عنصرية تدق على بوابات أم الفحم

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
عنصرية تدق على بوابات أم الفحم


بقلم : محمد يوسف جبارين( أبوسامح)..

تستطيع موجات العنصرية أن تهدر كيفما تشاء ، فمنطق الأشياء ينطق بأفصح عبارة ، بأنه بين منطلقات هذه العنصرية وبين غاياتها مسافات تستطيل ، أو تتقاصر أو تنقطع بمقدار القدرة التي تعترضها على الطريق ، ولقد تنطق حقائق الواقع بكل فم فلسطيني ، بأن ارادة الأقلية القومية العربية ، قد حسمت أمرها وعزمت على أن تبذل ما في طوقها ، من جهد لتؤكد قناعاتها وتفرض ارادتها ، وتستحيل بطموحات هذه العنصرية ، الى تقاصر ينتج لها احباطا ويأسا ، يأخذ بها الى الارتكاس والانكفاء وراء حجب ، تتقلص بها في عملية استخراج لها من الزمان . فليس منطوق العنصرية بذاته ، غير دليل على المخاطر التي تتربص بهذه الاقلية القومية المنزرعة في ترابها ، بشموخ الرواسي الجبال ، وبعمق زمان موجودية التراب ، فهي الموجود الذي يعرف ايجاب وجوده ، ويشتق منه مستلزمات ديموميته ، واستطراده في استقوائه بحقوقه التي تلزمه ، بأن يعلو دوما الى مرتبة القدرة ، على فرض تراجع على دبيب هذه العنصرية التي تطل بأعناقها ، بفكرة لم تعد يمكنها ، الا أن تكون فرصة هذا العربي صاحب الحق ، بأن يحق حقه فيها ، ويرسيها على كل ما لا يرضيها .

وقد كان حريا بتلك الجماعات اليهودية اليمينية المتطرفة ، التي تلازمت في وعيها هوية دولة اليهود ، باقتلاع العرب من أرضهم ، بأن تعي وقد حسمت أمرها بأن تأتي لتناطح أم الفحم ، بأنه على بوابات أم الفحم تحطمت موجات العصابات الصهيونية عام 48 19، ولم يمكنها عصابة أن تقترب من لهب الوطنية الذي كان فاعلا في تصديه لها ، بالتحام متميز ، بين فلاحين من أبناء أم الفحم وجنود وقادة عراقيين ، كانت أم الفحم ومنطقتها ، كما المثلث كله ، السدود الفاعلة في وجه المد الاستعماري الصهيوني ، ولقد تم ضم المثلث بما فيه أم الفحم الى سيادة اسرائيلية ، وذلك من منطلقات أمنية ( أحكام جغرافية ، وسلسلة من قرى عربية فاصلة ، فاذا شب نزاع فعلى أرض عربية ) سعت اليها اسرائيل ، وحصلت عليها بموجب اتفاقات رودوس ، وهي التي أجازت لشرطة اسرائيلية ، ورقابة حدودية اسرائيلية أن تكون جانبها في هذه المنطقة ، لكن اسرائيل ، فيما بعد أدخلت جيشها ، غير مقيمة لاتفاق ، لا طرف آخر يحمية ، ولم تعد له أية قيمة دفاعية فيه ، فكأن غيبة قيمة الطرف الآخر ، بما يمثله من قوة ، من معادلة الاتفاق ، قد أجازت لها طلاقة التصرف كما تريد .

وقد سيطرت اسرائيل على أراضي أم الفحم ، وذلك بذرائعية قانونية ، فاستحال سكانها من فلاحين الى عمال في أسواق العمل يبحثون عن مصادر رزقهم ، ليقيموا الحياة التي يريدون ، على الرغم من كل صعوبة تعترضهم على الطريق ، وهكذا وجد غالبية أهالي أم الفحم ، بأن العمل في أسواق العمل الاسرائيلية ، فرصتهم المتاحة أمامهم ، فالتفتوا الى المهن والتجارة ، والعلم خاصة وأولوه عناية ، حتى بات هو بعينه الأمل المندمج في الرغبة في الخلاص من المأزق الي انوجدوا فيه ، وذلك من جراء سلبهم أراضيهم بقوة القانون الاسرائيلي الذي في طبيعته ، قد تمت صياغته تدعيما للعنصرية ، وفتحا لها باب السيطرة على أراضي العرب ، في المناطق التي استحال حالها الى كونها تحت سيطرة اسرائيلية .

