرًا ما يكون مقرونًا بنصب فخ لهذا الطرف حتى يقع فيه .. فيبدو هنا الطرف في بداية أمره منتصرًا ؛ لأنه يمسك بزمام المبادرة ، أو لأنه يتزعم الهجوم .. والطرف الآخر في خبث ينتظر تحركه فإذا تحرك أجهز عليه وهي وسيلة قديمة تتجدد . ومع ما أوتيت النظم من وسائل (التجسس) ، ومع ما أوتيت من إمكانات ( زرع العميل ) ، أو طرق الدفع إلي موقف معين .. فإنها تمارس ( هذه اللعبة ) مع الجماعات .. بقصد القضاء عليها ، أو وضعها في وضع أدبي مهين يقضي عليها (معنويًا) ، أو يقصد تبرير ردّ الفعل الذي يريده النظام ، أو تريده الجهة التي تدير المعركة !! .

ولقد شهدنا بعضًا من ألوان الاستدراج . أجهض في بعض الأحيان (إعدادا) قبل أن تكون ساعة الصفر . أو أجهد جماعة قبل أن يتم لها الاستعداد . أو أوجد الموقف المطلوب الذي يريده النظام . وفي هذه الحالات كانت القيادات (ساذجة) أو (جاهلة) أو تفتقد الخبرة ! والمطلوب .. ألا نستدرج : ( ولا يستخفنّك الذين لا يوقنون ) وعلاجه ( واصبروا إن الله مع الصابرين ) .

ثانيًا : في المجتمعات

مجتمعاتنا التي بقيت رغم المحاولات المبذولة ... حافظةً لكتابها ، وفيَّة لدينها ، مجاهدة لبقائه وإعلائه .. والتي صح فيها أنها : " لا تجتمع علي ضلالة " لأنه دائما كان فيها : " طائفة من أمتي ظاهرين علي الحق ، لا يضرهم من خلدهم أو من خالفهم ، حتى يأتي أمرُ الله وهم كذلك " ، وتحقق لها كذلك : " لن يخلو وجه الأرض من قائم لله بحجة .. " هذه المجتمعات – أصابتها كذلك الآلام ... .

1 – جهل وتجاهل :

جهل فرض عليها من تخطيط الأعداء .. ورضيته الجموع .. حتى صارت في كثير من الأحيان تقاد بأعواد الكلأ إلي مصارعها ، وصارت في الكثير كذلك تهتف بحياة القاتلين . وتجاهلت تاريخها ، وتجاهلت مصدر عزتها ، بل مصدر حياتها ونورها : ( أفمن كان مَيْتا فأحييناه وجعلناه له نورًا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها ) وكان ذلك راجعًا إلي :

2– بعد وبلادة :

ونعني بالبعد .. البعد عن الدين .. وهي أخطر ظاهرة منيت بها مجتمعات الإسلام ، وكانت نذير القضاء عليها ! . والبعد يبدأ في الطبقة العليا ... ثم يتدرج حتى يصل إلي الطبقات الدنيا . والبعد قد يصحبه أو يسببه غنَّي مطغٍ ، أو فقر مدقع . والبلادة تتولد بعد استمراء المعصية والمداومة عليها ، أو بعد ممارسة القهر علي الشعوب .. وطول صبر هذه الشعوب ! .

3 – تحلل وانحلال :

هو من مظاهر البعد .. لكنه أوضح وأصرخ فالتحلل من القيم والأخلاق ... والتحلل من الفرائض والالتزام ... والتحلل من العلاقات الأصيلة في المجتمعات (احترام الأبوين ، صلة الأرحام ..) كل ذاك وغيره ألوان من التحلل تصيب المجتمعات ببعدها عن منهج الله وعن طريق الله . ومعها :

الانحلال .. الذي قد يصحبه أو يدفع إليه ترف أو غنًي مطغٍ ، أو يصحبه فقر مُدْقع . والأمر يبدأ مع الفريق الأول .. وهو في هذا يستغل الفريق الثاني ونماذج الواقع كثيرة ...! لكن الملاحظ في الفترة الأخيرة زيادة الانحلال في مجالين :

أولهما : مجال المخدرات .. خاصة بعد ظهور (السموم البيضاء) ويسر تهريبها ونقلها ، والجهات التي تقف خلفها منتفعة أو داعمة .

ثانيهما : مجال العلاقات بين الجنسين ، وانحدارها انحدارًا رهيبًا ، خاصة بعد انتشار الفيديو ، ثم البث المباشر .. الأمر الذي يهوّن الجريمة علي الشباب ويزينها .

وفي بلاد ألغيت فيها (الدعارة) رسميًّا ، حلت محلها بيوت الفنانين والفنانات ، وفنادق الدرجة الأولي ، أو ما يقاربها وغيرها من بيوت المترفين أو من ( الشقق المفروشة ) . تلك بعض الآلام في مجتمعاتنا . ولننتقل إلي الآمال ... والله المستعان ! .

المبـحث الثاني :

آمـال :

تقدمة :

- الآمال أقوي من الأماني .. الأماني حديث نفس أقرب إلي الخيال ..! والآمال توقعات علي أساس من الواقع ترقي إلي المثال ..! وبينهما شعرة لا يحسها ولا يحسب حسابها إلا الراسخون في العلم ، أو الضاربون في الذكاء !

- ونحن في مجال الدعوة إلي الله نتقي الله أن تصدر عن أماني قال الله في شأنها : ( ليس بأمانيكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يُجْزّ به ) ومن ثم فإننا نلجأ إلي الآمال ، نرسم بإذن الله خطوطها أو خيوطها ، ونسأل الله ألا يخيبنا فيها ، اللهم آمين .

أول الآمال : الله سبحانه

وكيف لا .. وهو غايتنا في هذا العمل الدعوى ، كما أنه غايتنا في كل أمر . وكيف لا .. وهو القدير يقول للشيء : كن فيكون : ( إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) وكيف لا .. وهو الذي أخبر عن نفسه : " أنا عند ظن عبدي بي " وأخيرًا ... هو الذي بيده النصر كله : ( وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم ) . وهو الذي يتولي المعركة عن المؤمنين – إن صح إيمانهم – ( إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور ) ، ( فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمي ) .

ثانيًا : سنن الله في كونه

- فمن سنن الله في كونه : ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) فلا يمكن (لدولة الظلم) أو تدوم ! يؤكدها أن الله يقيم الدولة علي العدل ولو كان بها كفر ، ولا يقيمها علي الظلم وإن ادعت الإسلام . يؤكدها نصوص تنذر بهلاك الظلم والظالمين : ( وتلك القُرى أهلكناهم لَمَّا ظلموا ) ( فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا ) ( وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسُله فحاسبناها حسبانًا شديدًا وعذبناها عذابًا نكرا فذاقت وبالَ أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا أعد الله لهم عذابًا شديدًا .. ) .

- ومن سنن الله في كونه : ( فأما الزبد فيذهب جفاء وأمَّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال ) . هو ما عبر البعض عنه بمبدأ ( البقاء للأصلح ) . وربما أكدته الآية الكريمة : ( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) ، ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) . وهكذا سنن كثيرة هي بإذن الله في صالح الدعوة .

ثالثًا : استواء الدعوة ، ونضوج الصحوة

هذه من الاستقراء فتتبع الدعوة في مراحلها يشعر أنها استوت علي سوقها ، وبلغت أشدها ، وأوتيت رشدها .. وأن ما مضي .. كاف لتغطية .. النشر والتبليغ ، والبناء والتكوين ، ولم يبق إلا التمكين . ( ونريد أن نَمُنّ علي الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهي في الأرض ... ) .

بيد أن للتمكين شروطه ، وللنصر أسبابه ، وهو ما تناولناه في مواضع أخري ، والله المستعان .


خـاتمـــة

حاولنا في تلك الكلمات أن نتبين مواضع أقدامنا .. وأن نري الأحجار والصخور في طريقنا ، وعلمنا أنها ثلاثة : أكابر المجرمين ، أصاغر المجرمين ، القوى الكبرى ... والتفتنا إلي أنفسنا فإذا عقبات داخل الصف ، وأخري داخل المجتمع .

فهل نستيئس ... ؟

لا أحسب ذلك واردًا !

فدماء إخواننا وأعراض أخواتنا في البوسنة تنادينا ! ودماء إخواننا وأعراض أخواتنا في فلسطين تنادينا ! ودماء وجروح وأنات وآهات وزفرات في بلاد الإسلام تنادينا ! .

ألا نستجيب ... ؟!

ويأتي السؤال .. وأين الحل ؟ وكيف الطريق ؟ وقد آن لي أن أقول شيئًا .. ألقي به الله ....

1 – لابد من وحدة الصف الإسلامي وحدة أهداف ، وحدة خطي ، إن لم يكن وحدة القيادة تلك نقطة النصر الأولي .

2 – لابد من (اختصار) مراحل الدعوة اختصار زمن ، واختصار خطوات ... بلوغًا إلي التمكين إن شاء الله .

3 – لابد من إيقاظ الشعوب وحشدها خلف دينها .

4 – لابد أن نملك رغيفنا ، وأن نملك أموالنا .

5 – لابد أن نسد حاجات الأمة وضروراتها .. بأيدينا وبرءوسنا .

6 – لابد من تقسيم الأعداء ، وتخذيل البعض .

7 – لابد من مقومات النصر .. ثبات ، وذكر ، وطاعة ، وانتفاء التنازع ، وصبر .

والله المستـعان

ملحـق (1)

من توصيات المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة في مجال مشاكل الدعوة والدعاة :

أولاً : تظهر بين الدعاة – أفرادًا وجماعات – خلافات متنوعة ، منها ما هو في أمور العقيدة ، ومنها ما هو في فروع الفقه ، ومنها ما هو في أسلوب العمل ، ولذلك فإن المؤتمر يوصي بما يلي :

- اعتماد القرآن والسنة في مجال الدعوة أساسًا ، وسيرة الرسول صلي الله عليه وسلم منهاجًا ، وتربية المسلمين تربية عملية علي عقيدة التوحيد الخالص الخالي من البدع والخرافات .

- توكيد أن الخلافات الفرعية لا يجوز أن تكون مثار خصومة وشقاق ، وأن توحيد الصف الإسلامي فريضة لازمة تجاه الخصوم الكثيرين الذين تألبوا عليه .

- وضع مناهج عمل مشتركة لتوحيد المفاهيم والأفكار لدي الدعاة ، علي ضوء الكتاب والسنة ، ومنهج السلف الصالح ، من قبل متخصصة تدعو إليها أمانة المؤتمر ، تشترك فيها بعض الحركات والهيئات الإسلامية العاملة في ميدان الدعوة .

ثانيًا : إن نقص المعلومات المختلفة عن العالم لدي الداعية يقلل من أثر الدعوة ، ويفقد الدعاة مادة حية لمعالجة أسلوب دعوتهم بما يكفل نجاحها ، سواء أكانت معلومات جغرافية ، أو سياسية أو اقتصادية عن بلدان العالم ، أو عن السكان عدًّا ونوعًا أو عن أحوال المسلمين في بلدان العالم الإسلامي أو الأقليات ، ويوصي المؤتمر بما يلي :

- العمل علي إقامة مراكز معلومات متكاملة تضم معلومات عن العالم ، وعن الحركات الإسلامية ، وأحوال المسلمين ، مستفيدة مما توصل إليه العلم الحديث في تجميعها وتصنيفها .

- توفير هذه المعلومات للمتخصصين لتحليلها ، وتوفير خلاصات عنها توضع تحت تصرف الدعاة ، أفرادًا وجماعات وهيئات ، شعبية ورسمية .

- تقوم المراكز بإحصاء الكفايات في مجال الدعوة الإسلامية والعمل علي الاستفادة منها إلي أقصي حد ممكن ، داخل بلادها وخارجها .

- وعلي المراكز تقديم تجارب الحركات الإسلامية في العصر الحديث للعاملين في ميدان الدعوة .

ثالثًا : إن غياب المجتمع الإسلامي الذي يكون نموذجًا حيًّا لأنظمة الإسلام بمثل عقبة صعبة أمام الدعوة ، ولكي يقام هذا المجتمع يوصي المؤتمر بالتركيز علي ما يلي :

- التركيز علي إنشاء المدارس والمؤسسات التعليمية ؛ لصياغة المجتمع الإسلامي من خلالها .

- الإهابة بالحركات الإسلامية بوضع برامج بعيدة المدى ذات أهداف مرحلية لإنشاء مجتمعات صغيرة نموذجية في ميدان عملها تشتمل علي محاضن أولية للعاملين للإسلام .

- مناشد الهيئات ومنظمات الشباب والطلاب تبني برامج تدريب وصقل ؛ لتوفير طاقات وعناصر قيادية للدعوة في مختلف أنحاء العالم الإسلامية .

