رسالة إلى الإخوان خلف الأسوار
بقلم: أ. د محمد سيد حبيب
النائب الأول للمرشد العام للإخوان المسلمين
أيها الأحباب الأطهار..
يا من تقبعون خلف الأسوار العالية في هذه البقعة النائية، يا من حِيل بينهم وبين دعوتهم، بينهم وبين أهليهم وأولادهم، بينهم وبين أحبابهم.. خالص التحية والتقدير والإجلال لكم على ثباتكم وصمودكم وإيمانكم، أبثُّكم شوقًا يملأ القلب لرؤيتكم، وأهديكم سلامًا عاطرًا، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإخوة الأحباب..
إذا كان القوم يتصوَّرون أنهم نالوا منكم فهم واهمون؛ لأنكم أصحاب رسالة وحَمَلة دين. أعلم، ويعلم الكثيرون، أن إرادتكم لم تضعف، وأنها أقوى مما يظنون، وأن عزمكم لم يلن، وأنه أشدُّ مما يعتقدون، وأن همتكم هي هي لم تتراجع، بل هي أعلى مما كانوا يتوقعون.
أنتم الأقوياء ولو كره الكارهون، أنتم الفائزون المنتصرون دنيا ودينًا، أنتم الكبار في أعيننا وأعين الناس أجمعين، أنتم الرجال في عصرٍ عزَّ فيه الرجال، أنتم الأوفياء في زمنٍ ضعفت فيه المروة والشهامة.
لماذا؟
لأنكم تركنون إلى حول الله وقوته؛ لأنكم تؤثرون الآخرة الباقية.. لأنكم تعملون لمصلحة وطنكم وأمتكم.. لأنكم دعاة حق وعدل وسلام.. لأنكم دعاة إصلاح.. لأنكم دعاة حرية ونهضة. لأجل ذلك يلتفُّ الناس حولكم، وينظرون إليكم على أنكم أملهم ومعقد رجائهم، وهم ينفضُّ الناس عنهم وينظرون إليهم على أنهم سبب نكبتهم وشقائهم.
الإخوة الأحباب..
ها هي ساعة الحصاد قد أقبلت، وها هو وقت قطاف الثمار قد حان، وما عليكم الآن إلا أن تشحذوا همتكم وتحزموا أمركم- ونحن معكم- في الإكثار من الذكر والإلحاح في الدعاء والاستغراق في الاستغفار، ومن قبل ذلك وبعده الإقبال على القرآن، فما أحوجنا وإياكم فى مثل هذه الظروف إلى الركون إلى جنب الله والوقوف ببابه، والتضرُّع إليه والخشية منه والرجاء فيه؛ إذ ليس لنا إلا هو، ولا اعتماد إلا عليه، ولا تفويض للأمر إلا إليه (وَللهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (هود: 123) .
ولنتذكر قول ربنا تبارك وتعالى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة: 51) ، وقول نبينا صلى الله عليه وسلم: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، جفت الأقلام وطويت الصحف" .
الإخوة الأحباب..
نعم.. غيَّبتكم السجون عن أعيننا، لكنها لم تنأَ بكم عن قلوبنا ومشاعرنا وأفئدتنا؛ فأنتم دائمًا في العقل والقلب؛ تحتلون الحيِّز الأكبر من ذاكرتنا ووعينا وتفكيرنا واهتمامنا، أنتم الحاضرون بقوة فى كل الساحات وعلى كافة المستويات، تلهج الألسنة بذكركم والثناء عليكم، وتعمر القلوب بحبكم والدعاء لكم، فهنيئًا لكم جهادكم ورباطكم، وهنيئًا لكم صبركم ومصابرتكم؛ فأنتم المفلحون بإذن الله.
نسأل الله - تعالى - أن يربط على قلوبكم، ويثبِّت أقدامكم، ويشرح صدوركم، وأن يجزيَكم عن دعوتكم وعنا خير الجزاء، وأن يجعلكم من الفائزين في الدنيا والآخرة، وأن يبارك في صحتكم وعافيتكم، وأن يعيدكم إلى أهليكم وأولادكم غانمين سالمين.. إنه نعم المولى ونعم النصير.
ولله الأمر من قبل ومن بعد
المصدر
- مقال: رسالة إلى الإخوان خلف الأسوار موقع إخوان برس