رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
بقلم: د. توفيق الواعي
إيمان ورجولة، جهاد وثبات، إقدام وتضحية، نصر وشهادة، عزة وإباء، كرامة وفخار، مجد وشرف، فروسية وعزائم، إخلاص وسلامة طويلة.
معاني وكلمات، صفات ونعوت، كنا نسمع عنها ولا نرى لها رسمًا، ونقرأ صحائفها ولا نحس لها جسدًا، بل نرى العكس تمامًا، ونشعر ونحس الوهن والضياع والنذالة والسقوط.
وإني لفي دهر تسافـل بعدما أقيم مقـام الرأس فيـه ذنـاب
فوا عجبًا ممـا نـراه بجيلـه وأكثر أحـوال الزمـان عجاب
يزاد عن الماء النمير ابن حرة وللنذل فيـه مـورد وشـراب
وتعلو على أعلى الرجال أراذل وتسطو على ليث العرين كلاب
أما اليوم بعد شجاعة حماس وبطولة غزة وثبات أهلها وتضحيتهم ورجولة شبابها وصمودهم، أما اليوم وبعد أن رفرفت أمجاد غزة على عزائم الأمة فأيقظتها، وعلى خورها فعملقتها، فإنك ترى البعث الجديد الذي يُحلِّق في سماءِ البطولة، والزرع الناضر الذي يبهج الأرواح ويُعطِّر بشذاه أجواء الأمة، ويسطر ببطولته آيات المجد والفخار على أرضها وساحتها أما اليوم وأنت ترى الآلة العسكرية اليهودية التي كان يقال عنها أنها لا تهزم تقف عاجزةً أمام هذا الصمود الأسطوري، والثبات البطولي، أمام شباب حماس الناضر، وفتوتهم الخارقة، فإنك تجد أن الزمان قد استعاد بطولة الأولين، وأحيا رموز المجاهدين الأولين، وبعث همم الرجال الصادقين، واستعاد بطولة الصحب الأمين، وفحولة الفاتحين، وعزائم كاشفي الكروب الذين حيروا أعداء الحق المبين.
عزائم كاشفـات الكروب تكاد الجبال بها أن تـزولا
فلو رمت قلع الرواسي بها أعدت الرواسي كثيبًا مهيلا
وبطولة الصحابة والأجداد، بطولة قاهرة مثالية ترفع أعلام الجهاد وتأتي ببيان النصر، وما هذا إلا لحبهم للشهادة في سبيل الله ولدفاعهم عن الديار.
عن ابن مسعود، أن امرأةً من الأنصار أتت النبي- صلى الله عليه وسلم- بعشرة أولاد لها وقالت: هؤلاء أولادي معك، أغز بهم في سبيل الله، فكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يغز بهم، فكانت تسأل عنهم حتى استشهد منهم سبعة فكانت بمَن مضى منهم أشد فرحًا منها بمَن بقي، واستشهد ثامنهم وتاسعهم فاشتد فرحها وبقي الولد الأصغر وكان فيه التواء، فكانت أمه عند رأسه تبكي، فقال يا أمه مالكِ؟ لِمَ تبكين؟ وإخوتي كانوا خيرًا لكِ مني، وما بكيت عليهم- أي كانوا أعطفَ عليكِ مني-، قالت: لذلك أبكي؛ لأنك لا تحصل ما حصلوا، قال يا أمه: أرأيت لو أنَّ النارَ بين يديك أكنتِ تلقيني فيها؟ قالت: لا، قال فإنَّ ربي عز وجل أرحم بي منك.
وجهاد الكفار المعتدين واجبٌ على كلِّ مسلم؛ لأنه ارتضى الإسلام دينًا، و الإسلام يحارب الظلم والطغيان في شياطين الإنس الذين رفعوا عقيرتهم بالبغي والاعتداء على الناس، ورغَّب أعظم الترغيب في جهادهم، وأجزل ثواب المجاهدين والشهداء، وأخبرنا بأنهم أحياء وإن ظنَّ الناس أنهم موتى.. قال تعالى: ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)﴾ (آل عمران)، ﴿فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (74)﴾ (النساء).
كما أن للشهيد كرامةً عند ربه لا تُدانيها كرامة يتمنى كل مسلم أن ينالها ويتطاول إليها، فعن المقداد بن معدي يكرب قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "للشهيد عند الله ست خصال: يغفر في أول دفعة، ويُرى مقعده من الجنة، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويُزوَّج من الحور العين، ويُشفَّع في سبعين من أهله" رواه الترمذي، هذه الكرامات وغيرها دفعت المؤمنين المجاهدين إلى السباق نحو نيلها والتمتع بكرم الله ولقائه.
عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: "انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا إلى جنةٍ عرضها السموات والأرض، قال عمير بن الحمام بخ بخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحملك على قول بخ بخ، قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءَ أن أكون من أهلها، قال: فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لا حييتَ حتى آكل تمراتي إنها لحياةٌ طويلة، فرمى ما كان معه من تمر، ثم قاتل حتى قُتل" (رواه مسلم).
والإسلام يعرف الواقع البشري ويعرف طبيعة العداوة الشريرة؛ ولذلك أمر المسلمين بالاستعداد لهذه الطبائع المنحرفة فقال: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ (الأنفال: من الآية 60)، إذن فلا بد للإسلام من نظام حياة، ولا بد له من قوةٍ تردع المنحرفين، ولا بد له من جهاد، هذه طبيعة الإسلام التي لا يقوم إلا بها ولا يعيش بدونها ويقود.
أما الذين يعيشون عيشةَ العبيد الذين يُضربون على أم رأسهم ويركعون لأعدائهم ويرتضون أن يكونوا كالأنعام التي تسرح وتروح وتدجن، فهؤلاء بينهم وبين الإسلام بون طويل، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا تبايعتم بالنسيئة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذلاًّ لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم".
ومن أجل أن يكون الإنسان جاهزًا دائمًا وفي وضع استعدادي يجعله الإسلام دائمًا في رحاب الجهاد وحول أريجه، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن جهَّز غازيًّا في سبيل الله تعالى فقد غزا، ومَن خلَّف غازيًا في سبيل الله بخيرٍ فقد غزا" (رواه البخاري)، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بخير الناس وشر الناس؟ إنَّ خيرَ الناس رجلاً عمل في سبيل الله على ظهر فرسه أو ظهر بعيره أو على قدمه حتى يأتيه الموت، وإن من شر الناس رجل يقرأ كتاب الله تعالى لا يرعوي بشيء منه" (رواه النسائي).
بعد هذه السياحة الصغيرة حول هذه المعاني يتضح لنا أن المسلم ومجتمعاته التي يعيش فيها في وادٍ و الإسلام في وادٍ آخر، وأنَّ كثيرين ممن يزعمون نصرةَ الإسلام أو التربية عليه بعيدون كثيرًا عن رحابه، وضالون عن فهم حقيقته، أو عاجزون عن القيام بفرائضه وواجباته أو مدعون متصنعون للانتساب إليه.
ولهذا ينبغي مراجعة التربية التي درج الناس عليها وتلقنوها حتى تستطيع الأمة النهوض بأعبائها، وواجباتها ويكون هناك نصر ووئام، عزة وسلام، ويهتف الجميع:
تألَّق النصـر فاهتـزت عوالينـا واستقبلت موكب البشرى قوافينا
غنَّى لنا السيفُ في الأعناقِ أغنيةً عزَّت على الأيكِ إيقاعًا وتلحينا
والله نسأل أن يعزَّ الإسلام والمسلمين.. آمين.
المصدر
- مقال:رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليهإخوان أون لاين