رحلة مع الخليل عليه السلام
بقلم : حسام العيسوي إبراهيم
الحمد لله رب العالمين الذي خلق فسوى والذي قَّدر فهدى ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وإمام المتقين ورحمة الله للعالمين محمد - صلى الله عليه وسلم- .
في كل عام يطل علينا موسم الحج فإن نفوسنا تشتاق إلى قراءة سيرة الخليل إبراهيم – عليه السلام- ، ومواقفه العطرة ، وصفاته الكريمة التي ذكرها الله – تبارك وتعالى- في كتابه العزيز. فهيا بنا ، نعيش هذه الرحلة مع الخليل إبراهيم عليه السلام ، نتعرف فيها على صفاته التي اتصف بها في القرآن الكريم . الصفات التي اتصف بها إبراهيم عليه السلام
1- توحيد الله تعالى وعدم الإشراك به .
ومعنى توحيد الله عزوجل : الاعتقاد الجازم بأن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه ،وأنه هو الذي يستحق وحده أن يفرد بالعبادة من صلاة وصوم ودعاء ورجاء وخوف وذل وخضوع ,وأنه المتصف بصفات الكمال كلها ,والمنزه عن كل نقص .
وهذا التوحيد اتصف به نبي الله إبراهيم عليه السلام وعبَّر الله عنه في أكثر من آية.
قال تعالى :
{إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين}(120- النحل) فالقانت هو الخاشع المطيع والحنيف هو المنحرف قصدا من الشرك إلى التوحيد .
وقال تعالى :{إن إبراهيم لأواه حليم }(114-التوبة) قال ابن مسعود :الأوّاه هو الدّعاء وقال ابن جرير:قال رجل يا رسول الله ما الأوّاه ؟قال :المتضرع.
هكذا كان نبي الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان موحدا لله عزوجل فما أحوجنا أن نعيش بهذا التوحيد فلا نشرك مع الله شيئا ! وذلك عن طريق :
· وجوب إخلاص المحبة لله .
قال تعالى :{ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا اشد حبا لله}(165-البقرة) وقال تعالى :
{قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين}(24-التوبة) .
· وجوب إفراد الله تعالى في الدعاء والتوكل والرجاء .
قال تعالى:
{ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين }(106-يونس) {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}(23-المائدة)
· وجوب إفراد الله تعالى بالخوف منه .
قال تعالى :{فإياي فارهبون }(52-النحل) {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هووإن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم}(107- يونس) .
· وجوب إفراد الله عزوجل بجميع أنواع العبادات البدنية من صلاة وركوع وسجود وصوم وذبح وطواف وجميع العبادات القولية من نذر واستغفار .
قال تعالى :{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما}(48- النساء) هكذا كان إبراهيم عليه السلام مخلصا العبادة لله وهكذا يجب علينا أن نكون .
2- متمكن ومطمئن ومتيقن من عبادته لربه .
ما أجمل أن يعيش الإنسان لفكرة هي كل حياته يضحى في سبيلها بكل غال ونفيس !هكذا عاش خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام ويظهر ذلك في كثير من الآيات قال تعالى:
{وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم}(360-البقرة)
قال ابن كثير - رضي الله عنه- في هذه الآية إن لسؤال إبراهيم أسبابا منها أنه لما قال لنمرود {ربى الذي يحي ويميت}أحب أن يترقى من علم اليقين إلى عين اليقين وأن يرى ذلك .
وقال صاحب الظلال:لقد كان ينشد اطمئنان الأنس إلى رؤية يد الله تعمل،واطمئنان التذوق للسر المحجب وهو يجلى ويتكشف .ولقد كان الله يعلم إيمان عبده وخليله ،ولكنه سؤال الكشف والبيان ،والتعريف بهذا الشوق ،وإعلانه ،والتلطف من السيد الكريم الودود الرحيم مع عبده الحليم الأوّاه المنيب .
وفى موضع آخر يقول الله عزوجل:{وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن } (81-الأنعام)وقبل ذلك يواجههم في طمأنينة ويقين قال:{ أتحاجون في الله وقد هدان } (80-الأنعام)وقبله أيضا قال الله عزوجل :{وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض،وليكون من الموقنين}(75- الأنعام) هكذا وجد إبراهيم ربه تعالى .وجده في إدراكه ووعيه ،بعد أن كان يجده وحسب في فطرته وضميره .فلابد للمؤمن السائر في طريق الله أن يكون مطمئنا متيقنا في طريق الله عزوجل .
3- حرصه الدائم على أن يسلك أهله مسلكه في طاعته لله عزوجل .
ويظهر ذلك في آيات كثيرة في القرآن الكريم ومنها :
· وصيته لبنيه أن يتمسكوا بالإسلام .
قال تعالى :
{ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون}(132-البقرة) قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآيات "أي: أحسنوا في هذه الحياة ،والزموا هذا ليرزقكم الله الوفاة عليه ،فإن المؤمن يموت غالبا على ماكان عليه ،وقد أجرى الله عادته بأن من قصد الخير وفق له ويسر عليه ،ومن نوى صالحا ثبت عليه
· دعوته لأبيه بالحكمة والموعظة الحسنة .
قال تعالى :
{واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا.إذقال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا.يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا .ياأبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا.ياأبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا}(41-45)(مريم)
· التربية على الاستجابة لله ولرسوله .
وهذا ما أشارت إليه آيات القرآن في قصة الذبيح إسماعيل عليه الصلاة والسلام .
قال تعالى :
"رب هب لي من الصالحين.فبشرناه بغلام حليم .فلما بلغ معه السعي قال يابنى إني أرى في المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين .فلما اسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين.إن هذا لهو البلؤالمبين"(100-106)(الصافات).ليست هذه الطاعة من الابن فقط ولكن انظر إلى الأم كيف تربت على طاعة الله عزوجل
قال تعالى :
{ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي ذرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون}(37-إبراهيم) وهكذا ربى إبراهيم أهله على الحب والطاعة لله عزوجل وهذه هي الصفات التي اتصف بها إبراهيم في بيته ومع أهله الدعوة إلى الله بالحب والرحمة والعطف فكان عليه السلام أمة، وكان بيته قدوة لكل البيوت فالّلهم أصلح بيوتنا على الإيمان والطاعة لك .
4- الإيجابية وحرصه الدائم على تبليغ رسالته إلى قومه بكل الوسائل وفى كل الظروف
قال تعالى:
{واتل عليهم نبأ إبراهيم.إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون.قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين.قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون.قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون.قال أفرءيتم ما كنتم تفعلون أنتم وآباءكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين.الذي خلقني فهو يهدين.والذي هو يطعمني ويسقين.وإذا مرضت فهو يشفين.والذي يميتنى ثم يحيين.والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين.رب هب لي حكما وألحقنى بالصالحين.واجعل لي لسان صدق في الآخرين.واجعلني من ورثة جنة النعيم.واغفر لأبى إنه كان من الضالين.ولا تخزني يوم يبعثون.يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}(69-89)(الشعراء)
5- جرأته في قول الحق
قال تعالى:
{ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربى الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدى القوم الظالمين}(258-البقرة).
وهكذا عشنا مع خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام وعرفنا صفاته عليه السلام والتي أهلته لكي يكون أمة سواء هذه الصفات التي تخلق بها في نفسه أو مع أهله أ وفى مجتمعه قال تعالى :
{قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين آمنوا معه}(4-الممتحنة)
وقال تعالى :
{واتخذ الله إبراهيم خليلا}(125- النساء) وقال تعالى :
{سلام على إبراهيم}(109- الصافات)
وقال تعالى :
{إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين.شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم.وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين}(120- النحل)
والله يهدى إلى الحق وإلى صراط مستقيم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
المصدر
- مقال:رحلة مع الخليل عليه السلامموقع:الشبكة الدعوية