سر الصفعتين

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
ســـر الصــفعـــتين


القاضي محمود رضا الخضيري

نائب رئيس محكمة النقض ورئيس نادي القضاة بالإسكندرية


لا حديث بين القضاة والمهتمين بالشأن القضائي هذه الأيام سوى عن سر الصفعتين اللتين تلقاهما ممدوح مرعي وزير العدل من مؤسسة الرئاسة في يومين متتاليين ، الصفعة الأولى خاصة بعلاج الزميل القاضي بمجلس الدولة والمعاملة غير الإنسانية التي تعامل بها ممدوح مرعي مع الحكم الصادر له بالعلاج على نفقة صندوق الرعاية الصحية والاجتماعية لرجال القضاء والذي تتكون أمواله من الاشتراكات التي يدفعها القضاة من مرتباتهم وجزء من الرسوم القضائية وما تساهم به الدولة ورفضه تنفيذ هذا الحكم والتعامل معه معاملة لا تليق بأي رجل قانون يحترم نفسه فضلاً عن وزير للعدل والصفعة الثانية خاصة بالقاضي الشاب الذي أحاله وزير العدل إلى لجنة الصلاحية بحجة إهانة رئيس الجمهورية بمحاولة رفع صورته من حجرة المداولة التي كان يجلس فيها أحد زملائه الذي أبلغ عنه رئيس محكمة دمياط ظناً منه أنه بذلك يقوم بعمل بطولي ومسارعة رئيس المحكمة إلى إبلاغ التفتيش القضائي ومسارعة رئيس قسم الشكاوي إلى الانتقال إلى محكمة دمياط لتحقيق الواقعة وكتابة مذكرة بإحالة القاضي حمدي وفيق إلى لجنة الصلاحية بتهمة إهانة رئيس الجمهورية .

هاتان الواقعتان المتلاحقتان سارعت مؤسسة الرئاسة إلى التدخل لمحاولة تلافي الآثار الوخيمة التي يمكن أن تحدث من جراء تفاقمهما ، وصدر قرار من رئيس الجمهورية بعلاج القاضي على نفقة الدولة بعد أن طلب مجلس الدولة من الرئيس التدخل في هذا الأمر نظراً لإصرار وزير العدل على عدم الانصياع للقانون.

