سياسة الملك فاروق تجاه الإخوان المسلمين
د. شاكر ضيدان جابر
كلية الآداب - جامعة ذي قار
محتويات
المقدمة
جاء التوجه الإسلامي لدى القصر كرد فعل لمواجهة التغييرات السياسية التي شهدتها مصر بعد ثورة عام 1919م وما تلاها من إعلان تصريح 28 شباط عام 1922، إذ كانت المطالب تتركز على الاستقلال من الاحتلال البريطاني وحقوق الأمة في مواجهة هيمنة القصر وتفرده بالسلطة. لذلك كانت سياسة القصر تتوجه نحو توطيد مكانته السياسية من خلال التوجه الإسلامي
غذ كانت فكرة الجامعة الإسلامية التي دعا إليها كل من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده والتي تبلوت في عهد الملك فؤاد في مصر بعد إلغاء الخلافة من قبل مصطفى كمال أتاتورك، ما هي إلا دليل على هذا التوجه لدى القصر في تلك المرحلة. الذي رأي فيها تأكيد لسلطته الدينية والزمنية في مواجهة خصومه السياسيين في الداخل، فضلا عما كانت تحققه له من زعامة للعالم الإسلامي.
وقد واجهت تلك الفكرة صعوبة كبيرة في عهد الملك فؤاد، إلا أنها وجدت لها رواجا كبيرا في عهد الملك فاروق، إذ تركزت سياسته في هذا الاتجاه من خلال علاقته بالأزهر كمؤسسة دينية واستخدامها في مواجهة خصومه السياسيين، وما حادثة تتويج الملك التي نشأت بين حزب الوفد والقصر إلا دليل على استخدام المؤسسة الدينية من قبل القصر في تلك المواجهة.
أما على الصعيد الآخر فقد نجح القصر وبشكل ملفت للنظر في مواجهة حزب الوفد من خلال علاقته المتميزة مع الإخوان المسلمين، الذين كانوا يتمتعون بشعبية كبيرة توازي ما يتمتع به الوفد من شعبية، لذلك نرى أن حينما يضعف أو يكون خارج السلطة تكون العلاقة بين القصر والإخوان ضعيفة جدا، بل تصل إلى النكبة التي تعرض لها الإخوان في عهد حكومة النقراشي باشا.
التمهيد

شهدت الساحة المصرية خلال فترة العشرينات إلى الثلاثينات من القرن العشرين صراعات سياسية حادة، فقد كانت قضية الجلاء والدستور شغل الساسة المصريين آنذاك. فكان حزب الوفد في مقدمة الأحزاب التي أخذت على عاتقها تحقيق آمال الشعب في إنهاء الجلاء وإقرار الدستور، فدخل في صراع سياسي مرير ضد خصوم الحركة الوطنية متمثلين في القصر والإنجليز.
لقد كان للتأييد الشعبي الذي حظى به حزب الوفد دورا كبيرا في دعمه لمواصلة ذلك الصراع الذي ابعده عن تبني افصلاح الاجتماعي ضمن إطار حركته باعتباره رمزا للحركة ا لوطنية، ومع استمرار التأييد الجماهيري الذي استمر يؤازر حزب الوفد إلا أن الرأي العام المصري فقد الأمل في أي من الأحزاب السياسية في إحداث التغييرات المطلوبة سواء في الجانب السياسي أو الاجتماعي.
وفي ظل تلك الظروف السائدة فقد كان المناخ ملائما لجماعة الإخوان المسلمين كي تظهر على الساحة المصرية للقيام بافصلاحات المنشودة بعد ما عجزت عنها القوى السياسية القائمة. مما ولد ريبة القوى السياسية وعدائها لتلك الجماعة
الأمر الذي أدى إلى حدوث صدامات بينها تلك وبين القوى السياسية التي كانت على الرغم من اختلافها إلا أنها تعتبر نفسها جزء من النظام القائم وبالتالي يجب الدفاع عنه، فتعرض الإخوان المسلمون لمحن شديدة الوطأة على يد بعض الأحزاب من خلال مواقعها في السلطة، وكان للقصر والانجليز دور كبير في ذلك.
إن ظهور حركة الإخوان المسلمين على الساحة أثار أكثر من دلالة سواء بحركتها أو علاقتها بالقوة المؤثرة سياسيا في البلاد تشتمل على ما يلي:
- أولا: حدوث تغييرات جديدة على الخريطة السياسية للبلاد وعدم اقتصارها على القوى السياسية من القصر والانجليز أو الأحزاب السياسية الأخرى، ومزاحمتها على شعبية تلك الأحزاب وصراعها على السلطة.
