عندما يخون المثقف حق العودة
بقلم : معتصم حمادة
في زحمة إحياء ذكرى وعد بلفور الأليمة، استضافت إحدى الفضائيات العربية مجموعة من رجال الاختصاص والفكر والقانون، من بينهم أستاذ جامعي، وصلت مراتبه إلى أن يحتل موقع رئيس الجامعة في بلاده.
وهو أستاذ في التاريخ، والتاريخ هو المدخل الواسع، بل الأوسع إلى السياسة.
سأله المضيف فيما إذا كانت مبادرة قمة بيروت العربية قد تخلت عن حق اللاجئين في العودة.
فتردد الأستاذ الجامعي، وتلعثم.
لكن ذاكرته أسعفته، فأشار إلى أن ثمة بنداً في المبادرة ينص على توطين اللاجئين.
فأجابه المستضيف، من موقع إحراج الضيف الأكاديمي، إن المبادرة نصت على رفض التوطين في الدول ذات الخصوصية، كلبنان، لأسباب تتعلق ببنيانه الديمقراطي الطائفي المذهبي، والأردن، لأسباب تتعلق بتوازناته الداخلية (شرق أردني يقابله الفلسطيني اللاجئ) ولكون الأردن يتحمل مسؤولية العدد الأكبر من اللاجئين.
وأضاف المستضيف أن المبادرة لم تأت على ذكر حق العودة نصاً، كما أنها نصت بالمقابل على <<حل متفق عليه>> و<<عادل>> و<<بموجب القرار 194>>.
وأوضح المستضيف رأيه (وهو صحيح) أن الحل <<المتفق عليه>> هو الحل الذي توافق عليه إسرائيل، باعتبار أنها هي الطرف الثاني في القضية، وأن موافقتها على الحل هي المنشودة في المبادرة العربية.
وأن هذا الاشتراط (أي موافقة إسرائيل) يلغي عدالة الحل.
أما الإتيان على ذكر القرار 194 فليس غلا من أجل ذر الرماد في العيون.
ما جاء على لسان المستضيف ليس بجديد.
كنا أول من أشار إليه في مراجعة لنا للمبادرة العربية على صفحات مجلة <<الحرية>>. وفي الوقت الذي كان فيه البعض، ممن كتاب الصحف الخليجية، خاصة الصحف السعودية، يطبلون ويزمرون للمبادرة العربية.
كنا ننتقد ما جاء فيها بشأن قضية اللاجئين وأدناها علناً، لأنها أسقطت من نصوصها حق العودة، ودعت إلى <<حل المشكلة>> علماً أن الأمر ليس في <<حل المشكلة>> بل يمكن الأمر في فتح باب العودة إلى الديار والممتلكات للاجئين الفلسطينيين، وهذا ما نص عليه القرار 194، ولم ينص على <<حل عادل>> كما أنه لم يشترط موافقة إسرائيل على الحل.
الأستاذ الجامعي تلعثم مرة أخرى وارتبك، علماً أنه، وكما أسلفنا أستاذ في التاريخ، ورئيس سابق للجامعة. وكان واضحاً أن ارتباك هذا <<الأستاذ>> وتلعثمه مردهما إلى ارتباطه بنظام بلاده.
وهو نظام لا يتوقف عن الدعوة إلى توطين اللاجئين، بل أنه لم يتردد في توقيع معاهدة مع الجانب الإسرائيلي، في وادي عربة، وافق فيها على حل قضية اللاجئين المقيمين على أرضه بالتوطين. ولم يتردد في كل لحظة ليقدم نفسه بديلاً عن منظمة التحرير في تمثيل اللاجئين على أرضه بذريعة أنهم يحملون جنسية البلد المضيف.
والموقف الذي اتخذه هذا <<الأستاذ>> الجامعي، والمثقف، يشكل نموذجاً لكثيرين يتدافعون لتقديم أنفسهم خبراء في قضية اللاجئين وحق العودة. لكن عند الاستحقاق السياسي يسقطون في الامتحان.
- فبعضهم يسهب في شرح القضية لكنه يحجم عن تناول دور المفاوض الفلسطيني في إضعاف حق العودة والمساومة عليه، لأنه يرتبط بهذا المفاوض بمصالح خاصة.
- وبعضهم يرتبط بهذا النظام العربي أو ذاك، ولذلك تعتبر قضية اللاجئين و<<جوهر القضية الفلسطينية>> لكنه يتعامى عما يلحق النظام الذي يرتبط به من أضرار بالقضية الفلسطينية وشعبها.
هذا نموذج من <<المثقفين>> الذين سرعان ما يسقطون في الامتحان، حين يخيرون بين الانتماء إلى <<المصلحة الفردية>> أو الاتنماء إلى المصلحة الوطنية العامة.
ترى، من قال لهم أن الاتنماء إلى المصلحة الوطنية العامة يكون مجاناً. ومن أخبرهم أن هذا الانتماء لا يتطلب تضحيات.
إذا كانوا قد سقطوا في الامتحان، والقضية مازالت قيد التجاذب.
ترى ماذا سيكون عليه موقفهم عندما تتورط الأنظمة التي يتبعون لها في خطوات عملية تمس حق العودة وتلحق به الضرر.
عندها سيكون الفرز حاسماً.
وكلنا ثقة بأن الفرز لصالح حق العودة سيكون هو الرابح، وكلنا ثقة أن هؤلاء <<المثقفين>> ليسوا إلا قلة معروفة الأهداف والنوايا.. ولا تستطيع أن تموه على نفسها كثيراً.
المصدر
- مقال:عندما يخون المثقف حق العودةالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات