سيد قطب ومعالم على طريق الدعوة
بقلم: د. عز الدين الكومي
الشهيد سيد قطب الذي جسد شخصية رجل العقيدة الصحيحة بعيدا عن النصوص المجردة والجدل الفلسفي العقيم، كما قال الشيخ الشعراوي رحمه الله عند تفسير لسورة آل عمران: إن سيد قطب استطاع أن يستخلص من هذه الغزوة مبادئ إيمانية عقدية، مشددا على أن المسلمين في جميع بقاع الأرض لو جعلوها نصب أعينهم لما كان لأي دولة من دول الكفر غلبة عليهم!.
كما كان الشهيد سيد قطب حريصا على إيضاح أن من لم يقم بما كلفه الله تعالى من تكاليف عقدية وعبادية ودعوية فهناك سنة الاستخلاف التي لا تحابي أحدا حيث يقول رحمه الله: (إن اختيار الله لكم لحمل دعوته تكريم ومنّة وعطاء فإذا لم تحاولوا أن تكونوا أهلاً لهذا الفضل وإذا لم تنهضوا بتكاليف هذه المكانة وإذا لم تُدركوا قيمة ما أُعطيتم فيهون عليكم كل ما عداه! فإن الله يسترد ما وهب ويختار غيركم لهذه المنّة ممن يُقدّر فضل الله {وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم}.
وكان يسعى دائما إلى تحرير الشعوب من ذلتها وخضوعها للطغاة بالرغم من كثرة أعداد الشعوب وقلة عدد الطغاة، ويلفت النظر إلى أن مهما كانت قوة الطاغية فقوة الشعوب أكبر قائلا: (ولا يخدع الطغاة شيء ما تخدعهم غفلة الجماهير وذلتها وطاعتها وانقيادها وما الطاغية إلا فرد لا يملك في الحقيقة قوة ولا سلطانًا وإنما هي الجماهير الغافلة الذلول تمطي له ظهرها فيركب وتمد لها أعناقها فيجر وتحني له رؤوسها فيستعلي وتتنازل له عن حقها في العزة والكرامة فيطغى والجماهير تفعل هذا مخدوعة من جهة وخائفة من جهة أخرى وهذا الخوف لا ينبعث إلا من الوهم فالطاغية -وهو فرد- لا يمكن أن يكون أقوى من الألوف والملايين لو أنها شعرت بإنسانيتها وكرامتها وعزتها وحريتها.
هذا على مستوى الأمة والجماعة أما على المستوى الفردي فقد كان سيد قطب نموذجا لمجابهة الطغاة وفضح مخططاتهم وأنهم لايملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا فضلا عن أن ينفعوا أو يضروا غيرهم فحينما سأله أحد إخوانه لماذا كنت صريحا كل الصراحة في المحكمة التي تملك رقبتك؟ قال رحمه الله لأن التورية لا تجوز في العقيدة وليس للقائد أن يأخذ بالرخص!! ولما طلب منه الاعتذار مقابل إطلاق سراحه قال لن أعتذر عن العمل مع الله!!.
وعندما طلب منه كتابة كلمات يسترحم بها الطاغية قال (إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفا يقرفيه حكم طاغية!!
وقال لماذا استرحم: إن سجنت بحق فأنا أقبل حكم الحق وإن سجنت بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل!!
وقبل أن ينفذ فيه حكم الإعدام أتاه أحد الضباط ليكتب بضع كلمات فيفرج عنه وهذه الكلمات هي: (كنت مخطئا وأعتذر) فقال رحمه الله بهدوء شديد لن أشتري الحياة الزائلة بكذبة لن تزول فقال له الضابط لكنه الموت ياسيد!! فقال رحمه الله يا مرحبا بالموت في سبيل الله.
وعندما سأله أحد الضباط أثناء المحاكمة عن معنى كلمة شهيد فقال شهيد يعني أنه شهد أن شريعة الله أغلى من حياته.
ولما قال له فؤاد الدجوي رئيس المحكمة: يا سيد أنتم كنتم تريدون قتل جمال عبدالناصر؟ فكان رد الشهيد سيد قطب الذي نزل كالصاعقة على الدجوي وأمثاله من عبيد الطاغية هدف حقير لا نسعى إليه!!.
وهكذا كان الشهيد سيد قطب من رجال العقيدة الذين يصدعون بالحق مهما كلفه ذلك وقد كانت كلمات الشهيد سيد قطب هي الملهم لآلاف الشباب الذي أِنف الذل والمهانة والخنوع في ربوع العالم الإسلامي لأنه دفع حياته ثمنا لها إذ يقول: (إن كلماتنا تظل عرائس من شمع حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة).
ولقد كتبت الحياة لكلمات الشهيد سيد قطب فيما ظلت كلمات الطاغية حبيسة في خطب وكتابات الناصريين والقوميين والعلمانين فضلا على سيل اللعنات التي تنهال على قائلها صباح مساء!.
كتب الخلود لهذه الكلمات على الرغم من أن صاحبها لقي ربه شهيدا قبل نصف قرن من الزمان ويصدع بكلمة الحق بل لا أكون مبالغا إذا قلت هو ممن عناهم الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث (سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُلٌ قَامَ إلى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ، فَقَتَلَهُ).
وإلا ما معنى أن يقف أحد تلاميذ الشهيد سيد قطب وهو الرئيس محمد مرسي يقول لأحد قضاة الزور وهو يتلو عليه حكم الإعدام بثبات وشموخ (فاقض ماأنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا) ومن قبله الدكتور محمد بديع الذي قال: (والله لو أعدموني ألف مرة فلا أنكص عن الحق أبدا إننا لم نكن نهذي حين قلنا إن الموت في سبيل الله أسمى أمانينا).
وقالها البلتاجي والكتاتني وسعد الحسيني وصفوت حجازي وغيرهم في الوقت الذي تتآمر فيه أوقاف الانقلاب تنفيذا لأوامر الطاغية بحرق كتب الشهيد سيد قطب في المساجد والمدارس بزعم أنها تدعو إلى الإرهاب!!
على الرغم من أن منهج الشهيد سيد قطب بصفة خاصة ومنهج جماعة الإخوان المسلمين بصفة عامة في التعامل مع أفكار الآخرين يقوم على رفض العنف.
(إننا نرفض فضًا قطعيًّا مسلك العنف والإكراه كطريقة لفرض الآراء على الناس أو كمنهج للتغيير بل نعمل على استئصال جذوره من الفكر والواقع؛ لأنه لا يأتي بخير ونعتمد الحوار والإقناع ومقارعة الحجة بالحجة ونقول للمخالفين ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (البقرة: من الآية 111) وللمعاندين ﴿وَإنَّا أَوْ إيَّاكُمْ لَعَلَي هُدًي أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ (سبأ: من الآية 24)
ذلك هو السبيل الأقوم والطريق الأصوب لسيادة المبدأ وانتشار الفكرة وهذا منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم في التغيير.
المصدر
- مقال:سيد قطب ومعالم على طريق الدعوة موقع: إخوان الدقهلية