رحلات الموت ...
نافذة مصر - كتبت : Miss W
محتويات
مقدمة
باتت الهجرة الشرعية واحدة من أكثر المشكلات التي تعاني منها دول العالم أجمع سواء العربية أو الأوروربية .
فالدول العربية وخاصة مصر أصبح شبابها يهرب إلي الدول الأوروبية وبخاصة إيطاليا حتي يبحثوا عن فرص للعمل وحتي يهربوا من واقعهم الآليم الذي يعيشون فيه.
بدايه الهجرة الغير شرعية
بدأت ظاهرة الهجرة الغير شرعية منذ ستينات القرن الماضي، ولم تكن هذه الظاهرة تشكل جريمة في الدول الأوروبية في بداية الثلاثينات إلى أواخر الستينات نظرا لحاجة هذه المجتمعات للأيدي العاملة، ومع أوائل السبعينيات، شعرت الدول الأوروبية، نسبيا، بالاكتفاء من الأيدي العاملة، مما جعلها تتبني إجراءات قانونية تهدف إلي الحد من الهجرة غير الشرعية، و فيما بعد أصبح وجود المهاجرين على أراضيها يشكل مخاطر كبيرة مما استوجب سن قوانين تقلل دخولهم إلى أراضيها لما يشكله تواجدهم من خطر على أمنها وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2011.
وتقدر منظمة العمل الدولية معدل حجم الهجرة غير الشرعية بـ10-15% من عدد المهاجرين في العالم، أما منظمة الهجرة الدولية فتقدر بأن حجم الهجرة الغير القانونية في دول الاتحاد الأوروبي يصل إلى 1,5 مليون فرد، بينما أعلنت المنظمة الأوروبية لمراقبة الحدود (فرونتكس) التابعة للاتحاد الأوروبي أن نسبة المهاجرين غير الشرعيين الوافدين إلى دول الاتحاد الأوروبي، زادت تصل 300% .
وتنتشر الهجرة الغير شرعية بشكل واضح في كلٍّ من سوريا والعراق ومصر وتونس وليبيا واليمن والمغرب، فضلا عن العديد من الدول الإفريقية التي تتخذُ الدول العربية، خاصة المطلة على البحر المتوسط، محطة أو دولة ترانزيت للانتقال إلى أوروبا.
ويتعرض المهاجرون الغير شرعيون إلي سماسرة الوهم والذين يتواجدون في الخفاء عبر شبكات سرية واسعة وعصابات منظمة تصطاد الحالمين باللجوء وتنهب أموالهم لتختفي بعدها أو الأسوأ من ذلك تسلمهم للسلطات المعنية .
أسباب الهجرة الغير شرعية
ولعل من أكبر أسباب الهجرة على الإطلاق هي البطالة التي تفرض نفسها على شريحة الشباب، التباين في المستوى الاقتصادي والذى يتجلى بصورة واضحة بين الدول الطاردة والدول المستقبلة، بالإضافة إلي التباين في الأجور.
بالإضافة إلي الإعلام الذي يزرع في متابعيه الرغبه في الهجرة، صورة النجاح الاجتماعي :والذي يظهره المهاجر عند عودته إلى بلده لقضاء العطلة وهو مايغذية الإعلام،القرب الجغرافيبين دول حوض البحر المتوسط و دول أوروبا، غلق الباب أمام الهجرة والتي إن أتيحت تتطلب مبالغ فلكية ، بالإضافة إلي الأسباب العرقية و الصراعات المسلحة.
الدول المصدرة للمهاجرين
تعتبر قارات أفريقيا، آسيا الأمريكيتين الجنوبية والوسطى منبعا للهجرة غير الشرعية ، وتبذل الولايات المتحدة جهودا واضحة فى الحد من الهجرة غير الشرعية براُ وبحراُ مع المهاجرين من الجارة المكسيك أكبر منبع للمهاجريين الغير شرعيين الذين يدخلون الولايات المتحدة.
ويصل عدد الدول المصدرة للمهاجرين الغير شرعيين الى 40 دولة، أهمها دول أمريكا الوسطى والجنوبية ودول آسيا (الصين وباكستان) ودول إفريقيا وخاصة مصر
ومنذ 2014 وإنضم الشعب السوري إلي قائمة المهاجرين الغير شرعيين حتي يهربوا من القصف والحرب الموجوده في بلادهم بين المعارضة وقوات النظام
وتعتبر إيطاليا هي الوجهة الأقرب والأكثر تفضيلاً للمهاجرين الغير شرعيين وخاصة من دول إفريقيا لقرب المسافة بينها وبين دول البحر المتوسط.
سماسرة رحلات الموت
تستخدم في الهجرة الغير شرعية قوارب أطلق عليها إعلاميًا "قوارب الموت"، وسبب تسميتها بهذا الإسم لأنها تكون معدة عموماً للصيد يستخدمها صاحبها لتهريب المهاجرين الغير شرعيين عبر البحر، يعبأ في القارب الصغير أكثر من 200 شخص ليتركهم قبل مسافة بعيدة من الشاطئ المقصود ليكملوا الطريق بأنفسهم متعرضين بذلك لمخاطر شتى منها الغرق أو القبض عليه بواسطة ضباط البحرية.
وتعتبر الهجرة الغير شرعية مكلفة تماما بالنسبة لطالب اللجوء، وتقول الإحصائيات أنه ثمة عصابات منظمة تتقاضى أموالاً ما بين 50 -120 ألف جنيه على كل شاب لقاء تسهيل هجرته، كما أن الركوب في قارب الصيد الصغير المزدحم يكلف الفرد الواحد 3 آلاف دولار في مصر.
ومع تزايد أعداد المهاجرين، شددت الدول الأوروبية من قوانينها المتعلقة بهم في محاولة لوقف تدفقهم، إلا أن ذلك لم يمنع الآلاف منهم، من المخاطرة بحياتهم والتوجه إلى السواحل الليبية والمصرية بحثا عن مهربي البشر، الذين يتقاضون مبالغ باهظة لتوفير ما يعرف بـ "رحلات الموت".
وأشار تقرير لهيئتي مكافحة الجريمة الدوليتين "الإنتربول" و"اليوروبول"، إلى أن مهربي البشر جنوا ما يزيد على 5 مليارات دولار من موجة الهجرة غير الشرعية إلى جنوب أوروبا، العام الماضي.
هجرة داخلية وخارجية
هناك ثلاث أنماط من الهجرة وظهرت بسبب ثورات الربيع العربي والانقلابات التي تلته:
أ. هجرة داخلية وهي التي تحدث من بعض الدول التي تمر بظروف اقتصادية أو أمنية متردية إلى دول الجوار مثل هجرة المصريين إلي ليبيا بحثًا عن فرص عمل رغم حالة الانفلات الأمني الواضحة، وسيطرة التنظيمات المسلحة على مساحات واسعة من الأراضي الليبية، والليبيين إلي تونس واليمنيين إلي دول الخليج.
ب. الهجرة الخارجية: تتمثل في هجرة مواطني دول الشمال الإفريقي إلى دول أوروبا، في رحلات بحرية عبر المتوسط، وفي أغلب الأحوال تنتهي بفشل الرحلة وغرق المهاجرين.
وسائل الهجرة الغير شرعية
ابتدعت عصابات الهجرة غير الشرعية في مصر لتسهيل هجرة الشباب المصري بعد إقناعه بالهجرة الغير شرعية ومن هذه الوسائل :
أ. الزواج من نساء أوروبا خاصة أوروبا الشرقية: قبل توسعة الاتحاد الأوروبي سنة 2004 وأثناء المفاوضات التي كانت تجريها دول أوروبا للانضمام إليه نشط بعض الشباب المصري الراغب في الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا في الزواج من مواطنات هذه الدول حتى يتمتع بوضع قانوني مميز فور انضمام هذه الدول إلى الاتحاد ويصبح بالتالي من حق مواطنيها التنقل بحرية بين دوله ثم التمتع بجنسية هذه الدول فيما بعد.
كما لاحظت السلطات المصرية كثرة قدوم النساء من دول أوروبا إلى مصر بهدف الزواج من المصريين الراغبين في السفر إلى أوروبا عن طريق وسطاء تابعين لمافيا الهجرة الدولية مقابل مبلغ من المال يتراوح بين 15 إلى 45 ألف جنيه مصري.
ب. تمزيق الجوازات في صالات الترانزيت: تزوير تأشيرات الدخول إلى دول أميركا اللاتينية وبعض البلدان الأفريقية من خلال النزول "ترانزيت" في مطارات الدول الأوروبية، التي ما إن يضع الشاب المصري قدمه فيها حتى يسارع بتمزيق جوازات السفر التي يحملها ويطلب اللجوء إلى هذه الدول وعدم استكمال رحلته إلى وجهته المنصوص عليها في تأشيرة السفر.
رواية شباب ناجي من الموت
جمال عمر 47 عاما - سمسار تهريب سابق، سافر سابقا إلى إيطاليا عبر البحر ويحكي عن خلفية الشباب المهاجر بطرق غير شرعية ويقول: "هناك شباب يتركون دراسة الطب والهندسة خلال الدراسة بحثا عن لقمة العيش، وهم يعتقدون أن الجنة في أوروبا، حيث يرون اقرانهم الأقل تعليما سافروا إلى إيطاليا واشتروا أراضي وسيارات وبنوا بيوت".
يغرقوا مضيفا أنه يعرف شبابا خاضوا تجربة السفر أيضا حتى بعد أن غرق أشقائهم، ويشرح قائلا: "يتجمع الناس في سفينة متهالكة يرونها قبل أن يسافروا، ثم يترك أصحاب السفينة الركاب في عرض البحر أمام شواطئ أوروبا بنحو 2 كيلو متر ليخوضوا بقية المسافة سباحة حتى لا يتم القبض على أصحاب السفينة". ويستطرد المتحدث أن الصعوبات تبدأ بعد الوصول لإيطاليا، فليس من السهل ان يجد المهاجر عملا، خاصة في وضعه غيرالقانوني، مشيرا إلى أنه إذا كان لدى الشخص المهاجر أقارب هناك فقد يكون الوضع أفضل نسبيا.
ويحكي الشاب "ع. ع" وهو في 22 من العمر من قرية قصر الباسل في محافظة المنوفية تجربة سفره إلى أوروبا عن طريق البحر حيث كان عاملا في ليبيا في مجال البناء، وكانت ظروفه المادية صعبة وأراد العبور إلى أوروبا. وقد دفع "ع. ع" 5 آلاف دولار لصاحب المركب وهو المبلغ الذي حصل عليه من عمله على مدى عام كامل.
ويضيف أن "صاحب المركب احتجزني وسط مجموعة كبيرة من جنسيات مختلفة لمدة 12 يوما متواصلة في ظل سوء معاملة وأكل رديء" ويستدرك قائلا:"فوجئنا بان صاحب المركب لن يسافر معنا، وقام بتدريبنا على قيادة المركب لعدة ايام وعلى استخدام البوصلة ، المركب كان عبارة عن مركب صيد متهالك من قطع خشب ومحرك فقط، وأجبرنا على عدم حمل أي شيء معنا داخل المركب وطلب منا النزول في البحر والسباحة حتى الوصول إلى البر بعيدا عن أنظار خفر السواحل"
ويتابع: "ركبنا آملين في حياة أفضل، كما وعدنا أصدقاؤنا وأقاربنا بذلك. ومكثنا في البحر 17 ساعة ووصلنا فعلا للساحل الإيطالي وعمنا في البحر لكن السلطات الإيطالية اكتشفت أمرنا ورحلتنا إلى ليبيا ومنها إلى مصر".
اللاجئيين المقيمين بمصر يلجئون للهجرة
لم يعد يقتصر سوق الهجرة غير الشرعية على المصريين فقط، بل امتد إلى اللاجئين المقيمين في مصر، ومنهم السوريين.
يقول "ح.س" 56 سنة : "كنت أعرف أصدقاء في ليبيا يعملون في الإعلام وبالفعل وصلت العاصمة طرابلس وعملت في قناة العاصمة كمحرر للأخبار لكن بعد عام ونصف تغيرت الأحوال واندلع صراع شديد بين العلمانيين والإسلاميين وتم الاعتداء على القناة من قبل جماعات مسلحة.
ويتابع "أصبحت مستهدفا لأنني كنت أعمل في قناة ليبرالية، كما انتهت صلاحية جواز سفري، تواصلت مع مفوضية اللاجئين لأكثر من 3 أشهر لكن بدون جدوى، فقررت الرحيل لأوروبا عبر البحر هربا من الموت.
التحليل النفسي للهجرة الغير شرعية
يقول الدكتور ياسر عبد القوي - استشاري الطب النفسي، " إن الحالة الاقتصادية والظروف السياسية السيئة التي تمر بها البلاد، أهم العوامل التي تدفع الشباب للجوء إلى فكرة الهجرة غير الشرعية، إضافة إلي وجود أمثلة من القري والنجوع التي ينتمي لها هؤلاء الشباب لجأوا للهجرة غير الشرعية وحققوا مكاسب كبيرة عادوا بها".
وأشار عبد القوي إلي معرفة الشاب بإمكانية تعرضه للوفاة نتيجة للفكرة المحفوفة بالمخاطر، بل والأدهي من ذلك، أن عائلته تعلم أيضاً، ولكنه يفضل أن يذهب في رحلة نسبة النجاح بها 50% من وجهة نظره، قد يصل ويحصل علي الوظيفة والمكاسب، والنسبة الأخري تتمثل في فشله وتعرضه إما للاعتقال من جانب الحكومة أو تعرضه للقتل، موضحاً أن فكرته تتمثل في الهروب من الأسوأ للسيئ.
وأضاف أن الهجرة غير الشرعية نوعا من الانتحار يلجأ إليها الشاب عندما يشعر بأن حياته أصبحت بلا معني، خاصة عندما يتعرض لضغوط نفسية من جانب عائلته بأنه فاشل ولم يحقق أي نجاح بحياته، وأن والده مازال يعوله رغم تعديه سن الخامسة والعشرين وما إلي ذلك، مما يصل به إلي نفق مظلم من الاكتئاب واليأس يدفعه للجوء لتلك الرحلة المأساوية.
أوضح أحد أستاذة الصحة النفسية، أن الشاب بعد تخرجه من الجامعة، لا يجد فرص عمل، ويشعر بالإحباط؛ لكونه أضاع عمره في التعليم دونما جدوي، وتنغلق كافة الطرق الشرعية في وجهه، مما يجبره للجوء إلي فكرة الهجرة غير الشرعية، مشيراً إلي أن الشباب يعلم بأن الرحلة قد تصل به إلي الموت، لكنه يحدث نفسه بأن العبور قد يعني فرصة للحياة، أما البقاء يعني نهايته الحتمية.
وأكد أن الإعلام له دور سلبي في الأمر، فلا يؤدى واجبه نحو تنمية المجتمع، وإنما يعمل وفقاً أجندة معينة، ويضلل الشباب؛ لترويج فكرة معينة لصالح فصيل محدد، محذرا من التفكك الأسري الذي يسمح بظهور حالات الهجرة غير الشرعية والهروب من المشاكل والأزمات في محاولة إيجاد الفرصة.
المصدر
- تقرير: رحلات الموت ... موقع نافذة مصر