سـيد قطـب.. دعوة للإصلاح
بقلم : عبد اللـه العقيل
محتويات
مقدمة
ولد صاحب (الظلال) سيد قطب إبراهيم في قرية (موشه)، التابعة لمحافظة أسيوط في صعيد مصر عام 1324هـ الموافق 9-10-1906م، ودخل المدرسة الابتدائية في القرية عام 1912م، حيث تخرج فيها عام 1918م، ثم انقطع عن الدراسة لمدة عامين بسبب ثورة 1919م.
وفي عام 1920م سافر إلى القاهرة للدراسة، حيث التحق بمدرسة المعلمين الأولية عام 1922م، ثم التحق بمدرسة (تجهيزية دار العلوم عام 1925م)، وبعدها التحق بكلية دار العلوم عام 1929م، حيث تخرج فيها عام 1933م ـ 1352هـ، حاملاً شهادة الليسانس في الآداب.
عين بعد تخرجه مدرساً في وزارة المعارف بمدرسة الداودية، ثم انتقل إلى مدرسة دمياط عام 1935م، ثم إلى حلوان عام 1936م، وفي عام 1940م نقل إلى وزارة المعارف، ثم مفتشاً في التعليم الابتدائي، ثم عاد إلى الإدارة العامة للثقافة بالوزارة عام 1945م، وفي هذه العام ألف أول كتاب إسلامي وهو "التصوير الفني في القرآن"، وابتعد عن مدرسة العقاد الأدبية.
وفي عام 1368هـ ـ 1948م، أوفدته وزارة المعارف إلى أمريكا للاطلاع على مناهج التعليم ونظمه وبقي فيها حوالي السنتين، حيث عاد إلى مصر في 20-8-1950م ـ 1370هـ وعين في مكتب وزير المعارف بوظيفة مراقب مساعد للبحوث الفنية واستمر حتى 18-10-1952م حيث قدم استقالته.
دعوته للإصلاح
عمل سيد قطب في الصحافة منذ شبابه ونشر مئات المقالات في الصحف والمجلات المصرية كالأهرام والرسالة والثقافة، وأصدر مجلتي "العالم العربي" و"الفكر الجديد" ثم ترأس جريدة "الإخوان المسلمون" الأسبوعية عام 1373هـ ـ 1953 وهي السنة التي انتسب فيها إلى الإخوان المسلمين رسمياً، وكان قبل ذلك قريباً من الإخوان متعاوناً معهم، وقد حارب في مقالاته مظاهر الفساد والانحراف في حياة مصر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهاجم المسؤولين عن ذلك الفساد، ودعا إلى الإصلاح على أساس الإسلام، فكان ـ بهذا وغيره ـ رجلاً اجتماعياً ذا حضور دائم في حياة مصر الثقافية والاجتماعية والسياسية والإصلاحية، وكان يعد الإنجليز وعملاءهم وأعوانهم من رجال القصر والحكومات المتعاقبة ورجال الأحزاب والإقطاع وكبار التجار السبب في تخلف مصر.
وصل سيد قطب في النقد والأدب إلى القمة، وبشَّر بنظرية نقدية جديدة في النقد الأدبي، أطلق عليها "نظرية الصور والظلال" كما دعا إلى "المنهج المتكامل في النقد الأدبي" وذلك بالجمع بين المنهج الفني والمنهج التاريخي والمنهج اللغوي والمنهج النفسي.
وفي عام 1367هـ ـ 1947م اتجه سيد قطب إلى الإسلام، وغدا مصلحاً إسلامياً ثم صار أحد أبرز رواد الفكر الإسلامي المعاصر، ودعا إلى بعث إسلامي طليعي، وإلى استئناف الحياة على أساس الإسلام، ولهذا فسر القرآن الكريم تفسيراً جديداً في كتابه الضخم "في ظلال القرآن" وكان فيه صاحب مدرسة جديدة في التفسير، هي (مدرسة التفسير الحركي) لما أضافه من معان وأفكار حركية وتربوية على تفسيره.
دعا سيد قطب إلى العزلة الشعورية المتعلقة بإحساس المسلم ومشاعره ـ لا العزلة المادية الحسية المتعلقة بالأعضاء والجوارح ـ في حدود ما أحل الله من حلال وما حرّم من حرام، وكان يرى أن هذه العزلة الشعورية تنشأ تلقائياً في حسِّ المسلم الملتزم تجاه من لا يلتزمون بأوامر الإسلام.
لم يصدر سيد قطب أحكاماً شرعية على الناس، ولم يقل بتكفير الناس، ولذلك نجده يؤكد ذلك بقوله: "إن مهمتنا ليست إصدار الأحكام على الناس، ولكن مهمتنا تعريفهم بحقيقة ـ لا إله إلا الله ـ لأن الناس لايعرفون مقتضاها الحقيقي وهو التحاكم إلى شريعة الله".
كانت عقيدة سيد قطب عقيدة السلف الصالح، وفكره فكر سلفي خال من الشوائب، تركز حول موضوع التوحيد الخالص، وبيان المعنى الحقيقي لـ "لا إله إلا الله"، وبيان المواصفات الحقيقية للإيمان، كما وردت في الكتاب والسنة، كما ركز في كتاباته حول مسألة الحاكمية والولاء ليكون خالصاً لوجه الله تعالى وحده.
واجه سيد قطب الجاهلية المعاصرة فيما كتب، وأظهر حقيقتها وبيَّن أنها ليست حالة فردية، بل يتحرك أفرادها ككائن عضوي بعضهم أولياء بعض، وطالب المجتمع المسلم بأن يواجه هذه الجاهلية بذات الخصائص ولكن بدرجة أقوى وأعمق، حتى لاتقع الفتنة بظهور الفساد في البر والبحر.
عرّف سيد قطب المجتمع الجاهلي بأنه: "كل مجتمع لايخلص عبوديته لله وحده، متمثلة هذه العبودية في التصور الاعتقادي وفي الشعائر التقليدية وفي الشرائع القانونية".
ألف الشهيد سيد قطب عدداً كبيراً من المؤلفات غلبت عليها الوجهة الأدبية من نقد وأدب وشعر وقصص في بداية حياته العلمية، ثم تحول بشكل جذري إلى العطاء الفكري الإسلامي، وهذا التطور يمثل التحّول العميق في حياته المستمرة وسيرته العطرة، وكان لمحاضراته الإسلامية في بلاد الشام حين حضوره المؤتمر الإسلامي للقدس، أكبر الأثر في نفوس الجماهير وبخاصة شباب الجامعات، الذين هللوا لهذا التوجه الإسلامي عند الأديب الكبير.
أهــم مؤلفاتــه
ومن أهم مؤلفاته: في ظلال القرآن ، هذا الدين، المستقبل لهذا الدين، خصائص التصور الإسلامي، معالم في الطريق، التصوير الفني في القرآن، مشاهد القيامة في القرآن، الإسلام ومشكلات الحضارة، العدالة الاجتماعية في الإسلام، السلام العالمي والإسلام، كتب وشخصيات، أشواك، النقد الأدبي أصوله ومناهجه، نحو مجتمع إسلامي، طفل من القرية، الأطياف الأربعة، مهمة الشاعر في الحياة، معركة الإسلام والرأسمالية، تفسير آيات الربا، تفسير سورة الشورى، دراسات إسلامية، نحو مجتمع إسلامي، معركتنا مع اليهود، في التاريخ فكرة ومنهاج، لماذا أعدموني؟، وقد أصدرت مجلة "عالم الكتب" التي تصدر بالمملكة العربية السعودية فهرساً جيداً لمؤلفاته ومقالاته.
وقد كتب بعض هذه الكتب قبل أن يتوجه التوجه الإسلامي الملتزم الذي لقي الله عليه، ولكنها على كل حال تمثل مرحلة من مراحل حياته.
لقد سعدت بمعرفته أوائل الخمسينيات، بعد عودته من أمريكا، حيث زرته مع مجموعة من الإخوة الزملاء في بيته في حلوان، وكنا قبل لقائه قد قرأنا كتابه "العدالة الاجتماعية في الإسلام" ودارت أحاديث معه حول توجهه الإسلامي، وكانت الندوات في بيته تضم مجموعة من الإخوة السودانيين والسوريين والعراقيين، والأردنيين والإخوة من البحرين ودول الخليج والجزيرة بالإضافة للإخوة المصريين، وكان التركيز على ضرورة قيام الطليعة المؤمنة بدورها في تغيير المجتمع، بعد أن تكون قد تربت على منهج الإسلام، وصاغت نفسها وفق تعاليم القرآن الكريم، الذي صاغ من قبل الجيل القرآني الفريد، فكانوا نماذج صادقة عن الإسلام، قولاً وعملاً واعتقاداً وسلوكاً.
