عقيدة الأجهزة الأمنية للسلطة.. هل تزحزحها انتفاضة القدس؟

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث

غزة - المركز الفلسطيني للإعلام


احتلال 1.jpg


ترقد الضفة والقدس المحتلة هذه الأيام فوق "برميل" من البارود قد ينفجر في أي لحظة، القابضون على الزناد في الضفة من المقاومة هم قلّة، البقية هم بالآلاف من أفراد الأجهزة الأمنية الفلسطينية الذين يتولون تنظيم الحياة الشرطية والتنسيق مع الاحتلال.


تجاوز الاحتلال لكافة الخطوط الحمراء قد يلغي إلى حين حالة الاستقرار، وزيادة العدوان قد توجه مزيداً من البنادق للمستوطنين المتحركين بحماية جنود الاحتلال بعد أن وصل الاستفزاز حداً غير مسبوق.


بعيد اتفاق "أوسلو" أوكل للأجهزة الأمنية الفلسطينية ثلاث مهمات أمنية عكست الهوية المبهمة لكيان يحمل اسم "السلطة الفلسطينية"، الأولى توفير الأمن الشخصي للفلسطينيين في المناطق التي أعاد الجيش "الإسرائيلي" انتشاره فيها، والثانية منع أي أعمال ضد "إسرائيل" وقوات احتلالها في الأرض الفلسطينية المحتلة، أما الثالثة فتتمثل في عدم التدخل في المساعي الهادفة إلى التحرر الوطني.

قبل يومين أكد شهود عيان وكثير من الصحفيين الذين كانوا يغطون الأحداث الميدانية أن أفراداً من الأمن الوطني شاركوا بالتصدي لجنود الاحتلال بالأطراف الشرقية لحي (سطح مرحبا) في منطقة رام الله وأشهروا السلاح في وجه الجنود.

ومراراً شبّ العشرات من أفراد الأجهزة الأمنية الفلسطينية عن الطوق وتجاوزوا الاتفاقيات الأمنية الموقعة بين السلطة الأقصى سنة 1996 ومطلع انتفاضة الأقصى سنة 2000 ومحطات أخرى أقل شهرة.

وبقي الكثير من منتسبي الأجهزة الأمنية بين هموم الوطن وهمّ الوظيفة التي تحمل عادةً تعليمات أمنية يتهامسون سراً فيما بينهم استنكارهم لها، بل وتهرب بعضهم من تنفيذها خجلاً من تضحيات الشهداء والأسرى خاصةً ما يتعلق بحماية أمن الاحتلال ومستوطنيه.


العقيدة الأمنية

العقيدة الأمنية والقتالية منذ انطلاق الثورة الفلسطينية كانت "تحرير فلسطين" دون النظر لإقامة دولة حتى دخلت مرحلة السبعينيات وظهرت استراتيجية "إقامة دولة ديمقراطية" ثم تقلصت مجددا مع بقاء حلم التحرير وخروج المقاتل الفلسطيني من لبنان سنة 1982.

ويؤكد المحلل العسكري العميد متقاعد يوسف شرقاوي لـ "المركز الفلسطيني للإعلام" أن العقيدة القتالية والأمنية بعد سنة 82 أصبحت الدفاع عن النفس لبقاء القضية حية، حتى عاود حلم التحرير الحضور مع اندلاع انتفاضة 87 بإنجاز بعض الانتصارات للمقاومة.


ويضيف: "أواخر انتفاضة 87 جرى حفر نفق أوسلو وشوهت كل المفاهيم الأمنية والقتالية، واعتقد كثير من المقاتلين أن القادم هو مشروع دولة، ودافع عنه، فأسست السلطة شبه جيش بعد اعتراف كيان الاحتلال، مقابل سلطة وهمية".


أما المحلل السياسي د. أحمد رفيق عوض، فيرى أن العقيدة القتالية هي من تحدد طبيعة وهوية العدو، ودرجة العداء والصداقة والأعداء المحتملين، وكيف يتحول العدو لصديق والصديق لعدو، ويأتي هذا التصنيف حسب العقائد والمصالح.


ويضيف: "إذا تغيرت العقائد والمصالح يتغير غالباً معها العدو والعقيدة القتالية، ومرت العقيدة القتالية الفلسطينية بمراحل؛ ففي الستينيات والسبعينيات مرت بمراحل كان العدو الأساسي هو العدو الصهيوني، والعدو الثانوي هو عدو المصلحة، وبعد أوسلو تغيرت العقيدة الأمنية نحو أمن الوطن والمواطن، ولم تعد العقيدة القتالية تصنف إسرائيل العدو الأول".


