سلاح البترول.. هل يصلح لدعم الانتفاضة؟
بقلم : أحمد عبد السلام وعلاء أبو العينين
سلاح البترول ..لم تعد له قيمة في ظل التفكك العربي
تشهد أسواق البترول العالمية ارتباكًا انعكس في تذبذب الأسعار بين الارتفاع والانخفاض؛ ففي أعقاب تصريحات الرئيس العراقي صدام حسين بوقف تصدير النفط بصورة كلية لمدة شهر اعتبارًا من يوم 8-4-2002م احتجاجًا على العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، ارتفع سعر برميل النفط الواحد بنسبة 5.5% فبلغ سعره 27.43 دولارًا للبرميل في سوق التعاملات في لندن.
وفي اليوم التالي هبط سعر البرميل إلى ما يعادل 26.4 دولارًا بعد وعد "علي النعيمي" وزير البترول السعودي بأن بلاده ستضمن استقرار سوق النفط، وزاد الهبوط إلى 25.5 دولارًا عقب تأكد عدم انضمام إيران وليبيا للعراق في وقف البترول.
وكان المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية "علي خامنئي" قد طالب الدول العربية والإسلامية المنتجة للبترول بأن تتوقف عن تموين الغرب والدول التي تقيم علاقات مع إسرائيل بالبترول بشكل رمزي لمدة شهر.
وقد رفضت أوبك دعوة خامنئي، وأوضح متحدث باسم الأمين العام للمنظمة –علي رود ريجيز- أن حظر تصدير البترول يتناقض مع أهداف أوبك الخاصة بضمان استقرار السوق، مؤكدًا أن المنظمة لم تتلق أي طلب رسمي بهذا الشأن حتى الآن، كما أشادت ليبيا بالفكرة.
بيد أن العراق كان هو المنفذ الوحيد لقرار قطع البترول، وأعلن بوضوح أنه يقصد به إيذاء أمريكا وبريطانيا.
أما الكويت فقد رفضت القرار بحجة أنه سيضر بالدول المنتجة للنفط أكثر مما يضر بالولايات المتحدة نفسها.
واستبعدت السعودية –أكبر مصدر للبترول في العالم- على لسان وزير خارجيتها الأمير "سعود الفيصل" اتخاذ هذا القرار قائلاً: "إن العرب يحتاجون النفط أكثر من أي شيء آخر من أجل تنميتهم".
وقد أثار الحديث عن استخدام سلاح النفط للضغط على أمريكا والغرب لوقف العدوان الإسرائيلي، وشروع العراق في وقف الإنتاج بغرض رفع السعر وإرهاق اقتصاديات الغرب - التساؤل عن مدى القوة الفعلية للدول العربية والإسلامية في استخدام البترول كسلاح.
بل وبدأت واشنطن تستعد لهذا الاحتمال بزيادة المخزون الإستراتيجي رغم التهوين من أهمية المنع العراقي لإنتاج النفط، وهو ما يفتح المجال أمام الحديث عن "قوة النفط" السياسية الآن.
62% من احتياطي نفط العالم.. للعرب
تمتلك الدول العربية المنتجة للبترول 643.1 مليار برميل من البترول الخام بنسبة 62.1% من الاحتياطي العالمي، وتنتج نحو 21 مليون برميل يوميًا بنسبة 31.5% من الإنتاج العالمي، وتصدر نحو 17.5 مليون برميل من هذا الإنتاج يوميًا، وفقًا للإحصاءات العالمية.
وإذا أضفنا جمهورية إيران الإسلامية إلى الدول العربية، فإن الاحتياطي النفطي يرتفع إلى 733.1 مليار برميل بما يوازي 70.8% من الاحتياطي العالمي، ويصل الإنتاج إلى 24.6 مليون برميل يوميًا بنسبة 36.7% من الإنتاج العالمي، ويرتفع التصدير إلى نحو 20 مليون برميل يوميًا.
هذا بالإضافة إلى دول إسلامية أخرى تملك احتياطات نفطية متوسطة، مثل: نيجيريا، وإندونيسيا، وماليزيا، ودول وسط آسيا المحيطة ببحر قزوين.
وفي المقابل تمثل الولايات المتحدة أكبر مستورد للنفط في العالم؛ حيث شكلت وارداتها حسب البيانات الأمريكية عن النصف الأول من عام 2001م نحو 63.2% من إجمالي الواردات الدولية من النفط، وتستورد وحدها يوميًا نحو 12 مليون برميل يوميًا منها 3 ملايين برميل من الدول العربية وعلى رأسها السعودية التي تستورد منها 1.8 مليون برميل يوميًا.
كل هذه الإحصاءات والبيانات السابقة تشير إلى أن الدول العربية بالإضافة إلى إيران إذا أبدت استعدادها لاستخدام سلاح النفط فإنها تقف في موقف قوي كدول مسؤولة عن حصن حاسم من الإنتاج والصادرات النفطية العالمية، ولديها الجانب الأكبر من الاحتياطي العالمي منه.
أضرار قد تصيب منتجي النفط
لكن ماذا يمكن أن يحدث لو استخدمت الدول العربية والإسلامي سلاح البترول؟ وهل هناك إمكانية لنجاح حظر تصدير البترول العربي والإسلامي في الضغط السياسي على الولايات المتحدة؟
وفقًا للمؤشرات الاقتصادية فإن هذا الحظر يمكن أن يؤدي إلى:
أولاً: أضرار اقتصادية يصعب على الدول المنتجة للبترول تحملها في ظل انكماش الاقتصاد العالمي؛ حيث أشار مركز –Widdle east capital group- المختص بشؤون البترول في عام 2000 لدول مجلس التعاون الخليجي وصلت إلى 140-150 مليار دولار، وأغلب دول أوبك باستثناء إندونيسيا تمثل عائدات النفط بها نسبة تتراوح بين 80-90% من الناتج المحلي الإجمالي، ولا تتمتع هذه الدول ببنية صناعية تسمح بتنويع صادراتها باستثناء صادرات البتروكيماويات.
ثانيًا: قد تحل دول أخرى محل الدول العربية والإسلامية كسوق مصدرة للنفط؛ فقائمة منتجي سوق النفط تتصدرها الآن دول، مثل: حوض بحر قزوين الذي يحتوي -وفقًا لتقديرات متحفظة- على 70 بليون برميل من البترول، وهو أحد أكبر الاحتياطات خارج الشرق الأوسط، وفنزويلا في مقدمة دول العالم الغربي بما تملكه من 77 بليون برميل كاحتياطي، بالإضافة لدول بحر الشمال ودخول دول جديدة في الإنتاج كدول غرب إفريقيا مثل أنجولا التي اكتشف بها احتياطات هائلة أخيرًا.
حتى إن وزير الطاقة القطري "عبد الله بن حمد العطية" قال مبررًا صعوبة استخدام سلاح النفط في تصريحات نشرتها صحيفة الوطن القطرية: "إن سوق النفط أصبحت سوق مشترين لا بائعين".
ثالثًا: يمكن أن تفرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على الدول التي تتخذ قرار الحظر؛ فالولايات المتحدة سبق أن استصدرت تشريعًا من الكونجرس في 22-3-2002 بأغلبية 382 صوتًا مقابل 38 صوتًا يقضي بفرض عقوبات على دول أوبك التي ترفض زيادة الإنتاج.
رابعًا: يحتمل أن تقطع الولايات المتحدة المعونة الأمريكية عن هذه الدول، وتحاول التأثير على صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات المالية العالمية لإيقاف مساعدته لهذه الدول.
وقد تصف الولايات المتحدة هذه الدول بالدول الإرهابية، وتهدد بتجميد أرصدتها في البنوك الأمريكية.
خامسًا: ربما تلجأ الولايات المتحدة إلى استخدام الاحتياطي الإستراتيجي من النفط لديها البالغ (560) مليون برميل، إلا أن هذا الاحتياطي لن يكفي إلا لمدة ثلاثة شهور على أحسن تقدير.
الحظر يدمر الاقتصاد الأمريكي!
ولكن بالمقابل سوف ينطوي اتخاذا هذا القرار على آثار مدمرة للاقتصاد الأمريكي الذي ما برح يتعافى من الركود الذي لحق به بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، منها:
1- ارتفاع الأسعار بسبب ارتفاع تكلفة النقل، وبالتالي انخفاض القدرة التنافسية للمنتجات الأمريكية، سواء في الأسواق الداخلية أو الخارجية.
2- ارتفاع تكلفة السلع التي تعتمد بشكل رئيسي على النفط، مثل: الأسمدة، والإطارات، والبلاستيك.
وهناك دراسة نشرتها مؤسسة "بروكنغس" هذا الأسبوع تقول بأنه في حالة حدوث أزمة في الشرق الأوسط تؤدي إلى سحب 7 ملايين برميل يوميًا من النفط، فسوف يرتفع سعر البرميل إلى 75 دولارًا.
وإذا وضعنا في الاعتبار أن رفع سعر النفط دولارًا واحدًا يعني زيادة حجم الواردات النفطية الأمريكية سنويًا بقيمة 4380 مليون دولار لأدركنا حجم الكارثة والركود الذي يمكن أن يصيب الاقتصاد الأمريكي من جراء هذا القرار مدى إمكانية استخدام البترول كسلاح.
آراء الخبراء
وتتباين آراء الخبراء حول إمكانية استخدام البترول كسلاح وكيفية هذا الاستخدام؛ فيقترح د. حسين عبد الله –مستشار سابق بمنظمة أوبك- أن تخفض الدول العربية سقف إنتاجها بنسب مدروسة؛ بحيث يرتفع سعر البترول ليصل إلى 30 دولارًا للبرميل، وأن يتم توجيه فارق الأسعار لدعم الانتفاضة الفلسطينية.
أما "أحمد السيد النجار" -خبير بالمركز الإستراتيجي لجريدة لأهرام المصرية- فيرى أن آليات اتخاذ القرار لا يجب أن تبدأ بقطع النفط مباشرة، بل يجب أن تتم على مراحل، منها:
- العمل بجدية على رفع سعر النفط لأقصى مدى؛ وذلك بتخفيض الإنتاج لزيادة العبء الذي تتحمله الاقتصاديات المستوردة للنفط وعلى رأسها أمريكا.
- فرض رسم مقداره ربع دولار فقط على كل برميل بترول من الصادرات العربية والإسلامية ليتم تخصيصه لدعم فلسطين، وتقدر حصيلته بـ 1.6 مليار دولار سنويًا.
- في حالة عدم استجابة الدول الغربية لمطالب العرب ورد العدوان الإسرائيلي عن فلسطين بعد كل ذلك تتجه أخيرًا لسلاح منع البترول.
- ولكنه يرى أن يصاحب هذا القطع حملة إعلامية عربية إسلامية واسعة النطاق لشرح أهدافه، وبيان أن حكومات البلدان المستهدفة بهذا القرار قد انحازت لإسرائيل ضد العرب.
وعلى النقيض يرى الكاتب "محمد حسنين هيكل" وزير الإعلام المصري الأسبق أن حظر النفط لا يُجدي، ويقول في برنامج "الأستاذ من قلب الأزمة إلى قلب الأمة" الذي أذيع في قناة "دريم" الفضائية المصرية الخاصة: "يجب استبعاد خيار الحظر البترولي؛ لأنه سلعة لا تُستهلك في مكانها؛ فهي تخرج بمعدات ليست للدولة المنتجة، وتحملها سفن تسير في مياه ليست لنا السيطرة عليها، وكل ما يمكن القيام به هو أن تأخذ تعهدًا من الدول الأخرى بعدم إعطاء البترول لدول الحظر أو تستخدم عائدات النفط في موضع آخر".
بدائل للحظر
وإذا كان هذا هو رأي الخبراء.. فما هي البدائل المطروحة في حالة عدم استخدام قرار حظر النفط؟
يرى هيكل أهمية استخدام "سلاح المقاطعة" لكل ما هو إسرائيلي؛ فالحكومة المصرية مثلاً لا تستطيع أن تلغي التزاماتها باتفاقية كامب ديفيد، ولكن يستطيع الشعب بكامل إرادته ألا يتعامل مع كل ما هو إسرائيلي.
ويشير الدكتور "أحمد عبد الحليم عمر" –مدير مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي- في تصريحات منشورة بجريدة الجمهورية المصرية إلى أن سلاح الاستثمارات العربية والأرصدة الخارجية في مصارف أمريكا يمكن أن يكون فعالاً إذا بدأ بتحرك عربي جماعي بالتهديد باستخدامه. ويذكر أن حجم هذه الأرصدة يبلغ تريليون و400 مليار دولار أمريكي.
ويقول خبراء آخرون بأنه من الممكن أن يتم فرض ضريبة دولار واحد من جانب الدول العربية على كل برميل بترول مباع، وتحويل الحصيلة إلى الشعب الفلسطيني، بيد أن هذا يتعارض مع السعر العالمي للنفط.
أما أهم بديل مقترح فهو السعي لتقليص إنتاج البترول تدريجيا من جانب الدول العربية بقرار جماعي بما يرفع سعر النفط إلى مستوى ما فوق الـ 30 دولارا بما يزيد قوة النفط السياسية بشكل أكبر.
السلاح الحقيقي وقوة النفط تنبع إذن من التضامن العربي والقرار الجماعي فيما يتعلق بأي خطوة في هذا المجال، وعلينا أن نتذكر أن قوة سلاح النفط عام 1973 تمثلت في وحدة القرار العربي في ذلك الوقت، وهو ما أثر على القرار الغربي والأمريكي تحديدا.
وبالتالي فمفتاح السر يكمن في القرار الجماعي فيما يتعلق باستخدام سلاح النفط، ولن يكون لأي قرار فردي تأثير فعلي قوي بدليل أن العراق وحدها أوقفت الإنتاج فيما راحت بقية الدول المهددة تتفرج ثم تراجعت.
المصدر
- مقال:سلاح البترول.. هل يصلح لدعم الانتفاضة؟موقع:الشبكة الدعوية