كما سارعت مؤسسة الرئاسة إلى أمر وزير العدل بالعدول عن قراره بإحالة القاضي الشاب إلى المحاكمة التأديبية وهو ما وضع وزير العدل في موقف لا يحسد عليه وجعل البعض يتساءل عن السر في ذلك ، وهل معنى هذا أن مؤسسة الرئاسة قد تخلت عن وزيرها الذي تظن أنه قوي والذي اختارته عن عمد من بين عدة مرشحين ظناً منها أنه هو القادر على تأديب القضاة لما حدث منهم في الفترة السابقة وسبب للحكومة الكثير من الإزعاج ، أم أن الظروف الداخلية التي تمر بها البلاد وحالة الاحتقان الشديدة في الشارع المصري والتعديلات الدستورية التي يراد لها أن تمر لا تسمح بوجود احتقان بين القضاة والحكومة وعندما تنتهي هذه الظروف سيعود وزير العدل إلى سيرته السابقة في التحرش بالقضاة ومساعدة الحكومة له على ذلك ، أم أن هناك أمراً آخر لا يمكن التكهن به يكمن وراء هذه التصرفات ، والحقيقة أني أعتقد - و هذا رأي شخصي لي لا أعبر فيه عن رأي أحد سواء من القضاة أو من غيرهم – أن تفسير تصرف مؤسسة الرئاسة الباعث فيها يختلف في أحدهما عن الآخر ، فأما فيما يتعلق بتصرف الوزير وتصرف مؤسسة الرئاسة في موضوع القاضي الذي يحتاج إلى العلاج فإن وزير العدل لديه تعليمات وجاء خصيصاً لقمع القضاة وإسكات صوتهم وهو قد تصرف في هذا الأمر من هذا المنطلق فهو إذن كان ينفذ تعليمات صدرت له في هذا الشأن ليست خاصة بهذا الموضوع بالذات ولا كنها خاصة بقمع القضاة ومضايقتهم والتقتير عليهم ، إلا أنه نظراً لأن تصرف الوزير كان غير معقول ولا مقبول من أي إنسان ونظراً لاستغاثة زملائنا في مجلس الدولة بالسيد رئيس الجمهورية للتدخل في الموضوع وقد أصبح الوضع لا يمكن السكوت عليه وصارت الدولة بجميع أجهزتها بما فيها مؤسسة الرئاسة في حرج شديد فقد سارع السيد الرئيس بالاستجابة للمناشدة حتى تبدو صورته حسنة أمام الجميع بأنه لا يرضى عن هذه التصرفات حتى وإن كان في هذا إحراج للوزير إذ أن هذا أمر لا تعمل له مؤسسة الرئاسة أي حساب لأنه رجلها تستطيع أن تفعل به ما تشاء ، وهذا يذكرني بالسياسة الإنجليزية إبان الاحتلال الإنجليزي لمصر حيث كان الضابط الإنجليزي يأمر جنوده بالعبث بأقوات وحريات الناس وعندما يذهب الناس للشكوي له يسارع برفع الظلم فيبدو هو في نظر الشعب الرجل العادل الذي لا يقبل الظلم هذا هو تفسيري للأمر الأول - أو أن شئت الدقة - للصفعة الأولى التي تلقاها وزير العدل من مؤسسة الرئاسة وقبل أن يفيق منها تلتها الصفعة الثانية على خده الأيسر بإلغاء قراره بإحالة الزميل القاضي إلى لجنة الصلاحية بحجة إهانة رئيس الجمهورية والحقيقة أن تفسيري لهذه الصفعة يختلف كثيراً عن تفسيري للصفعة الأولى ، في هذه الصفعة كان مرعي يتصرف كأنه يعلم أن تصرفه لابد أن يرضي مؤسسة الرئاسة إذ كيف تغضب من محاولته تأديب قاض تجرأ على رئيس الجمهورية ؟ أليست مؤسسة الرئاسة هي التي طلبت منه تأديب القضاة وإسكات صوتهم ، وهل يمكن أن يكون إسكات الصوت بغير العنف والعنف الشديد الذي يرهب باقي القضاة ويدخلهم الجحور ويخفت صوتهم الذي ارتفع في الآونة الأخيرة ، ظن مرعي أن ذلك سيرضي مؤسسة الرئاسة وأن هذا التصرف هو في حدود الأوامر الصادرة له بتأديب القضاة وإرهابهم ، فتصرف وأحال الزميل القاضي حمدي وفيق إلى لجنة الصلاحية تمهيداً لفصله في واقعة لا تستأهل - في حالة ثبوتها – مجرد توجيه ملاحظة سلوكية .

لم يدرك مرعي أن هذا التصرف يمكن أن ينتج عنه عملية احتقان ، الدولة غير مستعدة لها ، فهو إنسان لا يفكر بعقله بل يفكر بعضلاته ، وتصرف مرعي بغير وضع أي حسابات أو مراعاة أي ظروف ووجدت مؤسسة الرئاسة أن هذا التصرف المتسرع الغير مدروس سيسبب لها في الفترة القادمة متاعب هي في غنى عنها فأمرته بإلغائه فور صدوره ، وهكذا وضع مرعي نفسه في موقف لا يحسد عليه سواء من القضاة الذين كانوا يعملون له حساب ام من الناس الذين تصوروا للحظات أن هذا الوزير هو الذي سينقذ العدالة الضائعة من ضياعها وأن الحقوق ستعود إلى أصحابها على يديه وإذا بها تجد نفسها أمام وزير للعدل لا يعرف من العدل سوى أسمه ، لا يحترم أحكاماً ولا يرعى قانوناً ولا يراعي حتى الظروف الإنسانية التي يراعيها أقل الناس شأنناً .

هذا هو التفسير الذي اقتنع به للصفعتين اللتين تلقاهما وزير العدل من مؤسسة الرئاسة في يومين متتاليين أصابته بلا شك ومعاونيه بالإحباط والحيرة التي ستجعله يفكر كثيراً في الأيام القادمة في تصرفاته وإن كنت أعتقد أنه لن يكف عن تصرفاته غير المدروسة والمتسرعة مع القضاة ونادي القضاة بصفة خاصة في الأيام القادمة ، إنني أتوقع أن يقوم كأي إنسان يفكر بعضلاته بلف الحبل حول عنقه حتى يودي بحياته بيده وأني أحذره من الصفعة القادمة التي ستكون أشد لأنها ستكون على قفاه تعقبها ركلة على مؤخرته تنتهي به إلى خارج كرسي الوزارة بأسرع مما يتوقع وهذه نهاية كل ظالم لا يرعى حق الله ولا يعمل حساباً ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .