عائلة الدكتور محمود أبو زيد.. النموذج المشرِّف للأسرة الصابرة
- الزوجة: زوجي ربَّانا تربية إسلامية صحيحة وهيَّأَنا للصبر عند الابتلاء
- الأولاد: ابتسامة والدنا لحظة الاعتقال طمأنتْنا ولم يرهبْنا رجال الأمن
- لن نناشد أو نستعطف أحدًا.. وسلاحنا: "حسبنا الله ونعم الوكيل"
في هذا الحوار نعرض نموذجًا مشرِّفًا لأسرة من نماذج لأُسَر كثيرة غُيِّب عنها عائلُها بسبب قسوة وجبروت النظام السياسي الذي تعيش فيه هذه الأسرة، لا لشيءٍ سوى أنه يؤمن بمبادئ وتعاليم رسالة الإسلام التي حملها إلينا رسول الله محمد- صلى الله عليه وسلم- ويتمنَّى تطبيقها على أرض الواقع ليعمَّ خير هذه الرسالة على كافة المجتمع.
وحين وجدتُّ نفسي أمام الشقة أطرق بابها، فتح لي واستقبلني شابٌّ مبتسم حديث السن، تظهر عليه براءة الأطفال وعزَّة وشموخ الرجال، بعدها عرفتُ أنه عبد الرحمن محمود أبو زيد (بالفرقة الثانية بكلية التجارة) ، وهو نجل الدكتور محمود أبو زيد - الجرَّاح الكبير والأستاذ بكلية طب القصر العيني، والمعتقَل الآن نتيجة افتعال الدولة قضية طلاب جامعة الأزهر الشريف
وبجانب عبد الرحمن فإن للدكتور "أبو زيد" أربع بنات، وهنَّ: فاطمة (بكالوريوس اقتصاد وعلوم سياسية) ، وهدى (ثانية صيدلة) ، وبسمة (أولى إعلام) ، وصفية (بالصف الرابع الابتدائي)، أما والدتهن فهي السيدة الفاضلة شاهيناز شوقي الجمل، الأم التي ينطبق عليها بالفعل مقولة "امرأة بألف رجل".
تعالَوا لنتعرَّف على نموذج الأسرة المسلمة المشرِّف عندما يغيب عنها عائلُها من خلال هذا الحوار:
- في البداية وجَّهنا سؤالاً لزوجة الدكتور محمود أبو زيد؛ باعتبارها أقرب الناس إليه، وطلبنا أن تصِفَ لنا مشهد الاعتقال!!
- في الساعة الثالثة صباحًا سمعنا جرس الباب يرنُّ بصورة مفزعة جدًّا، ففتحنا الباب، وجدنا ثلاثة أفراد اقتحموا الشقة وفتَّشوا في كل شيء..!! الكتب، والأدراج، وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بالأولاد، وكل شيء مغلق فتحوه وفتشوا فيه!! ومع هذا لم يجدوا شيئًا سوى ما يتعلق بالأولاد، من مواد الدراسة، وبعض الأدوات الطبية الخاصة بالدكتور، ونزلوا ليفتشوا سيارتي وسيارة الدكتور، وأخذوا بعض الأوراق الموجودة بسيارته، وبعدها أخذوه معهم وانصرفوا.
- لكنَّ الشيءَ الذي استغربتُ له أنه كان يوجد معهم سيارة مصفَّحة مليئة بالعساكر والأسلحة، وسمع بواب العمارة أحد الضباط يقول لمن معه: إنه رجل مسالم.. فكيف يعرفون أنه مسالم ويُحضرون معهم المصفَّحات والأسلحة؟!
- كيف استطاع الدكتور محمود أن يؤهِّل الأسرة لهذا الامتحان أو الابتلاء في ظل ما ذكرتيه من أن الاستعداد للأمر يختلف عن معايشته؟!
- الاعتقالات أصبحت مسلسلاً متكررًا لمعظم الإخوان ، وهو كان دائمًا يحكي لنا عن أحوال هؤلاء وما يحدث لهم لحظة اعتقالهم؛ ولذلك نحن لم نفزع عندما جاءوا إلينا.
- بعض الأمهات والزوجات يدعَوْن على ضباط الأمن ببعض الأدعية أثناء دخولهم المنزل، فمثلاً يقُلن "ربنا يحرمكوا من أولادكوا"، وهذه الدعوات تؤثِّر في نفوس هؤلاء الضباط.. فهل دعوتِ عليهم؟!
- أنا لم أدعُ عليهم؛ لأني أولاً وأخيرًا أعتبرهم مساكين لا يستطيعون أن يفرِّقوا بأن ما يقومون به ظلم، وأن رسول الله قال: "الظلم ظلمات يوم القيامة" ، وأنا لا أحب أن أكون الطرف الضعيف المستضعف، وأعتقد أن مثلَ هذه الابتلاءات هي سنةُ الله يوم أن خلق الأرض وحتى يوم القيامة، وهناك أناسٌ أُوذوا كثيرًا في دينهم، وصبروا وقدَّموا الصبر على أي شعور آخر
- وأحسب أن زوجي رباني تربيةً إسلاميةً صحيحةً، وعلمني كيف أصبر على الابتلاءات، وأن الابتلاءات كثيرة لا يبقى منها سوى الأجر، وعلمت أن الدين عبارة عن مجموعة من الطبقات تكمل بعضها لتكون شيئًا واحدًا، ونحن من فضل الله لدينا من هذه الطبقات ما يؤهِّلنا للصبر على الابتلاء، ونحن والأولاد رضينا بالوضع وسلَّمنا أمرَنا لله وكلنا على يقين أننا لم نفعل شيئًا يغضب الله عز وجل.
