ظاهرة العصيان وعدم الانضباط
د/ أحمد العليمي
محتويات
مقدمة
والعصيان ضد الطاعة : فهو التمرد وعدم الالتزام للأمر أو الآمر .
قال الجرجاني : العصيان هو : ترك الانقياد . (1)
وقد يكون العصيان بسبب البطء في التنفيذ وهو تأخير التنفيذ للطلبات الصادرة للأفراد في المؤسسـات التربوية تأخيراً يتجاوز الوقت المحدد للتنفيذ ،أو يكون قريباً جداً منه ، مما يفقد الأمر الإعـداد الجيد المتكامل
وظاهرة العصيان مظهر للتمرد وعدم التوافق مع نظام الحياة ، لذا فإنها قضية تربوية تحتاج إلى بيان ومعالجة ، وإعادة صياغة لشخصية ذلك المتمرد لما يوجه لـه من أمر .
وهي في نفس الوقت معاناة لا بد للمربي أن يعيشها ويبذل قصارى جهده في الوصول إلى حلها . وقد قيل كلفني أن أنقل لك جبلاً ، ولا تكلفني أن أربي لك رجلاً .
أشكال العصيان
وهناك أشكال رئيسة للعصيان (2)
أولاً : شكل المقاومة السلبية :
ومظاهره :
•التأخر في الامتثال والتسويف والبطء
•ظهور علامات الحزن والتهجم والانسحاب على المنفذ
•يكثر المنفذ من التذمر والشكوى ممن طلب طاعته
وهذا الفتور والضعف قد يكون منشؤه ضعف استشعار الأجر العظيم بقيامه بأعمال التربية ، ونسيان أن ما يقوم به عبادة تقربه إلى الله ، بل إنها من أعظم العبادات ، وقد يكون هذا الفتور عاماً في جميع عباداته ، وتتحول هذه العبادات عنده مجرد عادات ، وحركات روتينية يؤديها رفعاً للحرج . ثانياً : التحدي الظاهر ( لن أفعل )
ومظاهره :
•تُصيبه ثورة غضب في الدفاع عن موقفه بعدم الطاعة .
•لديه الاستعداد لتوجيه الإساءة اللفظية للآمر .
ومن أمثلة هذا الرد في رد المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم ما يأتي :
1) قصة أبي لهب مع النبي صلى الله عليه وسلم عندما دعا قريشاً عند الصفا . قال لـه أبو لهب : تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا ؟ "
2)ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعا قبيلة بني حنيفة عندما كان يعرض نفسه على القبائل ليقبلوا دعوته ردوه وسبوه ، وهم قوم مسيلمة الكذاب "
3) وما حدث لـه من الرد والأذى في رحلته إلى الطائف .
ثالثاً : نمط العصيان الحاقد
ومظاهره :
•القيام بعكس ما يطلب منه
•التشكيك بقدرات الآمر
وقد يكون السبب : ضعف الطمأنينة والثقة أو انعدامها في الآمر عن العمل بسبب عدم التجانس النفسي ، أو اكتشافه لبعض نقاط الضعف في الآمر أو لخلافه معه كلها أسباب تؤدى لبطء التنفيذ .
- وإذ ا كان العصيان يقابل الطاعة ، فإن ماــ يقابل الانضباط هـو ( الفوضى )
وتظهر الفوضى على تصرفات الأفراد ب :
- - الإهمال في العمل المكلف به
- - المماطلة في التنفيذ وعدم الإنجاز السريع
- - تكوين جيوب الفتنة والشللية
وتظهر الفوضى على تصرفات المسؤولين ب:
- - تعارض القرارات لعدم وجود المرجعية الواحدة للقرار
- - الازدواجية في توزيع المهام ، وعدم وضوح الصلاحيات أو تجاوزها
- -سؤ المعاملة بالقسوة في الرد أو الإساءة للمأمور أو المماطلة في الجواب أو القرار .
الانضباط والطاعة وأثرهما التربوي - أسباب عدم الطاعة والانضباط
أسباب عدم الطاعة والانضباط
إن مرد تلك الأسباب يعود إلى النفس البشرية ، فلو استقامت على الهدى والفطرة لانسجمت وأطاعت وانضبطت ، ولما زادها تطبيق الإسلام إلا كمالاً وتماماً في هذا الأمر .