واكتنف تعريف العدو الأول الذي كان "إسرائيل" الغموض وأصبح التركيز على أمن المواطن والوطن للالتفاف على أن العدو الأول هو "إسرائيل" بينما كانت العقيدة الأمنية والقتالية الفلسطينية حسب تحليل د. عوض يعتريها النقص، لأن عامل السيادة على الأرض لم يكن متحققا.


ويتابع: "كثيراً أصبح العدو الثانوي في العقيدة القتالية للفلسطيني متقدما في الصراع على العدو الأساسي في دول مثل لبنان والأردن، لأن عقيدته الأمنية كانت دوماً هشّة، ما يحدث من نماذج مواجهة جزئية بين أفراد أجهزة الأمن بالضفة وجنود الاحتلال ممكن يتطور ويتغير بسرعة".


في أراضي السلطة الفلسطينية وقعت نماذج كثيرة من تصدي أفراد الأجهزة الأمنية لجنود الاحتلال دفاعاً عن أبناء شعبهم كما وقع في هبّة النفق سنة 1995 ومطلع انتفاضة الأقصى 2000، وبعض الأحداث المتاخمة لنقاط الارتباط العسكري، بينما انضم المئات منهم لأجنحة مقاومة ونفذوا عمليات.


التنسيق الأمني

اتفاقية طابا لعام 1995 تحدثت عن التنسيق الأمني الذي يضع على السلطة مسئولية منع الإرهاب والإرهابيين واتخاذ الإجراءات المناسبة بحقهم، أي منع المقاومة الفلسطينية، ونصت الاتفاقية على ضرورة امتناع السلطة الفلسطينية عن ملاحقة من عملوا مع "إسرائيل" على مدى سنوات.

وتوالت مهمة التنسيق الأمني لسنوات طويلة ونشأ عنها أفعال شككت المواطن في مهمة الجندي الفلسطيني الذي بدا دوماً يحمي المستوطنين ويحفظ أمن الاحتلال.

ويقول المحلل السياسي طلال عوكل لـ"المركز الفلسطيني للإعلام" إن عقيدة أجهزة أمن السلطة الحالية لم يتغير فيها شيء، لأن التنسيق الأمني جارٍ بغض النظر عن مستوياته؛ حيث لم تتخذ قيادة السلطة إجراءات مغايرة.

وأفاد شهود عيان من داخل المسيرات والمواجهات الأخيرة بمدن الضفة، أن أفراد الأجهزة الأمنية لم يمنعوا التظاهرات المحاذية للاحتلال كما العادة، وأشهر بعضهم السلاح في وجه الاحتلال في نقاط أخرى، بينما لم تُدنِ السلطة حتى الآن عمليات المقاومة.

ويضيف عوكل: "كثير من أفراد الأجهزة الأمنية لديهم الحماسة للتصرف بشكل ذاتي، وسنرى مزيدا من النماذج إن ظل الوضع على حاله، وستكون لهم مشاركة أوسع إن تطورت الهبة لانتفاضة كما "سنة 2000".

ويتابع: "رغم اجتماعات قادة أجهزة السلطة مع قادة جيش الاحتلال، إلا أن السلطة تحدثت عن دفاع عن النفس ومواجهات ولم تندد بالأحداث، وهي لغة جديدة تقلق الاحتلال، وربما توفر غطاء سياسيا".

أما المحلل شرقاوي فيؤكد لـ"لمركز" أن الفلسطيني يظل فلسطيني مدافعا عن شرف الوطن رغم اختلال ميزان القوى بين أجهزة السلطة والاحتلال، فيما لا زال حلم التحرير يداعب خيال كل فلسطيني حالم بالعودة.

ويضيف: "قد تشهد الأيام القادمة حالة احتكاك، نحن في مرحلة تجاوز فيها الشعب السلطة، فيما لا زالت بذور المقاتل الفلسطيني حيّة لأنه تاريخياً تربى على حب الوطن والتضحية، ولا يمكن إلا أن ينحاز إلى شعبه".

ويتوقع شرقاوي إذا بقي ما يصفه بالخطاب السياسي الفارغ لقادة السلطة الفلسطينية على حاله؛ أن تخسر قيادة السلطة، لأن الميدان هو لحراك شعب منخرط في بوادر هبة لم تصل بعد لانتفاضة، لأن الانتفاضة بحاجة لقيادة، فالفلسطينيون جسم الآن بدون رأس-كما قال.

ومن المرجح إذا ارتفعت وتيرة التصعيد في الضفة والقدس أن ينخرط مزيد من أفراد الأجهزة الأمنية في انتفاضة شعبية مرتقبة، سيكون السلاح أحد أدواتها الفاعلة.