طلبة الإخوان ومحنة 1965م
موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)
توطئة
كانت محنة عام 1954م وتوابعها كمذبحة ليمان طرة عام 1957م لها وقع اليم على شباب الإخوان وطلابهم، حيث أنه تم القبض عليهم في قضايا ليست مخلة بالشرف، أو تستحق ما حدث لهم، فقد كانت كل تهمتهم أنهم كانوا يجمعون القروش القليلة ليسدوا رمق الجوعى من أطفال الإخوان الذين تم اعتقالهم بعد حادثة المنشية؛
لكن سرعان ما تكشف لعبدالناصر هذا التنظيم الذي يسعى لكفالة اسر الإخوان المعتقلين، ومن ثم جابت سيارات البوليس في كل ركن تبحث عن كل شباب وطالب عمد لمساعدة اسر الإخوان وزج بهم في آتون مستعر من العذاب في سجون عبدالناصر، بل أقام ضد هؤلاء مذبحة مروعة في يونيو 1957م انتهت باستشهاد 22 وجرح مثلهم وإصابة 12 بالجنون من هول ما رأوا.
وما كادت هذه الأخبار تصل إلى جموع طلبة الإخوان بالخارج حتى أصابهم الحزن على ما يحدث لرجال كل تهمتهم أنهم عملوا لله وحده، ومن ثم جاءت التوقعات على غير ما كان يرنوا غليه عبدالناصر وزبانيته حيث سعى كثير من الطلبة (بالرغم مما سمعوا عنه) للالتحاق بركب الإخوان المسلمين.لم يكن طلبة الإخوان وحدهم من تم حصارهم بل وصل الحال لحصار طلبة الجامعات وتفريغ نشاطهم لصالح النظام القائم؛
يقول أحمد عبدالله:
- كان قد سبق محاولة لتفريغ الاتحاد من محتواه السياسي ,الأمر الذي قضى بالفعل على فرصته فى إثبات فاعليته كتنظيم سياسي .
- وشملت هذه المحاولة التدخل المباشر فى عمله من جانب الحكومة , وإدخال تعديلات على لائحته المنظمة بما قيده فى أضيق حدود النشاط الشكلي وحصره فى نطاق تأييد السياسات الرسمية . وقد بدأ تدخل الحكومة فى عام 1953 عندما أوقفت انتخابات الاتحاد وبدلاً منها تم تعيين ممثلي الطلبة من قبل سلطات الجامعة .
- وعندما استؤنفت الانتخابات عام 1959 , اتخذ التدخل شكل الاعتراض على ترشيح بعض المرشحين , أو شكل التدخل فى الأعمال اليومية للاتحاد ووضعها تحت رقابة محكمة من قبل سلطات الجامعة .
- وتقتضى لائحة الاتحاد التي صدرت بموجب قرار جمهوري تحليلاً خاصاً . فقد تم تعديلها عدة مرات من أجل ضمان ولاء الاتحاد للنظام والحد من الاستقلال التنظيمي الذاتي له.
- وتنص اللائحة الصادرة عام 58/1959 , على أن يهتم الاتحاد فقط بالمسائل الاجتماعية . والمتعلقة برعاية الطلبة بينما تحظر النشاط السياسي والدينى، ووردت أهداف الاتحاد فى ست مواد تؤكد إحداها " الالتزام بإحياء القومية العربية" و " مبادئ الإشتراكية التعاونية الديمقراطية " .
- بينما تجسد الخمسة الأخرى اهتماماته الاجتماعية والمتعلقة برعاية الطلبة . وكان مسموحاً بالعضوية كلاً من الطلبة والأساتذة , مع قصر سلطة إصدار القرارات على الأساتذة . وكان المجلس الأعلى للاتحاد يتكون من اثني عشر عضواً من هيئة التدريس , وتسعة من الخريجين , وثمانية طلاب فى العام الأخير لانعقاده 61/ 1962م. (1)
بهذه الصورة يتضح ما قام به نظام عبدالناصر من محاولة تفريغ الطلبة من قوتهم واختزالها في تأييد النظام، فقط، مما انعكست بالسلب على النشاط الطلابي.
