رجال الأعمال والمال والبنوك ودوار المنارة
2008-09-14
بقلم : محمد خضر قرش
لا يشكل دوار المنارة عصب ومفصل الطرق والتفرعات فحسب بل ومحطة ومركزا ذا أهمية تجارية لمدينة رام الله/ البيرة . صحيح أنه لم يتم إحصاء عدد السيارات بأنواعها التي تعبر أو تستخدم الدوار يوميا وكذلك بالنسبة للأشخاص ، لكن من المؤكد بأن العدد يتجاوز عشرة آلاف سيارة وأضعاف هذا العدد من المواطنين طلابا كانوا أو موظفين أو عمالا أو رجال أعمال ومال ومسؤولين على اختلاف مستوياتهم . فالدوار يشكل عنق زجاجة الحركة التجارية في المدينة بدون منازع أو منافس ويأتي بالدرجة الثانية من الأهمية بعده دوار الساعة وبدونهما فإن الحركة التجارية والاقتصادية ربما تشل في المدينة. ورغم إدراك الجميع بأهمية هذين الدوارين إلا أن أحدا منهم (فردا كان أو جماعة) لم يبادر إلى اقتراح لتنظيم انسياب حركة السير والأهم تدفق وعبور المواطنين من وإلى الشوارع المؤدية إلى الدوارين المذكورين . وعلينا أن ندرك بأن منظمي حركة السير يقومون بالواجب الملقاة على عاتقهم ، ولكن أمام ضيق وصغر حجم الأرصفة المخصصة للمشاة والأعداد الهائلة من المواطنين والسيارات الذين يتدفقون يوميا إلى الدوارين يجعل قدرة رجال شرطة السير بتنظيم حركة مرور السيارات والمواطنين محدود جدا وغير فعال مهما تمت زيادة عدد أفراد الشرطة ولأن المساحة التي نتحدث عنها لا تزيد عن عشرات الأمتار فإن الزيادة بحد ذاتها تعتبر عبئا إضافيا على جهود الشرطة نفسها المكلفة بتنظيم حركة السير . فالازدحام غير العادي الذي يشهده دوار المنارة في ساعات الصباح والظهيرة والمساء حيث فترة التجوال والتسكع والتوقف على جانبي الشوارع المحيطة والمتفرعة من والى الدوار والتي تبدأ بعد الساعة السابعة مساءً ، تجعل من تنظيم السير وحركة البشر أمر لا يطاق وفوق طاقة رجال الشرطة.
[ ما هو الحل]
إذا انطلقنا بأن استمرار الوضع على ما هو عليه الآن يشكل هدرا للموارد بأنواعها وللوقت المستغرق للوصول إلى المكاتب ولإنجاز الأعمال ، بالإضافة إلى أن استمراره على هذا المنوال سيفاقم المشكلة في المستقبل مع ازدياد عدد السكان والسيارات والحركة التجارية. وغني عن الذكر بأن من شأن ذلك أن يضر بتطور المدينة ويزيد من تكلفة التغيير مستقبلاو من الأعباءالتي تقع على عاتق دافعي الضرائب . والحل المقترح ليس سحريا أو استثنائيا أو غير معهود في كافة مراكز المدن التي تشهد أزمات مرورية خانقة مماثلة لتلك السائدة في دوار المنارة والى حدٍ ما في دوار الساعة. والمقترح على بساطته وانخفاض تكلفته لم يبادر إلى طرحه رجال الأعمال والمال والبنوك وما أكثرهم في فلسطين . والمقصود بالمبادرة هنا هو إعلان هذه الجهات عن استعدادها لتمويل التكلفة المتأتية عن إقامة وتشييد ممرات أرضية تحت الشوارع المؤدية من وإلى الدوار، بغرض وقف حركة تدفق عبور المشاة في الشوارع مما يسمح للسيارات بالانسياب بدون توقف وحيث أن وقت رجال الأعمال والمال يقيّم بالنقود ، فإنهم بهذا يهدرون أموالهم يوميا بلا طائل. وحتى أولئك الذين يتجنبون الدوار عن طريق اللجوء إلى الطرق الالتفافية البعيدة فإنهم في نفس الوقت يهدرون زمنا ووقودا إضافيا كان يمكن توفيرها لو تم إقامة ممرات للمشاة تحت الأرض (أنفاق) بسيطة. فالشوارع المؤدية من والى الدوار ستة وهذا يعني أن المقترح يتكون من تشييد ستة ممرات للمشاة تحت الأرض ربما لن تزيد تكلفتها عن "6" ملايين دولار مع ما يلزم من إضافات وتحويلات بسيطة . واعتقد جازما بأن هذا المقترح يخدمهم بالدرجة الأولى، حيث يختصر الوقت المستغرق في الوصول إلى الأعمال وإنجازها . بالإضافة إلى كونه من الواجبات والمسؤوليات الاجتماعية العامة التي تقع على عاتق كل بنك أو شركة مساهمة عامة. وهذه ليست بدعة وإنما هي مطبقة ومعمول بها في كل أنحاء العالم دون استثناء . ومن الجدير ذكره هنا بأن رجال الأعمال والمال والبنوك أعلنوا عن التزامهم بإعادة بناء مركز الشرطة الذي قصفته الطائرات الإسرائيلية بالقرب من مدرسة الفرندز وأعلنوا ذلك رسميا عبر وسائل الإعلام كافة بعد مقابلتهم للرئيس ياسر عرفات رحمه الله.
