عن العريان والإخوان والعنف
أبو العلا ماضي
مقدمة
استحوذت الأحداث الأخيرة التي جرت داخل جماعة الإخوان المسلمين على اهتمام إعلامي كبير، خصوصًا أنها أدت إلى خروج رمزين بحجم الدكتور محمد حبيب والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح من مكتب الإرشاد.
وقد دعيت - في هذا الإطار - لبرنامج (90 دقيقة)، بقناة المحور، لأدلي برأيى وأشارك بالتحليل من واقع خبرتي بملف الحركات الإسلامية - والتي كنت ولازلت جزءًا منها على مدى اثنين وثلاثين عامًا.وقد شارك معى فى الحلقة الصديقان ضياء رشوان، ومحمد صلاح الزهار.
وكان مما قلت يومها فى تحليلى أن سيطرة "مجموعة 65" (أو من يعرفون بالقطبيين) على الجماعة مثير للقلق خشية انتشار أفكارهم الخاصة بالعنف المؤجل. والقطبيون هم أعضاء تنظيم عام 1965 الذى تزعمه المرحوم سيد قطب وهم الذين حوكموا معه في ذلك العام. أما العنف المؤجل فإن من يؤمنون به لا يمارسون العنف ولكنهم لا يستهجنونه.
ومن ثم هم يرفضون استخدامه إلا إذا توافرت اللحظة المواتية التى تجعل استخدامه محققا لأهدافهم. ولأن مجموعة القطبيين لا تمثل فى أفكارها جمهور الإخوان وجسد الجماعة الرئيسى فإن سيطرة هؤلاء على مواقع القيادة وإطاحتهم برموز الاعتدال يثير القلق لأنهم ما لم ينتبه جمهور الإخوان ومعهم المجتمع لفكر هؤلاء فقد يفاجئوننا بمواقف وتصرفات تختلف عما يؤمن به الآخرون داخل الجماعة وخارجها.
هجوم على كاتب المقال
فى تلك الحلقة قلت ذلك ولم أشأ أن أدخل فى تفاصيل أكثر. غير أننى فوجئت بعد ذلك بأيام بأصدقاء يلفتون انتباهى لمقال للدكتور [عصام العريان]] منشور على موقع "الإسلاميون.نت" بعنوان "مستقبل الإخوان وأولويات المرحلة" يشن فيه هجوما شخصيا على كاتب هذه السطور، ويتهمنى فيه بالافتراء على أولئك القادة، وبالتحريض على الإخوان، وتشويه منهجهم.
ولم يخل مقال العريان من اللمز والتجريح؛ إذ قام بتقديمي للقراء على طريقته مشيرا إلى أن العبد لله "يؤسس لمشروع جديد (حزب الوسط) الذى لم ير النور حتى اللحظة رغم كل التنازلات والتغييرات والتطمينات"!!! (لاحظ عزيزي القارئ الغمز والطعن بتعبيرات مثل "رغم كل التنازلات والتطمينات").
ولكننى مع ذلك أحمد للدكتور العريان أنه قال فى المقال نفسه أننى "استقلت" من الإخوان ولم يزعم أننى فصلت كما ادعى المرشد الجديد محمد بديع في آخر حوار له منشور في جريدة اليوم السابع بتاريخ 5 نوفمبر 2009.
ولأني لا أحب أن يتحول الموضوع إلى جدال شخصي بيني وبين الدكتور عصام فقد تجاهلت المقال ولم أنشر ردا. وماهى إلا أيام حتى دعاني الصديق الأستاذ أحمد المسلماني إلى صالونه الخاص لحوار بعنوان "ماذا يجري داخل الإخوان". فتحدثت يومها لمدة ساعة ثم أجبت عن الأسئلة في أكثر من ساعة ونصف. ورغم أننى لم أتطرق فى محاضرتى لموضوع العنف المؤجل إلا أن الأستاذ المسلماني سألنى فى نهاية اللقاء عن ذلك الموضوع وعن اتهامات العريان التى وجهها لى فى مقاله سابق الذكر وتكذيبه لما قلت، فرحت أدافع عن وجهة نظرى بذكر وقائع تؤكدها.
