سفك دماء الأبرياء على مذابح المشايخ والعلماء

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
سفك دماء الأبرياء على مذابح المشايخ والعلماء .. مؤتمر تاريخي فريد لأئمة المساجد (8/11/1954م)


مؤتمر تاريخي.. لم يتكرر


بقلم: عبد الحليم الكناني

مؤتمر أئمة المساجد

لم يقل لهم أحد إن هذا تدخلاً في السياسة ولا سياسةَ في الدين ولا دين في السياسة.. لم يقل لهم أحد إن المتهم بريء حتى تثبت إدانته، وهذا المتهم لم يحاكَم بعد ولم تنظر قضيته.. لم يقل لهم أحد إن الحكم بخروج أحد عن الإسلام أمر خطير.. سيتبعكم فيه دعاة التكفير.

لم يقل لهم أحد شيئًا، ولكن تركوهم ليجتمعوا كما يشاءون، وليتحدثوا في السياسة كما يشاءون، وليصدروا الأحكام على المتهمين كما يشاءون، وليفتوا بخروج الإخوان عن الإسلام كما يشاءون.

ولما انتهَوا من هذا "المؤتمر" الفريد، ذهبوا إلى الحاكم في مظاهرة عاصفة، اهتزت فيها العمائم، وبُحَّت الأصوات، وهي تتلو القرارات.. القرار تلو القرار، وأظن الحاكم كان يبتسم ويكتم ضحكَه متذكرًا صديقه "حكيم"، وهو يسمع آخر قرار (بتأييد رجال الثورة الأبرار)!!

مؤتمر أئمة المساجد (8 نوفمبر 1954 = 11 ربيع أول 1374 هـ)

عُقد هذا المؤتمر في مسجد "شركس" بالقاهرة، وحضره جمع من علماء المساجد، وتولى تنظيمه والإشراف عليه: الشيخ أحمد حسن الباقوري وزير الأوقاف آنذاك، والشيخ البهي الخولي مدير المساجد، والشيخ محمد الغزالي السقا وكيل أول المساجد بالوزارة، والشيخ سيد سابق، والشيخ جاد المولى سليمان مفتش المساجد الأول.

تحدث في المؤتمر الشيخ محمد الغزالي، فقال:

"يجب علينا أن نناصر الحق ممثلاً في رجال الثورة، وأن نعمل على تطهير المجتمع من الغش الديني الذي يُستخدم لإغراء الشباب بمبادئ لا يقرها الدين، وأكد أن الإسلام يرفض العدوان وقتل الغيلة؛ لأن الإسلام دين البصيرة والمعرفة والعدالة الاجتماعية ورعاية الصالح العام".

وتحدث الشيخ الباقوري وزير الأوقاف فقال:

"إننا لا نخشى على ديننا من خصومه السافرين، ولكن الخطر كل الخطر في هذه المعتقدات والمذاهب التي تستند إلى الدين وتعيش عليها طوائف وجماعات من المسلمين، وهي مذاهب ومعتقدات تتناول من الكتاب والسنة ما يسند رأيها ويقوِّي مذهبها، غير ناظرة إلى ما وراء ذلك من أدلة وأحكام".

ثم قال:

"يجب على الأئمة والدعاة أن يبلغوا الناس ما أنزل إلى الرسول من ربه، وأن لا يطلب إليهم أن يكونوا دعاةَ سياسةٍ، يتحدثون عن المعاهدة ومزاياها، فإن هذه أمور يختلف فيها الناس، ونحن لا نحب أن يكون رجال الدين في هذا الموقف، وأمامهم ميدان النصح والإرشاد رحبٌ فسيحٌ في تصحيح العقيدة في أذهان الناس".

جمال عبد الناصر يستقبل مظاهرة من علماء المساجد

قصد إلى دار رياسة مجلس الوزراء صباح يوم 9 نوفمبر 1954م جميع أعضاء المؤتمر الذي عقده أئمة المساجد في جميع أنحاء البلاد أمس؛ لإعلان تأييدهم لبطل الجلاء الرئيس جمال عبد الناصر، وتهنئته بالنجاة من مؤامرة الخونة الرجعيين.

وخرج السيد الرئيس إلى السادة أئمة المساجد ومعه القائمقام أنور السادات وزير الدولة وفضيلة الأستاذ أحمد حسن الباقوري وزير الأوقاف، وتعاقب كثير من الخطباء فألقَوا كلمات وطنيةً جامعةً، عبَّروا فيها عن إيمان علماء المساجد بالثورة وما حققته للبلاد من عزة وكرامة، وهنأوا المسلمين ومصر بنجاة محررها ومنقذها جمال عبد الناصر

وبعد أن انتهى الخطباء من كلماتهم تُليت عدة قرارات:

أولاً: التأييد التام لاتفاقية الجلاء التي تُحقق للبلاد العزة والكرامة، وتُمهِّد السبيل لمستقبل عظيم مجيد.
ثانيًا: تهنئة الرئيس جمال لنجاته من حادث الاعتداء الأثيم.
ثالثًا: العمل على تأييد ما نالته البلاد من مُثُل عليا على أيدي رجال الثورة الأبرار.

كلمة الرئيس جمال عبد الناصر

إخواني الأئمة:

أحييكم وأشكركم على هذه الروح العالية، وإنني إذ أنظر إليكم الآن أستبشر بالمستقبل، وأشعر في نفس الوقت أن الإسلام في أمان، ولن يكون الإسلام نهبًا للخداع، لقد كنت أسأل نفسي دائمًا يا إخواني هل نترك النهب والخداع والضلال تساير الإسلام كيف شاءت؟! وكنت أسأل وأسأل هل هذا في صالح الدعوة الإسلامية، وكنت أشعر في الوقت نفسه بأن الإسلام يَطلب من أهل الرأي وأهل العلم أن يعلموا ويعملوا.. ليسيروا بهذه الدعوة في طريق الحق، وينقذوها من نهَّازي الفرص المخادعين المضللين.

وهذه هي رسالتكم أمام الله وأمام الوطن، ولن نترك الإسلام أبدًا لنهَّازي الفرص، وأنتم تحملون أمام الله هذه الرسالة.. رسالة نشر الوعي وإنقاذ الدين من هذا الخداع وهذا التضليل.

هذه رسالتكم في المدن والقرى وفي كل مكان.. أن تنقذوا الدين من هؤلاء الذين يوجهونه نحو الشر، معتقدين أنهم يضللون باسم الحق. هذه رسالتكم وهذا هو واجبكم؛ فالوطن يعتمد عليكم في تعريف أبنائه بالدين الصحيح والإسلام الحق، والله يوفقكم".

وجاء الجزاء سريعًا.. أيها العلماء

كما دُبرت المؤامرة للإخوان في أكتوبر 1954م دبِّرت مؤامرة وفضيحة للعلماء بعد أقل من ستة أشهر، وكانت الفضيحة هذه المرة مدويةً.. فالتُّهَم فيها أخلاقية، وتبارت الصحف الحكومية وكتَّابها المرتزقة في التشفي من العلماء والسخرية منهم، وصارت حكاية "سيف والفيل" القضاة الشرعيين على كل لسان، وكانت حجةً سافلةً لجأت إليها الحكومة الظالمة لإلغاء المحاكم الشرعية وإرهاب العلماء.

أما وزير الأوقاف الشيخ الباقوري فانتظروا عليه سنوات حتى إذا فرغوا منه، لفَّقوا له فضيحةً مدويةً، وسلطوا عليه صحفهم الفاجرة، وعزلوه من منصبه، بل وحبسوه في منزله خمس سنوات كاملة.

أما الشيخ الفاضل محمد الغزالي فقد سلطوا عليه سليط اللسان "صلاح جاهين" يصوره برسومه الهابطة كما يحلو له خياله المريض، مرةً وهو يركب حمارًا بالمقلوب وسماه "أبو زيد الغزالي سلامة"، ومرةً وعمامته ساقطة على الأرض بفعل قانون الجاذبية الذي اكتشفه الكفار.. وهكذا. فهل يعتبر العلماء..؟!

إسفاف الكتاب والصحفيين في تناول قضايا الإخوان المسلمين

كان موقف مجموعة من الكتاب والصحفيين بالنسبة لقضية حادث المنشية بالغًا الغاية في الإسفاف، فقبل أن تبدأ محاكمة المتهمين، وقبل أن تعقد المحكمة العجيبة "محكمة الشعب" أولى جلساتها، انهالت مقالات السادة الكتاب والأدباء والصحفيين بالهجوم المقذع على الإخوان المسلمين فكرًا وتاريخًا وأهدافًا وقادةً وجنودًا، بحيث لا يجد القارئ في هذه المقالات حسنة واحدة للإخوان المسلمين طوال تاريخهم الطويل.

بل العجيب أن يصدر هؤلاء الكتاب والأدباء أحكامًا مسبقة بالإدانة للإخوان، وإثبات التهم الموجهة إليهم. بل والأعجب أن تصدر عليهم الأحكام بالخروج من الإسلام، والانتساب إلى طوائف الباطنية المنحرفة وفرق الحشاشين.

ونعرض هنا نموذجًا من مقالات الإسفاف صاحبها الصحفي الكبير محمد التابعي:

(الإمبراطور.. دنجوان الصحافة المصرية الذي عاش حياته بالطول والعرض، والذي جاب العالم كله وذاق طعم نساء الدنيا على مختلف أشكالهن، وعبَّ من خمورها على مختلف أنواعها، كما يقول تلميذه وحبيبه مصطفى أمين، ومع ذلك فهو يلبس عمامة الفقيه وعباءة القاضي ويتحدث عن الإخوان وخروجهم عن الإسلام)

كتب التابعي مقالاً بعنوان "حسن" قال فيه:

"قرأت لأديب معروف مقالاً قيمًا عن جماعة: (الحشاشين)، وهذا هو الاسم الذي عرفت به في التاريخ.. ولكنها جماعة دينية أو هكذا كانت تزعم.. وكانت تتوسل بالاغتيال والقتل إلى تحقيق مآربها.. وكانت تستعين (بالحشيش) على تهيئة أعضائها المكلفين بالقتل وجعلهم آلات صماء لا إرادة لها، ومن هنا أطلق التاريخ على الجماعة اسم (الحشاشين).

ومن عجب أن الذين توالوا على رئاسة أو زعامة هذه الجماعة كان كل منهم اسمه حسن: حسن بن الصباح ثم حسن بن محمد.. ومن بعدهما الحسن جلال الدين. وجماعة الإخوان تستعين بالاغتيال على تحقيق مآربها السياسية، وكانت الجماعة الأولى - جماعة الحشاشين- تخدر أعصاب آلاتها بالحشيش.. أما الجماعة الأخرى - الإخوان - فكانت تخدرهم بالدين، وتبشرهم بدخول الجنة من غير حساب.

وأخيرًا.. حتى تتم المقارنة ويكتمل التشابه:

لقد تولى منصب المرشد العام في جماعة الإخوان .. تولاه حسنان! (حسن) البنا و(حسن) الهضيبي!".

والغريب أنَّ هؤلاء الكتاب والصحفيين قد سبق لهم كتابة المقالات الحارة فى الإعجاب بالإخوان المسلمين، ورثاء مرشدهم الراشد الإمام المؤسس حسن البنا، ولكن يبدو أن تبدل العهود غير النفوس وتغير الأحوال يغير الرجال، وكما يقول الحكماء (لكل مقام مقال مدفوع الأجر في الحال).

ونعود سنوات إلى الوراء (فبراير 1952)، ونقلب صفحات (مجلة الدعوة - عدد 52) ونقرأ فيها تلك الكلمة الرائعة للأستاذ محمد التابعي (صاحب المقال السابق)

يقول فيها:

"لقد تفضل المغفور له الأستاذ حسن البنا المرشد العام بزيارتي مرة في مكتبي بمجلة آخر ساعة في عام 1946م، ولم اكن موجودًا وقتها، ثم التقيت به مصادفة مرتين في عام 1948 بمكتب صديقي مصطفى أمين في أخبار اليوم، والذي وقع في نفسي أنه - رحمه الله - كان ذا شخصية قوية، سليم المنطق، قوي الحجة، وما من شكٍ أنَّ المرحوم الأستاذ حسن البنا قد ترك أثرًا عميقًا في تاريخ مصر الحديث، وأنه سيأخذ مكانه إلى جانب قادة الجماهير من أمثال مصطفى كامل وسعد زغلول".