وكان يروي كيف أنه لاحظ الفرحة التي عمت الولايات المتحدة حين سماعهم بمقتل الإمام البنا، حيث خرجوا يرقصون ويغنون ويتبادلون التهاني .
وحين تساءل عن الأمر قيل له: إن أخطر عدو للغرب وأمريكا قد قتل بمصر وهو حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين.
واستغرب سيد قطب أن يكون هذا شأن البنا وهو لم يعرفه حين كان بمصر.
فقرر أنه إذا عاد إلى مصر فسيبادر للاتصال بجماعة الإخوان المسلمين التي أسسها حسن البنا، ويتعاون معها، وقد كان ذلك والحمد لله.
لقد كان الأخ عيسى آل خليفة وإخوانه من البحرين، والأخ محمد مدني وإخوانه من السودان يكثرون من زيارة سيد قطب بحكم أنهم يسكنون في حلوان، أما نحن فكنا نزوره بين الفينة والأخرى، ولكنا كنا نحرص على قراءة كتبه الأخيرة ذات التوجه الإسلامي، وحين كنت طالباً في الثانوية لم أكن أميل إلى سيد قطب بحكم أنه من مدرسة العقاد، بل أميل إلى مدرسة الرافعي وتلامذته سعيد العريان، وعلى الطنطاوي، ومحمود محمد شاكر وغيرهم، وبعد وصولي لمصر وقراءاتي لكتاباته في مجلة "الفكر الجديد" ومقالاته عن حسن البنا وعن الإخوان المسلمين في مجلة "الدعوة"، وحضوري لندواته في بيته، ومحاضرته الرائعة في جمعية الشبان المسلمين ضد فرنسا، ومطالبته بخلع الألقاب والشهادات الفرنسية، انتصاراً لإخواننا في شمال إفريقيا، وكذا مقالاته عن مواكب الفارغات، كل هذه الأشياء قربتني كثيراً منه وصارت له مكانة عظيمة في نفسي، فصرت أقبل على كل ما يكتب من مقالات أو يصدر من كتب، وأقرأها بنهم وشغف، حتى إذا التحق بالإخوان المسلمين وتولى الجوانب الثقافية والدعوية ورئاسة تحرير جريدة "الإخوان المسلمين" فقد أصبحت الصلة به أقوى وأوثق وأعمق.
يقول الشهيد سيد قطب: "الإسلام الذي يريده الأمريكان وحلفاؤهم في الشرق الأوسط، ليس هو الإسلام الذي يقاوم الاستعمار، وليس هو الإسلام الذي يقاوم الطغيان، ولكنه الإسلام الذي يقاوم الشيوعية، إنهم لايريدون للإسلام أن يحكم.
إنهم يريدون إسلاماً أمريكانياً، إنهم يريدون الإسلام الذي يُستفتى في نواقض الوضوء، ولكنه لا يُستفتى في أوضاع المسلمين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية، إنها لمهزلة بل إنها لمأساة.
إن هذا المجتمع لايقوم حتى تنشأ جماعة من الناس تقرر أن عبوديتها الكاملة لله وحده، وأنها لاتدين بالعبودية لغير الله، ثم تأخذ بالفعل في تنظيم حياتها كلها، على أساس هذه العبودية الخالصة".
الخلاف مع الثــورة
اختلف سيد قطب مع رجال الثورة المصرية بعد أن انقلب عبد الناصر على الرئيس محمد نجيب وتفرَّد بالسلطة وأقام الحكم الدكتاتوري بدل النظام الشوري وتعدى على رجال القانون والدعاة وأساتذة الفكر والعلماء، فاعتقل سيد قطب لأول مرة مطلع عام 1954م وبقي لمدة شهرين في المعتقل مع قيادات الإخوان المسلمين، ثم اعتقل مرة أخرى بعد مسرحية حادث المنشية التي اتهم عبد الناصر فيها الإخوان بمحاولة اغتياله يوم 26-10-1954م، حيث قُدِّم سيد قطب للمحاكمة يوم 22-11-1954م وكانت المحكمة برئاسة جمال سالم وعضوية أنور السادات وحسين الشافعي، وحكمت عليه المحكمة بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً، ثم توسط الرئيس العراقي عبدالسلام عارف فأفرج عنه بعفو صحي عام 1964م.
