على طريق الفكاهة - د.أحمد عبد الحميد

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
على طريق الفكاهة - د.أحمد عبد الحميد

31/1/2014

د.أحمد عبد الحميد

على طريق الفكاكة

(1) السادات:

من الاشتراكية للرأسمالية مرت مصر بمراحل فكاكة مختلفة.

مرحلة السادات الأولى، التي نبغ فيها الجيش المصري، و صولا لنقطة الحرب 73، و تحول مصر من الاشتراكية للرأسمالية الصريحة، و معاهدة كامب ديفيد، مرحلة أولية مهمة للغرب.
إذ تم فيها إقناع الجانب المصري بأن التركيز على "البنية التحتية" هو العامود الفقري لجلب الاستثمار الأجنبي، و مع مهرجان "الانفتاح" الاقتصادي.
بدأت عملية شفط أموال الدولة في مشاريع بنية تحتية كانت تستنزف موارد الدولة، و تعطي خير المشاريع كله للأمريكان أو المتعاونين معهم.
تخيل محطة كهرباء تتكلف 100 مليون دولار، بحسب المعونة، بإمكانك الحصول على قدر من المال من المعونة الأمريكية، ربما بضعة ملايين، في مقابل أن يقوم بالعمل شركة أمريكية.
كل ما كان على رجل الأعمال أن يقوم به، هو أن يأتي بصك ائتمان من الحكومة، تقول فيه الحكومة أنها ستشتري الكهرباء بسعر كذا.
و بهذه الوثيقة، يتمكن الطرف المصري، رجل الأعمال، من الحصول على جزء من المعونة الأمريكية.
و لكنها ليست كافية لإتمام المشروع، فيقوم صاحبنا بالاعتماد بحسب شروط المعونة على الشريك التقني الأمريكي الذي قد يحصل على 90% من المشروع، و ليتم المال ال 100 مليون، يتم الاقتراض من البنوك المحلية.
و لمن يذهب المال؟ يذهب في أغلبه للشريك الأمريكي، ثم في أول 10 أعوام يتم سداد القرض، و تظل النسبة الأكبر فيما بعد دوما للشريك الأجنبي.
و يرضى صاحبنا رجل الأعمال الذي لم يدفع شيئا ب 5% أو أقل من المشروع و ربحه، وبعد مرور 25 عام، لا يجيد فيها الجانب المصري حتى إدارة المحطة، فإن الحكومة تؤجرها من إدارتها، و يبقى خير البلاد موجها للخارج.
هذه اللعبة، تمت في أغلب الصناعات، الطرق، الصناعات الثقيلة، خطوط البترول و الغاز و التنقيب حتى. و مع مرور الوقت تم طحن الطبقة المتوسطة، وصولا لمبارك.

(2) مبارك: من الرأسمالية للاحتلال الاقتصادي

مبارك في مواجهة كل ذلك، كان سلفه قد ثبت أعمدة الدولة العسكرية، لا في مفاصل الدولة المدنية، أ‘ني 2000-4000 وظيفة من محافظ لنائب محافظ للمحليات إلخ، و لكن مبارك سمح أيضا بخطوتين أخطر من سلفه. سمح أولا بأن يتاجر العسكر.
و بذلك أصبح العميد المتقاعد صاحب الشركة الخاصة مثلا، على صلة بالمحافظ الحالي لأنهم "دفعة"، و من ثم بدء مهرجان "الإسناد المباشر" ولكن بتغطية قانونية.
فتح باب المناقصات لمدة بسيطة و دون الإعلان عنها. و بالتوازي، بدئت عملية "الخصخصة" و نقل ممتلكات الدولة للقطاع الخاص، و نقل أعمدة القطاع العام كشركات توزيع الكهرباء أو خطوط نقل بترول بعينها لتكون "شركات قابضة".
أي شركات تتعامل على أنها شركات خاصة، ولكنها شركات حكومية.
و مع اعتلاء أغلب تلك الشركات (183 شركة) لواء سابق، فإن القبضة تم احكامها اقتصاديا، و لم يكن لازما إلا فصل محاكمة هؤلاء في محاكم عسكرية منفصلة... ولو كانوا مدنيين، بعد انتهاء مدة خدمتهم.
تماما كما يتم محاكمة الانجليز و الفرنسيين أيام الاحتلال أمام محاكم خاصة منفصلة.
وفي خضم بزوغ طبقتين لرجال الأعمال، رجال أعمال أصدقاء مبارك يتاجرون في الصناعات الكبرى، كتصدير الغاز أو التبرول.
و تقاضي سوزان مبارك كما علمنا بعد الثورة عمولات لآبار بعينها.
كان هناك أيضا أصدقاء جمال مبارك المنافسين الجدد للقدماء، أحمد عز على رأسهم.
وفي كل حال اقترف مبارك جريمته الكبرى بأن كانت أكثر من 55% من طاقة مصر (غاز و كهرباء) لا يطالها إلا 40 مصنع فقط لا غير.
يعني، الدولة بدل أن تفضل المصانع الصغرى، أو المصانع صاحبة العمالة الأكثر، فإنها أصبحت تفضل المصانع التي تعمل مع المعونة، و بعمالة أقل، و خير أقل للبلاد.
بل أضف على ذلك أن أموال المصريين المنهوبة في الدعم، أملا في أن يتم تخفيض سعر حديد التسليح مثلا، أو الأسمنت... طلبا لدعم "البنية التحتية" و بالتبعية الاستثمار، و ثم تحقيق نمو للدولة... لم يتم معه خفض سعر البيع لتلك المنتجات، و إنما تم بيعها للمصريين بأسعار تقارب الأسعار العالمية، ثم تم تصدير كميات مهولة من الحديد و الأسمنت... على حساب المصريين. وهم في غفلة من أمرهم.

(3) الدولة المفككة:

الهاء الشعب و تسليم سيادة الدولة وفي خضم كل ذلك تم تضييق نظر الناس للنظر دوما للخطة "الخمسية"، خمس أعوام و سيتحسن كل شيء، خمس أعوام تمر و يمر غيرها ولا شيء يحدث، من أسوأ لأسوأ.
و لم تجد الدولة لها أي مشروع "فكري" أو منتج ثقافي صالح للتصدير، مجرد دولة استهلاكية، استبدادية يتم بث التخلف في عقول الصغار، و الأكاذيب في عقول الكبار، و نزاعات و قضايا و همية... و الحال من أسوأ لأسوأ، بينما ينتفع "النخبة" أو أولئك الذين يتم تلميعهم في الإعلام ليكونوا مثلين للشعب.
حتى استعر الشعب من نفسه، من مثليه، ممن هم على شكله و هيئته. بينما حدث كل ذلك، أصبحت الدولة نفسها ضعيفة، إذ تم تقوية القطاع الخاص على القطاع العام.
و أصبحت شركات الحكومة الناجحة معدودة و مهددة بالخصخصة، و أصبح التدخل بالضغط على الدولة نظرا لدينها الدولي أمرا طبيعيا.
الدين الذي يدفعه أيضا المصريين أنفسهم، الذين فرطوا في الثروات تحت الأرض، وبينما يدفع المواطنون أكثر من 60% من دخل الحكومة من ضرائبهم، فإنها أيضا لا تكفي سد حالة السرقة المستمرة، فما بالك بسد الدين؟ لذا كان طبيعيا أن تقدم الدولة تنازلات "سياسية" للخارج، الذي يصبر على دفع فاتورة الدين.
مال مصر و حرب حماس و إسرائيل؟ إذا، لماذا تبني مصر جدارا بينها و بين غزة، نزولا على رغبة "اليهود" أصحاب فكرة الجدار منذ فجر التاريخ؟ لماذا تمت مثل هذه التنازلات؟ لأن ثمة عجز اقتصادي في الدولة، ثمة ذراع يتم لويه من وقت لآخر... مصر دولة عاجزة عن قرارها.
منكفئة على ذاتها... حتى قرار الحرب ضد دولة تهدد أمنها المائي، لا تقدر عليه. في المقابل إسرائيل مجرد فكرة تهديد إيران البعيدة عنها لها، تجبر إسرائيل على ضرب مفاعل نووي عراقي مرة، و ربما تفعلها مرة ثانية في إيران عما قريب.
يعني، السادات تسبب عن طيب قلب و سذاجة في طحن الطبقة المتوسطة، و مبارك أكمل المسيرة بتثبيت دعائم دولة راس المال. و المعونة الأمريكية ساهمت بشكل مباشر في احتلال مصر اقتصاديا، و فقدت مصر معها الإرادة السياسية الحرة.
لذا كان مستهجنا أن يأتي صعلوك فاشل منتخب مثل مرسي، و يفكر، مجرد التفكير التواصل مع أي دول أخرى على خلاف سياسة أمريكا "الباب المغلق" بتعبير تشومسكي.
أي تدخل أمريكا الدولة و تغلق الباب من خلفها... تؤسس لوجود الشركات الأمريكية بشكل قانوني ثم يتم إغلاق الباب، و "تأخذ السلم فوق" بتعبير السيسي، لم و لن يكون مقبولا، الإنقلاب على مرسي الساذج كان أمرا محسوما من يوم انتخابه، ربما تأخر قليلا.

(4) من الدولة المفككة للدولة العاجزة المحتلة المرحلة التالية، تشمل تنازلات أكبر، إذ بعد أن تنازل الجيش عن السيادة على سيناء تماما، كما حدث الشيخ كشك في السبعينات، و كذبه و سبه السادات علنا في مجلس الشعب، ووعينا نحن بعد أكثر من 40 عاما كذب السادات، فإن الدولة المصرية في حاجة لأن تأخذ بضعة خطوات أخرى ليتم تمرير الانقلاب العسكري، و تثبيت دعائم دولة رأس المال، و الدولة العسكرية، و يتمكن الانقلاب من الدولة، و تستمر عملية "الاحتلال" الاقتصادي لمصر.

بينما يتغنى الجميع بالوطنية و الوطن، المنهوب المحتل أساسا. الدولة العاجزة تلك، تحتاج لحالة من الانتعاش، لن تأتي إلا من القطاع الخاص، ومن التعاون مع شركاء جدد، و لكن يجب أن تغير الدول شيء و تقوم بآخر أساسي: أولا: يتم تغيير فكرة العدو من "إسرائيل" لأي شيء آخر. الإرهاب كلمة مطاطة، و تناسب المرحلة. كلمة رفضها طنطاوي "كلب مبارك" بتعبير ويكي ليكس و الأمريكان عنه.
السيسي يقبل بحرب الإرهاب، و يتم تغيير عقيدة الجيش تماما. لن يصبح العدو بعدها إسرائيل. الدولة تكاد تتحرج في ذكر أنها دولة "علمانية" صريحة، و أن الامن الأهم هو "أمن الدولة"، ولو من المواطنين أنفسهم.
ثانيا: يتم تقديم تنازلات عسكرية، ولو تطلب ذلك التعاون بشكل مباشر مع اسرائيل في سيناء، ك "شركاء"، ثم لو تطلب الأمر تخوض مصر حرب مع حماس، ولو بدا ذلك ضربا من الجنون، حرب تمهد سحق حماس بالنيابة عن إسرائيل.
بعدها يتم وصل الضفة الغربية بغزة، و يتم الحكم للسلطة الفلسطينية "الكيوت".
و نبدأ في سيناريو حل الدولتين. بينما يتم الضغط بالطاقة على غزة، و الحصار، وردها لعصور ما قبل التاريخ بطلعات جوية كل بضعة أعوام،
في نفس الوقت الذي يتم فيه تمكين التمدد العمراني الإسرائيلي على الحدود مع مصر في صحراء النقب.
وبذلك تبقى سماء مصر مفتوحة للولايات المتحدة، و تقدم إسرائيل المتقدمة علميا و اقتصاديا بعقود عن مصر يد العون ولو في الخفاء، و يتم إمداد الإسرائيلين بالغاز الطبيعي، سواءا بشكل مباشر من مصر، أو بالإهمال في آبار البحر المتوسط، تستخدمها إسرائيل في تكريير الماء.
و تصبح مصر فجأة الشريك الأساسي لإنعاش الحياة في إسرائيل نفسها، و يصبح الجيش المصري، مجرد حامي المصالح الأمريكية من الرعاع المصريين. تماما كما هو الحال في العراق.

