رؤية لتباين الآراء حول فكر سيد قطب
بقلم المستشار/ سالم البهنساوي
- لقد أعاد سيد قطب قراءة القرآن الكريم وخرج بمفاهيم لا تعد أبدًا أحكامًا شرعية لكفر أفراد أو مجتمعات، وإنما هي تصورات لطبيعة الصراع - مصطلح الجاهلية في فكره يعني جاهلية المناهج والتشريعات التي تناهض شريعة الله وتحاربها - يقول بإسلام من نطق بالشهادتين دون انتظار لامتحانه
لقد اضطر سيد قطب لاستخدام عبارات غير محددة لمواجهة الأنظمة الاستبدادية، وفي مقدمتها النظام الناصري المصري، والذين فهموا ذلك لم يختلفوا على مفاهيم الشهيد وأفكاره، وفي مقدمة هؤلاء المستشرق الفرنسي جيل كيبيل في كتابه "النبي وفرعون" حيث قال: الدولة الاستبدادية هي التي تعطي نموذجًا للجاهلية، فالجاهلية في نظر سيد قطب عبارة عن تجمع يحكمه أمير فاسق يريد أن يعبده الناس من دون الله، يحكم وفقًا لأهوائه وشهواته بدلاً من أن يعمل بمبادئ الكتاب.
وعن سبب الاختلاف في المفاهيم والواردة في المعالم والظلال قال: إن إعدام سيد قطب المبكر وضع مفاهيمه وأفكاره في متناول الشعب بكل ما احتملته من مضامين غير واضحة أيضًا، وأدَّى ذلك إلى وقوع سلاح التكفير، أما الذين لم يدركوا أن أكثر الكتاب في هذه المرحلة كانوا يستخدمون الرمز ولا يجرؤون على التصريح بشيء وإلا حُكِم عليهم بالموت السريع أو البطيء تخبطوا في فهم فكر سيد قطب".
منهج القرآن والحضارات البشرية لقد أعاد سيد قطب طبعات الظلال في ضوء تجربته مع النظام الناصري، وتجربة سائر الإسلاميين أفرادًا وجماعات مع النظم العسكرية.
لقد نصبت هذه الأنظمة المشانق لصفوة من رواد الحركات الإسلامية في أكثر البلاد الإسلامية- التي كان يحتلها الإنجليز والفرنسيون، وجاهد الإسلاميون لتحريرها من هذا الاحتلال، فكان أن بطشت بهم الأنظمة الوطنية، وحرمتهم من حقوق المواطن بما لم تشهد له هذه البلاد مثيلاً في ظل الاحتلال الأجنبي.
لقد أعاد سيد قطب قراءته للقرآن الكريم ليعقد المقارنات بين طبيعة الخلاف والصراع الحالي، وبين الإسلام والجاهلية خلال حياة الرسل بمصطلحات جديدة، وكان منهجه الفكري الجديد مفاهيم لا تعتبر أحكامًا شرعية بكفر الأفراد أو الجماعات، فقد أفصح صاحب هذه المصطلحات أنها ليست إلا تصورات لطبيعة الصراع، ومعالم على طريق هذا الصراع.
لهذا يخطئ من يستخلص منها أحكامًا شرعية بكفر الأفراد أو المجتمعات، فالمقارنة التي أوردها بين الجاهلية الأولى وبين الحضارة المادية المعاصرة، ليست لاستخلاص حكم شرعي مماثل لحكم الله في الجاهلية الأولى.. إنها مقارنة لمعرفة طبيعة الخلاف والصراع الذي يجهله الكثيرون.
إنه من الخطأ البيِّن أن نستخلص من هذه المقارنة حكمًا بكفر الشعوب الإسلامية المحكومة بهذه الأنظمة العسكرية، ولا بكفر أشخاص الحكام، وإن مصطلح الجاهلية في فكر سيد قطب يُراد به جاهلية المناهج والتشريعات التي تناهض شريعة الله وتحاربها.
