زينب الغزالي.. الداعية الأسطورة التي تحدّت الرئيس عبد الناصر
محتويات
مقدمة
زينب الغزالي أو"أم الصابرين" كما يحلو للكثير تسميتها.. امرأة صاحبة قلم أدبي مؤثر وحس مرهف وذاكرة حاضرة لا تموت.. حياتها مليئة بالعبر والتجارب يستخلص منها المحبة والالتزام والتعايش والانتصار وغيرها من المعاني السامية والراقية.. تحدّت الرئيس عبد الناصر ورفضت تلبية دعوة وجهها إليها فكان السجن عقابا لها لكنها صبرت واحتسبت ذلك لله تعالى.
اشترطت على زوجها ألاّ يطلّق زوجتيه وأحسنت إليهما بعد وفاته
حكاية الداعية زينب الغزالي مع زوجها رجل الأعمال كانت عجيبة!.. إنها لم تكن زوجته الأولى ولا حتى الزوجة الثانية بل كانت الزوجة الثالثة! وعندما أراد أن يتزوجها اشترطت عليه ألاّ يطلق أياً من زوجتيه، وأن يقسم حياته بين الثلاثة بالعدل المستطاع، وألا يفضلها على زوجتيه.
حتى إنه بعد أن توفي ظلت ترعى زوجتيه، وتبرهما وتشاركهما الأفراح والأحزان، كما كانت ترعى ابنته الوحيدة الحاجة صفية وتطمئن عليها باستمرار، حتى إنها زوّجت ابن الحاجة صفية إلى إحدى حفيدات شقيقتها "حياة".
وبعد الخروج من السجن وجدت نفسها في أزمة مالية صعبة، فبعد وفاة زوجها لم يكن لها مصدر للإنفاق وفي فترة السجن العصيبة لم تجد شقيقتها "حياة" التي كانت تعيش معها بعد وفاة زوجها مفرا من بيع قطع الأثاث المنزلية واحدة بعد الأخرى، وكل ما يمكن بيعه من أصول المنزل وضرورياته حتى توفر لشقيقتها أعباء الزيارة في السجن من طعام ودواء وغيره، وفي الأسبوع الأخير من وجودها في السجن كانت قد باعت شقيقتها آخر"سجادة" في البيت.
الأدهى والأغرب من ذلك أن شقيقها الأصغر منها "عبد المنعم" وكان في ذلك الوقت يساري الفكر يشفق على الفقراء والمحتاجين ويعيش حياته دفاعاً عن المهمشين وعلى رأسهم الطبقة العمالية ـ استغل توكيلاً عاماً من أخته " زينب " ليوقع عقودا لبيع قطعة الأرض الزراعية التي تملكتها عن زوجها في منطقة " طامية " بمحافظة الفيوم ( 80 كيلومترا جنوب القاهرة ) من المستأجرين لها بقيمة مالية لا تكاد تذكر والسداد على أقساط شهرية لا تقدم ولا تؤخر!. ولم تتمكن من استرجاع حقها الا في سن الثمانين.
أسرتها خلطة سياسية عجيبة

كانت أسرة الداعية الكبيرة عبارة عن "خلطة " سياسية وثقافية عجيبة ومدهشة!.. وكان بعض السياسيين يطلقون عليها أسرة " الحكومة الائتلافية "!! لوجود عدة أطياف سياسية بين الأشقاء والشقيقات..
كان الشقيق الأكبر المهندس " سعد الدين " ـ رحمهم الله جميعا ـ بعيدا عن السياسة, وتوفي متأثرا ومتألما لاعتقال وسجن كبرى شقيقاته زينب.
وكان الشقيق الثاني السيد "على" وكيلاً لوزارة المالية المصرية ومديراً سابقاً للتكية المصرية في السعودية وكانت ميوله السياسية مع " الحزب الوطني " القديم.
وكان الشقيق الثالث لزينب الغزالي هو الشيخ " محمد الحسيني " يجمع بين حبه الكبير للجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة وبين عشقه لدعوة الإخوان المسلمين, فكان يرتدى " زى " الجمعية الشرعية الذي هو " الجلباب والعمامة والعدبة " وبين الالتزام بمنهج الإخوان في الدعوة الشاملة.
وكانت الداعية الكبيرة الحاجة زينب هي الرابعة في ترتيب الأبناء ولها باع طويل في العمل الإسلامي الدعوي والاجتماعي والجهادي ضد الاستبداد والفساد، ومنهجها معروف في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
أما الشقيق الخامس فهو السيد " محمد نصر الدين " الشهير ب " سيف الدين " وكان وفدياً متعصباً حتى النخاع.
والشقيقة السادسة هي السيدة " حكمت " وكانت " ناصرية " الفكر يسارية التوجه، تدافع عن الرئيس جمال عبد الناصر وتؤمن بشعاراته ومبادئه ومنهجه السياسي، وبرغم حزنها على سجن وتعذيب شقيقتها زينب في عهده، إلا أنها كانت مخلصة للفكر ولسياسة عبد الناصر، حتى آخر حياتها.
والشقيق السابع هو الأستاذ " عبد المنعم " الصحفي والكاتب العمالي في جريدة الأهرام، وقد كان في بداية حياته متصوفاً وعندما لم يجد في " الصوفية " ضالته, انضم إلى أحد التنظيمات الشيوعية, وحمل الفكر الذي تصور أنه يدافع عن الفقراء وبمخالطته لشقيقته بدأ الإيمان يستيقظ في قلبه مجدداً، وانتظم في أداء الصلوات الخمس وبقية العبادات وأحسن الله خاتمته، حيث مات في شهر رمضان المبارك.
أما الشقيقة الثامنة والأخيرة فهي السيدة "هانم" الشهيرة ب "حياة" وكانت أقرب إلى شقيقتها " زينب", وعاشت معها بعد وفاة زوجها في الخمسينيات من القرن الماضي, فأحبتها وأكرمتها وخدمتها هي وضيوفها، وكانت " حياة " تشرف على أعمال البيت ورزقها الله بابنة وحيدة هي السيدة " عائشة ", التي رعت خالتها زينب ووالدتها حياة في شيخوختهما.
وكان للأسرة ثلاثة أشقاء من الأب هم: عبد الحكيم وأختان اثنتان, وقبل أن تلقى زينب الغزالي ربها, توفى كل أشقائها وشقيقاتها، وجميعهم كانوا معمرين.
وبرغم هذا التنوع السياسي والاختلاف الفكري والتنافر الثقافي بين الأشقاء والشقيقات، إلا أن الاحترام والتقدير البالغين كانا أساس التعامل بين الجميع.
وكانت الداعية المجاهدة تحظى بتقدير كبير واحترام بالغ ومكانة خاصة داخل الأسرة، نظراً لمكانتها المعروفة، ليس في مصر فقط بل وفي العالمين العربي والإسلامي، ولما تحمله كذلك من فكر وتاريخ ونضال يحظى بالاحترام من الجميع.
كانت أسرة الحاجة زينب الغزاليـ برغم اختلاف الفكر والتيارات السياسية تعيش بأخلاق عالية وتماسك كبير واحترام بالغ وهذه صورة واقعية للذين يتهمون الإسلاميين بالتشدد تجاه الرأي الآخر، عسى أن يدركوا الحقيقة.
نسبها ونشأتها
زينب محمد الغزالي الجبيلي، عربية الأصل، ينتهي نسب والدها من أبيه إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وأمّا نسب أمها فينتهي إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما .
ولدت في شهر جانفي 1917م ، ونشأت بين والدين ملتزمين بالإسلام ، وكان والدها - رحمه الله - من علماء الأزهر الشريف، وكان حريصا على تنشئتها تنشئة إسلامية متكاملة.
تلقت عـلوم الدين على مشايخ من رجال الأزهر الكبار في علوم التفسير والفقه.
وجمعت بين الطريقتين في العلوم: المدرسية الحديثة والتقليدية.
أعمالها وكتاباتها
كانت زينب الغزالي من المؤسسين للمركز العام للسيدات المسلمات سنة 1356هـ الموافق 1936 م، وأدى واجبات كثيرة، فقد اختلف مع كل الأحزاب السياسية؛ لأنه كان يطالب بأن تحكم الشريعة الإسلامية في مصر، وكان يطالب بعودة المسلمين كلهم إلى الكتاب والسنة، وإلى إقامة الخلافة الإسلامية.
وكتبت زينب الغزالي مجموعة من المصنفات من بينها "أيام من حياتي" و"نحو بعث جديد" ، وكتابا آخر اسمه "نظرات في كتاب الله"، ولقد فسرت فيه سورة البقرة، وآل عمران، والنساء وكتب أخرى منها:" أسماء الله الحسنى" و"لغريزة المرأة "
والناظر في كتب الداعية زينب الغزالي يجد فيها امرأة صاحبة قلم أدبي مؤثر، وحس مرهف، وذاكرة حاضرة في كتابها أيام من حياتي، ويجد فيها أيضا امرأة عالمة وفقيهة واعية لعصرها ولما يدور من حولها من أحداث، ويبرز ذلك في كتاب نظرات في كتاب الله.
تقول زينب الغزالي بعد صدور كتابها "نظرات في كتاب الله" : "أنا أحببت القرآن حتى عشته ، فلما عشته أحببت أن أدندن به لمَن أحب، فدندنت بعض دندنة المفسرين، ولا أقول إني مفسرة، ولكني أقول: إنني محبة للقرآن، عاشقة له، والعاشق يدندن لمن يحب، والعاشق يحكي لمن يحب، ويجالس من يحب، ويعانق من يحب، فعانقت القرآن، وتحدثت به وله في جميع الملايين من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، وعشت أدندن به في المساجد لأكثر من ستين عاماً، أي عمر الدعوة التي أسستها في المساجد منذ 1937".
حياتها السياسية
طلبها جمال عبد الناصر يوما لمقابلته فرفضت، فكانت بداية العداوة بينهما؛ لأنها قالت لرسول الرئيس: "أنا لا أصافح يدا تلوثت بدماء الشهيد عبد القادر عودة ".
فدخلت السجن وتعرضت للتعذيب الشديد، ولكنّ هذا لم يردعها عن مطالب حزبها الإسلامي بإعادة مبدأ الشورى في الحكم.
حياتها الدينية
زارت المملكة العربية السعودية 60 مرة، وأدت فريضة الحج 39 مرة، واعتمرت 100 مرة، وزارت الكثير من الدول العربية والإسلامية لنشر الدعوة الإسلامية، ولإلقاء المحاضرات الدينية في الدعوة إلى الله تعالى.
وقد أمضت في حقل الدعوة 53 سنة - أكثر من نصف القرن - التقيت فيه بكل رجال الدعوة الكبار.
وتأثرت بشخصيات كثيرة منهم: حسن البنــَّا، وحسن الهضيبي-رحمهم الله جميعا لزينب الغزالي نظرة وأمل في مستقبل المرأة المسلمة، وبأن القيادة النسائية ستكون للمرأة المسلمة في المستقبل شاء أعداء الإسلام أم أبوا، فإن الذين يتقدمون مسيرة المرأة في العالم تحميهم المراكز الكبرى الحاكمة بغير ما أنزل الله سبحانه وتعالى.
المصدر
- مقال:زينب الغزالي.. الداعية الأسطورة التي تحدّت الرئيس عبد الناصر موقع: جواهر الشروق