عندما ظننت أن الأحمر ينفع
بقلم د/ ديمة طارق طهبوب
لطالما أحسست بالفخر بجنسيتي الأردنية، فالأردن بلدي الذي وُلدت و نشأت على حبه بالفطرة، ثم أحببته عن سابق اصرار و ترصد كلما كبرت و تعلمت و عشت على ترابه في كنف أهلي و أكلت طعامه و شربت ماءه، و بالرغم اني قضيت ربع عمري في بريطانيا الا اني لم أندم على ضياع فرص سنحت لي بأن أصبح مواطنة بريطانية، و أحصل على الجواز الأحمر، و هو حلم طبيعي لأي مواطن عربي يرى في الغرب جنة عدن حيث لا هم و لا نصب و لا فقر و لا قيود.
حتى كان اليوم الذي زارتني فيه صديقتي الفلسطينية الأصل البريطانية الجنسية عبورا من الأردن الى فلسطين للعمل مع الأمم المتحدة في وكالة الأونروا في القدس، أربع ساعات كانت رحلة المرور، قضيناها في الحديث عن أحلامها: ماذا ستفعل؟ أي الأماكن ستزور؟ ماذا ستتعلم؟ و كيف ستخدم القضية الفلسطينية بلغتها و اطلاعها على الحضارتين العربية و الغربية، ثم أوصلتها الى مكتب الأونروا الذين وفروا لها سيارة لتقلها الى القدس عن طريق جسر (اللنبي)، سألت السائق: كم تحتاجون للوصول الى القدس؟ قال: ساعة تقريبا..ودعت صديقتي و الدموع في عيني، و كانت أول مرة أحزن اني لم أحصّل ذلك الأحمر البريطاني أو أي لون من الألوان التي تأخذني الى القدس و لو في زيارة..
القدس...قلت لموظف الأنروا: أنا أتقن الانجليزية و لكن من غير الأحمر، في أمل؟؟؟ شغلوني أي شيء..ضحك على براءتي أو سذاجتي، و كأنه يقول لي: هنا لا تنفع الأمنيات، و الأحلام على الأغلب كوابيس
القدس..ماذا كنت سأوصي صديقتي؟؟ تسجد عني؟ تمرغ رأسها في تراب الأقصى عني؟؟ تشرب الماء عني؟؟ تصافح الناس عني؟؟ تزور الأماكن عني؟؟ أينفع حب الأرض بالوكالة؟؟
و خطر ببالي: كل الطيور تعود في ذيل النهار الا أنا يا قدس أخطأني القطار
هل حسدت صديقتي؟؟ لا و الله..و لكن ما هي الا ساعات معدودة من مغادرتها حتى اتصلت بي لتخبرني ان اليهود رفضوا دخولها كونها تحمل أيضا الجنسية الفلسطينية و من مواليد غزة بالرغم ان الأونروا تعاقدت معها و هي تعلم هذا الأمر و بناء على جنسيتها البريطانية، و حتى سفارة اسرائيل في بريطانيا أعطتها فيزا للسفر الى اسرائيل عن طريق مطار بن غوريون ثم عادت و سحبتها لكونها فلسطينية و اخبروها قبل ليلة من سفرها أن عليها الدخول عن طريق الأردن، كان حلمها و حماسها و تفانيها كافيا ليجعلها تسافر حول الأرض لتصل فلسطين، و لكن الأحمر و من ورائه عقد العمل مع الأمم المتحدة،الأونروا، لم تساعد صديقتي في دخول فلسطين لانها فلسطينية الأصل و يا لها من تهمة!!!
تذكرت عندها من قال: من تهمته أنه فلسطيني لا يخرج من السجن أبدا لا تنفعه شفاعة الشافعين
إذن..لم ينفع الأحمر، و لم تنفع شفاعة بلفور عند اليهود لهذه الشابة التي تتقن الانجليزية و العبرية أكثر من العربية، و تعرف تاريخ الصراع من ألفه الى يائه بقلب ما زال يرى في المستقبل بارقة أمل
ليست حالة فردية ولا تجربة شخصية، هي قصتنا جميعا.. الممنوعون من العبور، الواقفون خارج أسوار القدس نسمعها مجلجلة: في القدس من في القدس الا أنت.
المصدر : نافذة مصر