وكما أفرزت أم الفحم قيادات تصدت للانكليز ، وللغزو الاستعماري الصهيوني ، فكذلك كان حالها أبدا عاصمة الكرامة الشماء ، لا يتوقف عطاؤها للوطن ، فمنذ قامت اسرائيل ، ومواجهة الصهيونية هي مهمة قيادات فحماوية تتالت عبر كل الأوقات ، فلم يحصل أن كان وقت ركون واستكانة في تاريخ هذا البلد ، فموجات تتعاقب تلو موجات ، من الشرفاء الأحرار ، من أبناء أم الفحم على مواجهة العنصرية ، ولقد وجد أبناء أم الفحم دربهم الى العمل الوطني المشترك ، مع كافة أخوتهم من أبناء الأقلية القومية العربية في الداخل ، وقد كان ولم يزل ذلك شأنهم ، وهم بذلك انما يستجيبون لاملاءات هوية فلسطينية وقومية ، مترسخة بالثقافة والتاريخ والدين في وعيهم ، فانتماؤهم الى ما انتموا اليه ، الى هذا الكل الذي هو الفلسطيني ، الذي عليه أن يتصدى ويحامي عن مكونات هويته ، وبكل ما تقتضيه من بذل ، فالعدوان انما يقصد وبصورة سافرة أو ملتوية الهوية القومية ، بكل مكوناتها الثقافية وبكل تعابيرها ومستلزماتها في تحقيق ذاتها . فهي الهوية الفلسطينية التي يراد لها أن تتفكك وتنسحق ، وتندمج في غيرها ، لكي لا يبقى منها سوى همس تاريخ مضى ، وذلك كله من أجل عيون صهيونية تشرأب أعناقها ، بكل عنترية وصلف وعدوان لا تعرف دربا الى هويتها الا بالعدوان على غيرها ، ولا تجيد تمكينا لذاتها ، من دون التوظيف لكل ما أمكنها في عملية اقتلاع لكل ما هو فلسطيني .

ويعود جذر التحدي الأخير لأهالي أم الفحم ، من جانب زمر اليمين المتطرف ، الى حركة (كاخ) ، التي أسسها مئير كهانا ، وهو الذي كان هاجر ، من الولايات المتحدة الاميركية الى اسرائيل ، وذلك عام 1971 ، وباشر في اقامة حركة ( كاخ ) ، وبدت الحركة ، منذ نشأتها ، كمشتقة من اندماج الصهيوني باليهودية ، ككل متكامل ، لا فاصلة بينهما ، على الرغم من من التناقضات ، من حيث النصوص وما تشتمله من معاني ، بين الصهيونية وبين اليهودية كدين مرجعيته نصوصة ، كما يعهدها حاخامات يهود ، لكن يبدو بأن مئير كهانا ، قد طرح الكل المندمج الذي يخلو من التناقض ، فقد استعار من الصهيونية ، فكرة الوطن القومي لليهود ، في أرض فلسطين ، واندمج بها في اليهودية فدولة اسرائيل لديه دينيه ، وفق نصوص اليهودية ، وقانونها كما هو بحاله الذي هو عليه الآن ، يغدو ثانويا بالنسبة لمنطوق اليهودية ، وشريعتها ، فقانون في التلمود أو التوراة مقدم لديه ولدى حركته ، على قانون تحتكم اليه دولة اسرائيل كما هي الآن، فهو بذلك قد طرح اعادة هيكلة النظام القانوني للدولة ، وفق نصوص توراتية وتلمودية ، واندمج له ذلك في وعيه ، حتى بات سلوك حركته ( كاخ ) ، في الواقع العملي ، على ما تمليه عليها نصوصها ، فدولة يهودية تعني تهجير كل من هم في داخلها من العرب ، وهذه مهمة الحركة ، لتصبح الدولة اليهودية خالصة الدين والعنصر ،

وقد عبرت الحركة عن عنصريتها وتعصبها لمعتقدها ، باختيارها شعارها ورايتها ، فهي صفراء اللون وفي وسطها نجمة داوود تتوسطها قبضة يد ، وقد استعيرت قبضة اليد ، من شعار وراية الحركة الصهيونية اليهودية التي تزعمها مناحم بيغن ، الذي أصبح فيما بعد رئيس حكومة اسرائيل ، ووقع اتفاقية كامب ديفيد مع السادات ، برعاية كارتر رئيس الولايات المتحدة الاميركية ، وحركة الايستل هذه كانت طرفا اساسيا في مذبحة دير ياسين ، وأيضا في الهجمات على عرب يافا التي اسهدفت تفريغ يافا من العرب ، وسيرتها في مجملها ارهابية ، فلم تتورع عن فعل يلحق الضرر بالعرب ويسهم في قيامة دولة اسرائيل ، وكما تجلى معنى قبضة اليد في عدوانية حركة الايتسل ، على العرب ، فكذلك كان العنف في الألفاظ والممارسة العملية لدى حركة (كاخ) ، فالقوة هي التي يجب التعامل بها في خلال العلاقة مع العرب ، ف ( هكذا فقط ) ، أو باللغة العبرية ( راك كاخ ) ، تعني بأنه بالقوة وحدها يتوجب التصرف مع عرب الداخل ، فتهجيرهم هو ضرورة يهودية ، لتحقيق نقاء الدولة من كل قومية عربية ، فالعدوان العنصري لحركة الايتسل كما هو لدى (كاخ) انما انصب على القومية العربية بذاتها ، فهي الهوية والوجود الذي باقتلاعة ، تتحقق أحلام الصهيونية واليهودية على حد سواء ، وتغدو هوية الدولة اليهودية منسجمة بالتمام مع التركيبة السكانية ، وبهذا النهج شاركت حركة كاخ بزعامة مئير كهانا في انتخابات الكنيست لعام 1984 ، وكان خطاب الحركة يتلخص بأعطوني أصواتكم ليتاح لي التصرف ،

مع هؤلاء العرب بالقوة التي ليس بغيرها ، يتحقق لاسرائيل نقاء الدولة اليهودية من العرب ، فكان عرب الداخل ( عرب 48 أو فلسطينيو48) هم العدو الذي تعلن الحرب عليه هذه الحركة ، ولقد برهنت هذه الحركة بأن جملتها قادرة على استقطاب شرائح يهودية حولها ، وبالفعل نجحت بهكذا منهج في الفوز بتمثيل في الكنيست ، وأصبح مئير كهانا عضوا فيها ، وذلك بدءا بتاريخ 13/8/1984 ، وفي 29/8/1984 كان مئير كهانا في طريقه الى أم الفحم ، يشاغله منهجه بما فيه من منطلقات وما له من غايات ، وكأنه يريد استكمال تفريغ أرض فلسطين من سكانها الأصليين ، ليستكمل حلم صهيون ، وكأنما مهمة العنصرية لم تنته ، فأنابته عنها ليكون جسدها وعقلها المتحرك صوب غاياتها ، فترحيل القومية العربية من اسرائيل ، باتت مهمته التي تملك عليه كيانه ، لهذا أخذ طريقه الى أم الفحم ، فماذا يقول لأهالي أم الفحم ، وهل لديه غير ما دل عليه في رايته وشعاره ، وفكرته عن دولته اليهودية ، فقبضة اليد في رايته وشعاره ، هي لغته التي قال بها وأكد عليها ، وليس لديه سواها . هل جاء لينذر أهل أم الفحم بهذه القبضة التي كانوا حطموها ، من قبل قيام دولة اسرائيل ، وما اقتدرت آنذاك على غير أن تبقى في مكانها ، عاجزة عن التقدم نحو غاياتها خطوة واحدة ، لقد كانت من قبله زمر بن غوريون التي لم تفلح في شيء ، حين كانت في مواجهة أم الفحم ، فماذا يمكنه أن يفعل هو ، وهو مشتقة ، من جملة بن غوريون وبيغن وشامير ،

وغيرهم بحالهم الذي كانوا عليه ، قبل قيام دولة اسرائيل ، فهل تراه بكل ما هو عليه ، يدري بأنه بهكذا نهج يجد الخطاب والممارسة المعلقة على سنان القوة ، ويشق دربه الى زعامة ، فهكذا يحقق ذاته في ذات دولته اليهودية القائمة والمأمولة لديه ، وما بين واقع قائم بالفعل ، وواقع مأمول ، يمكنه أن يجد السبيل الذي به يكتب تاريخا لنفسه في سجل يهود ، فلقد وعى أهالي أم الفحم كل ذلك ، فليس مثل أبناء أم الفحم خبرة بيهود ، فهم أدرى من مئير كهانا بحقيقة نفسه ، وبمجمل الدائرة التي يمكنه أن يلعب بفكرنه فيها ، يعرفون منطلقاته وغاياته ، وأيان يمكنه بكل ما يملك ومن قدرة كلامية وفعليه أن يصل ، واذا هو يخاطب على البعد أم الفحم بجملته المملوءة بما هو يمثله ، ويريد أن يقترب من أم الفحم بتهديد كلامي ، أو أي عنف متاح بين يديه ، فله المواجهة التي اختار ، وعلى من ييسرون له طريقا كهذا أن يتعلموا الدرس جيدا ، ففي أعماق أبن أم الفحم حس عميق بأنه ينوب عن التاريخ ، وعن الأمة وعن القومية وعن الدين ،

فهو حين يجد الجد ملك كل هذه المبادىء التي تملأ جنانه وعقله ووجدانه ، فهو لها ويعرف كيف يكتب سطورا من كرامة تتزين بها جبهة الشرف العربي الأصيل ، وبالفعل في ال 29/8/19984 خرجت جماهير أم الفحم عن بكرة أبيها ، الى مداخل أم الفحم ، وكانت أشبه بطوفان غمر الشوارع ، في مظاهرة تعلن عن حقيقة الوعي الذي يجمح بأم الفحم ، كلما ناداها حقها في الحياة وفي العزة والكرامة ، وجاء مئير كهانا ، وما كاد يقترب بسيارته ، من أم الفحم ، حتى أحاطت به شرطة اسرائيل ، وأفهمته بأن الذين جاء ينذرهم قبضة يد في رايته ، انما هم في حالة تربص وغليان ، ولن يفلت من قبضتهم ، اذا ما دنا واقترب ومثل أمامهم بما جاء به اليهم . لكن شرطة اسرائيل التي اهتمت بسلامة مئير كهانا ، باعتراضها طريقه وتفهيمه ما هو آيل اليه من مصير ، فيما لو ظل على أوهامه تسيره ، بمثل ما تتراقص له في ذهنه وبين عينيه ، هي بعينها الشرطة التي لم تنس كيف تضل منها المقاييس ، فحسبت خطأ بأنها بما قامت به ، انما خضعت لارادة عرب في أم الفحم ، ولم يخطر على بالها بأنها ،

انما أدت مهمتها الموكلة بها وفقط ، بل جاس هذا الخاطر بأنها أداة قمع ، وبأن الردع الذي تسعى اليه دوما في مواجهة الجماهير العربية ، قد انخرم ، ولا بد من تعويضه بالضغط على الجماهير الفحماوية المحتشدة بازائها على الشارع الذي هو المدخل الرئيسي لأم الفحم ، وقد كانت الشرطة قد استبقت أهالي أم الفحم الى ما يقارب منطقة البير ، من ناحية مدخل البلد ، وذلك كما زعمت وقتها الشرطة ، لكي تحول بين أهالي أم الفحم وبين صعودهم على الشراع الرئيسي ، والمعروف بشارع وادي عارة ، فلم يكن من الشرطة الا أن ظلت تضغط على الناس ، ولم تفلح كل مناشدة لها بأن تتراجع ، وخاصة بأن كهانا قد عاد من حيث أتى ، فانفجر الموقف بقوة ضغط الشرطة واصرارها على أن يعود الأهالي هم أيضا من حيث أتوا ، وبدأت الجماهير الفحماوية مناهزتها للشرطة التي لم تترك كل غل ، بيديها الا واعتدت بها على الجماهير الفحماوية ، ولكن هذه الجماهير بعد أن استقر رأيها أن تعود الى بيوتها ، مالت على موقع للشرطة كان موجودا في حي الميدان وأخربته ، فلم يعد موجودا من يومها ،

بل كان ذلك يوما فاصلا ، لم يقم بعده مركز شرطة اسرائيلية داخل مدينة أم الفحم ، وتجدر الاشارة الى أنه أقيم مركز شرطة ، منذ فترة ليست طويلة ،على مقربة من الشارع الرئيسي ( شارع وادي عارة ) ، في حي عين ابراهيم ، وذلك بعد ضغوط ليست بسيطة على بلدية أم الفحم . ولقد ظل مئير كهانا على معتقداته ، وما تمليه عليه من تحريض دائم على العرب في الداخل ، الى آن لاقى مصرعه عام1990 ، على يد من قيل بأنه مسلم ، وذلك في خلال زيارة له للولايات المتحدة . وبقيت حركة (كاخ ) ، كما شاء لها زعيمها ، بل زادت غلواء واصرارا على رؤاها ، فلقد أصبح لديها زعيم فارق الحياة ، بقوة التصاقه بما آمن به من حق اسرائيل ، بأن تكون خالصة لليهود ، ومن دون عرب في داخلها ، وأصبح مئير كهانا أبا روحيا وسياسيا له مدرسته ، التي وجدت في التعصب والعنصرية نطاقها ، وكان أنسب نطاق لها هو مستوطنات في الضفة الغربية ،

وعلى الأخص منها القريبة جدا ، من سكان فلسطينيين ، اذ يتاح للنار التي تتأجج في الصدور كراهية وحقدا على العرب ، أن تجد لها من تصرفه عليهم ، ومرت الأيام ، وظهر مارزل وايتمار بن جبير ، وكلاهما من مستوطنة قرب الخليل ، وقد تمرسا بالتظاهر بالعدوان على العرب ، فالعدوان على العربي املاء عقيدة يهودية تلح عليه ، والتظاهر بفعل العدوان ابلاغ رسالة وترويج له ، فهو ما تمثله دعوة قبضة اليد في راية الحركة وشعارها ، وحيث أنهما بملء عقلية ونفسية زعيمهما ، فقد ارتأيا أن يكررا ما كان قام به في مواجهة أم الفحم ، ولم يفلح ، فكأنها الوصية التي رغبا بأن يحققاها له ليقفا على قبره ، أو أمام صورته ، ويخبراه بأنهما ، قد أفلحا بانجاز المهمة التي لم تتم ، فلقد استصدرا ومن معهما في حركتهما ، أمرا من محكمة العد ل العليا في اسرائيل ، يتيح لهما ولجماعتهما اجراء تظاهرة رفع أعلام اسرائيل في أم الفحم ، ولقد انضاف لهما عضو كنيست باسم ميخائيل بن آري ، وهو من نفس الزمر التي تتشابه في شكلها ، وتلتقي على كل ما يحرض على عرب الدخل ، فقد أكد هذا على حق كل اسرائيلي بالتظاهر في كل مكان من اسرائيل ، بما فيها التظاهر في أم الفحم ،

ووعد بأن يؤكد تظاهر اليمين المتطرف في أم الفحم ، فهذا برأيه حق ديمقراطي مشروع ، ولا يجوز لأحد أن يحول دونه ، وبسبب نذر الخطر الكامنة في مواجهة تترتب على ذلك بين أهالي أم الفحم ، وجماعة اليمين المتطرف ، في حال سارت فيه المظاهرة على أرض أم الفحم ، فلقد تأهبت الشرطة الى هذه المهمة على وحشدت ما يقارب 2500 شرطيا مزودين بكل وسائل القمع وتدعمهم جماعات من المستعربين ، وفي يوم 24/8/2009 جاءت جماعات مارزل وايتمار بن جبير ، وكانوا مائة شخص ، يتقدمهم ميخائيل بن آري ومارزل وبن جبير ، واستقبلتهم الشرطة على شارع وادي عارة ، ونقلتهم بعد تفتيشهم الى باصين محصنين ضد الرصاص ، واقتادتهم بعناية وحماية مؤكدة ، الى شارع التفافي ، له مدخل من شارع وادي عارة ، ويصل أطراف عين جرار من جانب ومن جانب آخر مستوطنة مي عامي ، ويستمر في التفافه حول المناطق السكانية من أم الفحم الى حي عين النبي ، الا أن ركب مارزل وايتمار بن جبير المنقاد بشرطة اسرائيل ، وهي التي كانت تتقدمه بكثافة ملفته للانتباه ، ما كاد يقترب من منطقة الأقواس ،