- هل تعتقدين أن انشغالات الدكتور العملية بصفته جرَّاحًا مشهورًا والدعوية بصفته داعيًا إلى الله جعلتكم تتعودون على غيابه خارج البيت، وبالتالي لم تفزعوا أثناء اعتقاله؟!
- أحيانًا الدكتور لم يكن يبيت معنا لارتباطه بعمليات بعد مواعيد عيادته، وكان في بعض الأحيان يواصل عمله، لكنَّ هناك إحساسًا مختلفًا جدًّا عندما تشعر أنه سيعود في أي وقت حتى لو جاء إلى البيت وأخذ أشياء لعمله وخرج في نفس الوقت، وعندما نأخذ إذنًا لزيارته ولا ندري هل سنقابله أو لا، حتى بعد الحصول على إذن للزيارة، ولو تمت الزيارة يكون الوسط غير مناسب تمامًا؛ حيث نختلط بالمجرمين والجنائيين وتجَّار المخدرات.. إلخ، "وهناك فرق كبير عندما يخرج لعمله وعندما يُختطف من بيته ولا أدري متى سيعود !!
- ما الدروس التي استفادتها أسرة الدكتور "أبو زيد" من هذه المحنة، خاصةً أنها المرة الأولى التي يُعتقل فيها؟
- من أجمل الأشياء التي شعرنا بها وتعلمناها في هذه المحنة أننا شعرنا حقيقةً بمشاعر الأخوَّة في الله، وكأننا نعيش في عصور المهاجرين والأنصار وحبّهم الشديد لبعضهم البعض، فكل الناس من حولنا كانوا يودون لو يقدمون لنا أي شيء لمساعدتنا والوقوف بجوارنا في هذه المحنة، وهناك أناس جاءوا وقدموا لنا مساعداتهم على قدر ما يستطيعون حتى ولو بكلمة أو اتصال تليفوني
- ولم أكن أتصور في يوم من الأيام أنهم سيفعلون ذلك ربما لعدم اختلاطنا بهم أو أن درجة التزامهم ضعيفة، وكانت هذه المحنة حقًّا كما قال الله تعالى: ﴿لِيَمِيْزَ اللهُ الخَبِيْثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ (الأنفال: من الآية 37) وعلى العكس تمامًا هناك أناس- وهم قليل- تجنَّبوا الاتصال بنا أو عرض مساعداتهم علينا.. هذا فضلاً عن أن هذه المحنة ومعاملة الناس لنا جعلتنا نشعر أننا نسير على الطريق الصحيح.
- في ظل الحملة الإعلامية التي شنَّها الإعلام الحكومي في تشويه صورة الإخوان المسلمين ، كيف كانت نظرة المجتمع لكم، خاصةً الدوائر القريبة، مثل العائلة والجيران والأصدقاء؟!
- عموم المجتمع لا يوجد لديه فكر وثقافة في طبيعة الاتجاه الإسلامي، حتى وإن كان على مستوى عال من الدرجات العلمية، ودائمُا يتخوفون من كلمة الإخوان المسلمين ؛ لأنها مرتبطة في أذهانهم كما خيَّلها لهم الإعلام الحكومي من أنهم إرهابيون أو يريدون الوصول إلى الحكم بالقوة أو غير ذلك من الافتراءات الإعلامية.
- ولكني متأكدة أنه لا يوجد أي شخص في المجتمع يتعامل مع أي فرد من الإخوان إلا ويعطيه مكانةً عاليةً والحملة الإعلامية تشوِّه من صورة الجماعة بصفة عامة ولا تشوِّه من رأيِ المجتمع في أفرادها؛ لأن الإخوان ليسوا أفرادًا معزولين عن المجتمع، بل هم جزءٌ لا يتجزَّأ من المجتمع، والدكتور تعامل مع المجتمع كأستاذ جامعي وجرَّاح وممثّل لهم تحت قبة البرلمان، وتعامل مع كافة شرائح المجتمع، والكل يشهد له بحسن الخلق، العدوّ قبل الصديق.
- وأعتقد أن الأفراد الذين يتعاملون مع الإخوان عندما يقارنون بين الحملات التشويهية للجماعة وما يسمعونه من افتراءات عليهم وبين أخلاقهم الحسنة ومعاشرتهم الطيبة لهم سوف تتغير فكرتهم عن الإخوان كجماعة، وتتأكد أن كل ما يتردَّد عنها من شائعات وافتراءات كلها أكاذيب لا علاقة لها بالحقيقة.
- ما شعور الأسرة عندما ترى صورةَ عائلها في صفحات الحوادث أو التحقيقات ويقرأون عنه تُهَمًا وأكاذيب وافتراءات؟!
- قضية الدكتور محمود مشرِّفة؛ لأنها- والحمد لله- ليست قضية احتيال أو نصب أو رشوة، حتى لو تصدَّرت الصفحات الأولى للصحف أو صفحات الحوادث.
- ماذا تقولين عندما يحاول أحد المقرَّبين لك مثلاً أن يربط بين فكرة الإرهاب والتنظيم الخاص والعنف وبين الدكتور "أبو زيد"، بمعنى آخر.. كيف تدافعين عنه إذا قال لك أحد ذلك؟!
- أعلم جيدًا أن كلَّ مَن يعرف الدكتور يكنُّ له تقديرًا واحترامًا شديدًا جدًّا، ويتأكد تمامًا من حُسن خلُقه، ولا أعتقد أن أحدًا سيقول غير ذلك، وإذا قال ذلك أحد غير ذلك فلن يؤذيني؛ لأني متأكدة تمامًا من حقيقة الدكتور، وإذا قالها أحد بهدف إيذائي فالإيذاء في الله لن يضايقني، وسأترك الله عز وجل يدافع عنا؛ لأنه سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِيْنَ آمَنُوا﴾ (الحج: من الآية 38) .
- هل هناك خطوات اتخذتموها لمناصرة الدكتور "أبو زيد" أو الدفاع عنه مثلاً، كإرسال رسالة إلى رئيس الجمهورية، أو الحكومة، أو منظمات المجتمع المدني، أو نقابة الأطباء، تناشدينهم فيها بالإفراج عنه؟!
- نحن بالفعل وكَّلنا محاميًا للدفاع عنه؛ لأن هناك أشياء قانونية يقوم بها ونحن لا نفهم فيها، وإذا لم نفعلها تضيع حقوقنا، وأنا لن أرسل رسائل مناشدة لأي جهة؛ لأنني متأكدة أن هذه أحكام مسبقة مقرَّرة، حتى قبل أن يتم اعتقاله، وأرفض أن أوسِّط أحدًا أو أبعث بتلغرافات لأي جهة؛ لأنني عندما أوكل الله عز وجل وأقول "حسبي الله ونعم الوكيل"، لا أشعر بأني وكَّلت أحدًا غيره، ونحن لدينا يقين أن الله سبحانه وتعالى سوف ينصرنا عاجلاً أو آجلاً.
- هناك من يتساءل: إلى متى ستظلون تردِّدون مقولة "حسبي الله ونعم الوكيل"؟!
- هذه كلماتٌ عظيمةٌ منذ أن علمها الرسول- صلى الله عليه وسلم- وحتي يوم القيامة وستظل هي السلاح القوي، وهي ليست كلمات استضعاف ولكن لها تأثير كبير جدًّا، ونحن على يقين قويّ أن الأمور كلها تسير بقدَر الله سبحانه وتعالى، وأعتقد أن السلاح الوحيد للدفاع عن أنفسنا هي حُسن الخلق، وحُسن معاملة الناس، والاستمرار في طريقنا وفي طاعتنا لله سبحانه وتعالى؛ لأنه هو الذي ينصرنا.
- .... نعم، إن النظام يريد حصار الإخوان، وعزلهم، وافتراسهم، كما فعل مع معارضيه الآخرين من قبل: أيمن نور، وحزب الغد منذ عامين، وطلعت السادات منذ شهور. نعم، إن النظام يفتك بأي بدائل جادة على الساحة المصرية، حتى تخلو له هذه الساحة تماماً، فيجيز ما يحلو له من تعديلات دستورية، ومن قوانين مكملة، تضمن له الخلود في السلطة، آباء وأبناء، وربما أحفاداً أيضاً.
- فليس هناك من تفسير منطقي لإصرار آل مبارك في الإبقاء على المادة 77 (إعادة انتخاب الرئيس إلى أخر نبضة في قلبه) ، والإصرار على إلغاء منطوق المادة 88، لإلغاء الإشراف القضائي على الانتخابات، إلا هذا السبب، وهو توريث السلطة لأحد أفراد الأسرة، أو من تريدهم هذه الأسرة. وهم في هذا أو ذاك، يريدون الاحتفاظ "بالديكور" الديمقراطي، دون محتواه. كما أن نظام مبارك، والحزب الذي يمتطيه، لا يمانع في إعطاء بقية أحزاب المعارضة بعض الفتات ـ مثل القائمة النسبية، التي تسمح لأعداد أكبر منهم بدخول مجلسي الشعب والشورى.
- ويدرك نظام مبارك أن العقبة الرئيسية في نجاح هذا المخطط هو جماعة الإخوان المسلمين . ومن هنا استمرار الملاحقة والحصار، ثم الانقضاض.
من مقال للدكتور سعد الدين إبراهيم
المصدر
- حوار: عائلة الدكتور محمود أبو زيد.. النموذج المشرِّف للأسرة الصابرة موقع إخوان برس