طلاب الأزهر.. في سياق الفهم وليس التبرير
أحمد الجعلي* أمين الاتحاد الحر السابق بجامعة القاهرة.
محتويات
مقدمة
بداية وقبل أن نسترسل في الكلام وفهم ما حدث أؤكد تمامًا أنَّ كل سطرٍ من السطور التالية هو في سياق الفهم والتحليل وليس أبدًا في سياق الاعتذار أو التبرير، فالكل قد أجمع منذ اللحظة الأولى وفور مشاهدة تلك اللقطات على الاعتراض عليها واستنكارها، سواءٌ كان الاعتراض من أفراد جماعة الإخوان ذاتها وطلابها وكوادرها في كل مكان عبر اتصالاتهم ورسائلهم ومجموعاتهم البريدية ومدوناتهم الخاصة، مرورًا بالشخصيات القيادية في الجامعة، وانتهاءً بأعضاء مكتب الإرشاد.
طلاب الإخوان المسلمين .. والأزمة
(1) ينبغي ابتداءً أن نفرق بين العمل المدان لذاته، وبين أن تدان الرسالة التي يحملها العمل.. فمثلاً أن يتلفظ الطالب بألفاظ نابية أو أن يتجول طالب في جامعته بسلاحٍ أبيض أو أن يقوم طالب بتكسير شيء من مرافق جامعته أو أن يعتدي طالب على زميل أو أستاذ له.. كل هذه الأعمال وشبيهاتها بالتأكيد هي أفعال مدانة في حدِّ ذاتها مهما كانت النتائج المترتبة عليها أو الرسائل التي تحملها.
ولكن أن يقوم الطلاب بتنظيم أنفسهم في مظهرٍ رياضي ما ويقوموا باستعراض بعض المهارات الرياضية من "كونغ فو" و"كاراتيه"، فهو ليس بالأمر المدان في حد ذاته وإنما ما يتوقف عنده هو الرسالة التي يحويها أو ملاءمته أو توقيته..
فلم نسمع يومًا أن هناك قانونًا أو حتى عرفًا يمنع وينتقد أن يتعلم المرء مثل تلك الرياضات والتي تستخدم للدفاع عن النفس، إنما تفتح لها النوادي وتنظم لها المسابقات بل وشهدت الجامعات المصرية العديد من مثل هذه الاستعراضات في فعاليات طلابية لدعم الانتفاضة الفلسطينية.
إذًا فالطلاب وإن خانهم التعبير وأساءوا استخدام الوسيلة إلا أنهم حتى في خطئهم هذا لم يستخدموا شيئًا مخالفًا أو خارجًا عن روح مجتمعهم وتعاليم دينهم.
(2) وحتى إذا تركنا الوسيلة أو العمل وتوقفنا عند الرسالة فبالتأكيد لم تكن هذه الرسالة تهدف إلى التهديد والوعيد بالعنف كما حاول البعض أن يروِّج، بل إن الرسالة كانت غير ذلك تمامًا لمن يتأنَّى وينصف في قراءتها، وعبر عنها الكاتب والمفكر القبطي رفيق حبيب قائلاً: "ولكن الرسالة كانت في تلك الكلمة البسيطة التي زينت ملابس الشباب، وهي صامدون.. تلك هي الرسالة، فشباب الإخوان قالوا إنهم صامدون في مسيرتهم وعملهم ونشاطهم، وإنهم مستمرون في دورهم العام داخل الجامعة وخارجها.
لم تكن رسالة الطلاب إلا محاولة منهم للتأكيد على صمودهم، وقدرتهم على التحمل.. لقد كان إعلانهم واضحًا، أنهم لن يتراجعوا رغم الضربات الأمنية، وفي كل الأحوال فلقد كان المعنى الأهم أنهم صامدون.