حتى ترجل الركب ورفعوا أعلام اسرائيل وساروا على الشارع ، ومن أمامهم ومن خلفهم وعن يمينهم وعن شمالهم أفراد كثيرون من الشرطة ، مدججين بالسلاح ، ومن فوقهم طائرة مروحية ترقب المنطقة ، وقد بدا المشهد ، وكأن الركب يتحرك في داخل علبة مسورة ، تطل من جدرانها نذر نار ، من فوهات بنادق مشرعة جاهزة للانطلاق ، في وجه كل تهديد يقترب من الركب . لقد دل المشهد على أن المخاوف كانت حقيقية ، وما هي الا دقائق معدودات ، حتى كانت الحجارة ، من أيادي أبناء أم الفحم تنزل من كل ناحية قاصدة رشق العنصرية ، وتسارعت كثافة ارادة التحدي الفحماوية ، معلنة عن نفسها شاهرة عزمها على التصدي ، لكل النذر التي جاءت تلوح لها ، وتتهددها على أرضها ، فانقسم أفراد الشرطة الى قسمين ، فقسم يسارع بالجماعة العنصرية الى الباصين ، لحمايتها من الغضب الذي راح يتأجج ، ويأخذ بها سريعا الى خارج أم الفحم ، تحت ضربات الارادة الفحماوية التي تساندها ارادة جماهير عربية ، كانت ماثلة في عمق التحدي ، وأما القسم الثاني من الشرطة فراح بكل ما لدية ،

من أجهزة قمع يهاجم الجماهير الغاضبة ، وبكل ما أوتي من قوة ، ومع ذلك كانت أقدام أبناء أم الفحم الى الأمام الى الأمام ، في فعل بارع في الاصرار على توضيح حقيقة هذا العربي ، بأنه الذي حسم أمره بأن يكون وقود البقاء الراسخ أبدا ،على ارادة ذات جاهزية أن تقدم كل ما تملك في رسم مستقبل له ، أكثر حرية وأكثر رسوخا في هذه الأرض ، وهو ما أدركه جهاز القمع من أعلى رأس فيه ، الى أداة القمع الموظفة في قمع الجماهير العربية ، ولهذا دأبت الشرطة على استعمال العنف ، برصاص مطاطي وبغاز مسيل للدموع ، وبالهراوات ، وبعمليات اختراق للمواطنين ، من الذين يتصدون لها ، بواسطة مستعربين ، يندسون بين الناس ، ويتحينون فرصتهم الى اعتقال شخص ، يراد جره الى مكان يسهل للشرطة أن تنفجر بغيظها في جسده ، ولم يكن حال الشرطة بازاء كل مواجهة مع العرب الا بهكذا حال ، فهي لا يمكنها أن تنسى بأن تتخذ من القمع دربها الى تشكيل ردع ، تود أن تصوغ به هيبة لها ، كونها سلطة قمع قادرة على انزال أشد العقوبات ، بمن يناهزها ويتحداها من العرب، ولم تتوقف الشرطة الى عند هذا الحد ،

وانما هي سارعت ، وفي نفس اليوم الى اعتقال 22 شابا ، وقد بدا على عديد منهم ، في أثناء احضارهم الى المحكمة ، بأنهم أصيبوا في جوانب معينة من أجسامهم ، فكأنما الشرطة أرادت أن تقول ، بأنها انما توفر الحماية للعنصرية ، وتضرب بكل قسوة الذين يعترضون هذه العنصرية ، فهي جهاز قمع الدولة التي تنطق باسم هوية الدولة ، فهي تحمي اليهودي ولو كان بمثل هذه الفئة العنصرية ، وتقمع من يعترض درب العنصرية ، فهوية الدولة بذاتها عنصرية ، وليس ثمة مؤسس لهذه الدولة لم يكن بعقلية ونفسية وممارسة هذه الجماعة ، فهذه الجماعة حقيقة الفكر والفعل الصهيوني اليهودي الذي أقام الدولة ، فالعدوان على العربي هو الفعل الذي جاء بهذه الدولة .

ولقد تفصح حقيقة التصاق ابن أم الفحم بالأرض ، وتنطق عن نفسها وتقول ، بأن أم الفحم قد اعتادت ، في سيرها عبر الزمان ، على الصعوبات ، وهي عند كل صعوبة تستنهض قدراتها ، فاذا بذاتها وقد تجلت لذاتها بمقدرة لم تلمسها من قبل ، فكأنها تكتشف ذاتها من جديد ، كأنما طاقات مخزونة في أعماقها ، وما كان يمكنها أن تبان وتتجلى بغير فعل التصدي للصعوبة التي حطت أمامها .

فكأنهاالصعوبات لها دلالات على الاستطاعة وعلى المقدرة على التألق ساعة الشدة ، وقد كان هذا شأن أم الفحم عبر تاريخها ، فلم للارتكاس بازاء صعوبة تعترضها ، ليجد محلا له من الاعراب في النفسية الفحماوية ، التي تهدر كما البركان كلما لاحت لها صعوبة تتحداها .

ومع ذلك فلا بد من وضع العدوان على أم الفحم في سياقاته الصحيحة ، فمارزل قال وهو يخطو على شارع جانبي في أم الفحم ، بأنه آت ليسكن هنا ، قاصدا أم الفحم ، وقال بأنهم أي جماعته ، سوف يتظاهرون في المرة القادمة في مركز المدينة( أم الفحم ) ، وبأنهم أي جماعته سيصلون المرة القادمة الى الناصرة ..

الى حيث اعدائهم ، فالتهديد والوعيد الذي يسيل من لسان اليمين العنصري المتطرف في اسرائيل ، انما هو اشتقاق ، من رغبة عميقة باقتلاع عرب الداخل ونفيهم من أرضهم ، ليصبحوا لاجئين كحال أمثال لهم من قبل .

فهكذا نطق وكهذه ممارسة تلوح على لسان القول ، انما  جذورها ممتدة ومتصلة  بحقيقة  قائمة ، وهي دوامة أمن الهوية اليهودية لدولة اسرائيل ، وهي الدوامة التي ينشغل بها ، ليس فقط ما ندعوهم باليمين المتطرف ، وانما قادة الدولة كلهم ، فمسألة القومية العربية في داخل هذه الدولة ، قد تناولها مفكرون صهاينة وقادة ، وكان تحريضهم على الأقلية القومية العربية جليا ، لا لبس فيه ولا غموض ، ولم يكن بأحد منهم ضرب  من حياء في تناوله لمخاطر يتوجسها ، من جانب وجود هذه الأقلية العربية ، 

على الهوية اليهودية للدولة ، فالتهديد بجملتة وحقيقتة منصب على أقلية قومية عربية بعينها وبحالها ، واذا هو انصب بما يتأجج به من أحقاد على أهالي أم الفحم ، مرة تلو أخرى ، فمن قبلها تساقط لهبا من غيظ ، على الجماهير العربية في عكا ، أو على عرب هنا أو هناك ، أو انفجر في وجه الدكتور عزمي بشارة في عملية انتقام تبدو فردية ، لكنها في حقيقتها تتربص بتنظيم جماهيري من خلفه ، وبكل ما يمثله من فكرة الدولة لكل مواطنيها ، وهي نظرية متناقضة بالتمام مع عنصرية صهيونية ويهودية ، تصر على دولة بهوية يهودية فقط ، ويمكن تبيان ماهية ذلك التهديد وجوهره في اغلاق مؤسسة الأقصى ، وفي مناداة لم تنقطع بحظر نشاطات الحركة الاسلامية التي يتزعمها الشيخ رائد ، أو تبيانه في هيئة غيظ فوار على لسان عضو كنيست يهودي ، لم يطق تعابير حنين زعبي ، حين قالت وهي تغادر الجلسة الافتتاحية للكنيست ، بأن كل هذه الطقوس لا تمثلني ،

فجملة منطوق كل هذا الحقد المتأجج هو ضيق الهوية اليهودية بهوية قومية عربية ، وهو ما يتدرج الى استدعاء فكرة الاقتلاع للعرب ، فسرعان ما تقال ، وتتجلى كرغبة صهيونية صعبة المنال ، فتجسيدها في الواقع العملي ، بذاته اللاممكن في حيثيات الامكان المتخيل بكل وعي صهيوني ، وذلك بحكم الظروف وما يمكنه أن ينضح به الصراع ، عند محاولة الاقتراب من تجسيد وهم كهذا في الواقع العملي ، فلا أقل من وجهة نظر أمن الهوية اليهودية ، والقائمين على هذا الأمن ، من استبقاء ورعاية مساحة من فاعلية ممثلة بجماعات ومفكرين ، فكلها مساهمة في استبقاء الفكرة ، والضغط بها على الأقلية القومية ، في عملية ترويض لربما تستحصل تبديلا ، في مفاهيم تسهم في خلخلة وتفكيك ، فتنتج ضعفا ، فتسهل شقا لصف يبدو موحدا ، فتسهل السيطرة عليه .

وبقراءة واعية لحقيقة تلك الجماعات اليهودية ، نجد بأننا بازاء عنصرية ،على فمها وعلى يديها ، ما تعنيه في وعيها كلمة "اقتلاع " ، وهي الكلمة التي يمتد جذرها عميقا، في تفسير كيفية قيام وجود يهودي في فلسطين ، على أنقاض وجود عربي ، فنفي الوجود العربي بكل عنف متاح ليحل في محله وجود يهودي ، آت من بعيد على أجنحة طائرات ، فبهذا تندلق العنصرية وتتفلت ، بما في أذرعها ومخالبها التي أفصحت عن مكنونها ، بكل وضوح في خلال أفعالها وكلماتها التي راحت بها كشافة ، عن هذا المكنون الرابض في هذه النفسية ، ويتنظر فرصته الى ما هو له قد تشكل ، فالاقتلاع لهذا العربي ، من مكانه بكل عنف هو بذاته الغاية المنشودة ، تلبيسا للمكان بيهودية خلوا من عربية ، وهذا هو الاقتلاع الذي لا يفارق حلم اليهودية والصهيونية ، فمن أين جاءت العنصرية ، وأين هي رابضة ، ومن أين تتغذى ، وماذا يستبقيها في نماء متصل ، فمن أراد فهما لها فعليه بمواطنها ، يهودية صهيونية ، فهناك يجدها تترعرع وتبيض وتفرخ ، وتتهيأ لتشكل الخطر على غيرها.. مواطن الفكر والكراهية التي تتنامى وتتهيكل وتتأدلج ، ويصبح في وعيها العدوان على العربي وسفك دمه وتخريب داره وقتل أطفاله ، وتشريده ليهيم على وجهه ، وله طعم تحقيق النصر على الأعداء ، وهذا الحاصل الآن في جوهره هو ما كان ،

وما يحصل الآن نزوع الى استكمال ما كان ، وحيث تكسرت ارادة العنصرية هذه وأفلست ولم يمكنها أن تحصل محصول اقتلاع ، بقي الوجود العربي راسخا في المكان والزمان ، فالحل هو أن تتكسر موجات العنصرية وتتحطم ،على عتبات كل وجود عربي في المكان ، ليبقى هذا الوجود شامخا في المكان ، وله صفة الديمومة على النمو والاستمرار في المكان والزمان ، ولهذا اقتضاء ، يقتضي البحث في مستوى الفعل الضرورة ، والممكن قيامه بما أمكن من امكانيات ، لبذل الطاقة الجماعية العربية فيه ، تدعيما للنمو والتطور، لهذا الوجود العربي في المكان ،الذي تتلاحق ألسنة نار العنصرية لتنال من رسوخه وديموميته

. لم يعد ممكنا للجماعة العربية ، أن تطل على مشهد كهذا الذي جرى في أم الفحم ، وقد جرى ما هو أفظع منه من قبل في عكا ، وفي غيرها بنفس الطريقة أو بطريقة أخرى تتنفس فيها العنصرية ، بحاكمية الأحقاد التي تمور فيها ، وتتفلت بها باحثة في كل وقت ، عن تصريف ما بها من غل ، لتصرفه على هذا العربي في هذا المكان أو ذاك .

فلم تعد تكفي كل صور التضامن والالتحام العربي ، دفعا للأذى بحالها الذي كانت عليه ، لا بد من طرائق داعمة وفاعلة وفعالة ، تتكسر على عتبات عنفوانها كل غلواء العنصرية السابحة في أوهامها ..

لا مفر من البحث عن أنماط من فعل جماعي ، قادر على تبخير أوهام العنصرية من الأمخاخ ، لتتناثر على أكف الريح وتأخذها عواصف التصدي الى حروف من ماض ، لا يتأتى أن يكون لها محل من اعراب في حاضر ولا في مستقبل .


المصدر