ولكن الخلل إذا أصاب الفطرة فإنه يعطب كل شىء فيها ، فإذا بها متمردة غير طائعة ، جامحة غير منظمة ، لذا فإنها تحتاج إلى التذكير الدائم والتنبيه
قال تعالى ( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (3) وقال تعالى ( أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى) (4)
وقال تعالى ( فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) (5)
والحديث عن ذكر الأسباب ينصب في إطار ذلك التذكير الذي ينفع النفس البشرية فتؤب إلى أمر الله والالتزام بهديه .
وبقدر ما تتم التوعية والتبصير بفقه الانضباط والطاعة ، وأن الطاعة والنظام من أساسيات الإسلام ، وأن تحقق الطاعة والانضباط في حياة المجتمع لا يتم إلا من خلال تطبيقه الذي يجلب السعادة للإنسان نفسه ، وأن الانضباط لم يكن يوماً من الأيام مصدراً للتعسف أو مقيداً للحريات السوية في التطبيق والممارسة .
إن الإنسان يحقق وجوده من خلال عبادته لله والتزامه بأمره وطاعته لـه ، وبه يحصل التوافق الذي يتم بينه وبين الكون من حوله ، فإذا بتناغم تام بين منظومة الخلق وبين الأمر المتوجه لها من الخالق الآمر سبحانه .
قال تعالى ( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (6)
ولم يكن هذا التوافق سبباً في ذلة الإنسان أو مسكنته وقهره ، ولكن كان لرقيه وحريته وتكريمه الذي أراده الله لـه في هذه الحياة . بتلك الطاعة قال تعالى ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (7)
وقد ذكرت بعض ما رأيت أنه من المعوقات باختصار، ونسأل الله الثبات والإعانة والتوفيق ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
أولاً : الاستجابة للوساوس والشبهات الشيطانية والظن
الاستجابة للوساوس والشبهات الشيطانية هي السبب في ضعف أو تلاشي الالتزام والانضباط والطاعة , ذلك أن الشيطان قاعد للإنسان لاسيما المسلم بالمرصاد . يوسوس بإلقاء الشبهات والأباطيل كي يصرفه عن طريق الله ، أو على الأقل يجعل سيره في هذه الطريق محفوفاً بالتضييع والتفريط ، وعدم السمع والطاعة لما يوجه لـه من الأمر . ولعلَّ هذا هو السر في دوام تحذير الإسلام لنا من الشيطان . (8)
قال تعالى ( يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) (9)
وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (10)
وقال تعالى ( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ، )مَلِكِ النَّاسِ ، إِلَهِ النَّاسِ ، مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ، مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) (11) قال بعض السلف :
- "ما أمر الله بأمرإلاوللشيطان فيه نزعتان : إما إلى تفريط ، وإما إلى مجاوزة ، وهي الإفراط ، ولا يبالي بأيهما ظفر زيادة أو نقصاً"
قال ابن القيم رحمه الله :
- " وأول التعظيم : تعظيم الأمر والنهي ، وهو أن لا يعارضا بترخص جاف ولا يعرضا لتشدد غال .
فهاهنا أمران ينافيان تعظيم الأمر والنهي :
- أحدهما : الترخص الذي يجفو بصاحبه عن كمال الامتثال .
- الثاني : الغلو الذي يتجاوز بصاحبه حدود الأمر والنهي .
فالأول : تفريط . والثاني : إفراط .
وما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان .... وذكر القول الأول " (12)
ومن أهم وساوس الشيطان التحريش وتفكيك بنيان الأمة ، وهو هدف أساسي للشيطان وأولياءه ، حيث يؤدي إلى الضعف والذلة والهوان .
- عَنْ جَـابِرٍ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ) (13) الأصل أن المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً فلا يكون سبباً في هدم بنيان الأمة .
عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ ) (14)
ولا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاث ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قـَالَ ( تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ ، فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا) (15)
ويبتعد المؤمن عن الظن السيء بإخوانه ليصفي قلبه ، وتدوم محبته لهم ، ويبعد الشيطان عن وسوسته لـه .
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) (16)
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
" ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيراً وأنت تجد لها في الخير محملاً " (17)
وعبارات شاذة في التعامل مع الغير لا ينبغي تداولها .
- أظن أن فلاناً سيفعل كذا
- أظن أنه يعني كذا
- أظن أنه سيقول أو قال كذا
والتثبت منهج إسلامي سام لا بد من التعامل به . (18)
( يروى أن رجلاً سمع في الظلام رجلاً يأكل
فقال له : أظنك تأكل
قال : نعم .
قال الأول : أظنه زبيباً .
قال : نعم
قال الأول : أظنك تعطيني .
قال : إن بعض الظن إثم )
وإساءة جمع المعلومات ونقلها سبب من أسباب الظن السيء والتعدي ، فقد تجمع المعلومات بالظن ، والظن لا يغني من الحق شيئاً ، أو بالتجسس والتجسس منهي عنه . وقد تنشر المعلومات بالغيبة والنميمة وهما خلقان متنافيان مع الإسلام والتربية .
ثانياً : الإطراء بالمدح والإعجاب بالنفس :
- والعجب هو : إحساس الفرد بتميز كلامه وفعله وصورته العامة عن الآخرين مما يجعله معجباً بنفسه .
و من الناس من إذا أُطري أو مدح اعتراه أو ساوره لجهله بمكائد الشيطان خاطر أنه ما مدح إ لا لأنه يملك من المواهب ما ليس لغيره , وما يزال هذا الخاطر يلاحقه , ويلح عليه حتى يصاب والعياذ بالله بالإعجاب بالنفس .
بل يقوم هو بتزكية نفسه ، والثناء على أقواله وأفعاله . وذلك لما يراه من كثرة الثناء عليه من داخل المؤسسة ومن خارجها .كما أنه يرى تأثر الجماهير بكلامه ( تداول أشرطته ، طبع كتبه وتداول آراؤه) وسماع الجماهير لـه والتفافهم حوله ، بل إن النجاحات التي يحققها في المجتمع تنسيه ما كان عليه قبل البروز والشهرة ، كما تنسيه فضل المؤسسـة عليه في الإبراز بعد فضل الله تعالى .
قال تعالى ( .... فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) (19)
ومظاهر ذلك عليه في أمور :
*التكبر
وأول خطيئة ارتكبت هي الحسد - آدم وإبليس –
قال تعالى ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (20)
والوعيد في الدنيا للمتكبرين بصرفهم عن معرفة الحق والعمل به .
قال تعالى ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) (21)
والوعيد في الآخرة بالعقاب الأليم .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قـَالَ ( لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ )
قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ ( إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ ، وَغَمْطُ النَّاسِ ) (22)
والمتكبر لا يطيق تقبل الأمر أو القسوة في بعض الأحيان ، لأنه يرى أنها نالت من مكانته ودرجته .
( أشد عيوبنا أنا إذا نُصحنا - ويجوز فتح النون ورفعها - خدرتنا الكبرياء )
* الاستعصاء على النصيحة
فلا يقبلها من ناصح , بل ينفر منها , بل يحاول فلسفتها وتحويرها وتحويلها إلى غيره لأنه قد بلغ الكمال ، ونال الثناء من الناس , وما الناصح إلا حاسد أو جاهل لا يعرف الأمور , ولا يقدر الرجال !
وقد تكون البيئة وتبدلها سبباً لذلك فإن تأثير الجو المنضبط ظاهر والعكس بالعكس ، ومما لا شك فيه أن تبدل انضباط الفرد في البيئة الجديدة مؤشر إما على هشاشة انضباطه السابق أو على شحناء البيئة الجديدة .
وقد يكون التساهل والترخص سبباً آخر و التساهل الأصغر يغري بالتساهل الأكبر ، وقد يمارس التساهل البسيط مع عزيمة وقوة يضمن بها عدم التجاوز إلى الأكبر ، ثم يأتي الضعف أو الضيق أو .... فيضعف أمام الأكبر .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلًا كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلَاةٍ فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ فَيَجِيءُ بِالْعُودِ وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا فَأَجَّجُوا نَارًا وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا . (23)
*مخالفة الفعل للقول
عدم الانضباط الظاهر : هو التمرد والعصيان على أوامر المؤسسة .
