رسبت فى الحقوق
بدأت مرحلة الشباب بدخول الجامعة فى العام 1924 فى كلية الحقوق التى التحقت بها عن رغبة جامحة لأنى كنت مغرما بمواقف المحامين فى الجلسات ومرافعتهم وارتفاع نبرات أصواتهم فى الوقت الذى يجلس القضاة مستمعين صامتين . كنت مغرما بما أقرأه عنهم من أنهم حماة الحرية العاملون على نصرة الضعفاء المطالبون بالحق الأحرار البعيدون عن قيود الوظيفة .
قلت فيما سبق إننى لم أرسب فى حياتى الدراسية فى المرحلتين الابتدائية والثانوية مطلقا .. لكننى رسبت فى كلية الحقوق أكثر من مرة للعوامل الاتية :
أولا : لأننى تزوجت وانجبت وأنا طالب فى الكلية وللزوجية والأبوة ما يقتطع من أوقات المذاكرة والمواظبة على حضور الدروس .
ثانيا : اشتعال الحركة الوطنية وكثرة ترددى على بيت الأمة والجلوس الى سعد زغلول والاستماع إليه لأنه كان جذابا يرغم الصم على تتبع حركات شفتيه .
ثالثا : وفاة أبى وشرائى سيارة " رينو كابروليه " رقم 2751 وانصرافى الى الاستمتاع بحرية لم تكن متوفرة لدى فقد عرفت كل ما يعرفه الشبان الوارثون عدا الزنا والخمر من ارتياد السينما والمسرح والرقص فى الصالات .
كان أستاذ مادة " القانون المدنى " فى كلية ا لحقوق هو المرحوم د. عبد الرازق السنهورى .. وكان أستاذا حقا لافى مادته فحسب ولكن فى خلقه ومعاملته للطلبة ومع نأن أن أن أن تغلقى أن نتتنلاىنىىنتذلك لم ينجح من قفشات الطلاب فقد كان فى صوته ضخامة حتى أطلق عليه " عفاريت الطلبة " إنه أول من نطق الفرنسية بالضاد .. ولما رأى تعثر بعض الطلبة فى مادة القانون المدنى جمعنا وأعد لنا حصة خاصة يشرح لنا فيها ماستعصى علينا من دروسة فى الفصل وبلا مقابل ولم يكن الدكتور السنهورى فى ثراء بعض الدكاترة الحاليين الذين يجعلون من بيوتهم مدرسة للدروس الخصوصية التى يبالغون فى أجرها والتى لاكت الألسنة هذا التصرف غير المشروع .. فأى احترام يقوم بين طالب يدفع لأستاذه مالا مقابل الحصول على المعرفة وبين هذا الاستاذ الذى يمد يده ليتناول الأجر من الطالب ؟
إنه يغرس فى نفس الطالب مبدأ أن كل شىء فى هذه الحياة لا بد أن يكون له مقابل مادى حتى العلم ومن هنا لم يطلب الطلبة العلم للعلم ولكنهم يطلبونه لما يفيضه عليهم من مادة وبهذا تنمحى فى نفوسهم كل الاخلاق الحميدة ويصبح همهم الوحيد الحصول على المادة وقبل كل شىء فهم لا يطلبون العلم ليتفقهوا فيه أو يخترعوا أو يكتشفوا كما هى الحال فى أقرانهم من أبناء الأمم الناهضة لهذا تقدموا وتأخرنا ونمت قواهم وضعفنا ونسينا العلم للعلم ونسينا التضحية والبذل والايثار وأصبح هم كل واحد منا السباحة فوق التيار ولو جرف التيار كل الآخرين .
لقد قلت إن من الحلول التى ينبغى أن يؤخذ بها لهذه المشكلة أن تعين الحكومات الهيئات الدينية ـ مسلمة كانت أو مسيحية ـ لكى تتمكن من تنظيم حلقات دراسية للطلبة المتخلفين فى المساجد والكنائس حيث إن للمسجد هيبته عند المسلمين وللكنيسة هيبتها عند المسيحين .