ملحـق (2)

سـري للغـاية

من : ريتشارد ميتشل

إلي : رئيس هيئة الخدمة السرية

بالمخابرات المركزية الأمريكية :

بناء علي ما أشرتم إليه من تجمع المعلومات لديكم من عملائنا ، ومن تقارير المخابرات الإسرائيلية ، والسرية ، التي تفيد أن القوة الحقيقية التي يمكن أن تقف في وجه اتفاقية السلام المزمع عقدها بين مصر و إسرائيل هي التجمعات الإسلامية ، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين ، بصورها المختلفة في الدول العربية ، وامتداداتها في أوروبا وفي أمريكا الشمالية .

وبناء علي نصح مخابرات إسرائيل من ضرورة توجيه ضربة قوية لهذه الجماعة في مصر قبل توقيع الاتفاق ؛ ضمانًا لتوقيعه ثم لاستمراره ، وفي ضوء التنفيذ الجزئي لهذه النصيحة من قبل الحكومة ( ... ) باكتفائها بضرب جماعة التكفير والهجرة .

ونظرا لما لمسناه من أن وسائل القمع والإرهاب التي اتبعت في عهد الرئيس ( ... ) قد أدت إلي تعاطف جماهير المسلمين ، وإقبال الشباب عليها ؛ مما أدي إلي نتائج عكسية . فإننا نقترح الوسائل الآتية كحلول بديلة :

أولاً :الاكتفاء بالقمع الجزئي دون القمع الشامل ، والاقتصار فيه علي الشخصيات القيادية ، التي لا تصلح معها الوسائل الأخرى المبينة فيها بعد . ونفضل التخلص من هذه الشخصيات بطرق أخري تبدو طبيعة . ولا بأس من الإسراع بالتخلص من بعض الشخصيات الإسلامية ؛ نظرًا لأن التخلص من أمثال هؤلاء يحقق المراد من القمع الجزئي ، ويعمل علي تدهور الثقة بين ... مما يحقق أهدافنا في هذه الفترة .

ثانيًا : بالنسبة للشخصيات القيادية التي لا يتقرر التخلص منها فننصح بإتباع ما يلي :

أ – تعيين من يمكن إغراؤهم بالوظائف العليا ، حيث يتم شغلهم بالمشروعات الإسلامية الفارغة المضمون ، وغيرها من الأفعال تستنفذ جهدهم ، وذلك مع الإغداق عليهم أدبيًّا وماديًّا ، وتقديم تسهيلات كبيرة لذويهم ، وبذلك يتم استهلاكهم محليًا ، وفصلهم عن قواعدهم الجماهيرية .

ب – العمل علي جذب الميول التجارية والاقتصادية إلي المساهمة في المشروعات المصرية الإسرائيلية المشتركة ، المزمع إقامتها بمصر بعد الصلح .

ج – العمل علي إيجاد فرص عمل بعقود مجزية في البلاد العربية البترولية ؛ الأمر الذي يؤدي إلي بعدهم عن النشاط الإسلامي .

د – بالنسبة للعناصر الفعالة في أوروبا وأمريكا نقترح ما يلي :

1.تفريغ طاقاتهم في بذل الجهود مع غير المسلمين ثم إفسادها بواسطة مؤسساتنا .

2.استنفاذ جهدهم في طبع وإصدار الكتب الإسلامية مع إحباط نتائجها .

3.بث بذور الشك والشقاق بين قياداتهم لينشغلوا بها عن النشاط المثمر .

ثالثًا: بالنسبة للشباب نركز علي ما يلي :

أ – محاولة تفريغ طاقاتهم المتقدة في الطقوس التعبدية ، التي تقوم عليها قيادات كهنوتية متجاوبة مع السياسات المرسومة .

ب- تعميق الخلافات المذهبية والفرعية وتضخيمها في أذهانهم .

ج- تشجيع الهجوم علي السنة المحمدية ، والتشكيك فيها ، وفي المصادر الإسلامية الأخرى .

د – تفتيت التجمعات والجماعات الإسلامية المختلفة ، وبث التنازع داخلها وفيها بينها .

هـ- مواجهة موجة إقبال الشباب من الجنسين علي الالتزام بالتعاليم الإسلامية ، خاصة التزام الفتيات بالزى الإسلامي ، عن طريق النشاط الإعلامي والثقافي المتجاوب .