شغب جمهورَيْ «الوحدات» و«الفيصلي» سياسي بامتياز
بقلم : راسم المدهون
هل تهدّد النسيج الاجتماعي مباراة كرة قدم؟
سؤال يتكرر حضوره مع كلّ مباراة تجمع فريقي «الفيصلي» و «الوحدات» الأردنيين، إذ يضع الجميع أيديهم على قلوبهم خوفاً وحذراً من تعليق هنا، أو هتاف «رياضي» هناك يشعل الجموع التي تزدحم بها المدرجات فيقع ما لا تحمد عقباه.
في تاريخ مباريات الفريقين حوادث، بل اشتباكات بين مشجعيهما، وأحياناً بينهم وبين قوات الشرطة التي تتدخل كما يفترض أن تفعل، فيترك تدخلها جرحى (وربما قتلى)، ولكن الأخطر أنه يترك إحساساً عميقاً لدى مشجعي الوحدات بالغبن، وبانحياز الشرطة لخصومهم من مشجعي الفيصلي.
ليست المسألة أحجية أو لغزاً غامضاً: نادي الوحدات، كما يقول اسمه، هو «مركز الخدمات الاجتماعية» في مخيم الوحدات، أكبر المخيمات الفلسطينية وأكثرها سكاناً في الأردن، وهو أساساً أقامته «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – أونروا»، فيما «الفيصلي»، وكما يقول اسمه أيضاً، نادي النخبة الأردنية، الذي أنشئ قبل نكبة فلسطين وحمل كما هو واضح اسم الملك الهاشمي فيصل.
ما يزيد الأمر حساسية أن الفريقين هما الأبرز في عالم كرة القدم الأردنية، وتكاد منافسات تلك اللعبة تنحصر بينهما، ما يشعل الحماسة بين مشجعيهما، ويجعل أيّ «خـــروج عن النــــص» شرارة تشعـــل نار حساسيات لا تقع في عالم كرة القدم، بل تعـــود لمساحات أخرى من التعايش الاجتماعي، والسياسي بين من هم أردنيون أصلاً، ومن هم أردنيون من «أصول فلسطينية» كما يقال هناك.
ليس من المبالغة في حالة كهذه أن نرى ما يقع مــــن حوادث شغب بين جمهور الفريقين ترمومتراً بليغــــاً لحركـــة السلم والتماسك الاجتماعي، خصوصاً في جانبها المتعلق بدرجة اندماج الفلسطينيين في النسيج الاجتماعي الأردني، على نحو يسمح بالحديث عن مجتمع صحيّ، يقاوم أية اهتزازات ولا تلحق به أضراراً بليغة إن وقع ما يهدد المجتمع.
المسألة هنا بالغة التعقيد، فمن الواضح أن ازدواجية المنابت، تجرّ معها ازدواجيات أخرى ليست حالة الانقسام بين «وحداتي» و «فيصلي» مثالها الوحيد.
ففي السياسة كما في كرة القدم تفترض مسألة التماسك المجتمعي أن تحصر الأحزاب برامجها وسياساتها في جغرافيا الأردن، وأن تكون بمعنى ما أحزاباً أردنية ليست لها أية تطلعات أو نشاطات تتعدى ذلك لتصل الى فلسطين وقضيتها.
هذا ما واجهته على سبيل المثال الفصائل الفلسطينية ذات الصبغة الأيديولوجية، وبالتحديد الجبهتان الديموقراطية والشعبية، فاختارتا مضطرتين تشكيل أحزاب أردنية لا ترتبط معهما بوشائج تنظيمية، ولا تشارك في الكفاح الفلسطيني بأكثر من التضامن.
ولـــيس من البعيد عن هذه الأزمة التي لا تزال قائمــــة في حركــــة الإخوان المسلمين الأردنية، والتي تأخذ عليها الحكومة الأردنية جمعها بين العمل السياسي كحزب أردني، وبين التماهي مع حركة المقاومة الإسلامية حماس ، والتي هي أيضاً جزء أساسي من جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين
نظرياً تبدو الحكومة الأردنية على حــــق في اشتراطها أن تكون الأحزاب أردنيــــة الانتماء والبرنامج والتوجه، ومع ذلك فالأمــــر أكثر تعقيداً بكثير، إذ لا يزال واضحاً لأي مراقب عبثــــية الحديث عن اندماج فلسطينيي الأردن إلى الحد الذي يدفعهم للقبول بحياة سياسية وحزبية بعيدة من الفعل السياسي الفلسطيني.
هي النقطة الأبرز في حياة الأردن السياسية الراهنة، وهي تعكس تناقضاً يختفي قليلاً، ليطلّ برأسه على إيقاع هذه الحادثة أو تلك، وكلنا نتذكر ما وقع قبل سنوات قليلة بين الوحدات والفيصلي مرة أخرى، والذي يلفت الانتباه في الفوضى أنها قفزت بسرعة البرق إلى تبادل الهتافات العدائية من كلّ طرف للطرف الآخر.
نرى ذلك ونأمل أن لا تمرّ أحداث الشغــــب الأخيرة بين جمهور الفريقين مــــرور الكرام، وأن تأخذ ما تستحقه مـــــن المعالجة التي لا تكتفي بالتحقيق البوليسي بل تنفذ إلى جوهر الأمور لتقرأ ما يجري بموضوعية. "الحياة" اللندنية
(19/12/ 2010 )
المصدر
- مقال:شغب جمهورَيْ «الوحدات» و«الفيصلي» سياسي بامتيازالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات