رجل من الخالدين بعمله

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
رجل من الخالدين بعمله

بقلم د. محي الدين الزايط

د.أحمد الملط والشيخ الغزالي في إفتتاح الجمعية

ذالكم هو الأستاذ الدكتور أحمد الملط مؤسس الجمعية الطبية الاسلامية الجراح النابغة والطبيب الشفيق ، والداعية الرفيق ، والأب الحنون والمربى الفاضل .، لازلت أسمع صوته فى أذنى وهو يروى لنا كيف نبتت فكرة انشاء الجمعية الطبية الاسلامية ،

كان رحمه الله تعالى من رواد مسجد عمرو بن العاص (أول مسجد فى مصر وأفريقيا) يواظب على سماع خطب الشيخ محمد الغزالي رحمه الله فى السبعينات من القرن الماضى وكان الغزالى يصول ويجول ويحاور ويجادل بالحسنى يضئ العقول ، ويحيى القلوب ويغذى الأرواح ..

ويثبت الايمان ويبدد الأوهام ويعيد الروح الى الشباب المسلم الذى عاد الى بيوت الله ، بعد سنوات عجاف من الضلال والإضلال وبعد خطبة بليغة مؤثرة التقى الدكتور الملط بصديقه القديم الشيخ الغزالى فأمسك بكتفه

وقال:

(ياشيخ غزالى .. أنت تخطب فينا الجمعة ، فتشعل فينا الحماس لدين الله ، والرغبة العارمة لنصرته والدفاع عنه ،فإذا عدنا لبيوتنا بردت العاطفة وسكن الحماس ، ولم نفعل شيئا يغير من واقعنا المر الأليم)

فرد عليه الشيخ قائلا:

(قدرنا نحن الدعاة أن يكون جهادنا بالكلمة أما العمل فعليكم أنتم معشر الأطباء والمهندسين ، والمدرسين ، والمهنيين ،كلُ فى مجاله وميدانه ... يحول الكلمة الى عمل ، والفكرة الى مشروع ، والخيال الى واقع) .

عاد الدكتور الملط مفعما بالفكرة ليلتقى بكرام وكبار الأطباء ، أصحاب العلم والكفاءة والخلق والرسالة ، ليقيم أول صرح طبى للجمعية بحى السيدة زينب ، بالتعاون مع فضيلة الشيخ محمد المطراوى (إمام مسجد السيدة زينب)؛

والحاج عبد العزيز زعير (أحد التجار الكرام بالحى العريق) رحمهم الله جميعا ويبدأ العمل بتجهيز المكان وتجميع الأطباء وتوفير الأجهزة، ويُفتتح المستوصف عام 1979 ليضم نخبة من أطباء الجمعية (د. محمود عزت مديراً ،ثم الدكتور مأمون عاشور ، د. أسامة رسلان ، د. عبد الفتاح اسماعيل ، د. ابراهيم عوف ، د. عبد الفتاح نجيب، د. سناء أبو زيد ، د. أحمد عزت ... ) وغيرهم من الأطباء أصحاب الرسالة والكفاءة والأمانة .

وتتوالى بعد ذلك الصروج الطبية الشامخة (الشرابية ،مصر الجديدة ،الطالبية ،العمرانية ،دار السلام ،المواساة ،الهدى ،الفاروق ...) كنا لا نستطيع تلبية كل طلبات الجمعيات الخيرية فى أنحاء القطر لإدارة مؤسساتها الطبية ، فنكتفى أن نفتح كل عام مؤسسة واحدة ، ونعتذر عن الباقى .

فى هذا الوقت ظهرت موضوع المستشفيات الاستثمارية الكبرى ، وكان من رأى الدكتور الملط أن أسوأ أنواع الاستثمار هو الاستثمار فى صحة الانسان ، ذلك أن رأس المال يبحث عن مضاعفة الريح بأى وسيلة وسيكون هذا على حساب المريض الذى سيعانى من آلام مرضه من تكاليف العلاج الباهظة ، التى لن يقدر عليها إلا القلة من الأغنياء والميسورين .

مبني الجمعية بالقاهرة

ومن هنا وضع أساس (المستشفى الاسلامى المركزى) بطريق المطار (الجلاء العسكرى الآن) .ليكون مؤسسة طبية كبرى تقدم أرقى وأحدث وسائل العلاج بسعر التكلفة فقط (مع العلاج المجانى للفقراء والمعدمين) ، ولتلبى حاجة الطبقة الوسطى من الشعب تلك الفئة الكريمة ، التى لا تستطيع دفع تكاليف العلاج الباهظة فى المستشفيات الاستثمارية؛

وكاد المشروع أن يتم لولا هبوب عواصف وزوابع مرت بالبلاد تحملها الدكتور الملط ورفاقة ، فلم ييأس ، وتسلمنا رضا بديلة فى منطقة الجولف بمصر الجديدة لنضع حجر الأساس من جديد ، ويكون الدكتور الملط مع فضيلة الشيخ الغزالى هما من يضعان اللبنة الأولى فى بناء الصرح الكبير ، فى وجود عدد كبير من كبار الدعاة والأطباء ، وأرباب الخير فى مصرنا الغالية عام 1993م .

نعم لقد تأخر المشروع طويلا ، وتوقف عدة مرات ، فقد كانت رؤية فى الانتشار الأفقى ، وعدم التركيز فى مشروع واحد ، فتمت اقامة نحوا من عشرين مؤسسة طبية صغيرة ومتوسطة تؤدى رسالتها على أكمل وجه فى أنحاء القطر .ومع ذلك ظلت الحاجة ولا تزال ملحة لانشاء صرح طبى على مستوى عالمى ليؤدى الوظائف الكبيرة الى لا تستطيع المؤسسات الصغيرة تحقيقها .

وتشاء ارادة الله تعالى أن تأتى المنية لذلك المجاهد العظيم فى ثالث أيام التشريف عقب أدائه فريضة الحج عام 1995م، ولا زلت أذكره رحمه الله بعد آخر اجتماع لمجلس الادارة فى أرض الجولف ، وقبل سفره للحج بأيام قلائل وهو يوصينى بالمستشفى ، ويدلنى على أمانات لديه ، وعلى وعود بالتبرع من رجال خيرين بعينهم وكأنه يشعر أن هذا هو آخر عهده بالمكان والزمان ، بل بالدنيا الفانية بأسرها .

أليس من حسن الخاتمة وبشريات القبول أن يلقى ربه عقب أداء فريضة الحج ليبعث يوم القيامة ان شاء الله ملبيا وقد صلى عليه فى المسجد الحرام 2 مليون حاج ويدفن فى مقابر المُعلّى بمكة المكرمة (بجوار قبر السيدة خديجة (رضى الله عنها)

تأبى الممات بأرضنا
فتموت فى حرم الإله

فهناك فى أم القرى

قد طيّب المولى ثراه

وبعده بعام واحد يلحق به فضيلة الغزالى ، ليدفن هو الآخر فى أرض البقيع فى جوار الحبيب النبى صلى الله عليه وسلم ، وبجوار ابراهيم ابن النبى والإمام مالك رضى الله عنه.

طوبى لمن سكن البقيع محققا أغلى مناه
رب الوجود تفضلا بجوار أحمد قد حباه

هذه النماذج العالية التى تفعل الخير لآخر رمق فى حياتها ، غير عابئة بما يصيبها من أذى وعنت ، تُحسن العمل، ونخلص النية، وتصدق الجهاد، فيكون الجزاء الأوفى حسن الخاتمة وروعة المستقر وجمال الذكر هنا فى الدنيا مع ما ينتظرهم من الكرامة والفلاح والسعادة والهناء فى دار الخلود .

هكذا نبتت فكرة الجمعية الطبية الاسلامية غرست البذرة ، فأنبتت الزرع وأتت ثمارها يانعة يافعة ، وتوشك أن تطرح الثمرة الكبرى فى مشروعنا الكبير الذى كان حلما وضعن أساسه أيادى طاهرة ، لقيت ربها ليستكمل المسيرة تلاميذ يحاولون السير على نفس الدرب ونفس النهج

"من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً " فهل نكون من الصادقين جهداً وعملاً ووفاءً ، لنحقق آمالهم ثم نلحق بهم ونلتقى معهم إن شاء الله تعالى " فى جنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر "

المصدر