بداية التنظيم
بعدما تعرض الإخوان للضربات المتتابعة في عام 1954 ثم 1955 ثم مذبحة طرة 1957م، بدأت الأمور تهدأ خاصة بعد خروج أعداد كبيرة من الذين لم يحكم عليهم بأحكام حيث عادوا إلى حياتهم الطبيعية لكن في ظل مراقبة شديدة ومن ثم كانت اتصالاتهم بمن يعرفون فقط، حتى لا يتهموا بإحياء تنظيم الإخوان.
ومع ذلك كانت روح جديدة تسري في جسد الأمة، خاصة شباب وطلاب مصر الذين سمعوا عما حدث للإخوان وأعجبوا بهذه الدعوة.كان عدد كبير منهم طلابا صغار وقت حدث محنة عام 1954م ومن ثم لم يتعرضوا للاعتقال أو الأذى، وكانت هذه القلوب هي التي تجمعت بعد فترة لتحي صرح هذا التنظيم من جديد أمثال فاروق المنشاوي والسيد نزيلي وأمين شاهين وجابر رزق وغيرهم.
يقول محمد الصروي (أحد الضحايا الطلبة عام 1965م):
- كان أمين شاهين طالبا بكلية الهندسة وهو من أبناء مركز ميت غمر وكان شبلا من أشبال الإخوان قبل عام 1954 ويعرف كلا من علي عشماوي والسيد البرديني وعددا لا باس به من أشبال الإخوان الذين لم يتم اعتقالهم في عام (1954) ..
- واستطاع أمين شاهين بدماثة خلقه رحمه الله أن يجمع حوله هؤلاء الشباب .. وهو على صلة طيبة أيضا بعلي عشماوي الذي حرص على توثيق علاقته معهم .. واتفق مع علي عشماوي والسيد البرديني وأخرين من أشبال مركز ميت غمر على عمل تنظيم يجمع شتات شباب الإخوان بعد أن فرقتهم الضربة القاصمة في (1954) وجمع حوله حوالي ثلاثين شابا؛
- هدفهم الأساسي هو إحياء جماعة الإخوان المسلمين والتربية الثقافية على الفكر الإسلامي والتقى مع علي عشماوي وأحمد عبد المجيد في عام (1957) في حديقة الدمرداش بالعباسية؛
وبعد مناقشات طويلة اتفقوا على الأتي:
- تعيين علي عشماوي أميرا لهم
- تعيين أمين شاهين مسئولا من النواحي المالية
- تعيين أحمد عبد المجيد مسئولا عن المعلومات
- وضع برنامج دراسي تربوي
- السرية التامة مع الحذر الشديد في التحرك والاتصالات
- عدم التقيد بالتقسيم الجغرافي لحركة كل واحد , والاتصال بكل من يعرف في أي مكان بمصر .
- جس نبض القيادات القديمة المعروفة للإخوان وعدم مصارحتهم إلا بعد التيقن من موافقتهم على التنظيم
- استبعاد أي أخ سبق له تأييد الحكومة في السجن .. كذلك استبعاد أي أخ فيه شك ولو بنسبة 1%. (2)
بدأ بعض الأفراد في مختلف المحافظات تجميع من يعرفونهم من الإخوان حول بعضهم وتكوين تنظيم جديد للإخوان حتى تعارفوا جميعا على بعضهم البعض،
وجاء التشكيل النهائي على النحو التالي:
(أ) عبد الفتاح إسماعيل (تاجر)
- مسئول دمياط وكفر الشيخ وشرق الدلتا
- الاتصال بالأستاذ المرشد
- الاتصال بالأستاذ سيد قطب فى السجن
- التفاهم مع إخوان الإسكندرية والبحيرة في حضور فتحي رفاعي
- مسئول النواحي المالية من حيث مصادرها ومصارفها
(ب) الشيخ فتحي رفاعي (مدرس أزهري)
- مسئول وضع البرامج التربوية
(ج) على عبده عشماوى (موظف)
- مسئول التدريبات الرياضية
- مسئول الاتصال بالإخوان بالخارج
(د) أحمد عبد المجيد عبد السميع (موظف بإدارة كاتم أسرار الجيش)
- مسئول الوجه القبلي (الصعيد)
- مسئول المعلومات
- وبعد عدة شهور سافر فتحي رفاعي إلى الجزائر وحل محله الأستاذ صبري عرفه الكومي (مدرس كيمياء ثانوي من المنصورة)وكذلك سافر عوض عبد المتعال إلى الجزائر .. وتقلص دور المهندس محمد عبد الفتاح شريف إلى رئاسة إخوان محافظة دمنهور فقط.
(هـ) مجدي عبد العزيز متولي (كيماوي بمصنع الجرانيت وأقلام الرصاص ) ومعه عبد المجيد الشاذلي (كيماوي بشركة الحرير الصناعي بالإسكندرية ) مسئولين عن العمل في الإسكندرية. (3)
لقد كان لعبد الفتاح إسماعيل دور كبير في جمع الشباب والطلبة حوله، حيث كان يتسم بخفة الروح وحسن التواصل مع الشباب؛
يصف ذلك أحمد عبدالمجيد (أحد قادة تنظيم 65):
- لقد كان له رحمه الله الفضل في جمع شتات الإخوان في كل مكان في مصر في هذا التنظيم،بل ودعوة تربية كثير من الشباب من طلبة وخريجي الجامعات الذين لم يكن لهم سابق معرفة بالإخوان ولا تسمح أعمارهم بذلك ، حتى كان يطلق عليه زبانية السجن (دينامو التنظيم). (4)
تم اختيار الأستاذ سيد قطب ليكون مسئولا عن التنظيم الجديد، وكانت حلقة الوصل بينه وبين قيادة الجديد أخته حميدة قطب.
كانت نشأة التنظيم الجديد من بداية تجمع الشباب والطلبة لجمع الإعانات لأسر الإخوان المعتقلين، لكن بعدما وجهت ضربة قوية لهؤلاء الشباب عام 1955م هدأت الأمور بعض الشئ حتى كانت مذبحة طرة عام 1957م والتي فجرت الحنك عند كثير من الشباب فبدؤوا في تجميع أنفسهم تحت قيادة راشدة من كبار الإخوان، وذلك تقريبا في عام 1958م حيث بدأت معالم التنظيم الجديد تظهر وتعمل، حيث كان معظمه من شباب وطلاب الإخوان المسلمين.
الطلبة في التنظيم
بالرغم مما قام به عبدالناصر ونظامه نحو الإخوان المسلمين وأسرهم، ومحاولة محو فكر الإخوان من عقول وقلوب الناس، إلا أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، حيث ظهرت نواة من طلبة وشباب المدارس الذين حملوا فكر الإخوان وسعوا في انتشاره، مثل الطالب فاروق المنشاوي الذي التحق بكلية الهندسة بجامعة القاهرة، وقد وهبه الله لين الجانب مما دفع الطلبة يقتربون منه ويسمعون لكلامه، فكانت فرصة لأن يعرفهم بمنهج الإخوان المسلمين، بل ويربيهم عليهم.
يقول محمد الصروي:
- وانتقلت إلى قسم الهندسة الكيماوية .. وفى هذا القسم رأيت (الشهيد) فاروق المنشاوي كان يحضر معنا محاضرات " الفيزياء " في مدرج (3101) للأستاذ الدكتور لطفي على الحو.. وكنت أجلس وراءه وأطيل النظر إليه .. ولم أجرؤ على التعرف عليه .. ولكن كنت أجلس في المدرج في الصف الذي وراءه لكنه تعرف على زميل آخر في غاية الذكاء اسمه " فايز " .. وبسرعة نقل (فاروق) هذا التعارف إلى حوار عن " الدين " و" التدين " وكان زميلنا " فايز" يناقشه بصراحة شديدة مع قدرة فائقة على الحوار ..
- كل هذا النقاش يبدأ قبل محاضرة الفيزياء يومي " الأحد " و " الاثنين " من كل أسبوع .. وينتهي هذا الحوار عند حضور الأستاذ الدكتور لطفي على الحو .. ويتواعد الزميلان على استئناف الحوار في الأسبوع المقبل واستمر هذا الحوار طوال العام وكنت احرص على الجلوس ورائهما كل مرة استمع إلى الحوار ..
- وفى العام التالي توطدت العلاقات بين " فاروق " و " فايز " بصورة كبيرة .. وكنت أصلى معهما في مصلى "قسم الهندسة الكيماوية " وهى مصلى صغير مفروش بقش الأرز في مقابل مبنى القسم .. وكثيرا ما كنا نصلى الظهر وأحيانا العصر والمغرب والعشاء في أيام العملي حيث يستمر العملي في قسم الكيمياء حتى قبل الثامنة مساء بقليل أي بعد صلاة العشاء بوقت طويل في أيام الشتاء .
- وفى هذه المصلى تعرفت على مجموعة الهندسة كلها:
- وبدأ فاروق المنشاوي يظهر كصاحب توجه إسلامي قوى بين الطلبة .. وكان رحمه الله ودودا بشوشا مهذبا .. لكنه أيضا معتز بنفسه .. واثق الخطى .. وبدأ يجرى حوارات مع الطلبة .. لابد أن نفعل شيئا لخدمة الإسلام .. لابد أن نخدم الدين ويكرر قوله تعالى " وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون " لابد أن تكون (عابدا) قبل أن تكون (مهندسا) فالهندسة من أجل لقمة العيش .. أما العبادة فثمنها جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين .
- وجاء المؤتمر القومي للاتحاد الاشتراكي وتطاول (صلاح جاهين) رسام الكاريكاتير في جريدة الأهرام وتطاول على فضيلة الشيخ محمد الغزالي فقامت مظاهرة كان من قادتها فاروق المنشاوي واعتقلوه في مديرية الأمن بالجيزة ثم أفرجوا عنه. (5)
بدأ الطلبة يعمدون إلى تربية بعضهم بعض تربية إخوانية على منهاج الإسلام؛يقول الصروي:
- بدأت انتظم في أسرة تربوية في بيت (الشهيد) فاروق المنشاوي وأعضاء هذه الأسرة فاروق المنشاوي فايز إسماعيل ثم بعد ذلك علي بكري ومحمد خفاجي وعز الدين عبد المنعم شمس ومن تسمح ظروفهم من الخريجين مثل جلال بكرى وغيرهم
- أما الأخ سيد سعد الدين الشريف فانتظم في أسرة في حي (السيدة زينب) مع محمد البحيري ومحمد أحمد عبد الرحمن وكمال سلام ومحمد عبد المعطى عبد الرحيم (محمد رحمي)
- وكان منهج الأسرة إفطار بعد الصيام .. صلاة المغرب.. قراءة المأثورات .. صلاة العشاء .. قراءة القرآن ..خواطر حول القراءة .. مدارسة في كتاب .. مناقشة حول أحوال المسلمين. (6)
بوادر الخطر
ظل الإخوان يعملون بشكل شبه منظم في ظل تهديدات خارجية من قبل رجال النظام، لكن كانت هناك بعض الأخطاء التي كان يستسهلها الأفراد مما كانت سببا في كشف تنظيم الإخوان الجديد، حيث بدأت رحلة الاعتقالات في يوليو 1965م، حيث لم تمر عدة أيام على خروج المفرج عنهم من محنة عام 1954م حتى بدأت رحلة جديدة من الاعتقال.
بدأت الاعتقالات بالأستاذ محمد قطب في يوليو 1965م والمفرج عنهم من قضايا عام 1954م، ثم تم اعتقال الأستاذ سيد قطب يوم 9 أغسطس من عام 1965م، ثم بدأت الاعتقالات، في ظل تصارع المباحث العسكرية والمباحث الجنائية في بلوغ رضى عبدالناصر على حساب الشعب، فأخذت تلفق القضايا والتهم للإخوان حتى تحرج كل هيئة قريناتها وتنال الحظوة عند عبدالناصر.
وتم القبض على يوسف القرش الذي وشى به أحد انه يمتلك قنبلة يدوية، ثم تحت التعذيب الشديد اعترف على بقية إخوانه في التنظيم كمصطفى الخضيري، كما اعتقلوا الشيخ عبد الفتاح فايد (صهر الشيخ محمد عبدالمقصود العزب) والذي اعترف على بعض الشباب من الجامعة منهم ثلاثة بكلية الطب وواحد بكلية التجارة وهو محمود فخري فاعترف علي بعض الإخوان منهم محمد عواد أول شهيد عام 1965 في السجن الحربي ، وكان عنده مصطفي الخضيرى (المحامي) الذي استطاع الهرب وكان هو نقيب أسرة حبيب عثمان الهارب .
وتحت التعذيب لمحمود فخري دلهم علي شقة مرسي مصطفي مرسي (باحث بالمركز القومي للبحوث) ، وعملوا فيها كمينًا علي القادمين للشقة التي كانت في إمبابة بمحافظة الجيزة . ومن القادمين للشقة والذين اعتقلوا عند طرق الباب الشهيد عبد الفتاح إسماعيل ومبارك عبد العظيم عياد وعلي عشماوي وحملوهم إلي السجن الحربي وكان ذلك يوم 20 أغسطس 1965م.
وحتى ذلك الوقت لم تتضح صورة التنظيم لهم ، وكانت الصورة أمامهم مجرد معارف ولقاءات ، ولكن علي عشماوي اعترف لهم اعترافات مذهلة بعد التعذيب المبدئي تمت علي أثرها حملة الاعتقالات الواسعة لأعضاء التنظيم وبعض معارفهم ، وأصدقائهم وأي إنسان له صلة بأي شخص بالتنظيم ، وشملت الاعتقالات جميع الإخوان علي مستوي الجمهورية من واقع ملفات المباحث العامة من عام 1948 حتى عام 1965م. (7)
حينما قبض على الطالب محمود فخر وجدوا معه ورقة مكتوب فيها خواطر وأمنيات فاعتبروها دليل اتهام، ومما جاء في هذا الورقة (لابد من وقف انحرافات الإذاعة والتليفزيون...لابد من منع الأغاني الخليعة فهي سبب انحراف الشباب والفتيات ..
ثم سرد قائمة من الممنوعات التي تخيلها لوقف نزيف أغاني الحب والهيام .. وأغاني الدعوات إلى الجنس الفاضح ...لابد من إجراء قوى لوقف العرى في الكلمات .. والعرى الفاضح في الملابس سواء في الإذاعة أو التليفزيون أو السينما)...
يقول الصروي:
- ولعل محمود بالغ في الإجراءات .. التي كتبها في ورقة كراسة أو كشكول مدرسة .. كمجرد خواطر لشاب متدين , يرى أن الداء يكمن في نشر المجون والخلاعة , وأن تكون حياة الشباب كلها حب وهيام , وجنس وخلاعة .. فهو يريد أمة جادة تخرج هذه البلد من هذه الهاوية السحيقة .. ولعل له بعض الحق في تشخيص الداء .. ولكنه لم يكن موفقا في وصف الدواء ..
- وتلقفت الحكومة هذه الورقة الساذجة .. التي هي مجرد أحلام لشاب متدين .. ونشرتها على إنها خطة عمل لجماعة الإخوان المسلمين .. وزادوا عليها .. ونسجوا عليها قصصا طويلة وصدرت مانشيتات طويلة وعريضة في الصحافة الجاهزة دائما لترديد ما يقوله الجلادون .. كتبت الصحافة .. الإخوان يريدون قتل الممثلات .. الإخوان يخططون لاغتيال أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد وعبد الحليم وشادية وصباح وهند رستم .. وغيرهم كثير، وصدقت الصحافة نفسها. (8)
لقد شكلت المباحث العسكرية أبشع صور التعذيب حيث ضمت مجموعة من قساة القلوب الذين لم يعرفوا الرحمة، وكانت متعتهم في تعذيب شباب الإخوان، ومن هؤلاء:
- اللواء حمزة البسيوني (مدير السجن الحربي)
- العميد سعد زغلول عبد الكريم (مدير الشرطة العسكرية والمباحث الجنائية)
- العقيد محمد شمس الدين بدران (مدير مكتب القائد العام للقوات المسلحة)
- (المشير عبد الحكيم عامر)
- العقيد حسن خليل (قائد المباحث الجنائية العسكرية)
- المقدم نور العفيفي (نائب قائد المباحث الجنائية العسكرية)
- الرائد (نائب أحكام) جلال الديب (إدارة القضاء العسكري)
- الرائد حسن كفافي (المباحث الجنائية العسكرية)
- النقيب (نائب أحكام) محمد عبد المقصود الجنزوري (إدارة القضاء العسكري)
- النقيب عاصم العتر (المباحث الجنائية العسكرية)
- النقيب إحسان العجاتى (أركان حرب المباحث الجنائية العسكرية)
- الملازم محمد صفوت الروبي (السجن الحربي)
- الرقيب نجم الدين علي مشهور (السجن الحربي)
- عريف محمد علي المراكبي (السجن الحربي)
- عريف محمد السيد متولي خاطر (السجن الحربي)
- جندي تقي الدين سليمان شرف الدين (سامبو) (السجن الحربي)
- جندي زغلول مجاهد عبد الحليم (السجن الحربي). (9)
ومن المؤشرات الخطيرة في المشهد السياسي على الطلبة ما ذكره محمد الصروي بقوله:
- وتم القبض علىّ ، أما كيف وصلوا إلى هنا .. فهي قصة بسيطة .. هناك عندهم نظام في المباحث الجنائية العسكرية اسمه (التمشيط) .. فقبل يومين قرروا القبض على كل دفعة خريجي قسم الهندسة الكيماوية (65) فيما عدا البنات إذ يستحيل أن تأوينا بنات في بيوتهن .. ورأيت كشف الخريجين في لاظوغلى مشطوبا عليه أسماء البنات.
