عاصفة غزة...إلى أين؟
بقلم : د. إبراهيم البحراوي
من الواضح أن نهاية اتفاق التهدئة بين إسرائيل و" حماس " وسائر الفصائل الفلسطينية في غزة قد فجّر عاصفة عاتية لا أحد يستطيع التنبؤ باتجاهاتها، وليس أدل على ذلك من القصف الإسرائيلي الذي استهدف قطاع غزة يوم أمس. فهل تتزايد الصواريخ الفلسطينية المنطلقة في اتجاه البلدات الإسرائيلية أم تهدأ، وهل تقرر حركة حماس استخدام السياسة بعد أن أظهرت قدرتها على تهديد العمق الإسرائيلي لتستعيد حالة التهدئة بشروط أفضل تحقق ظروفاً إنسانية طبيعية لأهلنا في القطاع أم أن العاصفة ستهب من الطرف الإسرائيلي أيضاً لنجد أنفسنا أمام إعصار هادر مدمر على الجانبين.
إن الإجابة على مثل هذه الأسئلة تبدو عسيرة، خاصة في ظل التوتر العسكري داخل القطاع، ولكن يمكننا أن نشير إلى المحددات التالية، التي قد تساعد على رسم صورة عامة للإجابة.
أولاً: معاناة الشعب الفلسطيني الإنسانية تحت الحصار من قوة الاحتلال الإسرائيلي، وهي معاناة لا تثير الألم فقط في ضحايا العدوان المباشرين بل تثير الضيق والاحتجاج في الأوساط العربية الواسعة.
إن التشخيص الذي قدمته الخارجية المصرية لوضع قطاع غزة كمنطقة خاضعة للاحتلال رغم انسحاب إسرائيل منها هو تشخيص صحيح.
ذلك أن قوة الاحتلال ما زالت تغلق المجال الجوي والبحري وتفرض إغلاق المعابر المقامة بين غزة وإسرائيل وتصمم على تنفيذ اتفاقية المعابر، التي وقعت بين السلطة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل والمقامة بين مصر و غزة رغم انسحاب المراقبين الأوروبيين، إنه تشخيص يعني أن معاناة مليون ونصف المليون فلسطيني تمثل جريمة من جرائم الاحتلال، الذي يحرم المواطنين الخاضعين لسيطرته من حقوقهم الإنسانية.
ثانياً: المحاولة المصرية المستمرة لإقرار التهدئة من جديد بين القطاع وبين غزة وتوفير ظروف حياة طبيعية آمنة لسكان القطاع خالية من أساليب الاغتيالات وجرائم العقاب الجماعي.
لقد حاولت الدبلوماسية المصرية منذ يومين الضغط السياسي على الحكومة الإسرائيلية، وذلك عندما قام وزير الخارجية أحمد أبو الغيط بدعوة وزيرة الخارجية الإسرائيلية للقاهرة للاجتماع به وبالرئيس المصري.
لقد كانت الرسالة الجوهرية التي أبلغها المصريون لإسرائيل ولـ" حماس " معاً متضمنة في التصريح الذي أطلقه أبو الغيط عندما قال: من المؤكد أن مصر لن تتوقف عن جهود إحلال التهدئة طالما رغبت الأطراف في ذلك، لكن لا أتصور أننا نستطيع أن نقنع الطرفين بالعودة إلى التهدئة طالما استمر الاحتدام في المواجهة بينهما، ونأمل في أن يتم ضبط النفس وأن يطبق الطرفان ماكانا يطبقانه على مدى الشهور الستة الأخيرة.
إن هذه الرسالة المصرية لإسرائيل و" حماس " في الوقت نفسه تعكس في تقديري الهدف المصري الذي تسعى إليه الرئاسة المصرية للحفاظ على التهدئة والرغبة في تأمينها وإتاحة الفرصة لعقد مصالحة فلسطينية- فلسطينية.
ثالثاً: الوضع الإسرائيلي، فالانتخابات الإسرائيلية التي ستعقد في العاشر من فبراير المقبل تدفع القوى السياسية المختلفة إلى المزايدة والتصعيد ضد " حماس " والتهديد لكسب الشعبية لدى الجمهور الإسرائيلي. استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن "اليمين" المتشدد بزعامة نتانياهو سيحصد أكبر عدد من المقاعد في الكنيست قد دفعت أولمرت رئيس الوزراء الممثل لحزب كاديما وايهود باراك الممثل لحزب "العمل" إلى الدخول في مسابقة التصعيد الانتخابي.
وبما أن هذين الاثنين يملكان مقاليد السلطة، فإنهما سيكونان قادرين على تحريك القوات لمهاجمة غزة من الجو بكثافة أو من الأرض والجو معاً لتحقيق شعبية انتخابية لتحسين أوضاعهما الانتخابية المتدهورة.
رابعاً: موقف " حماس " الذي يواجه التصعيد الكلامي والتهديدات الصادرة عن ليفني وباراك وأولمرت بتصعيد مقابل وتأكيد أنه يستحيل إسقاط الحركة بأي عمل عسكري، وأنها سترد على الهجوم بتصعيد هجومها على العمق الإسرائيلي.
إن مجمل هذه المحددات تشير إلى تجمع إعصار كبير بين غزة وإسرائيل، يبدو في الأفق، فمن يقدر على تفريغ شحنة هذا الإعصار؟
هذا هو السؤال الأكبر.
المصدر
- مقال:عاصفة غزة...إلى أين؟المركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات