شقيقة محمد البطاوي تكتب.. كل شيء ساكن في بعُدك

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
شقيقة محمد البطاوي تكتب.. كل شيء ساكن في بعُدك


(6/25/2015)

شقيقة محمد البطاوي

قالوا يوما "تبقى الأماكن مرتبطة بالأشخاص أكثر ما تكون مجرد زوايا, أركان تختزن بداخلها أيامًا , سنينًا بذكرياتها لا يهم كيف كانت و كيف قُضيت، تبقى بنفس المقدار الذي كانوا يحتلونه من سكنوها بداخلك.... دونهم لا معنى ولا أهمية للأماكن التي تتخطى عتبات طرقها كل يوم تنتظر من آثارهم أي شيء يطمئنك بأنها ممتلئة بأطيافهم ولن تكون خالية يومًا".

هكذا يا شقيقي الغالي المكان في بعدك.. كل شيء علي حاله كما لو كان مرسومًا أو منقوشًا، صامت وبارد لا يتردد فيه سوى سيرتك والسؤال عنك.

الأنوار وزينة رمضان التي قمت بتعليقها علي منزلنا الكبير قبل اختطافك بساعتين علي حالها كما هي، لكن لا أحد يقوم بتشغيلها فاستقبلت رمضان وهي صامتة ومظلمة.

الشارع كله في حالة وجوم وإذا مررنا بجيراننا فنصفهم يقومون بوضع وجوههم في الأرض حتى يخفوا عنا تلك العبرات، والنصف الآخر يصيح بصوت عالي ومهلل "مفيش أخبار عن البطاوي.. ربنا يرده بالسلامة".

الكل يسأل عنك الكبير والصغير والأطفال.. "محمود ومصطفي وعبد الحليم" الأطفال الصغار لم نعد نسمع أصواتهم في الشارع أثناء لعبهم كعادتهم، بل يجلسون كل يوم على سلالم منزلنا حتى إذا خرج أحدنا سألنا أحدهم "في جديد عن عمو محمد".

عمك سليمان البطاوي لا يزال على عادته يفطر ويضع الكرسي أمام المنزل ويجلس، ولكنه هذه المرة يجلس يراقب المارة ويقف ويهب كلما رأى خيالا على ناصية الشارع، في عينيه الانتظار واللهفة، يقول "كل يوم بنتظر دخلة ابن أخويا عليَ"، ثم ما يلبث أن يبكي قائلا "أنت فين يا بطاوي".

أم أحمد وأم عبده وأم محمود وأم ياسر.. كلهن نساء قدمن إلى منزلنا يسألن عنك وقالت إحداهن "ربنا حيفرج كربه بحق شنطة رمضان اللي بيبعتها لينا كل سنة.. أنا فضلت أول يوم رمضان منتظراه لحد الفجر، ولما سألت عنه عرفت اللي حصل".

عم رمضان القهوجي يجلس متهالكًا علي كرسيه وفي يديه سيجارته وكلما مررت به يقول "ربنا يطمنك على..." ولا يقوى علي مواصلة الكلمة فتسبقه عبراته.

رواد المسجد القريب لنا أخبروني أنهم يذهبون لصلاة التراويح كالآلة لكن روحًا ما كانت ترافقهم غير موجودة، لكنهم يأملون من الله أن من يأمهم في صلاة التهجد بصوته العذب في القرآن والدعاء الذي يهز كل وجدانهم، أن يعود لهم قبل العشر الأواخر لتعود لهم تلك الروح الصافية.

جميع أصدقائك يكتبون عنك ويتواصلوا معي وكلهم يقولون لي –وهم كثر لا يتسع المقام لذكرهم-، كل منهم يخبرني أنك كنت رفيقه الخاص والأقرب لقلبه وأنك كاتم أسراره، حتى أنني قلت لنفسي من لا تحمل أسراره يا محمد، كيف اتسع قلبك لكل هذه الهموم والمشاكل من الآخرين.

