ظلام في غزة..
بقلم : معتصم حمادة
ليست قضية انقطاع الكهرباء هي القضية الوحيدة التي يعانيها القطاع، بل هناك العديد من القضايا المماثلة وكلها عوامل تضعف قدرة القطاع على الصمود.
فالصمود ليس إرادة فقط، بل مستلزمات لابد من تأمينها، وإلا فإن الحالة الفلسطينية مقبلة على وضع أشد تعقيداً مما هي عليه الآن.
لا يمكن النظر إلى قضية كهرباء قطاع غزة على أنها قضية عابرة، الواجب الوطني يفترض النظر إليها في السياق العام للحالة المأساوية التي يعيشها القطاع، وباعتبارها واحدة من العلامات البارزة على مدى مأساوية هذه الحالة.
والقضية، كما باتت معروفة، أن الاتحاد الأوروبي توقف عن تسديد فاتورة الفيول الخاص بتشغيل محطة توليد الكهرباء، التي تمد القطاع بحوالي 40% من حاجته إلى الطاقة الكهربائية.
وهو يستمد الباقي من إسرائيل (50% من حاجته) ومن مصر (10% من حاجته للطاقة).
لذلك أعلنت المحطة عن توقف العمل فيها إلى حين حل هذه المشكلة مما أوقع ما يعادل نصف سكان القطاع (البالغ عددهم حوالي مليون ونصف المليون نسمة) في ظلام دامس، وعطل تسيير أعمال المؤسسات والورش المعتمدة على الطاقة، وتسبب بمشاكل صحية للعديد من المرضى، في جو حار، تؤكد الإعلانات الرسمية أنه يتجاوز الثلاثين درجة في الظل.
هذا الحدث، أشعل مجدداً نار الحرب الإعلامية بين السلطة الفلسطينية من جهة، وبين حركة حماس من جهة أخرى.. فكل طرف يحمل الطرف الآخر المسؤولية.
المواطن، المغلوب على أمره في ظل الحال المأساوية لقطاع غزة استمع إلى العديد من الروايات، وكل منها تختلف عن الأخرى.
@ مصادر السلطة الفلسطينية في رام الله تقول إن حماس ، ومنذ أن استولت على قطاع غزة ، بدأت تفرض الأتاوات على الناس، مع أن الرئيس محمود عباس أصدر قراراً أعفى فيه المواطنين من دفع الرسوم إلى حين تسوية وضع القطاع.
ومع ذلك واصلت حماس استيفاء الرسوم على السيارات، وعلى البضائع المستوردة..
كما عمدت إلى استيفاء فواتير استهلاك الطاقة الكهربائية من البيوت والمحلات والورش، وحولت كل هذه البضائع إلى صندوقها الخاص.
علماً ـ والقول للسلطة ـ أن هذه الأموال هي حق للسلطة الشرعية وحدها.
ولما كانت حماس تخالف النظام وتعتدي عليه، ولأنها استولت على أموال شركة توليد الكهرباء، فإن الاتحاد الأوروبي وجد نفسه مضطراً لإعادة النظر في موقفه من تسديد فاتورة الفيول الخاص بتشغيل المحطة المذكورة.
وتضيف السلطة أن حماس ، ومنذ أن استولت على القطاع، وضعت يدها على شركة الكهرباء، فأقالت مديرها، وعينت بدلاً منه مديراً من أتباعها.
@ حركة حماس ترد على السلطة فتقول إنها أقالت المدير السابق لشركة الكهرباء لضلوعه في الفساد، وأنها أحالته إلى التحقيق.
وأنها اضطرت لتعيين مدير بدلاً عنه لتسيير الأعمال. وتضيف أن توقف الاتحاد الأوروبي عن تسديد فاتورة الفيول إنما جاء بضغط من السلطة (التي تسميها حماس بحكومة دايتون نسبة إلى القنصل العام الأميركي في القدس الذي قالت عنه حماس إنه وضع خطة للانقلاب عليها، وأن الحركة الإسلامية استبقت هذا وقامت هي بانقلابها في القطاع) وتضيف حماس أن ما جرى إنما هو مؤامرة من السلطة على الشعب الفلسطيني.
@ الاتحاد الأوروبي بدوره صرح أن التوقف عن دفع الفاتورة إنما هو إجراء مؤقت. ويوضح الاتحاد الأوروبي أنه كان يسدد فاتورة الوقود الخاص بشركة الكهرباء في ظل الآلية التي اعتمدت من «الرباعية» بعد أن فرض الحصار على القطاع بعد وصول حماس إلى الحكومة.
وتقضي هذه الآلية أن يسدد الاتحاد الأوروبي الفاتورة مقابل أن تجني السلطة الفلسطينية ممثلة بالرئيس عباس رسوم استهلاك الكهرباء من المواطنين.
وبعد أن حصل التغير في القطاع ـ يقول الاتحاد الأوروبي ـ بات واجباً التوقف أمام الحالة الجديدة وإعادة النظر بآليات العلاقة الجديدة. لذلك توقف الاتحاد الأوروبي عن تسديد الفاتورة.
@ إسرائيل، ومن موقعها الهادف إلى تعميق الانقسام في الحالة وصب الزيت على نار الخلافات الفلسطينية ـ الفلسطينية، أعلنت أن المعابر المخصصة لنقل الوقود والمحروقات إلى القطاع تعمل بشكل طبيعي، وأنها لم تتدخل في هذه القضية وأنه فور أن يطلب الاتحاد الأوروبي تزويد القطاع بالفيول، سيسمح للصهاريج أن تعبر إليه دون عرقلة من أحد.
ردود فعل الطرفين، السلطة من جهة، و حماس من جهة أخرى اتسمت بالسذاجة وأوضحت إلى أي مدى يفتقد الطرفان القدرة على التعايش مع هموم الناس ومشاكلها.
@ وزير الإعلام في حكومة سلام فياض، الدكتور رياض المالكي، حمل حماس مسؤولية ما آل إليه الوضع العام في القطاع.
لكن اللافت في موقفه أنه دعا المواطنين في غزة إلى النزول إلى الشارع والتظاهر ضد حماس ، لإسقاط سلطتها وهيمنتها على القطاع.
ولعل الوزير المالكي كان يستذكر تظاهرات فصائل م. ت. ف. في الأسبوع ما قبل الماضي، التي قمعتها القوة التنفيذية ل حركة حماس بعنف، متمنياً لو تتواصل هذه التظاهرات إلى المدى الذي تسلم فيه حماس بضرورة الاعتراف بعجزها عن حل مشاكل القطاع.
@ أما الناطقون باسم حركة حماس فقد حملوا عباس مسؤولية ما حصل، وأعادوا الأمر إلى مؤامرة (دوماً مؤامرة) تحاك ضد حماس وضد القطاع.
واتهم الناطقون السلطة في رام الله بالتواطؤ مع الاتحاد الأوروبي في موقفه الأخير.
لكن أياً من هؤلاء، لم يتوقف أمام معاناة المواطن الذي يدفع استقراره وثقته بالحاضر والمستقبل لهذا الاحتراب، وثمناً لما يعيشه القطاع من انقسام جغرافي ومؤسساتي وسياسي عن السلطة الفلسطينية.
وقضية الكهرباء ليست هي القضية الوحيدة التي يعانيها القطاع.
@ فهناك قضايا العبور، وإلا تحول القطاع إلى سجن كبير يمنع على سكانه أن يغادروه، وعلى المغادرين من العودة إليه، علماً أن حاجة القطاع إلى معبر مع العالم الخارجي عامة، ومع الضفة الفلسطينية خاصة، قضية لا تحتاج إلى شرح مطول.
@ وهناك قضايا تأمين احتياجات القطاع من الغذاء والدواء.
ومن يتابع أوضاع القطاع يتبين له أن القطاع الصحي مهدد بالتوقف عن العمل لافتقاره إلى الأدوية، والأدوات الطبية الضرورية، خاصة في ظل تدخلات فظة من حماس في خارطة توزيع الكادر الطبي التابع لوزارة الصحة في رام الله، لا لشيء، سوى لإثبات سلطتها على الوضع العام في القطاع.
@ القضية التي تحتاج إلى تحرك عاجل هي قضية افتتاح العام الدراسي الجديد في القطاع، وحاجة آلاف الطلبة الجامعيين للسفر إلى جامعات الضفة، والقاهرة لاستكمال الدراسة.
وهي قضية تمس كل بيت في القطاع، وبدون حلها ستبدو الأمور شديدة التعقيد.
قضية أخرى هي قضية توفير فرص العمل لحوالي 60% من القوة العاملة في القطاع التي تشكو البطالة وانقطاع المورد اليومي، وهو أمر يجعل من حياة الأسرة جحيماً لا يطاق ينعكس بسلبياته على الصغير والكبير معاً.
خلاصة القول إن تحويل حياة القطاع إلى سلسلة من القضايا الشائكة بلا حل، يضاف إليها العدوان الإسرائيلي الذي لم يتوقف، ويتخذ أشكالاً مختلفة..
كلها عوامل ليس من شأنها سوى أن تضعف قدرة سكان القطاع على الصمود. فالصمود ليس مجرد إرادة، بل هو أيضاً مستلزمات لابد من تأمينها.
ونحن هنا لا نتحدث عن صمود مجموعة من «محترفي النضال» بل نتحدث عن صمود شعب بأكمله.
وبالتالي إن هذا الصراع ليس من شأنه سوى إضعاف الحالة الفلسطينية أكثر فأكثر.
ونعتقد أننا مقبلون ـ إذا ما واصلنا السير على هذا الطريق ـ إلى أوضاع أشد تعقيداً مما هي عليه الآن.
لقد فازت حماس في الانتخابات التشريعية مطلع العام 2006 ، لكنها ـ للأسف ـ قرأت فوزها قراءة خاطئة، فانطلقت في مسيرتها في المؤسسة الرسمية من تلك النقطة التي انتهت إليها فتح، أي احتكار السلطة والاستفراد بها.
والاحتكار بدأ حين رفضت تبني برامج القواسم المشتركة للحكومة الجديدة برئاسة إسماعيل هنية وأصرت على برنامج يعكس خطها هي وحدها.
وعندما وصلت إلى الفشل، رفضت الاعتراف به، مكابرة منها، دون أي اعتبار لمصالح الناس ومعاناتهم وحاولت أن ترمي المسؤولية على الآخرين.
وحتى عندما دخلت مع فتح في حوار، خرجت الحركتان باتفاق تتقاسمان فيه الاحتكار والاستفراد.
ولأن احتكارين واستفرادين لا يصنعان وحدة وطنية، سرعان ما انهارت حكومة الائتلاف البرلماني (أو ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية) انهارت عندما راوحت مكانها، ثم عندما تباينت المواقف بين فتح و حماس داخل مجلس الوزراء وانهارت ـ نهائياً ـ عندما أحست حماس أن الظرف بات «ناضجاً» ـ حسب رؤيتها ـ لتوجه ضربتها وكان الحسم العسكري.
الآن تعود حماس إلى سياسة الاستفراد بالقطاع.
والسلطة من جانبها لا تبدو على عجل من أمرها لحل الأمر. والمواطن دوماً هو من يدفع الثمن.
لذلك حرصاً على المواطن ومصلحته اليومية.
وحرصاً على الوطن ومصلحته العليا، لابد من حل لأزمة قطاع غزة .
لابد أن تتراجع حماس عن خطأها، ولابد للسلطة ـ بدورها أن تستجيب لخطوة حماس ، وأن تتم الدعوة لمشاورات واسعة تقود إلى حل وطني شامل.
لا نشمت ب حماس ومأزقها في القطاع، لأننا لا نشمت بالشعب الفلسطيني.
ولا نشمت بالسلطة وهي تتعرض للضغوط الأميركية والإسرائيلية لأننا لا نشمت بالشعب الفلسطيني.
الطرفان مدعوان إلى تحمل المسؤولية، كل من موقعه، وكل حسب ما يقتضيه هذا الموقع.
وإلا فانتظروا من تل أبيب وواشنطن المزيد من المناورات والضغوطات..
على حساب القضية الوطنية وحدها دون غيرها.
المصدر
- مقال:ظلام في غزة..المركز الفلسطينى للتثويق والمعلومات