شعب مصر الموازي

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
شعب مصر الموازي
انتخابات مجلس الشعب

أخطر ما في نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في مصر مؤخرا، أنها أحدثت انفصالا شبه كامل بين السلطة والمجتمع، بحيث أصبح بمقدور كل أحد أن يستدل بما جرى في تلك الانتخابات لكي يخلص إلى أن هذه السلطة لم تعد تمثل المجتمع في شيء، وأن تلك المؤسسات التي تنتجها تعبر عنها ولا تعبر عنا.

الذي لا يقل خطورة أو غرابة عما سبق، إذ تستهين السلطة بالمفاصلة التي تمت، ولا تدرك أن ثمة تحولا جذريا في علاقتها بالمجتمع حدث. ويصبح ذلك مصدرا للسرور والبهجة، فينعقد مؤتمر للحزب الوطني بعد ذلك، يتحرك خلاله قادته بخيلاء ملحوظ، ويتكلمون بلهجة الواثق وخطاب المطمئن.

وتكثف الصحف القومية تغطيتها للمؤتمر، فتتوسع في نشر تقاريره واجتماعات لجانه وصور أعضائه، وتعطي المبالغة في التغطية الإعلامية انطباعا بأن هناك من حرص على إقناع الناس بأن شيئا جادا حدث ويحدث، وأن أولئك الوجهاء مهمومون بالمستقبل حقا، ومشغولون بمشكلات المجتمع ومعاناة الجماهير.

وبدا الافتعال واضحا في الجهد الذي يبذل لإقناع الناس بأنهم منا حقا وأنهم غيورون على مصالحنا، ولن يهدأ لهم بال أو يستريح لهم ضمير إلا إذا اطمأنوا إلى أن مشكلات البلد حلت وارتسمت بسمة التفاؤل على وجوه الجميع.

عناوين الصحف القومية التي صدرت أمس أبرزت تلك العناوين. فجدول أعمال الحزب ومناقشاته شملت الموضوعات التالية،محاربة الفقر والبطالة ــ تحقيق الإصلاح الاقتصادي ــ الارتقاء بالجهاز الإداري وزيادة فرص العمل ــ إسقاط 500 مليون جنيه من ديون الفلاحين ــ تخفيض رسوم تراخيص البناء في الأرياف ــ قضايا الشباب ــ تثبيت قواعد العدل الاجتماعي ــ تدعيم المشاركة الشعبية ــ وقف إساءة استخدام السلطة ــ تطوير منظومة التعليم ــ توسيع نطاق الضمان الاجتماعي... إلخ.

لم يترك المؤتمر شيئا في حياة الناس لم يتطرق إليه سوى أمرين هما:

الإصلاح السياسي والسياسة الخارجية،أغلب الظن لأن قيادة الحزب تعتبر أن استمرارها في مواقفها واختطافها للانتخابات ومجلس الشعب دليل على نجاح الإصلاح السياسي الذي يتطلعون إليه، ثم لأن ملف السياسة الخارجية بيد الرئيس ولا علاقة للحزب أو الحكومة أو مجلس الشعب به.

للأسف فإنه في ظل «التقفيل» السائد فإنه ليس لدينا أي قياس للرأي العام يحدد لنا كيف استقبل الناس هذا الكلام. وهل يصدقون التعبئة الإعلامية التي تلح على تسويق الحزب أم لا،لكني أستطيع أن أسجل ثلاث ملاحظات في هذا الصدد،

الأولى أن الإعلام الموازي غير الحكومي حافل بالتعليقات التي تعبر عن حالة «المفاصلة» التي أشرت إليها، حتى أن الذين كانوا يقفون موقف الحياد إزاء السلطة ولا يمانعون في التعاطف معها في بعض المواقف، انتقلوا جميعا وبدون استثناء إلى مربع الرافضين لما جرى واليائسين من القائمين عليه،

الملاحظة الثانية أن كل التقارير التي تصدر في العالم الخارجي حين تطرقت إلى موضوع الانتخابات وموقف السلطة ومستقبلها في مصر تحدثت بسلبية شديدة عن الوضع القائم، وبعضها لم يتردد في الطعن في شرعية استمراره.

الملاحظة الثالثة هي أن الثقة التي يتحدث بها قادة الحزب بعد الانتخابات والاكتساح الذي يتباهون به الآن ولغة التنديد والتفرج للتيارات السياسية الأخرى التي أصبحوا يتحدثون بها، ذلك كله لم يكن له وجود قبل الانتخابات. وإنما كان الخوف والارتباك واضحين داخل الحزب الحاكم وقتذاك. حتى أن الصراع بين من يسمون بالحرس القديم والجيل الجديد كانت أصداؤه مسموعة ومحسوسة في أوساط الطبقة السياسية.

وهذه الجرأة في التعبير والخيلاء في الإطلال على الناس لم يتوفرا إلا بعد التزوير والتقفيل والقمع الذي مارسته السلطة لتمكين الحزب الوطني من «الاكتساح» غير المسبوق.

إن الحزب الوطني اصطنع أكذوبة كبيرة ما برحت أبواقه تلح علينا لتصديقها، لكنها هذه المرة من عيار ثقيل يصعب على الناس ابتلاعه، لكن استهانته بالمجتمع وازدراءه بالرأي العام، جعلاه يفرط في الاعتماد على أجهزة الأمن لافتعال انتصار وهمي يختال به الآن ويتباهى.

وباتت مشكلته الآن أنه صدق الكذبة، ولم يدرك بأنه بما فعل انفصل عن الناس وبات يغرد وحده.

ومن ثم أصبح يخاطب جموع الانتهازيين والمنتفعين الذين تحولوا إلى شعب موازٍ غير الشعب المصري الذي نعرفه.