- ثانيا: اختلاف مواقف حركة الإخوان من القصر كمؤسسة للحكم، ففي الوقت الذي كانت فيه دعوة الإخوان المسلمين متفقة مع توجهات القصر الإسلامية اتجهت مصر الفتاة نحو الدعوة إلى الملكية الدستورية وبين الهجوم على القصر ورجاله، في حين سارت الحركة الشيوعية على خط ثابت وهو معاداة القصر، وكان لهذه المواقف أثرها السلبي على جماعة الإخوان حيث أضعفتها في مواجهة القصر.
- ثالثا: إن الخلافات الأيديولوجية بين جماعة الإخوان المسلمين ومصر الفتاة والحركة الشيوعية قد انعكست بشكل كبير على تباعد العلاقة بينها، فسعت كل منها لإثبات الوجود في الساحة من خلال التحالف مع القوى السياسية الأخرى. إذا ما استثنينا الحركة الشيوعية التي دعت إلى قيام جبهة موحدة في مواجهة القصر والانجليز.
وعلى الرغم من اختلاف منابعها اليديولوجية إلا أنها اتفقت على رفض النظام القائم على السلطة بقواه ونظمه الدستورية، والسعي لتغييره وإبداله بنظام آخر. حيث كان الصراع على السلطة محور العلاقة بين القصر والأحزاب السياسية وفي مقدمتها الوفد، بينما الصراع مع الجماعات الدينية كان مختلفا تماما من حيث طبيعته وأبعاده، فلم يكن في جوهره خلاف على الدستور أو رغبة الانتقاص من سلطة الملك، بقدر ما كان يعكس إدراك القصر من دعوة تلك الجماعات بفساد النظام السياسي القائم الذي كان القصر أحد ركائزه الأساسية.
على الرغم من الصعوبات الكبيرة التي واجهت الجماعات الدينية إلا أنه لا يمكن التقليل من الدور الذي قامت به في مجالات الإصلاحات المختلفة وأسهمت في تهيئة الراي العام للتغييرات المتوقعة.
كان ظهور جماعة الإخوان المسلمون عام 1982 كجماعة دينية دليلا على تصاعد المد الإسلامي بعد أن خبت جذوته أو كادت أثر ثورة عام 1919، لأن الثورة كانت بمثابة المجى الرئيسي الذي التقت فيه روافد الحركة الوطنية بكافة اتجاهاتها الدينية والعلمانية بصدد المطالبة باستقلال البلاد، فخلال تلك المرحلة نما التيار القومي الليبرالي على حساب التيار الإسلامي، إلا أنه بعد انتهاء أحداث الثورة وتفككها بدأ الاتجاه الإسلامي بالظهور مرة أخرى على اثر الدعوة للخلافة افسلامية بعد أن ألغت تركيا الخلافة عام 1942.
لقد تبنت جماعة الإخوان نهج رشيد رضا الفكري والفلسفي الذي كانت الخلافة افسلامية محوره، فقد دافع عن وحدة السلطان الديني والسلطان العلماني في الإسلام، ودعا إلى تأليف جمعية إسلامية تمتد فروعها في الأقطار الإسلامية تقوم على مبدأ الأخوة في افسلام وتمحو الفوارق الجنسية والوطنية، وتؤلف بين المسلمين باعتبارهم أمة واحدة، مع تركيزها على الأهمية الاجتماعية للقرآن والسنة.
إن هذا الفهم الإسلامي الذي تبنته حركة الإخوان المسلمين ورأت فيه حلا وعلاجا للمشاكل الاجتماعية والسياسية للبلاد، جعلها ترفض مبدأ القومية بالمفهوم الذي دعا إليه هتلر في ألمانيا وكمال أتاتورك في تركيا وموسيليني في إيطاليا، حيث نادى كل منهم بأن أمته فوق الجميع، وكذلك رفض فكرة "العالمية" التي ظهرت كنقيض للقومية باعتبارها محاولة من الغرب لفرض هيمنته على الشعوب الأخرى.
إن رفض الإخوان لفكرة "القومية" و "العالمية" دفعت حسن البنا - مؤسس الحركة - إلى وضع إطار نظري لفكرة "القومية الإسلامية" حيث جاءت متوافقة مع اتجاهات القصر الإسلامية وتطلعاته نحو الخلافة وفي عام 1938م قرر البنا النزول إلى العمل السياسي، فأصدر جريدة النذير، وأنشأ فرق شبه عسكرية باسم "الجوالة" قام بتدريبها أحد الضباط وهو الصاغ محمد لبيب.
اتسمت مشاكرة الإخوان في العمل السياسي بالتهجم على الأحزاب السياسية والنظام الحزبي، فقد جاهروا بعدائهم للأحزاب وعدمها نظما واردن من الخارج، متهمين إياها بتفرقة كلمة البلاد وانقسامها. وكانت جريدة النذير في عددها الصادر عام 1957 لسان حال الإخوان معبرة عن ذلك الموقف رافعة شعار "لا حزبية في الإسلام" داعية الزعماء إلى الاعتصام بحبل الله.
استمر الإخوان بالتدليل على فساد الحياة الحزبية في مصر، وفساد احوال البلاد على يد قادتها وانقسام الأحزاب إلى مسميات شتى مع أنه ليست هناك فروق جوهرية في مباديء وعقائد هؤلاء، فضلا عن نبذهم للدساتير والقوانين الوضعية، وانتهوا إلى فشلها وأنه لا بديل عن القرآن والسنة.
ثم جاء رفضهم للمعاهدة المصرية - الانجليزية عام 1936م، والقول بعدم صلاحيتها لتكون أساسا للعلاقة بين مصر وبريطانيا ليجعلهم مبتعدين عن الأحزاب السياسية وفي مقدمتها الوفد، فضلا عن تبنيهم للقومية الإسلامية التي تعارض تماما مع التيار القومي الليبرالي الذي تبنته أغلب الأحزاب المصرية في تلك المرحلة.
علاقات الإخوان بالقصر
لقد وجد الإخوان في القصر غايتهم المنشودة فاقترابهم منه يجنبهم الوقوع في مأزق الحزبية التي عارضوها، ويهيء لهم أسباب التأييد والمساندة، فضلا عن أن توجهات القصر الإسلامية في أوائل عهد الملك فاروق كانت عاملا مشجعا لهم. فضلا عن تلك الجهود التي قام بها كل من على ماهر والشيخ المراغي في توثيق الصلات بين الطرفين. وهذا ما يجعل التحالف بين القصر والإخوان ضرورة ملحة أملتها مصلحة كل منهما رغم تباين المقاصد والأهداف.
فقد كان القصر ظهيرا سياسيا لهم ويمدهم بالعون المادي، وكذلك عدم تعارض علاقاتهم بالقصر مع مواقفهم المعلنة والرافضة للعمل الحزبي، أما من جانب القصر فقد وفر له تحالفه مع الإخوان خصوما أشداء لخصومه السياسيين وإضفاء الصبغة الدينية على حكمه.
إن الفكرة التي تزعمها القصر من إحياء الخلافة الإسلامية وتأييد الإخوان لزعامة مصر الإلامية ودعوتهم لفكرة القومية الإسلامية جاءت لتزيد من عرى التحالف بين الطرفين، والذي تمثل بالمرسوم الذي أصدرته وزارة (محمد محمود) في 8 آذار عام 1983م الذي حضر نشاط الجمعيات أو الجماعات التي يكون لها صور التشكيلات شبه العسكرية، وقد طبق هذا القرار على فرقة القمصان الوفدية وفرقة القمصان الخضراء والتي أنشأتها جماعة مصر الفتاة دون أن يمتد هذا الحضر إلى فرق الجوالة التابعة للإخوان.
إن الصفة الشرعية التي أضفاها القصر على الإخوان دفعهم إلى الانتشار في البلاد وزاد عدد الفرق الجوالة التي كانت تحصل على معونة مادية، بحيث بلغت أكثر من خمسين شعبة. وتعتبر وزارة على ماهر الثانية المشكلة في آب عام 1939م فاتحة لعهد الامتيازات وحرية لحركة الإخوان، إذ ضمت وزارته ثلاثة من ذوي الميول الإسلامية، فضلا عن عرضهم على رئيس الوزراء الاشتراك في قيادة الجيش والمساهمة في الشئون الاجتماعية.
لقد استفاد الإخوان من الدعم الذي تلقوه من القصر وعلى ماهر، فراحوا يعقدون المؤتمرات في القاهرة والأقاليم، فضلا عن نشر الدعوة بحرية مطلقة، يضاف إلى ذلك الدعم المادي السري الذي كانت تقدمه لهم وزارة الداخلية التي كان يتولاها على ماهر غلى جانب رئاسته الوزراء، واستمر هذا التأييد من قبل القصر على الرغم من استقالة على ماهر من الوزارة.
إن موقف الإخوان الداعم لتوجهات القصر بعدم التورط في الحرب العالمية الثانية جعلهم يتعرضون إلى محنة كبيرة، فقد أثار هذا الموقف قلق الانجليز الذين قاموا بالضغط على الحكومة في عهد وزارة (حسين سري) فقامت الحكومة بمصادرة مجلتي التعارف والشعاع الأسبوعيتين وكذا مجلة المنار الشهرية، وأغلقت مطبعتهم وعمدت إلى تشريد رؤساء الجماعة، ومما زاد الأمر سوء هو عمليات الاعتقال التي قامت بها الحكومة للعديد من قيادات الإخوان.
لكن رد القصر جاء سريعا، فاضطر حسين سري إلى الإفراج عن حسن البنا وأحمد السكري في 13 تشرين الثاني 1940م، ورغم أن هذه المحنة لم تستمر طويلا إلا أنها تركت آثارا عديدة دفعتهم إلى بناء التنظيم السري للإخوان الذي قام بدوره بإنشاء (النظام الخاص) وتولى قيادته عبد الرحمن السندي وقد كان تابعا للمرشد العام للإخوان
وكان لديه جهاز مخابرات على قدر كبير من المهارة والانتشار إذ امتد ليشمل جميع الأحزاب المصرية والجمعيات والنقابات المختلفة وكذلك الجامع الأزهر، وقد كانت فكرة الجهاد في البداية منصرفة ضد الانجليز، إلا أنها ما لبثت أن انصرفت غلى كل مسلم خائن كأثر لتوجيه قيادتهم، وكان تسليح الجهاز السري اعتمد على ميزانية الإخوان فضلا عن الأسلحة التي يتم تهريبها إليه بواسطة بعض العناصر بالجيش المنتمية للإخوان.
إن جنوح الجهاز السري الخاص بالإخوان إلى الاغتيالات السياسية انعكس أثره سلبا على الجماعة، فضلا عن تراجع التأثير السياسي للقصر بعد حادثة 4 شباط 1942م، مما أدى إلى ضعف تأييد القصر لهم، فضلا عن موقف الانجليز المعادي لحركتهم بعد تعاظم دورهم بشكل كبير
الأمر الذي دفع الإخوان لدعم موقفهم في ظل غياب تأييد القصر وتولي الوفد مقاليد السلطة وهو المعروف بعدائه الشديد لهم بدخولهم لخوض الانتخابات التي تقرر إجراؤها وقتذاك وقيام حسن البنا بترشيح نفسه عن دائرة الإسماعيلية، مما أثار مخاوف النحاس وشكوكه من ذلك كونه سوف يؤدي إلى تقوية شوكة الإخوان والقصر من ورائهم.
قدم أمين عثمان في عام 1942م صورة واضحة للسفير البريطاني بما قام به النحاس باشا في الالتفات إلى الإخوان بعد ما تبين له خطورتهم ونشاطهم من خلال التقارير التي وصلت إليه بعد انعقاد البرلمان. وقد انتهز السفير البريطاني الفرصة لكي يحفز النحاس على حل الجماعة إلا أن الأخير رفض ذلك خشية العواقب المتوقعة من وراء ذلك، فاستدعى البنا وطالبه بسحب ترشيحه من الانتخابات.
وفي ظل تلك الظروف العصيبة وضغط الحكومة ومن ورائها الانجليز على الإخوان دفهم ذلك إلى مهادنة الحكومة الوفدية والجانب البريطاني والتقارب معهم، خاصة وأن السفارة البريطانية كانت وراء تحريض الحكومات المتعاقبة على التصدي للإخوان وعرقلة نشاطهم.
وعلى الرغم من المساعي التي بذلها حسن البنا في عام 1943م وإبداء رغبته في مقابلة السفير البرياني لكي يظهر مشاعر الصداقة نحو بريطانيا العظمى واستعداده لتأييد قضية الديمقراطية، الأمر الذي رفضه لامبسون، حتى تبقى المسائل العقائدية بعيدا عن السياسة البريطانية.
وبالرغم من فشل الجماعة من التقارب والتفاهم مع الإنجليز إلا أن محاولاتهم نجحت في التقارب من حكومة النحاس باشا، وقد بدا واضحا في استقبال الجماعة في 18 مايس 1943 عدد من الوزراء الوفديين الذين اعربوا عن اهتمامات الحكومة بنشر المباديء الدينية، واشاد البنا بمحاولات الحكومة للتوفيق بين الجماعة وأغراضها.
وفي 9 تموز عام 1943م عرض وزير الداخلية أحد المناصب في وزراته على أحمد السكري نائب حسن البنا وقد تمت الموافق على العرض. فضلا عن قياد حسن البنا في 13 آب عام 1943م بإرسال برقية للنحاس أثناء اجتماعه بنوري السعيد بالقاهرة لبحث مسألة الجامعة العربية يبارك فيها جهوده التي يبذلها لتحقيق الوحدة العربية.
ولا شك أن هذا التقارب بين الجماعة والحكومة الوفدية كانت ورائه أهداف لكلا الطرفين، ففي حين كان هدف الحكومة هو تطويع الجماعة أساسا والسيطرة عليها لتحويلها عن نصرة القصر، كانالطرف الآخر مدرك لحقيقة موقف الحكومة نحوهم بما فرضته على نشاطهم من رقابة ضاغطة ومستمرة جعلتهم موضع ريبتها وشكوكها.
وبهذا فإنها مناورة سياسية أملتها الظروف والأوضاع القائمة وقتذاك، فالخلافات السياسية واليديولوجية بين الطرفين من الصعب التغلب عليها، فضلا عن صعوبة مواجهة الحركة الوفدية والانكليز سوية، ولكن بعد أن غادر الوفد الحكومة عاد الإخوان للتهجم عليه بل والصدام معه، غذ قتل أحد الوفديين ببور سعيد في تموز عام 1946م وجاء الرد بإحراق مركز الإخوان هناك.
وأخيرا فقد اتضح للإخوان أن تخبطهم بين القوى السياسية بما فيها القصر، أمر أدى إلى ضعفهم وأحال دون انتشار دعوتهم، فتحولوا إلى الاعتماد على قوتهم الذاتية ودعمها، فانتشرت فروعهم في العديد من الدول العربية مثل الأردن وسوريا وفلسطين، كما وصل عدد أعضاء الجمعية في مصر نحو المليون شخص عام 1946م.
ووطد البنا علاقته بابن سعود حيث قابله مرتين خلال زيارته لمصر في شباط عام 1946م وشرح له لأهداف الجماعة ولقي تشجيعا منه. ثم اتجهت الجماعة إلى إقامة عدد من الشركات الاقتصادية التي كانت مصدرا لتمويل الجماعة باحتياجاتها المالية، وقاموا بتنظيم شعبهم تنظيما دقيقا.
ثم انتقلت الجماعة إلى خطوة أخرى وهي توسيع نشاطها في أوساط العمال بتكوين شعبة عمالية تتولى تشكيل جبهة من نقابات العمال، ولكن الحملة التي شنتها جريدة (الوفد المصري) الناطقة بلسان الجناح اليساري للوفد عام 1946 م ، أدت إلى إحباط مساعي الإخوان لتكوين تلك الجبهة. أما عن فرقة الجوالة التابعة لهم فقد بلغ عددها نحو عشرين ألفا عام 1945 وكان توغلها بالتدريب ينبيء عن النية لتحويلها إلى قوة عسكرية.
ولم تمض مدة طويلة حتى عادت علاقة الإخوان بالقصر من جديد ، فقدموا الدعم لإسماعيل صدقي، وروجوا لما قاله في البداية عن عزمه على خدمة البلاد عدم استعمال العنف، وجنوا ثمار ذلك التحالف بأن سمح لهم بإصدار جريدة (الإخوان المسلمين) التي بدأت بالصدور في مايس عام 1946
أضف إلى ذلك السماح للجوالة باستخدام المعسكرات وإعانة الجماعة ماليا عن طريق وزارتي المعارف والشئون الاجتماعية، وقد تحول العمل السياسي للإخوان وقتذاك نحو الوقوف بوجه الشيوعيين والوفديين ومعارضة التجمعات الطلابية التي تنتمي إلى هذين الفريقين وهو منحى كان يخدم أهداف القصر بشكل مباشر.
تأزم العلاقة مع القصر
بالرغم من علاقة التحالف والتأييد بين القصر والإخوان، إلا أن تزايد قوة الإخوان بشكل كبير أقلق القصر، فضلا عن ما تردد من دعوة الإخوان من أن يكون الملك بالمبايعة وليس بالوراثة. وبهذا أصبح الإخوان مظهرا لتهديد العرش، مما اضطر الملك للتراجع عن تأييدهم وعمل على محاصرتهم
وبالفعل شنت الحكومة حملة ضارية عليهم قابلوها بحملة مماثلة وقعت خلالها انفجارات عديدة في القاهرة والإسكندرية كرد فعل للقبض على قيادتهم ومصادرة جريدتهم، فما كان من الحكومة إلا أن عمدت إلى تصعيد حملتها عليهم، فحوصرت دورهم وتعرضت الجماعة لسلسلة من النقل والتشريد تناولت حلفاؤهم من الموظفين في شتى المصالح والوزارات.
وبطبيعة الحال كان القصر وراء تلك الحملات ضد الإخوان، بالرغم من الجهود التي بذلها حسن البنا لإعادة جسور الثقة والتفاهم مع القصر من جديد، واحتواء الخلاف، إلا أن القصر استمر بتك السياسة، بل وذهب أبعد من ذلك من خلال تأليب البريطانيين ضدهم واتهامهم بأنهم وراء الشعور المعادي للبريطانيين في مصر متهمهم بتلقي عونا ماليا من روسيا.
كانت حملة صحف الإخوان على البريطانيين قد أوغرت صدورهم على الجماعة، وبعد أن فقد الإخوان تأييد كافة القوى السياسية على الساحة المصرية، استغل القصر فرصته لكي يوجه ضربة قاصمة، فأصدر النقراشي بصفته حاكما عسكريا أمرا عسكريا في 8 كانون الأول 1948 م بحل جماعة الإخوان المسلمين وشعبها، وذلك بناء على مذكرة وكيل وزير الداخلية للأمن العام عبد الرحمن عمار أوضح فيها أن من أسباب الحل هو رغبة الإخوان في الوصول إلى الحكم وقلب نظام النظم المقررة في البلاد.
بناء على ذلك قامت الحكومة بمصادرة أموال الإخوان وتصفية شركاتها، وحاصرت الشرطة المركز العام للإخوان واعتقلت كل المجتمعين فيه باستثناء البنا، وقد كان قرار الحكومة مخالفة صريحة للقانون، لأن قانون الجمعيات لم يكن قد صدر بعد. وقد حاول البنا دون جدوى مقابلة النقراشي لإثنائه عن قرار الحل تحسبا للنتائج وخاصة من الجهاز السري للجماعة.
وردا على موقف الحكومة قام عبد الحميد أحمد حسن أحد أعضاء الجهاز السري للجماعة باغتيال النقراشي في 28 كانون الأول عام 1948م، وكان واضحا أن الجهاز السري خرج عن طواعية قيادته، حيث كان وراء العديد من العمليات التي شهدتها مصر آنذاك، منها الاعتداء على المنشآت والممتلكات اليهودية في القاهرة. فضلا عن محاولة نسف محكمة الاستئناف في 13 كانون الثاني 1949م، الأمر الذي دفع البنا إلى نشر بيان استنكر فيه تلك الأعمال ووصف أعضاء الجهاز بأنهم ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين.
لقد كانت نتيجة اغتيال النقراشي محنة كبيرة واجهتها جماعة الإخوان، إذ جرى اغتيال حسن البنا المرشد العام للحركة في عهد وزارة ابراهيم عبد الهادي، وذلك وفق خطة من تدبير محمود عبد الحميد مدير المباحث الجنائية وبعض رجاله، وبطبيعة ا لحال كان الملك فاروق وقيادات الحزب السعدي وراء هذا الحادث. وبالرغم من محاولات الوزارات المتعاقبة من التستر على الجناة، إلا أنه جرت محاكمتهم في آب عام 1954م وصدرت ضدهم أحكام بالسجن.
إن قرار حل الجماعة كان فاتحة لصراع مستمر مع القصر مبناه الاغتيال والإرهاب ، خاصة وأن هذا القرار قد وصم نشاط الإخوان بأنه خارج عن الشرعغية، ثم إن غياب حسن البنا وهو الشخصية الأكثر تأثيرا على الإخوان واعتقال غالبية زعمائهم قد أصابهم بوهن حقيقي أدى إلى أفول نجمهم.
وفي 11 أيلول 1951 أصدر مجلس الدولة حكما بعدم مشروعية قرار حل الجماعة ومصادرة ممتلكاتها ، إذ عاد الإخوان من جديد لممارسة نشاطهم، إلا أن الظروف الجديدة لعودة الإخوان لممارسة نشاطهم كانت مختلفة عن سابقتها، فالقصر راح يسعى من جديد لإزالة أسباب الخلاف مع الإخوان آملا في أن يجد منهم التأييد في مواجهة حكومة النحاس التي تولت الحكم
وانتهز الفرصة والانقسام الحادث داخل الجماعة على مسألة اختيار مرشد عام خلفا للبنا، وكان تعيين حسن الهضيبي مرشدا عاما للجماعة من شأنه أن يحظى بتأييد القصر لما سوف يترتب على ذلك من تحسن العلاقة بين الطرفين. وهذا نابع من موقف حسن الهضيبي في مقابلة الملك في 20 تشرين الثاني 1951م، والتي أكد من خلالها أنه ليست لديه أي نوايا لاتباع نشاط إرهابي وأنه سوف يناويء الشيوعية ويؤيد الملك في إقامة حكم عادل.
عودة الإخوان إلى الحياة السياسية
وبعد صدور حكم مجلس الدولة جرت مفاوضات بين مصطفي مؤمن أحد قيادات الإخوان وفؤاد سراج الدين وزير الداخلية الوفدية بهدف إعادة نشاط الإخوان المسلمين، ولكن هذه الاتصالات تمت دون علم قيادة الإخوان، مما أدى إلى فصل مصطفي مؤمن من عضوية الإخوان. ثم جرت اتصالات أخرى بين جماعة الإخوان والوفد بهدف عقد صفقة التحالف بين الطرفين
وقام فريق من الإخوان بتدمير خط أنابيب المياه النقية الخاص بالقوات البريطانية كجزء من مخططهم لتنفيذ نصيبهم في صفقة التحالف مع الوفد، يضاف إلى ذلك فإن أعداد من الإخوان قاموا بالتدريب تمهيدا للعمل في منطقة القناة بتأييد من صلاح الدين وزير الخارجية الوفدي.
إن توطيد العلاقة بين القصر وقيادة الإخوان أدى إلى الانقسام داخل صفوف الإخوان وتزايد حدة الشقاق بينهم، وحين جرى تعييم حافظ عفيفي رئيسا للديوان الملكي في 11 أيلول عام 151م سارت مظاهرات من الإخوان تهتف ضد الملك وحافظ عفيفي، وشنت مجلة الدعوة التي كان يصدرها صالح عشماوي - عضو مكتب الإرشاد - هجوما على رئيس الديوان الجديد
مما دفع عبد الكريم عابدين سكرتير الإخوان بإذاعة بيان في الأول من كانون الثاني عام 1952 أعلن فيه أن مجلة الدعوة لا تعبر عن وجهة نظر الإخوان وهي تعبر عن آراء أصحابها.ثم أرسل حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان رسالة تهنئة لحافظ عفيفي لتعيينه رئيسا للديوان، فضلا عما كان من زيارته للقصر للتهنئة بمولد ولي عهده أحمد فؤاد.
وبالرغم من مظاهر التقارب بين الإخوان والقصر، إلا أنه كانت هناك اتجاهات داخل الإخوان تميل إلى الوفد، وقد عجزت قيادة الإخوان من احتوائها، إذ كان للدور الذي قام به كل من فؤاد سراج الدين وزير الداخلية ومحمد صلاح الدين وزير الخارجية دورا كبيرا في تقارب الوفد من الإخوان، فضلا عن ذلك فإن عداء الإخوان للسعديين - حلفاء القصر- وكراهيتهم للمحيطين بالملك كان عاملا آخر لتباعد الإخوان وتحولهم عن ثقة القصر.
لقد كانت العلاقة بين الإخوان والحكومة الوفدية مختلفة بحيث أظهرت تأييدها للإخوان أثناء اشتراكهم في الكفاح المسلح بمنطقة القناة، ولقد استمر التقارب قائما بين الطرفين حتى بعد إقالة الحكومة الوفدية بعد حادث حريق القاهرة، فضلا عن تأييد الإخوان للوفد من خلال تصريحاتهم المعلنة التي كانت تحمل معنى التأييد على الرغم من مشاركتهم في تلك الانتخابات لعدم ثقتهم في إدارتها. إن هذا التقارب يعني ابتعاد الإخوان عن القصر وهذا يرجع إلى موقف الملك والسعديين من الإخوان والتنكيل بهم وبزعمائهم.
وبعد أن تغيرت الظروف وتناوت قوة الإخوان، فإن تدهور العلاقة مع القصر لم تؤثر عليهم، خاصة بعد انهيار القيم الأخلاقية وظهور جماعة من الراسماليين من أثرياء الحرب الذي فسح المجال للدعوة الدينية، بعد ابتعاد الأحزاب السياسية عم عملية الإصلاح الاجتماعي.
حيث وجدت دعوة الإخوان مجالا حيويا لها في المطالبة بالعودة إلى منابع الإسلام وأصوله طلبا للإصلاح، وقد اجتذبت إليها قطاعا جماهيريا عريضا، أضف إلى ذلك اشتراك الإخوان في حرب فلسطين ثم في الكفاح المسلح بنمطقة القناة، والذي كان له وقعا جماهيريا شديدا في مصر ولم يكن بمقدور أي من القوى السياسية في البلاد أن تستوعبه.
الخلاصة
وفي الختام يمكن القول أن المرحلة الأولى من العلاقة بين الإخوان والقصر قد أظهرت توافقا بين مسيرة الإخوان الفكرية وتوجهات القصر الإسلامية، وأدى دعم القصر وتأييده لهم إلى نشر دعوتهم وهيأ لهم أسباب القوة ، إلا أن نبذهم للحزبية والنظم الديمقراطية في جملتها باعتبارها أنماطا غربية، حيث وضعهم هذا الموقف في صف العداء للأحزاب السياسية وانحيازهم إلى جانب القصر.
وقد استطاع القصر في البداية توجيه الإخوان وجهة سياسية مضادة لحزب الوفد ونجح في ذلك نجاحا كبيرا إلا أنه من جانب آخر كان ذلك يعني دفع الإخوان نحو الساحة، مما ألجأها إلى مهادنة الأحزاب ومحاولة الاقتراب منها طبقا لمواقفها من السلطة، خاصة ف فترات غياب التأثير السياسيي للقصر، وهذا ما جعل مسيرة الجماعة تتميز بالتناقض، ثم مشاكتها في الانتخابات بهدف الوصول إلى السلطة، وقد أكد على هذا التناقض.
وبعد تزايد قوة الإخوان بعد حرب فلسطين اضطربت علاقة الجماعة مع القصر، حيث أصبحت مصدر تهديد للعرض ذاته، ليبدأ الصراع بينهم والذي حسمه القصر لصالحه بعد قراره بحل الجماعة ومصادرة نشاطها، وأن تتبع مسيرة الإخوان يظهر بوضوح أنها بحاجة دائمة إلى نصير سياسي، الأمر الذي دفعهم إلى التخبط بين القصر والأحزاب وكشف عن عجزهم الحقيقي، فلا هم أوغلوا في الحياة الدينية الخالصة، ولا كان بمقدورهم ممارسة العمل السياسي بشكل مؤثر، وهي لا تمتلك مقوماته مما عرضها إلى محن عديدة متواترة كانت أشدها على يد القصر.
وعلى الرغم من حسن نية العلاقة بين الإخوان والقصر ظاهرا في غالبية أطوارها إلا ان فضائح القصر وتهتكه لم تكن لتحرج الإخوان فحسب بل وتحد من اطلاق تأييدهم له، وهذا ما يؤكد أن الإخوان كانوا من أول القوى السياسية التي أيدت تنظيم الضباط الأحرار وباركت حركته لتقويض دعائم حكم القصر.
Abstract The redationship between the brotherhood and al-qaser to faqa between marchbratherhood intellectual and erientations place Islamic and led support minors and support their call and prepared them reasons for strength but the rejection of life and partsandemocratic systems on the whole as patterns western as their this position enemies of the political partles and bais along with minors He could palace ignition directing the bradherhood and the political anti-wafid party and succeeded in doing a great success but it’s the other side it means paying brotherhood around ehe arena which aljoha to appease the parties and try to touch them according to palee and this has made the process characterized by contradicotory brotherhood as well as the participation of the election came to power After growing strength of muslim brotherhood after the palest inewar disrupted their relationship with minors a sit has become a treat to the throne it self to behind the conflict including clinching the palace for him after his descision to dissolve The brotherhood and its prevention and follow the march of the muslim brotherhood clearly shows that they need apermament political pellier Nasser which caused them to confusion pkan in palace parties and detection pellier Nasser which caused them to confusion pkan in palace parties and detection of disable there goglue exlusive in the religious life and locan able Dispite the good will of the relationship between the palace and the brotherhood apparent in the majority of stages but the scandals palace and think were not embarrass brotherhood but the challenge of launching their support for him and this confirms that the brotherhood were the first of the political that supported the organization of the free offices and blassed more ment to mine pillars of the rule place