وعدم الانضباط الباطن هو : مخالفة الفعل للقول " ترى العامل يقول نعم وهو يفعل لا "
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (24)
قال ابن القيم رحمه الله :
- " إن الناس قد أحسنوا القول ، فمن وافق قوله فعله ، فذاك الذي أصاب حظه ، ومن خالف قوله فعله ، فذاك إنما يوبخ نفسه " (25)
وقال الشاطبي رحمه الله :
- " التأسي بالأفعال بالنسبة لمن يعظم في الناس سرُ مبثوث في طباع البشر ، لا يقدرون على الانفكاك عنه بوجه ولا بحال ، ولا سيما عند الاعتياد والتكرار " (26)
* المجاهرة بعدم الانضباط
يُظهر عدم التزامه ولا يعلم أن عدم الانضباط مرض يجب التداوي والعلاج منه ، وأن المجاهرة به هو : تعمد العدوى للغير به ، وهذه جريمة .
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ ) (27)
و الارتجال ينقض الانضباط ، فلا بد من الأناة والتأني والانضباط .
- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ ( إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ ) (28)
والحلم فضيلة خلقية نافعة، تقع في قمة عالية دونها منحدرات ، فهو أناة حكيمة بين التسرع والإهمال أو التواني ، وضبط للنفس بين الغضب وبلادة الطبع ، ورزانة بين الطيش وجمود الإحساس "
أما الأناة فإنها " تسمح للمربي أن يحكم أموره ، ويضع الأشياء في مواضعها ، بخلاف العجلة فإنها تعرضه للكثير من الأخطاء والإخفاق ، وتعرضه للتعثر والارتباك ، ثم تعرضه للتخلف من حيث يريد السبق ، ومن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه " (29)
* الفرح بسماع عيوب الآخرين وخاصة أقرانه (30)
- يقول الفضيل بن عياض رحمه الله : " إن من علامة المنافق ، أن يفرح إذا سمع بعيب أحد من أقرانه "
ويحمله ذلك على استنقاص منجزات الغير ، وتحقير جهود الآخرين ، وإظهار السلبيات ، وكتم الإيجابيات ، وتحليل وقياس الأمور المختلف فيها من منطلق إحساسه بدوره الرائد ، وتفوقه على غيره .
ثالثاً : التنافس وعدم تحمل الرأي الآخر والفرقة
التنافس هو : أن يكون هناك تنافس بين أفراد المؤسسة التربوية الواحدة أو المؤسسات التربوية المختلفة لا على أساس القرب من الله بل على أسس من حظوظ النفس ، وإظهار العمل للبشر ، والبروز في المجتمع أو النكاية بالمؤسسات الأخرى من منطلقات ضيقة بعيدة كل البعد عن التسابق في إرضاء الله تعالى . وهذا هو التنافس المذموم .
ويؤدي بالناس إلى أمرين :
الأول : عدم تحمل الـرأي الآخر
فيظهر عدم الرضا بالرأي المخالف لرأيه ، بل وعدم إعطاء فرصة لمن يخالفه بإبداء وجهة نظره ، والغضب والضيق الشديد لسماع الرأي المخالف والإحساس الدائم بأن المنافس يريد سحب البساط منه شخصياً أو من مؤسسته ، وقد يدفعه الاعتقاد الجازم بأن ما لديه هو الصواب اعتماداً على دراسات واقعية وإحصائيات ، فيصاب بمرض حب الجدل . نسأل الله السلامة .
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ ( مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ) (31)
لذا تجد أن التركيز على سلبيات الرأي المخالف دون النظر إلى إيجابياته ، وعدم الاعتراف بالخطأ برأيه إن كان هناك خطأ . هو الغالب عليه ومرد ذلك يعود – والله أعلم - إلى عدم صفاء النيات وابتغاء وجه الله تعالى .
والطبيعة اللاجماعية لها دور كبير في هذا ، فبعض الناس ذو طبيعة لا جماعية لا يُطيق النظم والانضباط ، بل يرفض الذوبان في البنية الجماعية ، ويحاول التفلت منها بشتى الوسائل والمبررات ، والبيئة الأسرية التي تربى فيها ، وطريقة الأب الذي لا يقبل رأياً معارضاً لـه من الأسرة ، ثبَّتَ عنده هذا الخلق .وهو في ممارسته تلك واحد من ثلاثة إما متكبر ، أو خواف ، أو بخيل .وما مثل البخل صفة مانعة من الاندماج بالناس .
إن التركيز يجب أن يكون على الهدف من العمل وأنه ليس للأشخاص ولا للمؤسسات إنما هو لإرضاء الله تعالى .
وأن التعاون والتنازل في الأمور الممكن التنازل فيها إذا كان ذلك يؤدي إلى صفاء القلوب ، والارتقاء بالعمل ، والانضباط والطاعة هو الذي يجب على الجميع أن يمارسوه في التربية .
الثاني : الفرقة والخلاف
إذ أن سبب الفرقة والخلاف عدم السمع والطاعة فينتهي الأمر إلى التمزق والتشتت , لذا يصير العمل الإسلامي لقمة سائغة لأعداء الله .
وينبغي التأكيد من خلال المناهج التربوية بأن ليس كل خلاف مذموم ، فما قصد منه الارتقاء بالعمل التربوي فهو المحمود ، وما قصد منه الانتقام الشخصي ، والخلاف من أجل الخلاف فهو المذموم .
ألا ترى خلاف الصحابة رضوان الله عليهم في تنفيذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاة العصر في بني قريظة فصلى بعضهم في الطريق قبل غياب الشمس ، وأخَّر آخرون الصلاة حتى وصلوا وقد خرج وقتها ، فأقر النبي صلى الله عليه وسلم الفعلين .
ومما يؤجج هذا الأمر : الحسد
والحسد شيمة الجبناء الضعاف ، إذ لو كانوا أقوياء لعملوا على تقوية أنفسهم حتى يكونوا مثل رؤسائهم ، ولعملوا على تقوية الصف بـدل تمني زوال النعمة على المحسودين .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ ، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ ، أَوْ قَالَ الْعُشْبَ ) وعن الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ رضي الله عنه ُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قـَالَ ( دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ )
رابعاً : حب الرياسة والرغبة في التحرر من سيطرة وسلطان الآخرين
- " بعض الناس ينشأ دون أن يذوق طعم الطاعة لأحد ولو مرة واحدة , ومثل هذا إذا وضع في محيط جماعي فإنه يعز عليه بل ويكبر في نفسه أن يكون فوقه أحد "
والمقصود هنا هو : طلب تولي المسؤولية والحرص عليها ، أي طلب الفرد للرئاسة ، ومحاولة بروزه أمام الناس دون أن يطلب ذلك منه . وقد ورد النهي عن هذا :
عن عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( يَا عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لا تَسْأَلِ الْإِمَارَةَ ، فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا ، وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا )
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا تَسْتَعْمِلُنِي ؟ قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ ( يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ ، إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا )
قال النووي رحمه الله تعليقاً على الحديثين :
" وفي هذا الحديث – الأول – فوائد منها :
- كراهية سؤال الولاية ، سواء ولاية الإمارة والقضاء والحسبة وغيرها
- بيان أن من سأل الولاية لا يكون معه إعانة من الله تعالى ، ولا تكون فيه الكفاية لذلك العمل ، فينبغي أن لا يولى .لما ورد :
عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَرَجُلَانِ مِنْ قَوْمِي . فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ أَمِّرْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَقَالَ الْآخَرُ مِثْلَهُ . فَقَالَ ( إِنَّا لَا نُوَلِّي هَذَا مَنْ سَأَلَهُ وَلَا مَنْ حَرَصَ عَلَيْهِ )
وقال النووي في الحديث الثاني :
- " هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات ، لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية ، وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلاً لها ، أو كان أهلاً ولم يعدل فيها ، فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه ، ويندم على ما فرط ، وأما من كان أهلاً للولاية وعدل فيها فله فضل عظيم . ومع هذا فلكثرة الخطر فيها حذره صلى الله عليه وسلم منها ، وكذا حذر العلماء ، وامتنع منها خلائق من السلف وصبروا على الأذى حين امتنعوا "
وقد يدفعه إلى ذلك وجود ذكاء مفرط لم يجد استجابة فيكثر لديه كثرة النقد بسبب وبغير سبب . وإظهار ما لـديه من علم دائماً . وعدم المشاركة بجدية عندما يكون مرؤوساً . وإفشال المبادرات التي لا تصدر من قبله .
وتجده متطلعاً للمغانم ، فهو منتظر للغنيمة ينضبط ويطيع حتى يحصل عليها ، فإن فاتته أو حصل عليها فإن انضباطه يخف .
- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُمْ ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ ، ثُمَّ سَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ . حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ ( مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ )
وهو متعالم متشبع بما لم يعط يحاول أن يتميز عن غيره ، وأن يخدع الآخرين بأنه ذو علم وصفات تؤهله للقيادة والرئاسة .
عَنْ أَسْمَاءَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي ضَرَّةً فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ )
وأبعد الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيقهون ، وهم المتكبرون
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ قَالَ الْمُتَكَبِّرُونَ ) -هذا الصنف المذكور لا انضباط لهم لا في القول ولا في العمل ولا في الأحكام التي يصدرونها .
وهو مصاب بالمغالاة والتنطع ، والمغالي يريد التميز فيكلف نفسه فوق طاقتها .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ قـَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
( هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا )
- عن ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ( هَاتِ الْقُطْ لِي ) فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِي يَدِهِ قَالَ ( بِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ ، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ ،فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ )
وقد يدفعه هذا الغلو إلى الشللية واتخاذ الجيوب .حيث تجمع مجموعة من العناصر في المؤسسة لهم أفكار تعارض أفكار المؤسسة ولهم اجتماعات وجلسات خارج إطار العمل الجماعي لتداول أفكارهم ، ومحاولة إيجاد طرق لتطبيقها ، أو إعاقة تطبيق قرارات المؤسسة التي ينتمون إليها مما لا يوافقهم .
والموقف يقتضي :
غرس معاني التجرد لله عز وجل ، والتذكير بأن الحياة لا تسوى أن يضيعها المؤمن في حظ نفسه ، وطلب شهواته .
عدم التسرع باتخاذ أي إجراء حيث أنه لا يمكن تصنيف كل معارضة بأنها مظهر سلبي إذ لابد من دراسة نوع المعارضة .
الدعاء بالهداية والثبات ، ويأتي الدعاء في مقدمة هذه الحلول حيث يستشعر أفراد المؤسسة بأهمية هذا الحل ، ويقوم كل منهم بأداء واجبه من الدعاء
إيقاف أي غيبة لأن انتشار الغيبة لمثل هؤلاء يشجع على تكوين جو من انعدام الثقة والتفكك في المؤسسة الواحدة ، ويكون عاملاً في انتشار الخبر خارج المؤسسة لما له أكبر الأثر على أولئك النفر .
وإذا لم تنفع معه الوسائل السابقة فلابد من الإخراج من المؤسسة ، لأن مثل هذا النوع لا يصلح للعمل المؤسسي ، ويضره أكثر من أن ينفعه حتى وإن كان يملك من العلم ما يملك ، ذلك لأن عملنا التربوي الأصل فيه ابتغاء وجه الله تعالى .
خامساً : الاجتهاد المخالف
وهو القيام بعمل من أعمال الدعوة دون استئذان من أحد . ويكون عادة مخالفاً لأوامـر المؤسسة التي ينتمي إليها ، اعتقاد اً من المجتهد أن رأيه أصوب من رأي المؤسسة ، وقد يكون اجتهاده ذو نتائج إيجابية أوسلبية ، وغالباً ما تكون النتائج سلبية .
ويدفعه على هذا السلوك أمور منها :
أ) استباق المسؤول
والأدب في هذا قوله تعالى ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً)
- وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ أَوْ لَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ ، أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ )
ولا يتعارض هذا الأدب مع قوله تعالى (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
فالمقصود بالآية استباق الفرد منفرداً إلى العمل الصالح ، وليس استباق قرارات المؤسسة ،فإذا كان من سبقٍ فهو النصيحة للمؤسسة.
وكراهية المسؤول هي التي تدفع إلى استباقه ، وهي لا تنبع دفعة واحدة وإنما تتجمع قطرة قطرة من ممارسات الرئيس حتى يصبح مكروهـاً .
عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( خِيَارُ أَئِمَّتِكُمِ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمِ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ ) قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ فَقَالَ (لا مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ )
كما أن بخس التقدير وعدم إشعار العامل بأهمية الدور الذي يؤديه يصيبه بالإحباط في عدم جدوى عمله .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ)
ب)لاستعجال والعجز عن تحمل المشاق ومتاعب الطريق
" إن بعضاً من العاملين للإسلام يملك جرأة وشجاعة وحماساً لعمل وقتي , ولو أدَّى به إلى الموت , ولكنه لا يملك القدرة على تحمل مشاق ومتاعب الطريق لزمن طويل.
مع أن الرجولة الحقة هي التي يكون معها صبر وجلد وتحمل ومثابره وجد واجتهاد حتى تنتهي الحياة . لذلك تراه دائماً مستعجلاً ليجنب نفسه المشاق والمتاعب , وإن تذرع بغير ذلك "
وقد يدفع إليه الجبن فهو يريد التخلص من المهمة الملقاة عليه .
والجبن هو : خوف الإقدام والعواقب ، وقد ينسف الانضباط من أساسه إذا نكص عن التنفيذ .
قال تعالى (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ)
الهامش
1التعريفات 0 الجرجاني 131 ط/ مصر الأولى 1938
2 مشكلات الأطفال والمراهقين وأساليب مساعدتهم / 405 – 405 بتصرف
3 سورة الذاريات/11
4 سورة عبس/4
5 سورة الأعلى /9
6 سورة الأعراف ،/54
7 سورة الإسراء /70
8 آفات على الطريق 2/118 – بتصرف -
9 سورة الأعراف /27
10 سورة البقرة /168
11 سورة الناس
12 تهذيب المدارج /333 و 495
13 أخرجه مسلم 4/2166(ح/2812)
14 أخرجه البخاري 1/182 (ح/467) ومسلم 4/1999(ح/2585)
15 أخرجه مسلم 4/1987(ح/2565)
16 سورة الحجرات /13
17 تفسير القرآن العظيم _ ابن كثير /227 ط/ لبنان
18 أنظر كتابي التثبت والتبين في المنهج الإسلامي 0
19 سورة النجم /32
20 سورة البقرة /34
21 سورة الأعراف /146
22 أخرجه مسلم 1/93 (ح/91)
23 أخرجه أحمد (ح/3627) وابن ماجة (ح/4233)
24 سورة الصف /2-3
25 الفوائد /192
26 الموافقات4/248
27 أخرجه البخاري 5/2254(ح/5721)
28 أخرجه مسلم 1/48(ح/17)
29 الأخلاق الإسلامية 2/325 و 353
30 آفات على الطريق 1/133
31 أخرجه الترمذي 5/378-379 (ح/3253) وقَالَ :هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
32 أخرجه أبو داود 5/208-209 (ح/4903)
33 أخرجه الترمذي 4/664 (ح/2510)
34 آفات على الطريق 2/61
35 أخرجه البخاري 6/2443 (ح/6248) ةمسلم 3/1273-1274 (ح/1652)
36 أخرجه مسلم 3/1457 (ح/1825)
37 شرح النووي على مسلم 6/130
38 أخرجه البخاري 6/2614 (ح/6731) ومسلم 3/1456 (ح/1733)
39 شرح النووي على مسلم 6/450
40 أخرجه البخاري 2/534-535 (ح/1400) ومسلم 2/729(ح/1053)
41 أخرحه البخاري 5/2001(ح/4921) ومسلم 3/1681(ح/2129)
42 أخرجه الترمذي 4/371(ح/2018) وقَالَ أَبُو عِيسَى وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْمُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ وَهَذَا أَصَحُّ وَالثَّرْثَارُ هُوَ الْكَثِيرُ الْكَلَامِ وَالْمُتَشَدِّقُ الَّذِي يَتَطَاوَلُ عَلَى النَّاسِ فِي الْكَلَامِ وَيَبْذُو عَلَيْهِمْ *
43 أخرجه مسلم 4/2055(ح/2670)
44 أخرجه النسائي 5/268 (ح/3057)
45 سورة النساء /83
46 أخرجه البخاري 1/245 (ح/659) ومسلم 1/320 (ح/427)
47 سورة البقرة /148
48 أخرجه مسلم 3/1481 (ح/1855)
49 أخرجه ابن ماجة 2/817 (ح/2443) وقال االألباني : صحيح 2/59
50 آفات على الطريق 1/69-70
51 سورة التوبة / 56-57