وفي عام 1965م أعلن عبد الناصر من موسكو وكان في زيارتها عن اكتشاف مؤامرة دبرها الإخوان المسلمون بقيادة سيد قطب لاغتياله وقلب نظام الحكم!! فاعتقل سيد قطب للمرة الثالثة يوم 9-8-1965م وبدأ التحقيق معه في السجن الحربي في 19-12-1965م واستمر ثلاثة أيام، حيث بدأت محاكمته أمام محكمة يرأسها فؤاد الدجوي يوم 12-4-1966م وأصدرت المحكمة حكم الإعدام على سيد قطب يوم 21-8-1966م.
وقد وصلت برقيات عديدة من أنحاء العالم العربي والإسلامي تطالب عبد الناصر بعدم تنفيذ حكم الإعدام في سيد قطب.
وكان الملك الشهيد فيصل بن عبدالعزيز آل سعود قد أرسل برقية لعبد الناصر وصلت يوم 28-8-1966م يرجوه فيها عدم إعدام سيد قطب، وأوصل سامي شرف البرقية لعبد الناصر في ذلك المساء فقال عبد الناصر لسامي شرف: أعدموه في الفجر بكره، واعرض علي البرقية بعد الإعدام.. ثم أرسل عبد الناصر برقية اعتذار للملك فيصل بأن البرقية وصلت بعد تنفيذ الإعدام!.
وكان تنفيذ الحكم قد تم قبل بزوغ فجر يوم الإثنين 13- 5- 1386هـ 29- 8- 1966م.
المودوي يوم الإعدام
روى الشيخ خليل أحمد الحامدي سكرتير الشيخ المودودي قائلاً: غداة تنفيذ حكم الإعدام بالشهيد سيد قطب، دخلنا على المودودي في غرفته، وكانت الصحافة الباكستانية قد أبرزت الخبر على صفحاتها الأولى وقصّ علينا أمير الجماعة المودودي هذه القصة فقال: "فجأة أحسست باختناق حقيقي.. ولم أدرك لذلك سبباً.. فلما عرفت وقت إعدام الشهيد سيد قطب في الصحف أدركت أن لحظة اختناقي هي نفس اللحظة التي شنق فيها سيد قطب".
ويضيف الشيخ خليل الحامدي فيقول: وفي عام 1966م بمكة المكرمة وفي فندق شبرا، دخل شاب عربي مسلم على الأستاذ المودودي وقدم له كتاب "معالم في الطريق" لمؤلفه سيد قطب وقرأه الأستاذ المودودي في ليلة واحدة، وفي الصباح قال: "كأني أنا الذي ألفت هذا الكتاب وأبدى دهشته من التقارب الفكري بينه وبين سيد قطب، ثم استدرك يقول: "لا عجب فمصدر أفكاره وأفكاري واحد وهو كتاب الله وسنة رسوله ص".
يقول الشهيد سيد قطب: "إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة، يأبى أن يكتب كلمة واحدة يقرّ بها لحاكم طاغية، فإن كنت مسجوناً بحق فأرتضي حكم الحق، وإن كنت مسجوناً بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل".
ويقول الدكتور أحمد عبدالحميد غراب: "لاندَّعي العصمة للشهيد سيد قطب ولا لغيره من العلماء والدعاة المسلمين، فكل يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم ص، ونحن لانقدس الشهيد، ولكن نقدِّره ونوفيه حقه ولانتجنى عليه ولانطعن فيه، وما أضيع أمة لاتعرف حق علمائها العاملين وشهدائها المجاهدين وهم الذين قال الله فيهم : }والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم{ ".
لقد كان إعدام الشهيد سيد قطب حدثاً أليماً، هز العالم العربي والإسلامي، وأثار العلماء والدعاة وجماهير المسلمين، ولكنه في الوقت نفسه أثلج صدور اليهود والصليبيين والملاحدة والشيوعيين أعداء الإسلام.
ولقد استنكر المسلمون هذه الجريمة الشنعاء، وأقيمت صلاة الغائب عليه في المشرق والمغرب، وأصدر الكثير من الصحف الإسلامية بالعربية وغيرها أعداداً خاصة عن الشهيد سيد قطب وإخوانه وتوقع الكثيرون من العلماء والدعاة أن تصيب المجرمين قارعة فلم تمض سوى شهور حتى حصلت نكبة عام 1967م حيث هزم عبد الناصر شر هزيمة وكتب علال الفاسي الزعيم المغربي وخطب قائلاً: "ما كان الله لينصر حرباً يقودها قاتل سيد قطب".
يقول الشاعر أحمد محمد الصديق:
أقبلت نحو الله تدعو للهدى والناس في لهو وفي إدبار
يتهافتون على السفاسف بينما ترنو إليهم مشفق الأنظار
وتجرَّد القلم الذكي مذكِّراً بالله ترفض غير حكم الباري
حتى نسجْت من الحقائق راية خفاقة في عالم الأفكار
وأنرت للأجيال خير "معالم" تجلو سبيل الحق للأبرار
وجعلت وارفة "الظلال" معارجاً نحو الخلود ومرتقى الأطهار
لقد ظن الطغاة أنهم إذا قتلوا الدعاة قضوا على الإسلام، ولكن شاء الله غير ذلك، فلقد انتشرت مؤلفات سيد قطب في جميع أنحاء العالم، وطبعت أكثر من خمس وعشرين طبعة لمعظم كتبه، كما ترجمت إلى لغات كثيرة، ولم يبق مكان في العالم إلاّ وعرف الشهيد سيد قطب وأفكاره، ولماذا أعدم؟ ومن وراء إعدامه؟ ولمصلحة من أعدم؟
لقد انطلق الكتاب والمؤلفون والشعراء والنقّاد في تعريف فكر سيد قطب والحديث عن ترجمته وسيرته، وصدرت مئات المؤلفات، وكتبت عشرات الدراسات، وقدمت عشرات الرسائل الجامعية والبحوث الأكاديمية عنه وعن فكره ومؤلفاته بمختلف اللغات، وصارت دور النشر تتنافس في طباعة كتبه، وكان كتاب (ظلال القرآن) أروج كتاب في جميع معارض الكتب وأقبل الناس والشباب المسلم ينهلون من هذا المورد العذب والماء الزلال.
ولعل الأخ الكريم الدكتور صلاح عبدالفتاح الخالدي من أكثر تلامذة سيد قطب الذين عنوا بالكتابة عنه وعن تراثه الفكري، وقد استفدت منه كثيراً فيما كتبت .
ولقد اطلعت قبل ربع قرن على دراسة للباحث السعودي الأستاذ إبراهيم بن عبدالرحمن البليهي بعنوان "سيد قطب وتراثه الأدبي والفكري" كتب عنها في مجلة المجتمع في وقتها.
كما أن الإخوة الأساتذة: يوسف العظم وعبدالله عزام، ومحمد علي قطب، وأحمد عبدالغفور عطار، وأبو الحسن الندوي، ومحمد الحسني، وأحمد حسن فرحات، وأحمد فائز، وسالم البهنساوي وغيرهم، قد أسهموا إسهاماً جيداً في التعريف بتراث الشهيد سيد قطب، وهذا بعض حقه علينا.
مواقف الإنصــاف
ولن ننسى مواقف الإنصاف التي وقفها المشايخ عبدالعزيز بن باز، وعبدالله الجبرين، وبكر أبوزيد، وعبدالرحمن الدوسري وغيرهم جزى الله الجميع كل خير.
يقول سيد قطب: "إن دعوة الإخوان المسلمين، دعوة مجرَّدة من التعصب، وإن الذين يقاومونها هم المتعصبون، أو هم الجهلاء الذين لايعرفون ماذا يقولون"، ويقول: "الحقيقة الكبرى لحسن البنا هي البناء وإحسان البناء بل عبقرية البناء. لقد عرفت العقيدة الإسلامية كثيراً من الدعاة، ولكن الدعاية غير البناء، وما كل داعية يملك أن يكون بناء، وما كل بنّاء يوهب هذه العبقرية الضخمة في البناء.
هذا البناء الضخم (الإخوان المسلمون) إنه مظهر هذه العبقرية الضخمة في بناء الجماعات، ويمضي حسن البنا إلى جوار ربه، وقد استكمل البناء أسسه، يمضي فيكون استشهاده على النحو الذي أريد له، عملية جديدة من عمليات البناء، عملية تعميق للأساس، وتقوية للجدران، وما كانت ألف خطبة وخطبة ولا ألف رسالة للفقيد الشهيد لتلهب الدعوة في نفوس الإخوان، كما ألهبتها قطرات الـدم الزكي المهراق. "إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع، حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة".
رحم الله أستاذنا الشهيد سيد قطب، وحشرنا الله وإياه مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المصدر
- مقال:سيد قطب.. دعوة للإصلاحموقع:الشبكة الدعوية