رسالتي للشباب.. كلمة لفضيلة المرشد
(05-08-2004)
﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ* قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ﴾ (سـبأ:48-49)...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد، فيا شباب الإسلام العظيم.. أُحييكم بتحية الإسلام، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وإنه ليطيب لي، بل ويسرني أيها الأحباب، أن تتعانق أرواحنا وأن تتلاقى قلوبنا من خلال هذه التوجيهات، لقاءً كريمًا نجدد فيه عهدنا مع الله، ومع خيرة خلقه- صلى الله عليه وسلم- لقاءً نؤكد فيه عزمنا، ونقوِّي فيه رابطتنا، ونُوحِّد فيه صفنا، لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، أو يتفضل الحق سبحانه وتعالى علينا فيكرمنا بالشهادة في سبيله، وتستقر أرواحنا هناك في الملأ الأعلى، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، ذلك الفضل من الله.
يا شباب الإسلام العظيم
إن أمتكم التي تتشرفون بالانتساب إليها، أمة ممتدة الجذور في التاريخ، بإيمانها وجهادها، وتضحياتها، ورباطها في سبيل الله، فأنتم أحفاد صانعي البطولات، تؤمنون بصدق تاريخكم، وتأخذون العبرة والدروس من ماضيكم، ولقد سبق أسلافكم الأممَ بنُبل حضارتهم، وروائع بطولاتهم، وتسامحهم وعدلهم.
يا شباب الإسلام
لقد تحدث الإمام البنا- رحمه الله- إلى الشباب، حديث القلب إلى القلب، فوضع النقاط فوق الحروف، وحدد الطريق المؤدي إلى النجاح، فقال: "إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها، وتوفَّر الإخلاصُ في سبيلها، وازدادت الحماسةُ لها، ووُجِد الاستعدادُ الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها" (رسالة إلى الشباب)، فركائز النجاح عنده، الإيمان والإخلاص بجوار الجانب العملي والتطبيقي.
ثم تحدث- رحمه الله- عن عِظم المسئولية، فأيقظ الهمم، وأشعرنا بالمسئولية الملقاة على أعناقنا فقال:
"من هنا عظمت تبعاتكم، ومن هنا تضاعفت حقوق أمتكم عليكم، ومن هنا ثقلت الأمانة في أعناقكم، ومن هنا وجب عليكم أن تفكروا طويلاً، وأن تعملوا كثيرًا، وأن تحددوا موقفكم، وأن تتقدموا للإنقاذ، وأن تعطوا الأمة حقها كاملاً من هذا الشباب" (المرجع السابق).
وهذا شأن الشباب في الأمة المجاهدة والمكافحة: يدفع الحق الذي عليه، بذلاً وتضحيةً، وحركةً ونشاطًا وعملاً متواصلاً، بلا كلل ولا ملل.
كما وضح الإمام المنهج الذي يجب أن نسير عليه، فقال:
- "وعمادنا في ذلك كله، كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والسنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والسيرة المطهرة لسلف هذه الأمة" (المرجع السابق).
الإسلام والنظام العالمي الجديد
يا شباب الإسلام العظيم
إن للحق تبارك وتعالى سننًا لا تتخلف أبدًا ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً﴾ (فاطر: 43)، ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: 62)، اختص سبحانه بها لا يملك أحد من البشر أن يدَّعيها، وهي تقوم على السيطرة والهيمنة على هذا الكون، وتسيير نظامه، فمَن نازعه في ذلك سلبه إياه وأخذه أخذ عزيز مقتدر جبار، فإذا طغى فرد قصمه الله، وإذا طغت أمة وزعمت أنها مالكة زمام الكون وقادرة على أمره محقها الله وأخزاها وأذلها، قال تعالى: ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ﴾ (الأنبياء: 11)، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص: 58).
إن الاستبداد والهيمنة في الدول والأنظمة، التي جعلت الأحزاب أو الحزب، الإله الواحد كما حدث في الشيوعية، خرجت على سنن الله، فأمهلها سبحانه أكثر من سبعين عاماً، ثم سلَّط عليها من قصمها من داخلها، وجعلها مسحوقة ذليلة ﴿فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾ (الإسراء: من الآية16).
أيها الشباب
يوجد في عالمنا اليوم نماذج من التعالي والغرور، الذي يحسب أصحابه أنهم ملكوا زمام الكون، وأصبح رهن إشارتهم، وطوع بنانهم، وغرتهم القوة المادية، كما هو حال القوى العالمية اليوم، خاصةً ما يُسمى بالنظام العالمي المزعوم، الذي ولد ومعه شهادة وفاته، ورغم إطلاقه الشعارات الجوفاء، والألفاظ الرنانة التي لا تحمل مضمونًا، ولا شكلاً محددًا، ومحاولة تقسيم العالم إلى مجموعات، مجموعة إرهابية، ومجموعة مساندة للإرهاب، حسب تصنيف الولايات المتحدة للإرهاب، مع العداوة المطلقة لكل اتجاه وطني لا يخدم المصالح الأمريكية، أو لكل عمل إسلامي يخدم الإسلام ويسعي لرفعة شأن المسلمين.
أيها الشباب المؤمن
إنها وقاحة وتجبر وغرور أن يحرِّض بعض كتاب الولايات المتحدة وبعض السياسيين على الهيمنة والانفراد بالقوة، ويزعمون أن مصير العالم بيد أمريكا، وأنها القائد الحقيقي، وأنها أكبر قوة على ظهر الأرض، وأن الأمة الأمريكية أذكى الأمم وأعرقها تاريخًا، وأفضلها تنظيمًا.
وهذه بعض ملامح الطغيان، غرور وصلف وتعالٍ، وتطاول على الله في أخص خصائصه، وهو تسيير نظام الكون، وهيمنة قانونه الذي أنزله الله في القرآن ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ (آل عمران: من الآية189)، وهناك إشارات وعلامات يضعها بعض العارفين والمحللين دلالةً على قُرب نهاية هذا النظام المزعوم، منها: الانهيار الاقتصادي، تزايد البطالة، وتنامي العنصرية، والاغترار بالقوة، التي لو كانت تنفع لأفادت أكبر قوة من هذا النوع "الاتحاد السوفيتي".
أيها الأحباب
إن النصر لا يرجع أبدًا إلى تملك طائرات ودبابات، وصواريخ بعيدة المدى، أو قنابل ذرية- ونحن لا نقلل من أهميتها- لكن قضية الإيمان بالله واليقين بالدار الآخرة، والأخلاق، هي الضمانات الأولى للنصر، وهي التي تعلو بها الأمم، وتنتصر بها الرسالات، وينهار أمامها العدو، وقد كان أسلافكم نماذج أخلاقية تمثَّل فيها الشرف والقوة والعزة، والطهر والتجرد، وصدق الله بقوله ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (القلم: 4)، والحق تبارك وتعالى كتب النصر لجنده وأحبابه فقال: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (المجادلة: 21).
يا أبناء الأمة الإسلامية
نحن أمة الخلود؛ لأننا نؤمن بأن الحضارة الصحيحة هي حماية للإنسان بحكم إنسانيته، لا بأي اعتبار آخر، وهي التي تضع حاجزًا بين الإنسان وبين البربرية والهمجية، خاصةً وقد أصبحنا اليوم لا نرى بوضوح الحد الفاصل بين الرجل الصهيوني والأمريكي والوحش في السياسة الدولية، ويحضرني قصة نيرون الذي تفنن في تعذيب شعبه رجالاً ونساءً فأخرج عليهم أسودًا ضارية، تمزقهم تحت أنظار الجماهير، الهازلة التي تتلهف لمثل هذه الفواجع، ثم ازداد نيرون في طغيانه الذي وصل إلى الجنون، فأمر بحرق قاعدة ملكه روما- وهكذا تكون عاقبة الاستهتار والطغيان، الذي يسقط دائمًا الحاجز الذي يفصل بين الإنسان والوحش.
يا شباب الإسلام
إن أبناء الصهيونية الذين يمرحون كيف شاءوا، ويدمرون ويقتلون ويعتدون ويفترون، والعالم كله يتواطأ معهم، هم من سلالة نيرون؛ بل أشد ضراوةً منه؛ إذ كان نيرون يمزق ضحيته مرة واحدة، أما أبناء الخنازير وكل مَن على شاكلتهم، فإنهم أكثر تفننًا من الضبع أو السبع أو النمر، لقد هذبوا المهنة، وجعلوا من الإجرام فنًا، إنهم يعرفون كيف يستخلص من اللحم البشري لشباب الإسلام كل ما يحويه من آلام، وما سجون الكيان الصهيوني ومعتقلاتها، وسجن أبو غريب في العراق، وسجن "جوانتانامو" منا ببعيد.
إن اليهود وغيرهم من أعداء الله يرتكبون هذه الفظائع بمساندة من أمريكا، وسكوت من الجميع، ثم يُقال بعد هذا مؤتمر السلام ؟؟؟ يا للعجب؟؟
يا شباب الإسلام العظيم
هذه بعض التوجيهات في طريق العمل لدين الله والجهاد في سبيله، أردت أن أضعها بين أيديكم لتكون منكم على بال، وليكن همكم نصرة دين الله، وإغاثة إخوانكم المضطهدين والمعذبين في كل مكان، وإن الحق تبارك وتعالى أكرم من أن يضيع جهود العاملين، وجهاد المؤمنين ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ (البقرة: 143).
ولكن أيها الأحباب، لابد من دفع الثمن غاليًا من الأوقات والأموال، والمُهج والأرواح، ولابد لنا جميعًا من تقوى حاسمة رادعة تنجينا من سخط الله، وتنقل الشباب المؤمن من ذُلِّ المعصية إلى عِزِّ الطاعة "ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة".
إن أعداء الله ورسوله، وأعداء الإنسانية من صهاينة وأمريكان ما تجرأوا على تعذيب المسلمين وسفك دمائهم، إلا عندما قعد المسلمون عن الجهاد، وفرطوا في جنب الله، وما انتصر المسلمون في معاركهم كلها إلا حين استقامت نفوسهم على طاعة الله وأمره، والتزموا كلمة التقوى، وكانوا أحق بها وأهلها.
أيها الأحباب
أوصيكم بطلب العلم النافع والحرص على التزود منه، فهو فريضة، كما قال صلى الله عليه وسلم:"طلب العلم فريضة على كل مسلم" (رواه ابن ماجه)، وهو كما روى ابن عبد البر "الأنيس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، وبه يعرف الحلال والحرام، وهو إمام العمل والعمل تابعه".
العلم في الإسلام منحة ربانية، أعطاها للإنسان، وكرمه بها، فعلينا أن نأخذ منه ما نستطيع، خاصةً جوانب التكنولوجيا، وأسلافنا حازوا معارف الأرض المعروفة في ذلك الحين، وظهر من بينهم علماء عباقرة في كل جانب، عباقرة في الفقه، وفي السياسة، وفي العلوم النظرية، في الرياضة والفلك والطبيعة والكيمياء والطب، ودفعوا البشرية خطوات إلى الأمام- كالحسن بن الهيثم الذي تتلمذ عليه الأوروبيون- المهم في ذلك أيها الأحباب، الروح التى شملت العلم، ودفعت إلى البحث في العالم الإسلامي، إنه فريضة مقدسة، وواجب شرعي، وهذه مزية العلم في الإسلام ومنزلته.
أيها الأحباب
يطيب لي في هذا المقام أن أذكركم بموقف ووصية؛ وهما من الملهم العظيم سيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أما الموقف: فحين أتاه البشير من الميدان، يخبره ويبشره بأحد الانتصارات، فلم تأخذه نشوة النصر، لكنه سأل البشير، متى كان القتال؟ قال: غدوةً يا أمير المؤمنين، قال: ومتى كان النصر؟ قال: عشية، فأخذ عمر رأسه بين يديه وبكى بكاءً شديدًا، فقال له البشير: عجيب يا أمير المؤمنين، أبشرك بالنصر وتبكي؟ فقال: والله، ما الكفر يقف أمام الإيمان من غدوة إلى عشية إلا لأمرٍ أحدثتموه أنتم وأنا".
أما الوصية فهي لسعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- إذ كتب إليه يقول:
- "أما بعد: فإني آمرك ومَن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال؛ فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى العدة في الحرب، وآمرك ومن معك، أن تكونوا أشد احتراسًا من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوبَ الجيش أخوفُ عليهم من عدوهم، وإنما ينتصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة؛ لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدتنا كعدتهم، فإن استوينا في المعصية كان الفضل لهم علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا، ولا تعملوا بمعاصي الله، وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا إن عدونا شر منا، فلن يسلط علينا، وإن أسأنا فرُبَّ قوم سلط عليهم شر منهم، كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمعاصي الله، كفرة المجوس، فجاسوا خلال الديار وكان وعدًا مفعولاً".
أيها الأحباب
لقد هانت وذلت حياةٌ يحجب المرء فيها عن ربه، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة، وإني استودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، وأسأله عز وجل أن يعينكم على الخير، وينصركم على أنفسكم وأعدائكم، وأبشركم بأن النصر قريب، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ* وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (الصافات: 171-173).
وفقكم الله، وأيدكم بروحٍ من عنده، وهو القائل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران:200)
المصدر
- مقال: رسالتي للشباب.. كلمة لفضيلة المرشد موقع إخوان أون لاين