وفي عائلتنا الكبيرة الكل في حالة ذهول، خالاتك وخلانك يقولون من لديه القلب أن يختطف بطاوي الشاب السماره الرقيق ابن الجميع الهادئ الرقيق.

وفي أسرتنا ومنزلنا فقمنا بإصلاح البوابة الضخمة التي كُسرت بوحشية يوم اختطافك، لقينا رجب وعم محمد والسيد وكمان اتنين لا نعرفهم تطوعوا وقدموا لإصلاح البوابة.

أبي لا تخشى عليه.. متماسكًا كعادته ومتسلحًا بإيمانه.. مداوم كما هو على ذكر الله، المسبحة في يديه، وإذا ضاق به الحال وبلغ قلقه منتهاه أغلق على نفسه باب حجرته ويتوجه لله حتى يطمئنه عليك.

أمي كما تعلمها.. كلمة يا حبيبي يا محمد أسمعها منها حتى وهي نائمة، تبتسم والدموع تنهار علي وجهها، تضع يدها على قلبها وتقول "آآآآآه" فتخرج تزلزل أرجاء المنزل، ثم تعاود الابتسامة والدموع في آن واحد وتدعو لك.

شقيقينا الكبير عبد الرحمن يصعب علينا فهم ما يدور بداخله، لكن لو سمع فقط حروف اسمك تحرك من مكانه، ثم يعود لصمته.

ابني يمان دائما يقول لي "ماما أنا سامع صوت خالو بطاوي بينادي عليَ وبيقول لي يا ليمونو"، فإذا وجدني صامتة يعود قائلًا "يارب يرجع بالسلامة.. واشتري له موبايل بدل اللي أخدوه منه"، يوسف ابن شقيقك يصفق بيده كلما سمع اسمك، ومعاذ يقبل صورتك ويقول لنا عمو محمد حبيبي.

رفيدة زوجتك تختفي بعيدًا عن الجميع، حتى تدع مجالًا لدموعها وقلقها بعيدًا عن الأنظار، فإذا اقتحمت عليها مكان اختفائها وجدت وجهها من الصعب تمييز ملامحه من شدة الاحمرار، ثم لا تلبث أن تعدد محاسنك وحنانك عليها.

"سندس"... الأميرة الصغيرة زينة عيلة البطاوي.. الأميرة المدللة وحبيبة البيت كله.. بتدور على بابا كل يوم، "محمد تاوي.. بابا فين"، كلمتها المعتادة، فانوس رمضان الذي أحضرته لها ولم تتح الفرصة أن تعطيه لها بنفسك هو رفيقها، كلما صعدت لها تشير لي بإصبعها الصغير هنا وهناك في أرجاء الشقة على ألعاب وفساتين وستائر وتتبعهم بكلمة "محمد تاوي.. جابه لدوسو".. هي مدللة كعادتها أوامرها مجابة نحضر لها يوميا "البطيخ"، لكن في يوم الساعة الواحدة ليلًا اشتهت الصغيرة "العنب" وطلبته وأصرت عليه.. طبعا تعرف تكملة الحكاية.. أصدر والدك أمرًا بأن أنزل فورًا برفقة زوجي وأحضر للأميرة المدللة "العنب" كما كان يفعل لها "محمد".

أما أنا يا قرة عيني.. لا أزال أترك نور شقتي مضاءً حتى إذا عدت من عملك متأخرًا ينير لك سلالم منزلك، لا أزال أمسك الهاتف بصورة تلقائية لاتصل بك لاستشارك في موضوع صحفي أعده فيأتني أن الهاتف مغلق..

فأتذكر، لا أزال أجلس في الغرفة الخارجية للشقة كعادتي لأسمع صوتك وأنت عائد من عملك، لا أزال أترك المفاتيح في باب شقتي حتى تعلم أنني مستيقظة فتدخل قبل صعودك لشقتك لأخبرك بما حدث في يومي وتعطيني النصائح السريعة وتقبلني وتتمني لي "نوم الهنا".. نور السلم مضاء وجمعينا في انتظارك ومفاتيح شقتي في مكانها ساكنة تنتظر من يحركها.

المصدر