على شهوان
مركز الدراسات التاريخية (ويكيبيديا الإخوان المسلمين)
بقلم/ أشرف عيد العنتبلي
باحث دكتوراه بجامعة القاهرة
محتويات
أولا : المقدمة
يهتم كثير من الدعاة بالخطابة لتوصيل فكرتهم إلى الناس ، فيجنحون إلى اختيار الألفاظ والقصص ليستميلوا الناس ويقنعونهم بما يريدون . وقد غاب عن كثيرين أن السلوك العملى للإنسان أبلغ من الكلام ، وكم من أناس لا يتكلمون كثيرا ، لكنهم بسلوكهم قدوة لمن يراهم أو يسمع عنهم ، ومن هؤلاء الأستاذ الدكتور علي شهوان ، فقد كان يرحمه الله حاله أبلغ من مقاله جمع حجة اللسان ورجاحة العقل ، رجل عاش في دنيا غير التي نعيشها ، لأنه عاش بمعاني وقيم مثالية ، واستطاع أن يثبت على المبادئ التي فشل الكثير فى الثبات عليها.
ثانيا : نشأته

الدكتور على عبد الحليم شهوان من الرعيل الأول للإخوان المسلمين فى مصر ، ومن الأطباء المشهورين فى قسم أمراض النساء والتوليد فى مصر ، ولد فى أوائل الثلاثينات من القرن العشرين ، والتحق بدعوة الإخوان فى صدر شبابه فى بداية محن الجماعة فى أوخر الأربعينات ، ثم فى عهد المستشار الهضيبى ، وهو طالب بكلية الطب بجامعة عين شمس ظهرت تميزه العلمى والدعوى ، فجذب الأنظار إليه .
ولما نزلت محنة السجن والاعتقال للإخوان سنة 1954 فشارك إخوانه فى السجن سبعة عشر عاما بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين ليخرج من سجنه سنة 1971، ومع ما يدبره النظام الفاسد إلا أن حكمة الله كان لها شأن آخر ، فالطالب الذى انقطع عن الدراسة هذه الأعوام الطويلة ليعود إلى كليته , فيجد زملاءه قد تخرجوا وصعدوا السلم الوظيفى حتى صار بعضهم مدرسين بالكلية ، وهو مازال تلميذا, ومنهم من ترقى فصار مديرا عاما أو وكيل وزارة ، لكنه لم يقم لذلك كله وزنا , ولم ييأس من الوصول إلى غايته , بل شق طريقه فى ثقة ويقين، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين , وحينما ظهرت نتيجة امتحان البكالوريوس كان الطالب علي شهوان من أوائل دفعته وعين معيدا بالكلية عن جدارة , وظل يتدرج فى سلك التدريس حتى صار أستاذ أمراض النساء والولادة بكلية الطب جامعة عين شمس , وأفاء الله عليه من فضله ما لم يكن يحلم به ورزقه الله زوجة صالحة أنجبت له خمسة من الأولاد ،إنه فضل الله يؤتيه من يشاء .
وبعد خروجه من السجن توثقت صلته بإخوانه ، فكان وثيق الصلة بالأستاذ عمر التلمساني رحمه الله والأستاذ مصطفى مشهور .
وسافر إلى السعودية فترة ثم عاد واستقر في مصر حتى أن توفاه الله سبحانه في 18/11/2009.
ثالثا : ثباته مع الإخوان فى السجن والاعتقال

أعتقل فى من سنة 1954، وهو فى الفرقة الرابعة بكلية الطب جامعة عين شمس, وحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاما أمضاها كاملة ، وكان من المفترض أن يخرج فى سنة 1969، لكن صدرت الأوامر باعتقاله , تنفيذا لعبارة كانت جهة التنفيذ تذيل بها الحكم ( يرحل بعدها إلى المعتقل ) ، فلم يخرج إلا فى سنة 1971.
وطاف على مختلف السجون بدأ بالسجن الحربي ثم إلى سجن "القلعة" ثم إلى "ليمان طره" ثم رحل إلى سجن "الواحات" فـسجن "المحاريق.. فقنا...".
وكان سجن المحاريق يضم ثلاثة عنابر لجميع النزلاء ، ومبانٍ خاصة بالإدارة ، وكان يحوط السجن سور عال مبني بالأحجار ، وأقيمت عليه أبراج للحراسة ، وكانت جميع عنابر السجن ومرفقاته أبواب خشبية ضخمة مبطنة ومزودة بالحديد ، وفي وسط السجن أقيمت فيلا خاصة لسكن المأمور ، حتى لا يغادر السجن ليلا أو نهارا، إمعانا في التحفظ علي الإخوان ، وخشية من هروبهم .
وفي منتصف الليل ، طرق أحد السجانة باب زنزانة الدكتور علي شهوان ، طبيب الإخوان ورجاه أن يذهب معه إلي فيلا المأمور لحالة مرضية مستعجلة ، ولما ذهب الدكتور علي شهوان إلي سكن المأمور ، وجد ابنه في حالة إعياء ، وقد أشرف علي الموت ، ولاحظ أنه قد شرب دواء السيدة والدته خطأ ، فأجري له العلاج المطلوب، وشفي المريض بإذن الله ثم أحسنت إدارة السجن المعاملة بعد هذه الزيارة .
ولعل هذا الموقف خفف عن الإخوان كثيرا من المعاناة لفترة من الزمان ، فقد كان الإخوان فى السجون يتعرضون لفنون مختلفة من التعذيب ، فسمح لهم بإدارة معظم مرافق السجن ونظموا أنفسهم ، فكان منهم : ( المطبخ (عباس عبدالسميع ، و( الغلاية ( مالك نار وعبد السميع عفيفي، و( الملاعب الرياضية (محمد مهدي عاكف، و) الكانتين (محمود أبو رية و محمد سليم وغيرهما، و(معرض الرسم (علي نويتو ومحمد رسمي سلامة و فتحي هاشم والسيد سليم ، و )ورشة النجارة ( محمد العدوي ، محمد الدسوقي بقنينة، و) العيادة الطبية ) دكتورعلي شهوان،و) ضابط الصف والعساكر (محمد علي الشناوي وأحمد عيد،و )الضباط (صلاح شادي).
عاش في السجن مع القرآن وأتم حفظه ، وكان من القليلين الذين ختموا القرآن في يوم و ليلة واحدة في السجن آنذاك، وكان يكثر من الصيام والقيام و التهجد ، فكان خير زاد له .
يقول الدكتور محمود عزت: " تعرفت عليه في سجن قنا، وكنا نحن الاثنين طالبَيْن في كلية الطب جامعة عين شمس، وقد سبقني في السجن بعشر سنوات، وكان وقتها (1954م) في السنة النهائية للكلية.
وجدته قليل الكلام عظيم الفقه، وأول شيء تعلمته منه أن يكون قلبي موصولاً بالله تبارك وتعالى في كل وقت وفي كل مكان.. ثم أن يصدق عملي كلامي.. وحاولت أن أكون على الحال التي كان عليها، لكنه كان دائماً يسبقني بأشواط."
سبعة عشر عاما يقضيها على شهوان فى السجن ،وهو فى أوائل العشرين من عمره لمدة تقترب من العمر الذى عاشه وقتئذ، ترى أى خطر يمثله طالب جامعى على نظام دولة ، فيستلزم من أجله القضاء على مستقبله وسجنه ؟! ..
ماذا يفعل ذلك الشاب ليستحق ذلك ؟ هل سيستجيب للضغوط ويضعف وينشد السلامة أم أنه سيصمد أمام تلك المحن العاتية ؟ الحق أن الشاب على شهوان لم تضعف عزيمته وصبر وثبت ، ولم يقبل المساومة على الخروج من السجن ، كلمات معدوات يكتبها ويرددها لسانه وبعدها يخرج إلى الحياة ، لكنه يرفض المساومة .. ترى ما الذى يضره فى هذه الكلمات ، خاصة وهو مضطر ، والضرورات تبيح المحظورات ؟!.. مستقبله فى خطر .. العمر يمضى به سنة وراء الأخرى .. زملاؤه تخرجوا وعملوا فى أماكن مختلفة ، وجمعوا قدرا لا بأس به من المال والشهرة .
لعل من يفكر فى الأمر يجد أنه لا يحتاج إلى تفكير ، فكلمات يقولها تنقذه من غياهب السجن ، لكنه تربى على الثبات فى مدرسة الإخوان المسلمين ، فكان صادق مع نفسه لا ينكث عهده أبدا وهذا هو دأبه طول حياته ، وإن كان بكلمات يرددها لا أثر لها فى الحقيقة .
لعل هذا النموذج وأمثاله من الصبر والثبات والصدق لا نظفر به كثيرا فى حياتنا ، إنها تذكرنا بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وثباتهم وصبرهم وصدقهم ، ولما لا والرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الخير فى أمته إلى يوم القيامة .
رابعا : أخلاقه

ـ الصبر والثبات
وقد ظل صابرا محتسبا سبعة عشر عاما بعد أن باءت بالفشل محاولات أعوان الطاغية استكتابه برقية من بضع كلمات يؤيد فيها رأس النظام , ويتبرأ من دعوته ويفاصل الجماعة التى تربى فى كنفها , فكان بفضل الله ثابتا لا يتزعزع , صلبا لا يلين .. وخرج بعد هذه الأعوام السبعة عشر ليستأنف دراسته فى كلية الطب بالسنة الرابعة بعد أن تجاوز الأربعين من عمره .
ـ الصدق والبعد عن الجدال
كان متحريا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ترك الجدال والبعد عنه ،فكان لا يحبه .
يقول رفيقه الدكتور محمود عزت : " وجدته قليل الكلام عظيم الفقه، وأول شيء تعلمته منه أن يكون قلبي موصولاً بالله تبارك وتعالى في كل وقت وفي كل مكان.. ثم أن يصدق عملي كلامي.. وحاولت أن أكون على الحال التي كان عليها، لكنه كان دائماً يسبقني بأشواط.
وفي مهنته وفي تقواه - نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله عز وجل - وفي كرمه، وتواضعه، وتركه للجدل،لا يحب أن يتناقش، وكان صاحب حجة قوية وصاحب علم وفقه، ولكنه كان يؤثر دائماً من يجادله رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه الله عني وعن أمة الإسلام خير الجزاء."
وكان الصدق عنده قيمة عليا وخلق لا ينفك عنه حتى في المواقف التي نعدها نحن مواقف عادية، فيحكي أحد تلامذته أنه طلب منه شهادة مرضية يقدمها لزوجة أخوه لتأجيل امتحانات الكلية ، وبعد أن كتبها له علم أن زوجة أخيه مسافرة في بلد عربي في هذا الوقت، فطلب من تلميذه إعادة الشهادة له ، وقال له : إن هذا تدليس فمعنى كتابتي شهادة لها هذا يعني أنها في مصر، وأردف قائلا : أنا عندي إنها ترسب في الامتحانات أفضل من أن تكذب كذبة واحدة، وعلق على كلامه بقول الله تعالى" بل تؤثرون الحياة الدنيا .. والآخرة خير وأبقى".
ـ الرحمة والشفقة بالمرضى
بالرغم من أنه أستاذ أمراض النساء فى كلية الطب جامعة عين شمس ،فلم يكن يتخذ من مهنته وسيلة لجمع المال ، والعكس كذلك ،فكان دالاً على الخير، فكثيرًا ما مدَّ يده بالمساعدة للفقراء من المرضى دون مقابل.
وله عمليات غاية فى الدقة والتخصص تكلف المرضى مبالغ كبيرة ، إضافة إلى عمليات الولادة التى يقوم بها ، فكان رحمه الله لا يهتم بأتعاب العملية بقدر ما يهتم بالحالة المرضية بأتعاب العملية بقدر ما يهتم بالحالة المرضية ، ولم يتفوه بمبلغ معين ، بل يترك أهل الحالة تقدير ذلك ولا يراجعهم ، والغريب أنه لا يأخذ أتعابه إلا عند زيارة الحالة المرضية له في العيادة بعد أسبوع من الولادة لفك سلك الجرح.
ولم يعرف عنه في حياته أنه طلب مبلغا معينا من أحد ولكنه كان يقول :ادفع ما تستطيع أن تدفعه، وكانت حجته أنا لا أعلم ما هو حال هذا الشخص، هل سيبيع شىء من أغراضه ليأتي لي بأتعاب أنا غني عنها أصلا؟.
أما ثمن الكشف عنده بـ 20 جنيه فقط فى عيادته بالقاهرة فى حين أن الكشف عند زملائه يبلغ أضعاف ذلك المبلغ الذى لا يعدو شيئا يذكر .
والمعروف في عموم الأطباء أن يأخذوا ضعف قيمة الكشف في الزيارة الطبية للمريض بمنزله … أما الدكتور علي شهوان رحمه الله فكان لا يأخذ أتعابا أصلا في الزيارات المنزلية ، وكان يقول:هو أخ لي وحق له عليّ أن أعوده أصلا ، جزاه الله خيرا أنه أخبرني أنه مريض لكي أعوده.
ـ مروءته
كان يحترم زملاءه، فكان لا يأخذ أتعابا من زوجة طبيب.
وكان لا يفرق بين من يعرفهم ومن لا يعرفهم، الكل عنده سواء بسواء، كما كان لا يفرق بين مسلم ومسيحي، الكل عنده مرضى لهم الحق في العلاج.
ـ إتقانه لعمله
كان الرجل يتحرّى الحلال، ويقوم بواجبه على أكمل وجه، ويعمل بطاقة فريق من الأطباء ، ولم يشعر الناس بذلك إلا بعد موته .
يقول الدكتور محمود عزت : وكنت أظن أني أعرف الناس به، وبعد وفاته طلب مني أولاده أن تبقى عيادته تعمل كما كانت كصدقة جارية وهم يتكفلون بالإيجار وغير ذلك، وبحثت على من يقوم بهذا الدور الذي كان يقوم به د. علي في عيادته، فقد كانت تخدم الناس في مصر وفي أنحاء العالم الإسلامي، حيث كان روادها من أقاصي الصعيد، وكذلك من بلاد أخرى غير مصر، وكان د. علي ينفق على هذه العيادة مما كان يرزقه الله من العمليات الرائعة الناجحة الكبيرة التي كان يقوم بها، فاكتشفت أني لا أستطيع أن أجد من يقوم بهذا العمل، بل لا يستطيع عدد 3 أو 4 من الأطباء أن يقوموا مقامه، بل لا تستطيع الجمعية الطبية الإسلامية نفسها أن تسد هذه الثغرة، فأحسست أن هذا الرجل كان بألف رجل في كل شيء
ـ الوفاء بالعهد
يقول الدكتور محمود عزت : ذهبت إليه لأطلب منه أن يشرح لي بعض النقاط بالمنهج التي صعبت عليّ، وكان في مناوبة (خفارة) في بدروم ( سرداب) الحوادث في قسم النساء جامعة عين شمس، وكان الجو شديد الحرارة، وكنا نتصبب عرقاً، فقلت له: علينا الخروج من هذا المكان، وعندما تأتي حالة ندخل مرة أخرى، فرفض، وقال: أنا مكاني هنا، فهذه الحوادث تقتضي أن أتواجد بصفة دائمة بهذا المكان، قلت له: الجو بالخارج أحسن حالاً، قال: إن شئت فتعالَ إليّ في المنزل بعد أن أنتهي من المناوبة، قلت له: إن ما تأخذه من مال شيء قليل مقابل ما تقوم به من جهد، فقال: هذا عقد بيني وبين الدولة أن أقوم بهذا الواجب في هذا المكان بهذه الكيفية، ولن أنكث عن عهدي..
وفاته
وبعد هذه الرحلة فى معترك الحياة توفى الدكتور علي شهوان في يوم الأربعاء 18/11/2009.
وشيعت جنازته عقب صلاة ظهر الخميس من مسجد الصديق في منطقة الشيراتون بشرق القاهرة، ودفن في مقابر العاشر من رمضان.
و حضر جنازته الأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان فى ذلك الوقت وكثير من الإخوان المسلمين .
يرحمه الله رحمة واسعة ويدخله فسيح جناته .
خامسا : المراجع
1ـ محمد حامد أبو النصر : حقيقة الخلاف بين الإخوان وعبد الناصر.
2ـ أحمد أبو شادي : رحلتى مع الجماعة الصامدة .
3ـ د. محمود عزت : الدكتور علي عبدالحليم شهوان ، مجلة المجتمع الكويتية ، 2011/16/4.
4ـ أبوبكرالزغبى: رجل من طراز خاص … د.علي شهوان ، 21 نوفمبر 2009.
5ـ المرشد العام يحتسب عند الله الدكتور على شهوان ، نافذة مصر، 2009/19/11.
ألبوم الصور