على هامش أعمال اللجان

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
على هامش أعمال اللجان
شعار فتح وحماس.jpg


بقلم : معتصم حمادة

إن الصيغة الوحيدة لضمان مصالح الفصائل ومصالح الشعب معا، هو تغليب المصلحة الوطنية العليا على كل المصالح... فتحت هذا السقف وحده يمكن أن تقوم الجبهة الوطنية الفلسطينية المتحدة.. خيارا بديلا لخيارات «المحاصصة» والانتهازية الفئوية

من الطبيعي أن تنشد الأنظار نحو القاهرة، حيث تدور منذ العاشر من هذا الشهر أعمال لجان الحوار الفلسطيني الخمس. فالوصول إلى هذه المحطة، تطلب الامر قطع مسيرة طويلة، تعثرت مرة، وسارت سلسة مرة أخرى.

صادفتها عواصف وأنواء، كان أبرزها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في الحملة الإجرامية المسماة «الرصاص المصهور». وقد اسودت سماء الحالة السياسية في المنطقة على وقع هذا العدوان وتداعياته، والمواقف المختلفة التي اتخذتها أطراف الحالتين السياسيتين الفلسطينية والإقليمية.

وقد تبدى لكثيرين أن الحوار بات حلما لن يتحقق. إلى أن كان انعقاد المؤتمر الرابع في 26/2/2009، واللجان الخمس في 10/3/2009.

يفترض بنا ألا نستبعد الأجواء الإيجابية في إدارة أعمال اللجان الخمس، لكننا في الوقت نفسه نبقى في حذر شديد من أية مفاجآت ذات طبيعة «تحاصصية»، كالمفاجأة التي برزت في 26/2/2009، حين تقدمت حركتا حماس وفتح بورقة عمل مشتركة شكلت أساس النقاش الفلسطيني آنذاك، وقد أدخل عليها النقاش سلسلة تعديلات، حسنت من سقفها السياسي ورفعته، وفتحت الآفاق لإصلاحات سياسية من خلال اعتماد مبدأ التمثيل النسبي في الانتخابات كافة، كما أعادت النقاشات التأكيد على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

علما أن الورقة المشتركة بين فتح وحماس تجاهلت هذه النقطة وأغفلتها (راجع النص الكامل لورقة الحركتين، وللتعديلات التي أدخلت عليها في العدد الماضي من «الحرية»).

والتحوط من «المحاصصة» ليس تطيرا، بل هو موقف مبني على الخبرة السياسية ويستند إلى وقائع سابقة توصل فيها الطرفان، من خلف ظهر الآخرين إلى «محاصصة» في المناصب دون حل للقضايا السياسية.

وقد أنتجت هذه «المحاصصة» كما هو معروف كارثة سياسية تمثلت في الانقسام السياسي الذي وقع في 14/6/2007 واستمر حتى الآن بكل ما ألحقه بالحالة الفلسطينية من خسائر صافية دفعها الشعب الفلسطيني من حقوقه وقضيته ولقمة عيشه واستقراره وأمنه ودمه ولحمه.

وأن أية «محاصصة» قد يتم التوصل إليها هذه المرة، والالتفاف حول أطراف الحوار، لن تكون أقل كارثية من سابقتها فهي ستعيد إنتاج الأزمة السياسية على المستوى الوطني، في وضع فلسطيني يعيش ظروفا شديدة التعقيد من أهمها:

  • حالة الدمار الذي يلف قطاع غزة على يد العدوان الإسرائيلي وهو دمار لم يصب الأبنية الرسمية والمنازل والمستشفيات ودور العبادة فقط، بل أصاب مجمل الحياة اليومية للقطاع فشلها وعطل مسارها الطبيعي، ووضع كل شيء في سلة الانتظار، بكل مافي الانتظار من عذابات ومعاناة وإهانات.

وبالتالي تنتصب مهمة إعادة الإعمار أمام الحالة الفلسطينية وهي مهمة لن تنطلق إلا إذا توفرت شروطها، وأهم هذه الشروط وضع نهاية للانقسام، وقيام حكومة وطنية، متوافق عليها من الجميع، يكون بإمكانها أن تدير ورشة الإعمار، وليس أن تنشغل بصراعاتها الداخلية، السياسية والتنظيمية بما في ذلك الصراع على تقاسم المغانم والمناصب في السلطة الفلسطينية وأجهزتها.

ويخطئ من يعتقد أن حكومة «محاصصة» بإمكانها أن تقوم باعباء إعادة الإعمار.

إن حكومة «المحاصصة» هي الوصفة الأكثر نجاحا لشل الحالة الفلسطينية، ولنا في حكومة هنية الثانية ولنا في المجلس التشريعي الحالي دروس مهمة يجدر بنا تفهمها وقراءتها بتمعن.

  • ومن الطبيعي القول إن لا إعمار في ظل الحصار وإغلاق المعابر، وأن لا إعمار في ظل حالة قلقة، لا تنتمي إلى حالة الحرب، ولا تنتمي إلى حالة التهدئة، وبالتالي المطلوب حكومة توافق وطني، لا يكون بمقدورها إطلاق ورشة الاعمار فحسب، بل وكذلك توفير الشروط السياسية المحيطة لإطلاق هذه الورشة، ونعتقد أن الوصول إلى حل لقضية الحصار، ولقضية المعابر، لن يكون مفصولا عن موضوع التهدئة.

علما أن المؤشرات السياسية الواضحة علنا، تنبئ منذ الآن، أن العدو الإسرائيلي، في الحكومة القادمة، لن يكتفي في رفض التهدئة فحسب، بل هو يتحضر لخوض الجولة الثانية من حملة «الرصاص المصهور» وليس بالضروري أن تتكرر المشاهد نفسها، كالتي رسمتها الجولة الأولى من هذه الحملة، لكن المؤكد أن الجولة الثانية ستكون مؤلمة، وستكون مكلفة (بغض النظر عن قدرتنا على إلحاق الخسائر بالعدو) وستكون مقدمة للجولة الثالثة.

لذلك من كان حريصا على المصلحة الوطنية العليا، توجب عليه أن يكون حريصا على إصلاح الوضع الفلسطيني الداخلي، وتخليصه من كل عناصر ضعفه، وتسليحه بكل عناصر القوة، وفي مقدمة هذه العناصر أن تتوحد المقاومة في جبهة وطنية متحدة وبقيادة سياسية مشتركة وأن نضع حدا لسياسة الاستفراد، والاستئثار، والانقسام وأن نتحلى بروح الوحدة الوطنية القائمة على أسس ديمقراطية، شفافة، بعيدا عن البحث عن المكاسب الفئوية الضيقة. لقد أثبتت التجربة المرة أن المكاسب الفئوية سرعان ما تهددها رياح الانقسام، والتشتت.

وأن ضمان المصالح الفئوية هو حين تلتقي هذه المصالح مع المصالح الوطنية، أي حين تخضع هذه المصالح للمصالح الوطنية.

  • هذا يقودنا إلى الحديث عن توفير بيت يتسع للجميع، ويكون سقفه ملجأ للجميع، ولا بيت يتسع لنا، كفلسطينيين إلا منظمة التحرير الفلسطينية المتوجب إعادة تشكيل مجلسها الوطني بالانتخابات الشاملة في الداخل والخارج (حيث أمكن) بالتمثيل النسبي وأن أية محاولة للالتفاف على هذا المبدأ، والبحث عن محاصصات جديدة في المنظمة، قد يكون من شأنه قيام مجلس وطني، لكنه لن يكون «جديدا» في أسلوب عمله، وفي آلياته، وفي حرصه على المصالح الوطنية بل سوف يكرر تجارب الكوتات السابقة، وبالتالي سوف نفرغ، والحال هكذا تجربة إصلاح م.ت.ف. من مضمونها، ويصبح الهدف «الوصول» إلى مقاعد في المجلس وفي اللجنة التنفيذية على حساب البرنامج والفعل والنتائج.
  • كل هذا، لا يشكل هدفا بحد ذاته، بل يبقى الهدف هو الخلاص من الاحتلال والاستيطان، خاصة وأن جولة المفاوضات باعتراف أصحابها لم توفر أسس الحل، وبالتالي أعلن الرئيس عباس شروطه للعودة إلى المفاوضات: وقف الاستيطان إزالة الحواجز، العودة إلى خطوط 28/9/2000. ونعتقد أن توفير هذه الشروط يعتبر معركة قائمة بذاتها، لا يمكن خوضها إلا بوحدة وطنية وبمؤسسات فاعلة، في المنظمة وفي السلطة وفي الحكومة.

إن إعادة التأكيد على هذه المواقف تستمد أهميتها والحالة الفلسطينية تعيش لحظة تاريخية، تقف عند محطة المطلوب فيها الالتزام بما تم التوقيع عليه من وثائق اجماع وطني: إعلان القاهرة (آذار / مارس 2005)، وثيقة الوفاق الوطني (27/6/2006).. وأخيرا وثيقة القاهرة الثانية (26/2/2009) التي نعتقد أن حبرها لم يجف بعد.

المصدر