الإقرار بالعنف وإنكاره
أما الواقعة الأولى فقد حكيت فيها قصة انضمامى أنا وزملائى لجماعة الإخوان. كان الطريق أمامنا وقتها مقصورا على إحدى بديلين، الأول هو الانضمام لجناح الجماعة الإسلامية الذى انتهج العنف والثانى هو الانضمام لجماعة الإخوان فاخترنا البديل الثانى. وللأمانة فرغم المحاولات المستميتة التى بذلها الحاج مصطفي مشهور وزياراته المستمرة لنا في المنيا؛ إلا أن صاحب الفضل فى انضمامنا كان الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح.
وفي أحد الاجتماعات التنظيمية لأول مكتب إدارى للإخوان فى المنيا بحضور الحاج مصطفي مشهور بمنزل المهندس محيي الدين عيسي دار حوار سُئل فيه مشهور عن كيفية وصول الإخوان إلى السلطة. فقال: بالقوة طبعًا، فقلنا: كيف؟، فذكر أن هناك تنظيمًا بالجيش سيتحرك في الوقت المناسب. كان ذلك فى عام 1980 وكنت وقتها فى الثانية والعشرين من عمرى.
فى تلك الفترة كان الجو العام للحركة الإسلامية حولنا مشبعا بالأفكار الثورية. والحقيقة أننى وغيري اكتشفنا مع الوقت أن الرجل كان يسعى لإعطاء الشباب صورة تؤكد على قوة جماعة الإخوان دون أن يكون لما ذكره عن تنظيم الجيش أى وجود.
وقد قلت حين استشهدت بهذه الواقعة فى صالون المسلمانى أنه رغم أننا عرفنا لاحقا أنه لا يوجد تنظيم فى الجيش ولايحزنون إلا أن فكرة التنظيم العسكرى لم تكن فى يوم مستهجنة فى عقول بعض القيادات وخاصة رجال النظام الخاص وتنظيم (65).
أما الواقعة الثانية التى ذكرتها فى الصالون نفسه لأدلل على مخاوفي المشروعة من بعض القيادات التي صارت مهيمنة على مقدرات جماعة الإخوان فقد جرت أحداثها فى أوائل التسعينات أثناء حرب الشيشان.
وقلت أن أحد القيادات البارزة بالإخوان كان - وقتها - قلقا من تصرفات رجال النظام الخاص ومجموعة (65). فطلب أن يصدر مكتب الإرشاد قرارًا يمنع مشاركة جماعة الإخوان فى مصر في أي عمليات جهادية في المواقع المختلفة سواء في الشيشان أو البوسنة أو فلسطين أو غيرها، وأن يقتصر دور الإخوان المصريين على الإغاثة، والتبرع، والدعاية، والتعليم...الخ.
وكان هدف ذلك الأخ الكريم من دعوته تلك؛ ألا يساء الظن بمشاركة الإخوان فى مساندة إخواننا فى تلك البلدان ولا يثير ذلك مخاوف القوى الوطنية قياسا على تجربة رموز الجهاد والجماعة الإسلامية المسلحة الذين ذهبوا إلى أفغانستان وغيرها وشاركوا في العمليات هناك ثم عادوا وقاموا بعمليات هنا في مصر.
وبالفعل، صدر قرار من مكتب الإرشاد بحظر اشتراك الإخوان فى القتال فى أى مكان. لكن بعد فترة فوجئنا جميعا بجثمان أحد أعضاء جماعة الإخوان عائدا من الشيشان إلى مسقط رأسه بمحافظة الشرقية. وقد تحقق القيادى البارز من الأمر فتبين له أن قياديًا بنقابة الأطباء أرسل عددًا من الإخوان المصريين للقتال في الشيشان
ولما سئل عن مخالفته بذلك لقرار مكتب الإرشاد أجاب بأنه فعل ما فعل بموافقة الحاج مصطفي مشهور، فغضب أخونا القيادي هذا، وواجه بهذه الواقعة الحاج مصطفي مشهور في اجتماع تم في مدينة "لندن"، فلم ينكر، ولم يستطع أن يقدم تبريرًا معقولا للسبب الذى جعله يوافق على ذلك بالرغم من قرار مكتب الإرشاد. ومرة أخرى، تشير تلك الواقعة بوضوح إلى أسباب قلقى وهو اعتياد قيادات النظام الخاص والقطبيين على اتخاذ قرارت وتنفيذها سرًا ودون علم الجسد الرئيسي للإخوان.
وقد نشرت الصحف بعض المقتطفات مما ذكرته فى صالون الأستاذ أحمد المسلماني، فإذا بحملة هجوم شرسة من الإخوان وصلت إلى حد المطالبة بمحاكمتي أمام القضاء العسكرى. وقد وصل الأمر إلى أن قام المهندس محي الدين عيسي ،الغائب عن النشاط والمشاركة منذ عام 1990 متنقلا من المانيا إلى البانيا إلى البوسنة حتى استقر أخيرا بالسعودية، بالخروج عن صمته وعن حقيقة موقفه الغاضب الحانق على الجماعة على مدار عشرين عاما؛ ليكذّب ما قلته بجرأة يحسد عليها .
وأنا لن أحكى تفاصيل غضب عيسى الشديد إزاء الإخوان الذى عبر عنه مرارًا كان آخرها حين زرته لأواسيه فى وفاة أخيه في العيد الماضي وبحضور آخرين. ولن أذكر تفاصيل علاقتى به فى السنوات الأخيرة فهو يعرفها جيدًا ويدرك بموجبها أنه آخر من يحق له وعظ أحد وأننى آخر من يحق له اتهامه بما ليس فيه.
ومافعله محي الدين عيسي ليس المفاجأة الوحيدة فلعله مما يدعو للتأمل حقا أن كل الهجوم الذى شنه الإخوان على شخصى الضعيف طوال الأسبوع الماضى تركز بالكامل على واقعة الحاج مصطفي مشهور التى جرت وقائعها بالمنيا، بينما ساد صمت مريب فى أوساطهم بخصوص واقعة الشيشان وهى واقعة معظم أبطالها أحياء، وجثمان الراحل من الشرقية موجود ومعروف، بل ولديّ وقائع أخرى في هذا الاتجاه.
ألم يكن أجدى بكل هؤلاء أن يتنبهوا لخطورة سيطرة القطبيين على الجماعة، ويتصدوا لأي محاولة لنشر أفكار قطبية تصادمية تؤمن بالعنف المؤجل ؟ ألم يكن الأجدى للإخوان أن ينتبهوا لما فعلته تلك القيادات عبر تخطيط منظم لسنوات من أجل لسيطرة على الجماعة والإطاحة بالمخالفين.
واجب الإخوان بدلا من إلقاء التهم جزافا على الشرفاء أن يتنبهوا لخطورة تلك الأفكار ولا يسلموا عقولهم لأولئك القادة. كما أنه واجب على المجتمع ككل أن ينتبه لهذه الأفكار؛ لأن الوطن أغلى علينا من أي جماعة أو حزب أو عائلة. أما ما جرى من تطاول، وسب لشخصي الضعيف؛ فلن أتناوله بالرد .
كما أني لن أعلق على مطالبة أحد الرموز البارزة فى الإخوان بإحالتي للمدعي العام العسكري. فقد كنت أظن أن الإخوان يقفون معنا ومع كل القوى الوطنية التى ترفض تحويل المدنيين أيا كانوا للمحاكم العسكرية.
وتكفيني عشرات التعليقات التي وصلتني بخصوص هذه المسألة على وجه التحديد. وأحب أن أؤكد أن كل ماجرى من تطاول وهجوم لن يرهبني في قول الحق والتنبيه للأخطار التي قد تحيق بالوطن والتصدى لأية تجاوزات سواء كانت من السلطة أو من المعارضة أو من الحركة الإسلامية؛ فالحق أحق أن يتبع.. وحسبيّ الله ونعم الوكيل .
المصدر
- مقال: عن العريان والإخوان والعنف موقع أون إسلام