سيادة الرئيس هل نعيش بلا طوارئ ولا معتقلات
" ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب " .
" واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا " .
الحمد لله الذي جعل العدل اسما من أسمائه وصفة من صفاته يحققها على الأرض رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه منهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .
القاضي أيها الأخوة هو القاضي أيا ما كان موقعه على المنصة العالية أو أمام صندوق الاقتراع . لا يتبدل أبدا ، لا يعرف إلا الحق ، لا يحيد عنه مهما كلفه ذلك من عنت. و القضاة بما يبثونه من ثقة وطمأنينة في نفوس الناس أساس كل ملك ودعامة كل حكم وعماد كل تقدم.
من أجل ذلك كانت وقفتكم هذه مع أمتكم من أجل أن تنال حريتها في اختيار حكامها ، ولمن يتساءل في خبث لماذا الآن والقوي الخارجية تتربص بنا؟ أقول إن إصراركم على تزييف إرادة الشعب هو الذي يعطي هذه القوي المبرر للتربص بنا.
عجبي شديد ممن يقوم بتزييف إرادة الشعب ويعتبر ما يقوم به أمرا مشروعا بحجة أنه لحماية الشعب ، والعجب الأشد ممن يدافع عنه ويحميه ويعتبر ما يطالب به القضاة من تحقيق الضمانات التي تكفل لهم حسن أداء رسالتهم ابتزاز ويقول: " أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون " .
سيادة رئيس الجمهورية ، إنك تعلم قبل غيرك أن المشاعل التي يحملها قضاة مصر لإضاءة طريق العدل والحرية أمام شعبها إنما تستمد زينتها من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية بل مصرية وطنية خالصة ، لا يرجون بها إلا وجه الله والوطن وتثبيت دعائم الحكم القائم على العدل.
يا سيادة الرئيس إن قضاة مصر يقولون لك إن أي إصلاح داخلي لا يقوم على انتخابات حرة يختار فيها الشعب من يحكمه هو إصلاح شكلي يزيد المشاكل تعقيدا.
يا سيادة الرئيس إن صندوق الاقتراع الزجاجي الحر هو الأقدر وحده على أن يكشف حجم من يطالب بالتغيير ومن يرغب في بقاء الحال على ما هو عليه.
يا سيادة الرئيس ، لا تستمع لمن يرفع شعار من أجل استمرار المسيرة لأنه في النهاية لا يسعى إلا لبقائه هو في السلطة ولو ضمن أن يبقي فيها مع غيرك لرفع شعارا آخر ، والدليل على ذلك أنهم يتبعون هذا الشعار بآخر أكثر غرابة وهو التغيير للأفكار وليس للأشخاص كأنما الأفكار سلع تباع في الأسواق ولا تنتجها عقول الناس.
هل البلاد المتقدمة يا سيادة الرئيس لا توجد بها مسيرة يجب استمرارها؟
وهل لنا وقد سرنا طويلا أن نضع رحالنا لنستريح بعض الوقت وأن نعيش حياتنا كبقية الشعوب الحرة بلا طوارئ ولا معتقلات؟
يا سيادة الرئيس ، إن الانتخابات الحرة ليست هي الانتخابات التي يعلن المسئولون في الدولة أنها كذلك ولكنها الانتخابات التي يشعر الشعب فعلا بأنها حرة وأقولها لك بكل صدق إن الشعب لا يخدع . قد يصمت ولكنه صمت الواعي بكل ما يحدث.
ويا قضاة مصر ، هل بما قمتم به حتى الآن قد أبرأتم ذمتكم أمام الله والناس أم أن الشعب مازال يطلب منكم المزيد ، أقولها بكل صدق إن ما قمتم به حتى الآن هو اضعف الإيمان.
والشعب يطلب منكم الاستمرار حتى يتحقق له مراده وتفك أغلاله ويصبح حرا في اختيار حكامه بلا وصاية من أحد فقد حان وقت رفع الوصاية.
إلا أن ذلك يتطلب وقوف الشعب كله للمطالبة بحقه وأنتم في مقدمته لأن المعركة ليست معركة القضاة وحدهم ولكنها معركة الشعب كله.
فيا سيادة الرئيس ، قد شعبك في معركته من أجل المزيد من الحرية والديمقراطية الحقيقية ، وإذا كنت قد بدأت مسيرة الإصلاح بخطوة فلا تدع مراكز القوي الجديدة تفرغها من مضمونها لأنها تحارب بقوة من أجل بقاء نفوذها وسيطرتها على مقدرات هذا الشعب.
أقولها لك يا سيادة الرئيس بكل وضوح وصراحة إن الفرصة القادمة ستكون هي الاختبار الأخير لنظام الحكم . إما أن يصاب الناس باليأس والإحباط ويعلم الله وحده ما ستصير إليه الأمور بعد ذلك.
أستميحكم عذرا أخواني في أن أهمس في أذن سيادة المستشار محمود أبو الليل وزير العدل قائلا " إن يدك النظيفة قد علق بها بعض الدرن من مصافحة يد ملطخة بمداد تزوير الانتخابات تجلس بالقرب منك في وزارة العدل لا ذنب لك في وجودها ولكن الذنب كل الذنب في الإبقاء عليها . نطلب منك المسارعة في التخلص منها . حتى تكون عبرة لغيرها وحتى تكشف لنا من كان وراءها فيتطهر جسم القضاء من الخبث الذي علق به ، ولأن وجوده إلى جوارك يشعرنا بأن الوزارة تنوي أن تستمر في نهجها السابق في التدخل في الانتخابات ونحن نبرؤك من ذلك " .
أخوتي ، إني أربأ بكم عن القول بقبول الإشراف على الانتخابات حتي في غيبة الضمانات لأن معناها بكل وضوح وصراحة أننا نقبل الاشتراك في التزوير وهذا يفقدكم ثقة الناس واحترامهم بل وينزع عنكم الصلاحية بين الناس . كما أني أخالف من يقول إن الامتناع عن الإشراف مخالفة دستورية وقانونية لا يصح للقضاة الوقوع فيها لأن الإشراف في غيبة الضمانات جريمة يعاقب عليها القانون ، والقاضي عندما يقول لا أقبل الإشراف في غيبة الضمانات فإنه في الحقيقة يقول إني لا أقبل الاشتراك في جريمة التزوير . فهل لكم أن تقولوها؟ وأخيرا أختم حديثي معكم بالقول إنه مهما كانت التوصيات التي ستصدر من جمعيتكم هذه فلابد من المتابعة لأن الاختبار العملي هو خير دليل على حسن النوايا.لذلك أطلب منكم عقد جمعية عمومية غير عادية بعد إجراء الاستفتاء وانتخاب رئيس الجمهورية نقول فيها رأينا في مدي نزاهتها ونقرر ما يجب عمله في انتخابات مجلسي الشعب والشورى على ضوء ما تسفر عنه الممارسة العملية . وفقكم الله .
المصدر:جريدة العربي