(3) لجأ الطلاب إلى هذا الاستعراض بعد تهديدات الأمن لهم بضربهم "بالجزم" وأنه سيفعل بهم كما حدث في جامعة عين شمس من إدخال "البلطجية" داخل الحرم الجامعي والاعتداء على زملائهم طلاب جامعة عين شمس في مشاهد رآها الجميع على شاشات الفضائيات، مشاهد لا تخطئ فيها العين مناظر الدماء ولا الأسلحة البيضاء التي اصطحبها أمثال هؤلاء الخارجين على القانون على مرأى ومسمع حرس الجامعة
وكان الطلاب على ثقةٍ أن تنفيذ هذا الوعيد ليس صعبًا على إدارة الجامعة، فبالأمس لم يحرك أحدٌ ساكنًا إزاء ما حدث في جامعة عين شمس، بل على العكس أخذت الجهات المسئولة في الكذب والخداع وتضليل الرأي العام برغم بشاعة الحدث ورغم توثيقه عبر الصور والفيديو.
(4) بقيت نقطة أخيرة غاية في الأهمية، وهي أن اللجنة الإعلامية لطلاب الإخوان في الأزهر هي من اتصل بالجهات الإعلامية لدعوتهم لحضور فعاليات هذا اليوم من اعتصامهم، والتي كانت الفقرة الرياضية مجرد جزء منه، بما يقطع تمامًا الطريق على من يدَّعي أن هناك ترتيباتٍ وإجراءاتٍ سريةً لإعداد مثل هذه الأعمال، بل إن الطلاب لم يهدفوا إلا لمعنى نبيل وأرادوا أن يشهد الإعلام والعالم ما يكال لهم من بطش وقهر ومن ثم صمودهم أمام هذا البطش، ولكن من أسف شديد تم استخدام الآلية والوسيلة الخطأ.
جماعة الإخوان
كان لها النصيب الأكبر من النقد والاتهامات لكون هؤلاء الطلاب ينتمون لها اسمًا وفكرًا، وهنا كان لا بد من وقفات:
(1) اتهام جماعة الإخوان بأنها من أعطى الأمر لطلابها بمثل هذا التحرك هو محض افتراء واضح، وليس في حاجة للتدليل على عكسه، فجماعة الإخوان تدرك جيدًا أن شباب اليوم هم قادة الغد؛ ولذا بالتأكيد لن تحرك الطلاب المنتسبين لها "بالموبايل"- كما يدَّعي البعض- وهي تعلم أنه لصنع قادة حقيقيين فلا بد أن تصقلهم التجارب وميدان العمل
وأن يأخذوا قرارهم بأنفسهم وأن يخطئوا فيروا نتيجة خطئهم وأن يصيبوا فيروا ثمرة جهدهم.. وأن هذا هو الطريق الوحيد المضمون لإخراج جيل يُعتمد عليه، ويُبنى على أكتافه الوطن، وتجد مصر من بينه الرجال القادرين على حمل المسئولية وتولي التبعة الثقيلة لتصحيح وإصلاح كل ما تم إفساده في مصر.
(2) منهاج جماعة الإخوان المسلمين يتعارض تمامًا مع العنف واستخدامه كوسيلة لتحقيق الأهداف مهما كان نبلها، فأبدًا لم نتعلم من إسلامنا ولا في أحضان جماعتنا أن الغاية تبرِّر الوسيلة؛ ولذا سارعت الجماعة باستنكار هذا التصرف من أبنائها ومطالبتهم بالاعتذار، ويمكن الحكم على منهاج أى جماعة كجماعة الإخوان المسلمين أو أي جماعة فكرية من خلال التالي:
- الأدبيات
- الممارسات
وكل شخص بإمكانه مراجعة أدبيات الجماعة من خلال رسائل مؤسسها الإمام البنا وتصريحات مرشديها وقادتها؛ ليتأكد أن أدبيات جماعة الإخوان بعيدة تمامًا كل البعد عن استخدام العنف كوسيلة للتغيير، بل على العكس أدبياتها تذهب لإدانته واستنكاره.
ولكل محايد أن يدرك أن ممارسات الجماعة على مدار عمرها الطويل الذي قارب الثمانين عامًا لم تكن ببعيدة عن أدبياتها، حتى وإن أخذنا في الاعتبار الاتهامات الباطلة بعلاقة الإخوان ببعض حالات العنف في الأربعينيات فلم يتهم بعدها أحد جماعة الإخوان بأي من أعمال العنف على مدار الـ60 عامًا الأخيرة.
بل وحتى الاتهام لجماعة الإخوان بأن كل الجماعات التي تبنت العنف كمنهاج إنما هي خارجة من عباءة الإخوان المسلمين، فحقيقة الأمر أن هذا الاتهام إن صح فإنما هو تزكية لجماعة الإخوان التي تلفظ العنف وأصحابه وأن هؤلاء ممن أرادوا اتخاذ العنف وسيلة لم يجدوا في جماعة الإخوان بيئةً خصبةً لفكرهم الخارج عن قناعة الجماعة وأدبياتها، فبحثوا عنه خارجها.
(3) ولم تضع الجماعة رأسها في الرمال إزاء الحدث، بل طالبت بشجاعة وثقة على لسان نوابها في مجلس الشعب بأن يشكِّل المجلس لجنة برلمانية لتقصي الحقائق حول ما حدث وأن يرفع تقريره لنواب الشعب ويحاسب المخطئ أيًّا كان، إلا أن مجلس الشعب رفض تشكيل تلك اللجنة، لتتاح الفرصة للمتصيدين والقبضة الأمنية أن تمارس بطشها.
الإعلام صانع الأزمة
نأتي بعد ذلك للاعب الأكبر في هذه الأزمة، وهو الإعلام، ونتوقف معه في عدة نقاط:
(1) الأزمة بأكملها أشعلها استخدام عبقري لمحرر جريدة (المصري اليوم) حين استخدم كلمة "ميليشيا الإخوان" كعنوان للخبر، وتناسَى الكاتب - وهو يستخدم هذه الكلمة.. اللفظة العبقرية لصناعة السبق الصحفي - تناسى تمامًا ميثاق الشرف الصحفي والأمانة الصحفية في نقل الحقيقة للقارئ والمشاهد، ليعقبه صحفي آخر باستخدام عبارة "الحرب الأهلية بين طلاب الجامعة" ليكمل بها رسم الصورة المزيفة، واستخدام كلمات ومفردات ترتبط في ذهن العموم بأحداث لبنان والعراق؛ لتضفي بذلك على المشهد ظلالاً وخيالات سوداء من نسج خيالهم.
(2) المصوِّر ذاته الذي التقط صور الأحداث لجريدة (المصري اليوم) وهو أ. عمرو عبد الله أبدى أسفَه وحزنَه من الاستخدام السيِّئ لصوره وتقريره حول هذا اليوم وقال في شهادته:
- "فمنذ يوم الإثنين عندما نشرت جريدة (المصري اليوم) خبر (ميليشيات الأزهر) أحسست بضيق في صدري لما سوف يأتي بعد ذلك.. الله وحده يعلم أنني كنت أؤدي عملي فقط، وأن الأمر لا يستعدي كل هذه الضجة ولا ما ترتب عليها من أحداث واعتقالات، فما حدث يوم الأحد كان مجرد فقرة رغم غرابته إلا أن حواراتي مع الشباب تأكدت أنه لا يحمل أي مضمون أو هدف، بالإضافة إلى أن عدد الطلبة لم يكن يتجاوز 2% من قوات الأمن الموجودة على أبواب الجامعة فمن الذي يقوم بالاستعراض؟!".
(3) ولكن بالتأكيد كانت هذه فرصة مناسبة لكثير من المتشفين وكثير من النفعيين، ليستخدموا الحدث للحصول على مكاسب شخصية أو فئوية، حتى إن برنامجًا رياضيًّا للاعب كرة سابق أبى إلا أن يستخدم لقطات من العرض في صدر برنامجه، ولكن العجيب أنه لم يستخدمها لعرض اللقطات الرياضية والتعليق على براعة الأدء الرياضي بل استخدمها للهجوم على جماعة الإخوان التي تنافسه على مقاعد مجلس الشعب في دائرته، وحتى اللحظة أحاول أن أفهم تحت أي مسمًّى ومبرر إعلامي يمكن عرض مثل تلك اللقطات في برنامج رياضي!!
إدارة الأزهر الطيبة ورئيسها الطيب
أما عن موقف إدارة جامعة الأزهر ولا سيما رئيسها د. أحمد الطيب، والذي وصف الطلاب بأنهم فئة مارقة، وأنهم مجموعة من الخراف الضالة، وأنه لن يتدخل للإفراج عن الطلاب ولا ينصح أحدًا بالتدخل ولا يريد أن يطلب منه أحد ذلك، وأن الطلاب يدارون بـ"الموبايل" من الخارج..
فلسيادة الدكتور رئيس الجامعة نقول: إن هناك آخرين هم من يدارون بالموبايل من الخارج، وأنقل هنا كلام وكيل كلية طب قصر العيني السابق د. صلاح الغزالي حرب، والذي صرَّح به على صفحات جريدة (المصري اليوم) ، وقال ما نصه ردًّا على وزير التعليم العالي:
"هآنذا يا سيادة الوزير أقولها وبأعلى صوت وعلى رؤوس الأشهاد: نعم أمن الدولة موجود في كل الجامعات الحكومية وفي كلية طب القاهرة، وهي كبرى الكليات المصرية على الإطلاق يسيطر أمن الدولة على كل شاردة وواردة بالكلية، ومقر جامعة القاهرة الرئيسي لا يخلو في أي وقت من ممثلي الجهات الأمنية في مكاتب جميع الإدارات والقيادات، وهذه حقائق بديهية يعلمها كل من يعمل في السلك الإداري، ولا أتصور أن الوزير لا يعلمها، ولكن سيادته يحاول تجميل وجه الدولة، في حين أن الحديث عن أي تطوير يفتقد القيمة والمصداقية في ظل هذا المناخ الأمني المستفز".
حصاد الأمن
أما البطشة الأمنية التي تحكم سيطرتها دومًا على الأحداث وتضع هي دائمًا كلمة النهاية المأساوية للأحداث، فلنا أن نتوقف معها في التالي:
(1) غريب أن يظن البعض أن الاعتقالات كانت نتيجةً لأحداث الأزهر، فعلى مرمى حجر من جامعة الأزهر تم اعتقال قرابة الثلاثين طالبًا منذ شهرين بسبب مسيرة سلمية نظمها الطلاب في حرم جامعتهم حلوان اعتراضًا على الانتهاكات في العملية الانتخابية الطلابية، وحتى يومنا هذا لا يزال الطلاب رهن تجديدات النيابة لهم بالحبس.
(2) وكان متوقَّعًا جدًّا أن تكون هناك بطشةٌ أمنية تنال العمل الطلابي وكوادره، خاصة بعد أن فاق أداء الطلاب هذا العام كلَّ التوقعات، وصمدوا أمام كل المعوقات، وأجرَوا انتخاباتهم الحرة في مختلف الجامعات المصرية، وانتهاءً بتأسيس الاتحاد الحر لطلاب مصر بعد طول غياب لاتحاد طلاب مصر.
(3) بل إن جدران السجون والمعتقلات كانت لتوِّها منذ عدة أيام فحسب قد ودعت د. عصام العريان ود. محمد مرسي القياديَّين بجماعة الإخوان ومن قبلهما ببضعة شهور فقط ودعت ما سمِّي حينها بـ"لجنة الطلبة" بجماعة الإخوان المسلمين، والذين تم اعتقالهم في العام الدراسي الفائت على خلفية نشاط الحركة الطلابية الفاعل والمؤثر في العام الدراسي الماضي، ولم يكن هناك حينها عرض رياضي أو غيره من مسوغات الأمن الواهية للقبض على الطلاب.
كانت هذه محاولةً لاستكشاف وتحليل أبعاد الأزمة من واقع الفهم وليس التبرير كما أكدنا في البداية، ويهمنا في الختام أن نرسل ببرقية لطلاب الإخوان المسلمين بأن الوطن لا زال ينتظر جهودكم وجهود كل أبنائه من الشباب المخلص الناضج الواعي، فأنتم أمل مصر ومستقبلها.
ولكل جواد كبوة، ولكن الضربة التي لا تقصم ظهرك تقوِّيه، فليكن ما حدث درسًا لنا جميعًا لتكون أعمالنا أكثر نضجًا وأكثر حكمةً، ولعل غدًا الوطن يستفيد من خطأ اليوم، ونذكِّر ختامًا بقول الله عز وجل: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ﴾.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى أله وصحبه أجمعين
والله أكبر ولله الحمد
المصدر
- مقال: طلاب الأزهر.. في سياق الفهم وليس التبرير موقع إخوان برس