علينا أن نوسع مجال الدعوة ولا نصاب بالإحباط
جريدة الشرق الأوسط
لندن - الشرق الأوسط - محمد الهاشمي الحامدي
بمناسبة اختتام الدورة التاسعة والعشرين للمجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، التقت "الشرق الأوسط" الشيخ عبد الله العقيل - الأمين العام المساعد للمجلس الأعلى العالمي للمساجد، وأجرت معه الحوار التالي:
* نريد في البداية نبذة موجزة عن تاريخ رابطة العالم الإسلامي؟
- تأسست الرابطة منذ 27 عامًا، وكان هذا التأسيس حصيلة تفكير لمجموعة من العلماء في العالم الإسلامي، تنبهت لما يعانيه العالم الإسلامي، وكانت ترجو إحياء روح التضامن الإسلامي، وإحياء مشاعر الأخوة بين المسلمين، وتبني قضاياهم في أنحاء العالم كله، ومن ثم كان ذلك التداعي، وكان ذلك التأسيس، وكان الاتفاق على أن تكون مكة المكرمة هي المقر الرئيسي لرابطة العالم الإسلامي، وكان أول أمين عام لها هو الشيخ محمد سعود الصبان، ثم تلاه الشيخ محمد صالح القزاز، ثم تلاه الشيخ محمد على الحركان، وأخيرًا الدكتور عبد الله عمر نصيف، والرابطة لا زالت سائرة في تحقيق الأهداف التي أُسِّست من أجلها، وكذلك دائمًا مدعمة هذا النشاط بأوجه متعددة ومحدثة لأساليب الدعوة ومتوسعة في مجالاتها.
* كيف تقيّم ما حققتموه خلال هذه الفترة الزمنية؟
- منذ تأسيسها إلى الآن خطت الرابطة خطوات مباركة على أصعدة متعددة، وفي أماكن مختلفة من العالم الإسلامي، ولعلها بفضل الله (عز وجل) قد غطت العالم الإسلامي كله، بل وغطت الجاليات في مهاجرها حيثما وجدت، هذا من حيث الرقعة المكانية.
أما من حيث النوعية، فهي قد أسهمت في مجالات شتى، ففي مجالات التعليم، كان لها إسهام في دعم المعاهد والمدارس والجامعات، بل والمساهمة في إنشاء وتأسيس الجامعات الإسلامية في أنحاء العالم الإسلامي.
وعلى صعيد المساجد عنيت الرابطة بهذا الأمر، وأسهمت إسهامًا كبيرًا في تشييد الكثير من المساجد، وبالذات في آسيا، وشرق آسيا وأفريقيا، وكذلك أيضًا في أوروبا وأمريكا.
وفيما يتعلق بدور الرعاية والأيتام والأطفال، والاهتمام بالمعوقين، عنيت الرابطة بهذه الجوانب كلها، وأعطتها الجهد الطيب، فضلاً عن ذلك، عنيت الرابطة عناية كبيرة بالفكر الإسلامي من خلال ما تطبعه من نشرات وجرائد بالعربية، وباللغات الأجنبية، وما تشتريه وتقتنيه من كتب وتوزعه في أوساط المسلمين على تنوع مستوياتهم.
هذا، واهتمت الرابطة أيضًا بدعم المستوصفات والمستشفيات في أنحاء العالم الإسلامي، وبالذات في المناطق الأشد حاجة، بالإضافة إلى الجهود الضخمة المؤثرة والفاعلة فيما يتعلق بالنكبات والزلازل والفيضانات، أو الجفاف، أو الكوارث الطبيعية المتعددة.
تلك بصورة إجمالية أبرز نواحي الأنشطة التي تمارسها الرابطة، ونؤمل إن شاء الله في مستقبل الأيام تطوير الأجهزة وتطعيمها بالعناصر الشابة الفاعلة، وتفادي سلبيات الماضي وتحسين مردودنا باستمرار.
* ما دور الرابطة في مواجهة حركات التنصير في أفريقيا؟
- تحرص الرابطة كما قلت من خلال وسائلها وجهودها التي تبذلها على تأكيد وتبيان معالم الإسلام الأصيلة المستقاة من الكتاب والسنة، وما أجمع عليه أسلاف الأمة، وتقدم الإسلام الصحيح كفكرة، وكعقيدة، وتشريع، ومنهج حياة، ثم تطلب من الدعاة أن يكونوا فعلاً نماذج حية لهذا الإسلام، وأن يجسموه واقعًا ماثلاً في حياة الناس.
ونعتقد أن توضيحنا للإسلام ووجود الدعاة كنماذج حية مترجمة لواقع الإسلام، أعتقد أن هذا النموذج هو الذي يبطل أسلحة الخصوم، ويقضي على كل انحرافاتهم، ونتمنى أن يهدأ سعار الأعداء، ويكف افتراؤهم على الإسلام، وعلينا كمسلمين ألا نتوقف البتة، وألا يصيبنا الإحباط مهما تكاثر الأعداء، ونحن كمسلمين لا بد أن نحقق هذا المعنى بأن نكون أمة واحدة متضامنة، فالمسلمون أولى الناس جميعًا على وجه البسيطة بأن يكونوا أمة واحدة؛ لأن ربهم واحد، ودينهم واحد، ودولتهم واحدة، ورسولهم واحد، وكتابهم واحد، وهم أمة واحدة (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)، ومن ثم لا بد أن يترجم هذا المعنى إلى واقع عملي، ونعتقد أن تلاحم الرابطة من خلال مكاتبها، من خلال دعاتها، من خلال مؤسساتها، من خلال مبعوثيها، من خلال زيارات مسؤوليها لتلك المناطق والعيش مع المسلمين في أماكنهم، ودراسة مشكلاتهم، والتعاون وإياهم على حلها قدر المستطاع، أعتقد أن هذا كله عمل باتجاه الوحدة، وهو تحقيق المعنى الأكيد في إنشاء الوحدة العملية الإسلامية.
* هل تفي ميزانية الرابطة بحاجاتكم المتزايدة؟
- كان المفروض أن تسهم الجهات المتعددة، والدول والمؤسسات من خارج المملكة العربية السعودية في تمويل الربطة - وقد نص على ذلك في التأسيس - ولكن في السنوات الأخيرة ضمر هذا المورد، وكاد أن ينضب وبقي الاعتماد الأساسي على ما تقدمه المملكة العربية السعودية من مساعدات، ولا يعني هذا أن موارد الرابطة ليس فيها تبرعات، أو هبات، أو إعانات من جهات خيرية وأفراد، ومن بعض الدول أحيانًا، لكن الثقل الأساسي تتولاه المملكة العربية السعودية، والحقيقة أن خادم الحرمين الشريفين كلما أحس أن الرابطة تعجز عن تحقيق ما لديها من طموحات، يبادر - جزاه الله خيرًا - بالدعم والمساعدة.
لذلك فنحن، ولله الحمد لا نشكو عجزًا، وإن كنا نرى أن الميزانية تحتاج إلى زيادات، ولكن ما واجهتنا مشكلة من المشكلات إلا وجدنا لها حلاً.
نضيف إلى ذلك أيضًا مساعدة أهل الخير في المملكة وخارجها، فقد كنا نعرض عليهم الكثير من المشاريع، وندعوهم إلى الإسهام فيها، فكان البعض منهم يتبنى المشروع برمته، والبعض الآخر يسهم بمبالغ، وهذا كله تحقيق لقول المصطفى (صلى الله عليه وسلم): «الخير باق في أمتى إلى يوم القيامة».
* لماذا لا تنشئون استثمارات خاصة بكم؟
- لدينا النية، وربما يكون ذلك في مستقبل الأيام، لكن هناك بعض المشاريع التي قامت بها الرابطة بالاشتراك مع آخرين من أهل الخير، أو من المؤسسات الخيرية المحلية، وقفًا لأجلها، مثلاً من يبني مسجدًا ويبني بجواره محل استثمار يعتمد ريعه بتعهد المسجد وصيانته، أو يتعهد مدرسة أو جامعة إسلامية، لكن الامتياز كمنهج أو كبرنامج للرابطة ما يزال محل بحث إلى الآن.
* يشكو التعليم العالي الإسلامي من المناهج التي تخلو من روح الإسلام، ألا تشعرون بخطورة هذه المشكلة؟
- نحن نعني كثيرًا بمشكلة التعليم، وأعتقد أن من أسباب مشكلة التعليم في العالم الإسلامي السياسية أن من وضعوا تلك المناهج كانت ثقافاتهم تغريبية، وكانت حصيلتهم من الثقافة الإسلامية يسيرة جدًا، فمن ثم كان الجود من الموجود، وكل إناء بالذي فيه ينضح، وكانت محصلة ذلك أن جاءوا بما درسوه، وبما خبروه، وبما مارسوه، فكان هذا العطاء، وكانت هذه المناهج، وغلب في طابعها الطابع التغريبي، ودمر المنهج الإسلامي، ولكن الآن أعتقد أن الكثير من المناهج في بعض البلاد العربية والإسلامية قد استقام أمرها، وصلح حالها، وأضرب على سبيل المثال لا الحصر، برامج التعليم في المملكة العربية السعودية فيما يتعلق بالجانب الإسلامي، كذلك في قطر، بالإضافة إلى العديد من البلاد الإسلامية، فإذا انضمت لها المؤسسات الأهلية والمؤسسات الخيرية التي تُقام ذاتيًا، وإذا أضفنا إلى ذلك الجامعات الإسلامية مثل الجامعة الإسلامية في إسلام آباد، والجامعة الإسلامية في بنجلاديش، فإن كل هذه المعطيات تدعو للتفاؤل.
فضلاً على أن جهودًا أخرى تبذل في كثير من المؤسسات الأهلية في ديار الشرق والغرب، وعلينا أن نضاعف جهودنا من أجل بث الروح الإسلامية في سائر برامج التعليم ومناهجها بالعالم العربي دون يأس أو فشل.
* ما يزال بعض العلمانيين المتطرفين يدَّعون أن الروح الإسلامية تتناقض مع ضرورات البحث العلمي؟
- هذا توجه خاطئ ينقله أصحابه عن تجارب الغربيين دون أن يكون له أساس في تاريخنا، والحقيقة العلمية الثابتة لا تصطدم البتة بالقاعدة الشرعية.
* حفظ القرآن الكريم من قبل الناشئة، هل تشغلكم هذه المسألة؟
- نحن لسنا بغائبين عنها، وللرابطة إسهاماتها؛ إذ لها مدارس خاصة بالقرآن الكريم تدعمها، في أندونيسيا، وفي أفريقيا، وفي تركيا، وفي غيرها، وهناك إدارة في الرابطة اسمها إدارة القرآن الكريم، تعني بهذا المجال وتعيِّن مدرسين على نفقتها، وتعطي منحًا ومكافآت وإجازات، وتقيم دورات خاصة لذلك، فضلاً عن الدعم الثقافي بالمصاحف وكتب التفسير.
وأحب أن أقول: إن العقد الأخير وما قبله بقليل شهد تزايد الاهتمام بحفظ القرآن الكريم، وتُجرى مسابقات سنوية لحفظه، تقام في المملكة كل عام، وتقام في الكويت، وفي ماليزيا، وفي آسيا، بالإضافة إلى أماكن مختلفة أخرى في أنحاء العالم الإسلامي.
* لاشك أنكم تابعتم التحولات الإيجابية في تونس بعد مقدم الرئيس بن علي إلى السلطة.. هل تفكرون في فتح فرع للرابطة هناك يكون مركز إشعاع في بلاد المغرب العربي، وغرب أفريقيا؟
- هذا الأمر وارد، وكان مدار حديث بيني وبين الأمين العام في تونس، ونحن الآن بصدد دراسة وضع مكاتب الرابطة الحالية والمستقبلية، وربما يكون هذا المشروع واردًا في القريب العاجل إن شاء الله، ونحن نعتبر أن الخطوات الأخيرة التي تمت من السلطات في تونس نحو النشاط الإسلامي والعاملين في الحقل الإسلامي، نعتقد أنها خطوات واعية مبصرة تدل على يقظة الحس، والوفاء لنبضات الشعب التونسي المسلم، وعلى أن الإسلام يعيش في قلبه وفي مشاعره ووجدانه، وأن وجود أفكار التغريب والغزو الثقافي في أي منطقة في العالم، لا يعني ضمور الإسلام وغيابه، ولا أشك أن إعطاء الإسلاميين حقهم ومجالهم في أن يتحركوا بإسلامهم مدعاة لرضا المسلمين في كل أنحاء العالم.
* ما دور الرابطة إذن في رعاية الكتاب والشعراء الإسلاميين؟
- نحن ندعم رابطة الأدب الإسلامي التي أسسها الشيخ أبو الحسن الندوي، ونتمنى أن توفق في فرض حضورها في الساحة الأدبية.
- أعرف أن لك اهتمامات أدبية، لذلك أحب أن أستطلع رأيك في الحدث الأخير المهم، أعني فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل؟
- جائزة نوبل تأتي من الغرب، ونحن مفتونون بالغرب للأسف الشديد، وكل ما يأتي منه، أنا أعتقد أن نجيب محفوظ له باع طويل في كتابة القصة، أقول هذا دون أن أدخل في توجهاته، وما نلحظه في قصصه، فهو يتبنى فيها نماذج وشخوصًا متعددة، ولكن أنا أعتبره صاحب هدف استطاع أن يسخر له قلمه وأسلوبه، فيما يتعلق بالجائزة أنا لا أعلق عليها كبير أهمية، لأنه لدينا نحن كمسلمين القدرة على تقييم تجاربنا وحصيلة أفكارنا من خلال الدراسات النقدية، والمسلمون هم الرواد في ذلك، وللأسف فإن مقاييس شهرة هذا الأديب أو ذاك ليست دائمًا موضوعية.
* ماذا تقصد؟
- أريد أن أفرق بين أمرين: أديب سُلِّطت عليه الأضواء ولمع، وأديب ظل مغبونًا مضمورًا على تفوقه، وأضرب لك مثلاً على سبيل الذكر لا الحصر:
أنا من قراء على أحمد باكثير، وأعتبره كاتبًا متفردًا للمسرحية في الأدب العربي المعاصر، لكن ما حصيلة النقد المتعلق بإنتاجه، وما معلومات الناس عنه، وأين هو الإعلام الذي تبناه؟ مقابل ذلك فإن كُتَّابًا مغمورين قد يكون أحدهم أسف في أدب الجنس، ونزل في الحضيض، لكن كانت له صدارة الإعلام، كاتب آخر مثل نجيب الكيلاني ظل مغمورًا رغم تميز إنتاجه القصصي، كذا الحال بالنسبة للشعراء، نجد كثيرين من الذين لا باع لهم فيه خدمهم الإعلام، وهناك شعراء من الدرجة الأولى لكنهم مهضومون.
ــــــــــــــ
(*) جريدة الشرق الأوسط، 20/ 11/ 1988م.
المصدر
- مقال: علينا أن نوسع مجال الدعوة ولا نصاب بالإحباط موقع عبدالله العقيل