(5) تبسيط ووعي

أحيانا يبسط البعض المعركة في مجملها لمعركة تحرر من حكم سلطوي ديني أو عسكري.
البعض ينظر كثيرا عند أقدامه، أو عند حرب الأيديولوجيا أو الدين و هو على صواب، ولكنها ليست الصورة الكاملة، إذ لكل طرف مصالحه، و الأيديولوجيا و الدين نفسه أحيانا يتم تطويعه لخدمة "مصلحة" أحدهم.
أزعم أن السيسي رجل وطني، في رأيه تخلص من حكم فاشي ديني بحسب وجهة نظره، ولكنه لا ينظر إلا عند أصابع أقدامه تماما كسابقيه، مبارك و السادات، يريد أن يثبت حكمه، و لو تطلب ذلك تقديم أي تنازلات سياسية و عسكرية، ولو اختلق عدوا و حارب صديقا، ثم يموت بعد بضعة عشرات من الأعوام، أو الغد، و قد ترك لنا إرثا من المعضلات، لا يحلها ثورة، ولا حرب نقدر عليها بدولة عاجزة.
السيسي مجرد رجل يبحث عن مصلحته الشخصية، و مكتسبات المؤسسة التي ينضم إليها، تماما كأي قصير النظر ولكن واقع الأمر، الدولة بأكملها يتم تفكيكها استراتيجيا، منذ عشرات السنين.
كل حاكم جديد مجرد حلقه تكتيكية في سيناريو التفكيك، مجرد دمية، التغيير "عملية" وليس "حدثا" في ذاته، إن البحار الماهر، ليس رجلا يجيد التحكم في المياه التي تحمل البحر، أو الموج، و إنما رجلا يجيد تحديد وجهة الشراع للوصول لهدفه.
و طالما ذلك الهدف قصير الأمد، فإن حتمية التيه لا فرار منها، حتمية انتهاء مؤنة السفر لا فكاك منها. إن وعي المدافعين عن تلك القضية، و أنها "عملية" وليست حدثا في ذاتها، هو الجزء الأصعب. نقل ذلك الوعي لطبقات الناس بأي شكل، هو المعركة الأكبر، توحيد الناس على هدف واضح...
و تكراره حتى يفهمه و يحفظه كل الناس هو المطلوب، أرض المعركة ليست فقط في التظاهر و الحشد، و إنما في كل ركن في الدولة، في رسائل التهديد للفسدة، في مناكفتهم، في التضييق عليهم، في الثورات الصغرى الجزئية في كل مؤسسة، و في الثورة الكبرى الكلية التي تجمع هؤلاء الفرقاء في تيار أساسي للتغيير، من وضع الدولة المحتلة اقتصاديا ، المعسكرة سياسيا و اقتصاديا، لدولة حرة تملك رؤيتها، و تفكر كبقية الأمم في "ميزة نسبية" لها، ثمة تحديات في أخلاق الناس التي أفسدها الزمن، و ثمة تحديات و نزاع أيديولوجي بين الفرقاء، كلٌ يظن الصواب معه. ولكن لا أظن أحدا يختلف على "المصلحة" و الصالح العام.

و أن ما يجري في مصر من حكم عسكري قمعي غبي ساذج متواصل منذ الانقلاب على الملكية، هو بعينه الفشل، الحكم العسكري باطل، لأنه لا يحمل أحلامنا، و لا تطلعاتنا كشباب، لا يحمل في طياته إلا دولة عجوزة أفقرت البلاد، و تسببت في احتلالها اقتصاديا و عجزها سياسيا. إن فشلا نشارك نحن فيه، سنتعلم منه، و نصوب وجهته، فننجو.

أما الفشل الذي يُفرض علينا، و يفرض علينا القائم بأعمال الفشل بوظيفة رئيس جمهورية معينا من مجلس عسكري، فإنه لا أمل لنا مطلقا أصلا في تعديل وجهته. هو مجرد قائد حكيم نحو الهاوية.... تماما كمن سبقوه

المصدر