ردم الأزهر.. هل ينجح السيسي في تدمير آخر أنفاق المقاومة؟
(17/04/2017)
كتب: سيد توكل
مقدمة
"لماذا يسكُت العالم على إرهاب المسيحية واليهودية ويتهم الإسلام بالإرهاب؟!"، كان ذلك جزء من كلمة حق تفوه بها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب لم يعتدها زعماء الإرهاب في العالم الذين تابعوا مؤتمر "الحرية والمواطنة.. والتنوع والتكامل"، وكان قرارهم أن الطيب بات عبئًا على رجلهم السيسي ولا يناسب المرحلة.
العلاقة بين مؤسسة الأزهر ونظام السيسي ليست كما يتمناها البعض، فبعد أن كان شيخ الأزهر ورجاله أحد أبرز دعائم نظام ما بعد الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو، ها هو الأزهر يغرد خارج السرب ولو لفترة مؤقتة، ويضع النظام في حرج أمام المصريين، الذين يمثل الأزهر لهم مكانة كبيرة، فهل يمكن القول إن شهر العسل بين الأزهر والسيسي قد انتهى؟
إذلال ومهانة
الراصد لعلاقة العسكر مع الأزهر، سيجد العسكر لا يترك فرصة لإضعاف الأزهر كمؤسسة فاعلة، إلا وقام بها، فقد صادر أهم مصدر لقوته وهو الأوقاف، وأعاد أوقاف المسيحيين، ولم يرد أوقاف المسلمين للأزهر، وجعل مكانة شيخ الأزهر أقل من مرتبة وزير الأوقاف
والأهم في علاقة العسكر بالأزهر: أنه ما من شيخ أزهري مالأ العسكر.. ونافق حكمه.. أو تعاون معهم فيما يخالف رسالته، إلا ومارسوا معه كل وسائل الإذلال والمهانة، بعد انتهاء مهمته معهم، لا يتسع المقام لذكر مواقف هؤلاء المشايخ، لكنها بدأت بأحمد حسن الباقوري وعبدالرحمن تاج، ولن تنتهي بأحمد الطيب يقينا، وليس وقوفنا الآن مع الأزهر كمؤسسة إلا دفاعا عنها وعن مبدأ.. لا عن أشخاص.
وعلى غير العادة صدم "الطيب" وغرد خارج السرب العالمي الراعي للإرهاب وقتل المسلمين، وقال الرجل بالفم المليان: "بينما مرَّ التطرُّف المسيحي واليهودي بردًا وسلامًا على الغرب دون أن تُدنَّس صورتهما؛ إذا بشقيقهما الثالث يُحبَسُ وحده في قفص الاتهام، وتجري إدانتُه وتشويه صورتهِ حتى هذه اللحظة".
وتابع:
- "لقد مرت بسلام أبشع صور العنف المسيحي واليهودي في فصلٍ تامٍ بين الدِّين والإرهاب، ومنها على سبيل المثال: اعتداءات مايكل براي بالمتفجرات على مصحات الإجهاض، وتفجير في تيموثي ماكْفي للمبنى الحكومي بأوكلاهوما، وديفيد كوريش، وما تسبب عن بيانه الديني من أحداث في ولاية تكساس.. دع عنك الصراع الديني في أيرلندة الشمالية، وتورط بعض المؤسسات الدينية في إبادة واغتصاب ما يزيد على مائتي وخمسين ألفًا من مسلمي ومسلمات البوسنة".
يا فضيلة الإمام.. أنت تعبتني
لم تكن هذه العبارة التي خرجت على رئيس الانقلاب "السفيه" عبدالفتاح السيسي موجهًا بها حديثه لشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب خلال الاحتفال بعيد الشرطة الماضي، مجرد كلمات عابرة أو مزاح مع أكبر قامة دينية رسمية في البلاد، كما روج البعض حينها، لكنها كشفت النقاب عن توتر العلاقة بين الأزهر ومؤسسة العسكر.
العلاقة بين الأزهر وأنظمة العسكر في مصر تاريخ طويل من المد والجذر، نجح فيه العسكر في تحقيق الكثير من المكاسب حين تم التعامل مع هذه المؤسسة باعتبارها أحد أبرز وسائل "القوى الناعمة" التي يوظفها الجنرالات لخدمة مصالحهم وتوسيع نفوذهم الداخلي والخارجي، إلا أنه في الوقت نفسه هناك العديد من صفحات هذا التاريخ الممتد منذ انقلاب يوليو 1952 وحتى الآن غرد فيها الأزهر خارج السرب، وهو ما دفع العسكر حينها إلى تقليم أظافر العمائم.
قرار هيئة كبار العلماء بالأزهر بشأن وقوع الطلاق الشفوي حتى وإن لم يوثق، التي جاءت على عكس هوى السيسي الذي طالب بضرورة وضع قانون للحد من هذا الطلاق، والبحث عن حل فقهي له، يعد الحلقة الأخيرة في مسلسل معارضة مؤسسة الأزهر للعسكر بعد جولات وصولات من الدعم والتأييد.. فهل انقلب السحر على الساحر؟
كأس دائر
وعقب ثورة يناير بدأ العسكر بالقضاء على القوى الثلاث، الإخوان والقوى العلمانية والأزهر، وبدأ بالإخوان لأنهم القوى السياسية المدنية، ثم ثنى بالقوى المدنية الرافضة للانقلاب والتي قامت بثورة يناير، ثم أخيرا الأزهر، فهو كأس دائر على الجميع أن يتعظ به من تعامله مع العسكر، يتكرر الموقف، ويختلف الوجه والدور.
وعلى الرغم من أن كل الإحصاءات تخبرنا أنه لا يوجد عمل إرهابي، أو تفجير تم في مصر، وثبت أن المنفذ له، أو المخطط ينتمي للأزهر، أو درس فيه، أو مر عليه، وهذه حقيقة لا يتطرق إليها شك، إلا أنه بعد تفجير كنيستين في مصر الأسبوع الماضي، اتجه إعلام الانقلاب للهجوم على مؤسسة الأزهر بدلا من الحديث عن التقصير والفشل الأمني للسيسي وأذرعه العسكرية والمخابراتية، إن لم يكن هو الذي يقف خلف التفجير!
تعجب الكثيرون عن التوقيت، والسبب، ولماذا هذه الحملة الآن على الأزهر؟ ومن يقرأ في تاريخ الأزهر والعسكر، لا يتعجب منه، بل يتوقعه، فصدام العسكر مع الأزهر مسألة وقت وأدوار ليس إلا، فحكم العسكر بطبعه لا يحب مؤسسة ولا كيانا له شعبية بين الشعب سواه، وبخاصة الكيانات المدنية، يقول الرئيس محمد نجيب في مذكراته (كنت رئيسا لمصر): إن من أراد أن يتمكن من حكم مصر، فعليه امتلاك زمام مؤسستين: الجيش، والأزهر.
وعندما قام انقلاب الجيش في يوليو 1952م، كان أمامه ثلاث قوى مدنية ذات شعبية مختلفة، وكان على حكم العسكر حتى يستقر أن يتخلص منها، لكن من الصعب إعلان الحرب عليها مرة واحدة فتتحد معا ضده، هذه القوى هي: الوفد ذو الشعبية السياسية الكبرى، والإخوان ذو الشعبية الدينية في الشارع، والأزهر بقوته الشعبية الدينية كمؤسسة مصريا وعالميا.
من جانبه يقول الشيخ عصام تليمة، الداعية و الباحث الإسلامي وأحد علماء الأزهر: "سنة 1956م.. كانت البداية بإلغاء المحاكم الشرعية، بحيلة غريبة، تشبه ما يحدث الآن مع الأزهر تماما، ودققوا فيما فعله العسكر.
فجأة خرجت الصحف المصرية، بحادثة غريبة، نشرت فيه على غير عادة الصحافة المصرية، قصة ذهاب امرأتين إلى قاضيين شرعيين هما: الشيخ عبدالرحمن سيف، وعبدالفتاح فيل، واتهما بأن المرأتين ذهبتا إليهما ليطلقاهما من زوجيهما، فعرضا عليهما الزنا بهما مقابل الطلاق، وأنه تم ضبط القاضيين مع المرأتين، وبحوزتهم خمور وحشيش وخلافه
ونشرت صور القاضيين والمرأتين، ثم بعدها مباشرة والقضية أمام المحكمة تعرض، صدر قرار من عبدالناصر بإلغاء المحاكم الشرعية، وإذ بطه حسين يكتب مقالا من فرنسا، عنوانه: هذه الأولى فأين الثانية؟! يقصد إغلاق الأزهر نفسه، وهاج الأزهريون على طلبه.. ولكنهم سكتوا على مرحلة إغلاق المحاكم الشرعية".
المصدر
- تقرير: ردم الأزهر.. هل ينجح السيسي في تدمير آخر أنفاق المقاومة؟ موقع بوابة الحرية والعدالة