- وكانوا قد أيقظوا مسجل كلية هندسة بعد منتصف الليل وفتحوا الكلية وأخرجوا الكشف من الأرشيف .. وبدأ القبض أفراد الدفعة بما فيهم المسيحيين من الزملاء . وجاء الدور على محمد نظمي في تلك السويعات التي قضيتها عنده .. ولله الأمر من قبل ومن بعد ..
- وفى لاظوغلى عرفت قصة مسجل كلية هندسة ومن سوء حظه أن اسمه " حسن البنا " .. ولا تسعفني ذاكرتي مصيره ولا مدة اعتقاله .. ولكنى علمت أنه بعد انتهاء هذه الأزمة غادر مصر التي يحكمها الطغاة غير آسف على مكان يحكمه الطغاة إلى السعودية حتى أحالته على المعاش. (10)
كانت اعترافات علي عشماوي على كثير من الإخوان السبب في اعتقال كثير منهم ومن طلبة الإخوان الذين كان يشرف عليهم في التدريب، وكان يهدف من ذلك أن ينقذ نفسه على حساب هؤلاء الرفاق، إلا أن الأحكام لأتت بما لم تشتهي نفسه.
وتم تحويل الجميع لمحاكمة أمام الفريق محمد فؤاد الدجوي، وكان رئيس ووكلاء نيابة أمن الدولة العليا الذين تولوا التحقيق في القضية.. صلاح نصار حسن جمعة إسماعيل زعزوع سمير ناجي مصطفي طاهر حسين لبيب ممدوح البلتاجي محمد وجيه قناوي سليمان عبد المجيد، وحملت القضية رقم 12 لسنة 1965 (تنظيم 65)؛
وكان الاتهام قد وجه لآلاف من جماعة الإخوان المسلمين بمحاولة إحياء التنظيم، تم تحويل القضية إلي محكمة أمن الدولة العليا بتوقيع صلاح نصار رئيس نيابة أمن الدولة العليا، وقد تم تقسيم المعتقلين إلي 4 مجموعات أكبرها وأشهرها المجموعة الأولي وكان علي رأسها الشهيد سيد قطب.
وجاء نص الاتهام كالتالي:
- «المتهمون في الفترة من سنة 1959 حتى آخر سبتمبر 1965 بالجمهورية العربية المتحدة وبالخارج : حاولوا تغيير دستور الدولة وشكل الحكومة فيها بالقوة، بأن ألفوا من بينهم وآخرين تجمعًا حركيًا وتنظيمًا سريًا مسلحًا لحزب الإخوان المسلمين المنحل بهدف إلي تغيير نظام الحكم القائم بالقوة باغتيال السيد رئيس الجمهورية والقائمين علي الحكم في البلاد وتخريب المنشآت العامة وإثارة الفتنة في البلاد؛
- وتزودوا في سبيل ذلك بالمال اللازم وأحرزوا مفرقعات وأسلحة وذخائر، وقاموا بتدريب أعضاء التنظيم علي استعمال هذه الأسلحة والمفرقعات، وحددوا أشخاص المسئولين الذين سيجري اغتيالهم، وعاينوا محطات توليد الكهرباء، والمنشآت العامة التي سيخربونها، ورسموا طريقة تنفيذ ذلك، وتهيئوا للتنفيذ الفعلي، وعينوا الأفراد الذين سيقومون به، وحال ضبطهم دون تمام مؤامراتهم. وكان المتهمون السبعة الأول هم المتولين زعامة التنظيم».
وقد شكل عدد من الطلبة في هذه المحاكمات (المحاكمة الأولى) أمثال:
- فاروق أحمد علي المنشاوي 23 سنة مهندس كيماوي وخريج كلية الهندسة (ومقيم برقم 9 شارع محمد أيمن بمدينة الأندلس بالهرم) وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة 25 سنة.
- فايز محمد إسماعيل يوسف 21 سنة خريج كلية الهندسة.(ومقيم برقم 4 شارع الزهور بجزيرة بدران بشبرا) الأشغال الشاقة المؤبدة 25 سنة.
- ممدوح درويش مصطفي الديرى 25 سنة طالب ببكالوريوس العلوم عين شمس. (ومقيم برقم 660 شارع بورسعيد شقة 7 قسم الظاهر) وهو من مواليد محافظة بني سويف وهو عم الدكتورة مكارم الديري الأشغال الشاقة المؤبدة 25 سنة.
- محمد بديع عبد المجيد محمد سامي 21 سنة معيد بكلية الطب البيطري. (ومقيم بسامول مركز المحلة الكبرى) أشغال شاقة 15 سنة.
- محمود أحمد فخري 21 سنة بكالوريوس تجارة عين شمس. (ومقيم برقم 10 شارع شريف مصر الجديدة) أشغال شاقة 10 سنة
- محمود عزت إبراهيم 21 سنة طالب بجامعة عين شمس. (ومقيم 1 شارع عاطف بركات مصر الجديدة) أشغال شاقة 10 سنة
- صلاح عبد الحق 20 سنة طالب بجامعة عين شمس. (ومقيم برقم 39 شارع الخليفة المأمون مصر الجديدة) أشغال شاقة 10 سنة
- حلمي محمد صادق حتحوت 23 سنة معيد بكلية هندسة الإسكندرية. (ومقيم برقم 69 شارع الأمير إبراهيم بالإبراهيمية) الأشغال الشاقة المؤبدة 25 سنة. (11)
كما حوكم من الطلبة في القضية الثانية (والتي كان القاضي فيها هو الفريق علي جمال الدين محمود) .. ولما درس القضية كان تعليقه أن أقصى حكم ممكن أن يأخذه سيد قطب هو ثلاث سنوات تحت مسمى (إحياء جماعة الإخوان المسلمين) فالقضية كلها كلام في كلام.
وبناء على ذلك مات الفريق علي جمال الدين محمود في ظروف غامضة وحكى بعض المقربين من السلطة أنه تم قتله بالشريط اللاصق .. وتم تشكيل محكمة جديدة أعادت محاكمة جميع المتهمين في القضية الثانية بسبب وفاة القاضي)
كلا من:
- محمد عبد العزيز الصروي 22 سنة مهندس كيماوي (12 سنة).
- محمد عبد الحميد خفاجي 24 سنة طالب هندسة (براءة).
- عز الدين عبد المنعم علي 23 سنة طالب هندسة (براءة). (12)
وفي القضية الثالثة كان الطلبة على النحو التالي:
الأسماء | السن | الوظيفة | الحكم |
يحيى أنور بياض | 23 | طالب بهندسة عين شمس | 15 سنة |
طاهر عبد العزيز سالم | 23 | طالب بهندسة أسيوط | 15 سنة |
مجدي محمد عبد الحق | طالب بكارليوس طب | سنة (مع الإيقاف) | |
محمد صالح خليل | 25 | طالب | 8 سنوات |
حسين عبد العزيز قرقش | طالب بكلية الشريعة | 15 سنة |
و كانت الأحكام في القضايا الأربع طبقا للجدول التالي:
الحكم | القضية الأولى | القضية الثانية | القضية الثالثة | القضية الرابعة |
إعدام | 7 | - | - | - |
مؤبد | 26 | - | - | - |
15سنة | 7 | 5 | 9 | 21 |
12 سنة | - | 2 | - | 18 |
10 سنوات | 4 | 15 | 5 | 8 |
8 سنوات | - | 1 | 11 | 2 |
7 سنوات | - | 2 | - | - |
براءة | - | 10 | 1 | 3 |
وإذا نظرنا للمحاكمين أمام المحكمة الأولى نجد توزعهم الفئوي على النحو التالي:
الفئة | العدد |
مهندسون وكيماويون | 16 |
مدرسون | 4 |
هيئة الطاقة الذرية | 4 |
معيدون بالجامعة | 3 |
محامون | 1 |
أخصائي اجتماعي | 1 |
مؤهلات عليا مختلفة | 31 |
طلبة جامعيين | 5 |
ضابط مهندس | 2 |
موظفون بالجيش | 1 |
إخوان قدامى | 11 |
نساء | 2 |
كما تعرض الكثير في هذه المحنة للتعذيب والقتل، حتى استشهد عدد كبير من الإخوان سواء على أعواد المشانق أم في صحراء السجن الحربي أمثال:
- الشهيد محمد منيب أسيوط
- الشهيد سيد قطب أسيوط والقاهرة
- الشهيد محمد يوسف هواش القاهرة والمنوفية
- الشهيد إسماعيل الفيومي المطرية والقاهرة
- الشهيد رفعت بكر حلوان و القاهرة
- الشهيد عبد الفتاح إسماعيل دمياط
- الشهيد محمد عوادالشرقية
- الشهيد محمد عبد الله (من شهداء التعذيب في السجن الحربي) كفر شكر قليوبية
هذا بخلاف من استشهدوا في السجون المدنية من المرضى نتيجة لعدم علاجهم أو منع الدواء عنهم , أو منع إجراء العمليات الجراحية لهم ومنهم على سبيل المثال وليس الحصر:
- عبد الحميد البردينى الدقهلية
- هاني بيسسو غزة
- فضيلة الشيخ أحمد شريت أسيوط (عضو مكتب إرشاد سابق)
- فاروق أحمد المنشاوى سوهاج (استشهد في ليمان طره) وغيرهم كثير. (15)
لقد تعرض الإخوان وطلابهم لأبشع مذبحة ضد الإخوان في ذلك الزمان على يدي طواغيت عبدالناصر، الذين عمدوا إلى عزل الشخص عن الحياة العامة، وذلك بأن يزج بالشخص بالفرد في زنزانة ذات أبواب حديدية وفي داخل أسوار حديدية بعيدا عن كل معارفه القدامى , وعن مصادر المعلومات وصور الحياة العادية، وهو في هذه الحالة يصبح نهبا للتعليقات والتحذيرات المفزعة.
وأيضا الضغط الجسماني، وهذا يتفاوت من الحرمان من الطعام ومن النوم إلى التصفيد بالأغلال كعقوبة لعدم التعاون مع المستجوب . والهدف من هذا كله هو الوصول بالفرد إلى درجة من الإعياء والانهيار بحيث يكون عقله قابلا لتقبل أي توجيه من المستجوب.
هذا غير الإذلال والضغوط، وتعتمد هذه الوسيلة على إتباع كل نظم السجن التي تتطلب الخضوع التام مع الإذلال في الأسلوب . تناول الطعام . والنوم والاغتسال وما إلى هذا طبقا لنظم محددة مع عدم القيام بأي عمل دون الحصول على إذن من الحارس وإحناء الرأس وإبقاء الرأس وإبقاء الأعين موجهة إلى الأرض أثناء التحدث إلى الحراس كما تستخدم الضغوط الاجتماعية مثل الاستجواب لمدد طويلة ومثل عقد اجتماعات يحاول فيها الأفراد الذين تقدموا في عمليات التقويم حث الأفراد الأقل تقدما باستخدام عدة وسائل مختلفة , كالتمسك والمداهنة والإزعاج والمضايقة أو محاولة إذلالهم وسبهم. (16)
المصادر
- أحمد عبدالله: مرجع سابق، 153
- محمد الصروي: الصحوة والزلزال، مرجع سابق، 163
- المرجع السابق: 165
- أحمد عبدالمجيد: الإخوان المسلمون وعبدالناصر القصة الكاملة لتنظيم 1965م، الزهراء للإعلام العربي، ط3، 2006م.
- محمد الصروي: الصحوة والزلزال، مرجع سابق، ص 212- 213
- المرجع السابق: 216
- أحمد عبدالمجيد: مرجع سابق، ص 104
- محمد الصروي، مرجع سابق، ص 464
- المرجع السابق، ص 139
- محمد الصروي، مرجع سابق: ص 241
- صحيفة الأهرام: العدد 28910 الصادر في 4/ 6/ 1966م
- صحيفة الأخبار العدد 4253 الصادر يوم 16/ 2/ 1966م
- صحيفة الأهرام العدد 28933 الصادر يوم 27/ 2/ 1966م
- أحمد عبدالمجيد: مرجع سابق، ص 175- 200
- محمد الصروي: مرجع السابق: ص 262
- المرجع السابق: 554