زمن التوريط
بقلم : مصطفى إبراهيم
كيف لو أن غالبية الفلسطينيون لم يكونوا مسلمون سنيون؟ وكيف لو أن هناك نسبة كبيرة من الفلسطينيين من ديانات ومذاهب، و أعراق وثقافات مختلفة؟ إذا كنا نحن المسلمون هكذا، غالبية سنية، ويحدث ما يحدث من إنقسام واختلاف تخطى كل القيم الدينية والوطنية والأخلاقية، فمتى سيعترف كل منا بالآخر؟
أصبحنا لا نقيم وزناً للقضية الفلسطينية، وما تتعرض له من مخاطر وتهديدات، وكأننا نتنكر لتاريخنا وتراثنا وهويتنا الوطنية ولدماء الشهداء، وعذابات وألام الأسرى، والمهددون بالإبعاد والتهجير من القدس ، والمحاصرون، والمهدمة بيوتهم ولم نوفي لهم بوعودنا وتعهداتنا بحل أزمتهم.
لم نستطيع احتمال ذواتنا واحترامها، نصاب بالرعب من بعضنا، نحرم على بعضنا قبول الآخر، وأزلنا من قاموسنا لغة الحوار والتسامح، نحرم على أنفسنا حقنا في مقاومة الاحتلال والتعبير عن حقنا في الكلام، واثبات وجودنا، الاجتثاث للآخر الصفة الغالبة بيننا.
نتنكر للشهداء الذين ضحوا بحياتهم من اجل فلسطين وهي أغلى ما يملكون، والذين سقطوا بالأمس، لم يعد سقوط الشهداء هماً وحزناً وأعراساً وطنية تجمعنا وتوحدنا، هل أصبحوا عبئا علينا؟ وهل أصبح استشهادهم للمزايدة وإحراج طرف على حساب الطرف آخر؟
الخلافات لم تعد حكراً على فتح وحماس، فالخلافات أصبحت ظاهرة قميئة وشخصية متفشية في داخل كل فصيل من الفصائل الفلسطينية، وأصبحنا لا نخجل منها، ولا ندرك خطورتها، ومصدر المعلومات حولها نستقيه من وسائل الاعلام في دولة الاحتلال جارتنا! التي لم تعد عدوا لنا يحتل أرضنا ويرفض الاعتراف بحقوقنا.
وأصبحنا نعيش في زمن التوريط، كل منا يعمل على توريط الآخر، المقاومة ضد الاحتلال لم تعد على سلم أولويات الفصائل الفلسطينية، وهي لا تريد أن يكون الاحتلال مكلفاً، وهي لا تبحث عن وسائل إبداعية في مقاومة الاحتلال، فى زمن التوريط تطلق الصواريخ من غزة باتجاه البلدات الإسرائيلية في وسيلة هي الأسهل من بين وسائل مقاومة الاحتلال الكثيرة، وتستخدم لتوريط حركة حماس وإحراجها.
كل قضايانا العامة والخاصة أصبحت مجالا للمزايدة والتهرب من مواجهتها والبحث عن حلول لها، ويستخدمها كل طرف لتوريط الآخر، ما يجري من شائعات حول ترتيب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "اونروا" زيارة لمجموعة من طلابها لمتحف الهولوكست في الأمم المتحدة، يستخدم في توريط حركة حماس في هجومها وانتقادها اونروا، ولم يتم بحثه في سياق وطني عام، وزجنا في قضية لا نستطيع مواجهة تبعاتها ونحن على هذا الحال من الانقسام والاختلاف.
متى سندرك أن الانقسام يهدد وجودنا وبقائنا وهويتنا وإرثنا النضالي؟ ومتى سندرك أن خياراتنا كثيرة؟ ولكن كيف نستغلها؟ متى سندرك أننا ما زلنا شعب تحت الاحتلال؟ والمواطن المهانة كرامته لا يستطيع مقاومة الاحتلال ؟
خياراتنا في مواجهة دولة الاحتلال كثيرة، ولكن كيف لنا أن نعمل على تحقيقها ونحن بهذا الحال من الانقسام والاختلاف وتوريط كل واحد منا للآخر؟ وكل طرف يحاول اغتنام الفرصة للنيل من الآخر، وبدلا من النيل من الاحتلال ومقاومته، ننال من أنفسنا ونورط بعضنا بعضاً في الهروب من المسؤولية.
الشطب والاجتثاث للآخر هو السائد في زمن السلام والمفاوضات العبثية، والهدنة المجانية من طرف واحد، ولا احد يستطيع المزايدة على الآخر في ذلك، وفي زمن التوريط يسقط الشهداء بالمجان من دون تحقيق الأهداف، وفي زمن التوريط نهرب من حمل هؤلاء الشهداء على أكتافنا، ونحاول إعلان البراءة منهم لأنهم اجتهدوا أو دفعوا للقيام بعمليات فدائية لتوريط الآخرين؟!
المصدر
- مقال:زمن التوريطالمركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات