شكوى إلى الله.. من أمهات وزوجات وأبناء وبنات معتقلي الإخوان
بسم الله الرحمن الرحيم
في الدول ذات أنظمة الحكم العادلة والمحترمة إذا وَقَع ظلمٌ على مواطن فإنه يُسرِعُ باللجوء إلى القضاء، فإذا ما حَكَم له القضاءُ استوفى حقَّه كاملاً غيرَ منقوص، أما وقد لجأنا إلى القضاء الطبيعي- نحن زوجات وأهالي المسجونين ظلمًا من الإخوان المسلمين - وقال القضاء كلمتَه بوجوب الإفراج الفوري عنهم، ومع ذلك فقد أصدر الظالمون قرارًا باعتقالهم حتى لا ينفِّذوا قرارَ القضاء!! فلمن نشكو بعد ذلك؟!
أنشكو للشعب؟ وهل يحترمونه؟ أم يقهرونه ويُرهبونه ويسعون لإخراسه وإذلاله؟ أوَلسنا قطاعًا من الشعب غير قليل؟!!
أنشكو لمنظمات حقوق الإنسان؟ وماذا ستفعل- مع احترامنا لجهودها- سوى أن تضيف قضيتَنا إلى آلاف القضايا التي تملأ بها تقاريرها السنوية؟!!
أنناشد أولي الأمر؟ وهل اختطف أبناءَنا وأزواجَنا وآباءَنا إلى غياهب السجون بعدما رُوِّعْنا ورُوِّعَ أطفالُنا ونُهِبَت أموالُنا أحدٌ سواهم؟!
لا والله.. إن القلوب المفعمة بالثقة في الله والأمل فيه والتوكل عليه، وإن الأنامل التي تشهد له سبحانه بالوحدانية، وإن الألسنة التي تلهج بحمده وذكره والثناء عليه لَتأبَى كلَّ الإباء أن تسترحمَ ظالمًا أو تتوسَّلَ إلى طاغية أو تخطَّ نداءً إلى مُبطل.
ولذلك فنحن نرفع شكوانا هذه إلى الله القوي القادر العزيز القاهر، الذي حرَّم الظلمَ على نفسه وجعلَه بين الناس محرَّمًا، ولعَن الظالمين في كل كتاب، ووعد المظلومين- ولو كانوا كافرين- برفع دعوتهم فوق الغمام، وأقسم بعزته وجلاله لينصرنَّهم ولو بعد حين.
وتوعَّد الظالمين بأخذةٍ لا يفلتون منها، إنَّ أخذَه أليمٌ شديدٌ، ومن ثمَّ فنحن ندعوكم وندعو كلَّ مظلوم من هذا الشعب الطيب- وجُلُّهم مظلوم- الذين طال ليلُهم، واسودَّ نهارُهم بالقهر والعدوان، أن يرفعوا أكفَّ الضراعة أوقات السَّحَر وفي حال السجود أن يتولَّى الله القصاص، وأن يعجل بالخلاص، وأن يكشف الغمة عن هذه الأمة، ويزيح الكابوس عن صدرها المخنوق.
في ظل قانون الطوارئ تفقد البيوت حرمتَها، ويفقد الناسُ أمنَهم، وتصبح الملكيةُ الخاصةُ حِمَى مستباحًا لجحافل أمن النظام، يقتحمون البيوت في جوف الليل، يروِّعون الأمهات والزوجات والأطفال والبنات، يفتِّشون كلَّ مكان حتى وصلت بهم الدناءةُ إلى تفتيش الملابس الداخلية للنساء في بعض الحالات!! والاستيلاء على ما يجدونه من أموال ومستندات في المنازل والشركات، ثم يغلقون الشركات والمؤسسات الاقتصادية، ويقتادون الرجال إلى غياهب السجون.
إننا لم نعهد من هؤلاء الأشاوس هذا السلوك مع عتاة المجرمين، فهل نحن أخطر من عتاة المجرمين؟! وإن رجالنا لم يفعلوا إلا أن يدعوا إلى الإسلامِ، دينِ الأمة وعزِّها، ومجدِها وشرِفها، دينِ العدل والحق والحرية والمساواة والتكافل، دينِ الحب والسلام والقوة والعلم والوحدة والتقدم، ولسانُ حالهم يقول: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود: 88).
إن رجالنا اكتسبوا أموالَهم بكدِّ اليمين، وعرق الجبين، وتحرِّي الحلال، طيلة ثلاثين عامًا، لم ينهبوا أموال البنوك والقطاع العام، ولم يتاجروا في المخدرات أو الممنوعات أو المواد المسرطنة أو الدم الملوّث، ولم يتسبَّبوا في قتل المصريين غرقَى أو حرقَى أو في تصادم القطارات والسيارات، ولكنهم أفنَوا أعمارَهم وزهرةَ شبابهم لرِفعة الأمة ونهضتِها، فأتقنوا أعمالَهم واستخدموا معطياتِ العلم والتخطيط والإدارة في إنشاء مشروعاتهم، وفتحوا بيوت آلاف العاملين، بتوفير فرص العمل لمكافحة البطالة، ورفع مستوى المعيشة، وزيادة الإنتاج، وكان في مقدورهم إخراج أموالهم للخارج والاستثمار هناك كما فعل رجال الأعمال الفاسدون، ولكنَّ دينَهم ووطنيتَهم وحبَّهم لشعبهم أبَوْا عليهم التخلي عن وطنهم في محنته والإسهام في ضعف اقتصاده وإفقار أهله، فهل يكون هذا جزاءهم وجزاء أولادهم؟!
اللهم إنك تعلم أن هذه الشكوى ليست عن جزعٍ ولا عن ضعفٍ، ولكنَّ طعم الظلم مريرٌ، ومقابلةَ الإحسان بالإساءة جحودٌ، والافتراءَ على الشرفاء المخلصين بهتانٌ عظيمٌ!!
اللهم إنك تعلم أنهم يريدون أن يجوِّعونا لنركعَ ونتخلَّى عن دعوتنا، وكيف نجوع وأنت رازقُنا، ولن نركع إلا لك، ولن نتخلَّى عن دعوتنا ولو أخذوا أرواحَنا وليس أموالَنا فحسب!! إن امتصوا دماءَ الوطن فسنضخُّ من دمائنا في شرايينه ليَحيا.. إن دفعوه إلى هاوية التخلُّف وذيل الأمم فسنحمِلُه وأولادُنا على رؤوسِنا وأكتافِنا إلى قمة التقدُّم ومقدمة الدول، ولن نتنكَّر له ولن نتخلَّى عنه فمِن ترابه نبتنا، ومن هوائه تنفَّسنا ومن نِيله ارتوَيْنا ومن خِيرِه طَعِمْنا، وأهله هم جزءٌ منا.
فاللهم وفقنا للخير وألهمنا الصبر، ومُنَّ على أمتنا بالعدل والحرية وخلِّصها من الظلم والظالمين.. يا أحكم الحاكمين.. ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: 227).
القاهرة في: 18 من المحرم 1428هـ= الموافق 6 من فبراير 2007 م
المصدر
- خبر:شكوى إلى الله.. من أمهات وزوجات وأبناء وبنات معتقلي الإخوانإخوان أون لاين