عبد القادر ياسين يحكي ذكرياته مع أحمد ياسين
حوار- ياسر هادي
- الشهيد لم تكن له ميول سياسية قبل (حماس)
- كان عاشقًا للسباحة ومثالاً للتفوق الدراسي والنشاط
لا شك أن القادة هم الذين يحفرون أسماءهم في التاريخ بحروف من نور، ولا ينساهم الناس بسهولة، ومن هؤلاء الذين سطَّروا تاريخهم بالمجد والفَخار الشيخ أحمد ياسين، الذي لم تمنعه إعاقته الكاملة عن تأسيس أهم حركة مقاومة في تاريخ الشعب الفلسطيني، ورفع لواء العزة والكرامة، ورفض الاستسلام بعد أن أوشكت القضية على الضياع، وكاد أنصار السلام المزعوم أن يحققوا أغراضهم ويسلموا أرض الأقصى إلى الصهاينة دون قيد أو شرط.
وتعتبر حياة الشيخ المجاهد أحمد ياسين- الذي تمر هذه الأيام ذكرى استشهاده الأولى- درسًا في الكفاح والجهاد من أجل نصر القضية التي وهب لها حياته، وكرس لها جهده وعقله، فاستحق بذلك المكافأة التي وهبها الله تعالى له؛ حيث مات أشرف ميتة يتمناها المجاهد بعد أن حوَّل الصاروخُ الصهيوني جسدَه إلى أشلاء متناثرة، وهدأ جسدُه بعد أن أصابه الأرق بعد حياة حافلة بالجهاد والعطاء.
وللتعرف على بعض التفاصيل عن حياة الشيخ الشهيد أحمد ياسين التقينا بالكاتب الفلسطيني عبد القادر ياسين الذي كان رفيقًا للمجاهد في طفولته وصباه.. فإلى هذا الحوار:
- كيف ومتى تعرفت على الشهيد أحمد ياسين؟
- تعرفت عليه عام 1950م؛ حيث كنت في الصف السادس الابتدائي بمدرسة الإمام الشافعي للاجئين في غزة، وكان- رحمه الله- في الصف الخامس في نفس المدرسة، وكانت أسرة الشهيد تقيم في غابة غزة الحكومية، في خيمة صغيرة، وكانت أسرته معدمة شأن معظم اللاجئين الفلسطينيين، وفي هذا الصدد أذكر أن حكومة النحاس باشا قررت سنة 1950م أن يستبدل أهالي قطاع غزة جنيهاتهم الفلسطينية بعملة مصرية، ولم يفاجأ أحد حين لم تصل مجموع مدخرات أهالي قطاع غزة من مواطنين ولاجئين (300 ألف مواطن) أكثر من مليون ونصف المليون جنيهًا؛ مما يعني أن الفرد الواحد لم يتجاوز كل ما يملكه أكثر من 5 جنيهات، وكنا نقيم- عائلتي وعائلة ياسين- في حي الرمال الراقي، إلا أننا كنا نسكن في شوارعه الخلفية ونعاني من الفاقة والجوع، وكان ذلك السمت العام لجميع السكان.
- وماذا عن صفات الشاب أحمد ياسين في ذلك الوقت؟
- عُرف عن الشهيد نشاطه الجمّ، وحبه الزائد للرياضة، وكان يحب القفز فوق الأشجار بشكل غير معقول، وفي سنة : 1953م أصيب لهذا السبب في عموده الفقري، فتقوَّس على شكل علامة استفهام، وأعيقت حركته، وكان يحب السباحة جدًا حتى إن إشاعةً انتشرت بأن الإعاقة التي أصابته كانت بعد أن غطس في البحر وضربته صخرةٌ في عموده الفقري.
- وبعد الإعاقة اعتكف واعتزل الناس بعد أن كان ملء السمع والبصر، ويقفز هنا وهناك، ولم يقم أحد من أقرانه بمجاراته، وكان ياسين محبوبًا وسط أقرانه ومعروفًا عنه دماثة الخلق والرقَّة والإنسانية في التعامل.. إلا أنه كان متفوقًا علينا جميعا في النشاط.
- وهل كانت تظهر على الشاب أحمد ياسين أمارات القيادة أو توقَّع أحد أن يصبح قائدًا فذًّا؟!
- لم يُعرف عن ياسين اشتغاله بالسياسة؛ حيث كان منغمسًا في العبادة فحسب، ولكن الاحتلال الصهيوني ل
- قطاع غزة سنة 1967م أدخل ياسين إلى المعترك السياسي، وكان قبل ذلك زاهدًا في الدنيا، يميل إلى الاعتكاف عن الناس، ويبدو أن اتساع عضوية الجماعة بين عامي 1967، 1987م أكد للشيخ ياسين أن الظرف الذاتي قد نضج من أجل خوض الكفاح المسلح ضد المحتل، فما كان لياسين وإخوته أن يخوضوا مثل هذا الكفاح بمجرد احتلال الصهاينة لقطاع غزة؛ حيث كان عدد الإخوان في قطاع غزة خلال عدوان 1967م لا يتجاوز أصابع اليدين؛ لذا تأخرت مقاومة الإخوان المسلحة للاحتلال.
- وما الظروف العائلية التي ولد فيها ياسين؟
- ولد الشيخ أحمد ياسين في قرية الجورة التي احتلها الصهاينة في صيف 1948م، فهاجر مع أسرته إلى :غزة، وقد عرف عن أهالي الجورة اشتغال معظمهم بتجارة السمك، ومن هنا يمكن فهم ولَعِه بالسباحة والغطس في البحر، وكان معظم أهله من الصيادين.

- كيف انضم أحمد ياسين إلى جماعة الإخوان؟
- حين نال ياسين الثانوية العامة سنة 1957م وأصبح مدرسًا في مدرسة غزة الإعدادية الجديدة للبنين انضوى ياسين تحت لواء الجماعة، وفي تلك المدرسة دأب ياسين على تشجيع الطلبة على الصلاة، مستخدمًا الثواب والعقاب معًا، ورغم أن ضربة فلسطين إلا أن ضربة 1965م أدت إلى اعتقال حوالي 20 فلسطينيًا بينهم ياسين، لكن اعتقاله لم يدم سوى عدة أشهر.
- وكيف اتجه الشيخ ياسين للجهاد المسلح؟
- حيث اندلعت انتفاضة الحجارة أواخر عام 1987م اجتمع ستة من قيادات الإخوان المسلمين في :فلسطين وقرروا تشكيل حركة المقاومة الإسلامية حماس)، وقد ترأسهم ياسين وذلك بعد أن تمددت
- جماعة الإخوان في الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم الجامعة الإسلامية، وفي أغسطس 1988م وبعد تكوين (حماس) بعدة أشهر اعتقل ياسين مجددًا، بعد أن بدأت الحركة أعمالاً عسكريةً ضد المحتل :الصهيوني، ولم يفرج عنه إلا عام 1997م في محاولة من حكومة (نتنياهو) لإرضاء الملك حسين ملك :الأردن، الذي أساءته محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان آنذاك.
- وكان الشيخ ياسين قد اعتقل عام 1983م حين عثر جنود الاحتلال على مخزن أسلحة في بيته، وأدين بتهمة تأسيس جهاز من المعتقلين والأسرى الفلسطينيين في تبادل للأسرى مع الصهاينة، بعد قضائه سنة ونصف في السجن ليعاود التفكير في تأسيس التنظيم.
- ومتى كانت آخر مرة رأيت فيها الشيخ الشهيد؟
- قابلته مرةً واحدةً في أغسطس 1967م ولم ألتقيه بعد ذلك؛ حيث غادرت القطاع سرًا إلى الخارج في مطلع أبريل 1968م، بعد أن طاردتني سلطات الاحتلال الصهيوني، وبعد ذلك لم أره إلا عبر شاشات التليفزيون.
- وماذا تريد أن تقول عنه في ذكراه؟
- لقد استشهد الشيخ ياسين يوم 22/3/2004م وهو يقيم في نفس المنزل الذي ظل يقيم به منذ احتلال الصهاينة لقطاع غزة، واستمر هذا القائد مضرب الأمثال في النزاهة ونظافة اليد، حتى إن أحد أبنائه يعمل حارسًا في الجامعة الإسلامية، فأين هو من ابن أحد كبار القادة الفلسطينين (من تنظيم آخر) يمتلك 4 شركات كبرى، يتعدى رأس مالهم عشرات الملايين.
- وظل الشهيد ياسين يقيم في منزله البسيط الذي يتكون من دور واحد، ولا يستطيع محايد أن ينكر أنه أرشد المقاومة الفلسطينية وأكسبها طابعًا سياسيًا، فكان نموذجًا استثنائيا لكل أبناء شعبه، وهو القعيد الذي دوَّخ الصهاينة.
- وما الكلمة التي ترغب في إرسالها إليه؟
- أقول له "نفتقدك بعقلك الراجح، ومرونتك وتمسكك بالثوابت، في وقت يبدو أن هذا كله قد تم إهداره على أيدي من أدعو الله أن يسامحهم.. لقد تركت لنا حركةً تضرب بجذورها عميقًا في الأرض، بما يبشر أن تسهم- مع غيرها من ألوان الطيف الوطني الفلسطيني بكل اتجاهاته- في التأسيس لمشروع وطني فلسطيني، بعد أن تضرب كل الفصائل الفلسطينية عن قوس واحد؛ اعتمادًا على إستراتيجية إجماع وطني يستأصل الفساد المستشري وبائيًّا في مناطق الحكم الذاتي، وتشيع الديمقراطية في أرجاءفلسطين، ويتواصل القتال ضد المحتل حتى النصر.
المصدر
- مقال:عبد القادر ياسين يحكي ذكرياته مع أحمد ياسينإخوان أون لاين