وهذا الالتزام لا يسقط بالتقادم لذا فإن الواجب يدعو رجال الأعمال والمال والبنوك بضرورة تجديد هذا الالتزام مرة أخرى مع استبداله بإقامة الأنفاق للمشاة في الشوارع المؤدية إلى دوار المنارة . هذا هو الحل بكل بساطة فلماذا يتأخر أو يعزف رجال الأعمال والمال والبنوك عن المبادرة لفعل ذلك ويقدموها هدية لروح المرحوم ياسر عرفات وللحركة التجارية في المدينة ولشرطة المرور.
[ المشكلة]
إذا كان الحل بسيطا كما أسلفنا ، فلماذا يتردد رجال الأعمال والمال والبنوك في التبرع والمساهمة في إقامة هذه الممرات ؟ المشكلة لها أكثر من جانب لعل أبرزها يكمن في:
1- لقد اعتاد الفلسطينيون منذ ما قبل قدوم السلطة الوطنية على فتح أيديهم لطلب المساعدات والإعانات من المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية والدولية، لذا فإن روح المبادرة تراجعت لديهم وباتت محدودة جدا بما في ذلك لدى رجال الأعمال والمال والبنوك.
2- ضعف وسائل ضغط المجتمع المدني بمنظماته وجمعياته التمثيلية المختلفة على طرح هكذا أفكار ومتابعتها ، رغم أنها هي نفسها ورغم كثرتها تحصل على مساعداتها من الدول المانحة والتي تضاف إلى إجمالي المساعدات المحولة للشعب الفلسطيني.
3- اعتاد رجال الأعمال والمال وكافة الجمعيات الممثلة لهم على الحصول على تمويل من الدول المانحة لإقامة مؤتمراتهم وورش أعمالهم وحتى للعديد من المشاريع الإنتاجية لهم وعليه فقد لازمتهم هذه العادة غير الحميدة ولم يعودوا يبادرون لتقديم مشاريع من شأنها تطوير المدن الفلسطينية. فمؤتمر الحوار الوطني الثالث بين القطاعين العام والخاص على سبيل المثال والمزمع عقده في خريف هذا العام ، قدمت "بال تريد" طلب تمويل لانعقاده من الدول المانحة ، علما بأن أحد رجال الأعمال الكبار أعلن عن استعداد شركاته لدفع مبلغ 150 ألف دولار كمساهمة في تكاليف انعقاد المؤتمر وفتح باب التبرعات لبقية الشركات عوضا عن طلب المساعدة من الدول المانحة . وهذا حصل مع معظم المؤتمرات التي عقدت في فلسطين. فإلى متى يمكن تقبل عزوف القطاع الخاص عن المساهمة المالية لإقامة مؤتمر الحوار الوطني !! القطاع الخاص طرفا أساسيا فيه ولماذا يلجأ إلى الدول المانحة للتمويل ، ما دام المؤتمر مفيدا له ويحقق من خلال انعقاده مصالح له.
4- هناك ضعف في الدور الاجتماعي لبعض الهيئات التمثيلية لمؤسسات القطاع الخاص مثل جمعية البنوك وجمعية رجال الأعمال واتحاد المقاولين والمهندسين ...الخ فهذه الهيئات التمثيلية للجسم الاقتصادي لم تعد معنية في المساهمة في بناء المجتمع على اعتبار أن هذا يقع على مسؤولية الدول المانحة والحكومة ؟!
فالمشكلة تكمن في ضعف المبادرات وعدم الاعتياد على المشاركة الفعّالة في بناء المجتمع. للسلطة والحكومة دور مهم وهذا مما لا شك فيه، ولكن من الواجب على القطاع الخاص المساهمة في بناء المجتمع . ولا نريد أن نقدم أمثلة من مختلف دول العالم فهي كثيرة جدا ولا يمكن حصرها أو عدها.
( الخلاصة)
وحتى يتم إنجاز أنفاق المشاة في الشوارع المؤدية إلى دوار المنارة وفيما بعد إلى دوار الساعة فإن جهات عدة عليها واجب المبادرة للمساعدة والتنظيم في ذلك ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
1- اتحاد المقاولين والمهندسين ، حيث يتوجب عليهما المبادرة إلى تقديم المخططات والرسومات والتصميمات لإقامة مثل هذه الإنفاق مجانا كمشاركة مجتمعية.
2- جمعيات رجال الأعمال والمال والبنوك تحديدا وهي من سيقع على عاتقها مهمة وواجب جمع الأموال لهذا المشروع ولغيره من خلال إقامة ( صندوق المساهمات الاجتماعية) تشارك به كل الشركات المساهمة العامة والبنوك ورجال الأعمال والمال الفلسطينيين في الداخل والخارج.
3- مؤسسات السلطة الرسمية حيث يتطلب منها متابعة مثل هذه الأعمال بما في ذلك اقتراح مشاريع تنموية بسيطة مماثلة لأنفاق المشاة.
ما يقوم به القطاع الخاص من تقديم المساعدات والمساهمات للمجتمع الفلسطيني واجب قبل أن يكون تبرعا. القطاع الخاص يقوم بدوره الإنتاجي والخدماتي بشكل جيد ويحقق أرباحا جيدة أيضا وهذا حقه ولا نقاش فيه ولكن الواجب الاجتماعي يتطلب أن يساهم القطاع الخاص بإنشاء ( صندوق المساهمات الاجتماعية) فمن سيبادر بالإعلان عن ذلك أولا، سيقطف الثمار ويحقق الأرباح هذا ما ينتظره الفلسطينيون من القطاع الخاص وما ينتظره رجال شرطة المرور في دواري المنارة والساعة؟.