لقد تضمن هذا المقال ملخصًا لهذه القضية والخلاف الطارئ بشأن هذه المفاهيم والصواب في ذلك، اكتفاءً بالتفصيل الوارد في كتابي "أضواء على معالم الطريق"، وكتاب "الحكم وقضية تكفير المسلم".
قضية الجاهلية والكفر
كتب سيد قطب عن الجاهلية والكفر؛ لكنه لا يعني الأفراد والشعوب، وإنما يعني الأنظمة والتشريعات والمناهج، يقول: المجتمع الجاهلي هو المجتمع الذي لا يخلص عبوديته لله وحده، ثم ذكر أنه يدخل في ذلك: أ- المجتمع الشيوعي. ب- المجتمعات الوثنية. ج- المجتمعات اليهودية والنصرانية. د- المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها مسلمة. ثم شرح سيد قطب هذه العبارات لتوضح المقصود منها.
ولكن بعض من ادعوا محبته، وكذا مَن يناصبون منهجه العداء لعلمانيتهم أو لتبعيتهم لآخرين، قد زعموا أنه يقول بكفر المسلمين في عصرنا، ومنهم من رتب على ذلك أحكامًا تتفاوت باختلاف قصده.
ومنهم مَن زعم أن سيد قطب أعلن لهم، أن النطق بالشهادتين لا يعد دليلاً على إسلام المرء، فلا يعتبر مسلمًا من صلَّى وصام، ولم ينخرط في الجماعة التي تتبنى الحاكمية وفق مفهوم المخالفين، حسبما هو مفصل في كتاب ( الحكم وقضية تكفير المسلم ) وكتاب ( ذكرياتي في جماعة المسلمين ).
ولقد رتب بعض العلمانيين على ذلك مزاعم نسبوها إليه وإلى غيره من الدعاة، أفرادًا وجماعات- حسبما ذكرناه من قبل.
والأستاذ سيد قطب بريء من هذه المزاعم؛ فقد أوضح في شرحه لهذه العبارات سبب الوصف بالجاهلية للمجتمعات التي تدَّعي الإسلام، وهو لا يطلق كلمة الجاهلية دون تحديد، فما كان منها متعلقًا بالعقيدة ركَّز عليه، وما كان متعلقًا بالتقليد أشار إليه.
والدليل الأول على ذلك: قوله: لقد حاول اليهود بمساعدة الحمير الذين يستخدمونهم من الصليبيين أن ينشروا موجة الإلحاد في نفوس الأمم التي تعلن الإسلام عقيدة لها ودينًا- ومع أن الإسلام قد بهت وذبل في هذه النفوس فإن الموجة التي أطلقوها عن طريق البطل أتاتورك في تركيا انحسرت على الرغم من كل ما بذلوه لها وللبطل من التمجيد والمساعدة، وعلى كل ما ألفوه من الكتب عن البطل والتجربة الرائدة التي قام بها.. ومن ثم استدارو في التجارب الرائدة راية الإلحاد، إنما يرفعون عليها راية الإسلام ، كي لا تصطدم الفطرة كما صدمتها تجربة أتاتورك ثم يجعلون تحت هذه الراية ما يريدون من المستنقعات والقاذورات والانحلال الخلقي، ومن أجهزة التدمير للخامة البشرية بجملتها في الرقعة الإسلامية.
الدليل الثاني: قوله: فالشرك بالله المخالف لشهادة أن لا إله إلا الله يتمثل في كل وضع، وفي كل حالة لا تكون فيها الدينونة في كل شأن من شئون الحياة خالصة لله وحده، ويكفي أن يدين العبد لله في جوانب من حياته، بينما هو يدين في جوانب أخرى لغير الله حتى تتحقق صورة الشرك وحقيقيته، وتقديم الشعائر ليس إلا صورة واحدة من صور الدينونة الكثيرة، والذين يظنون أنهم في دين الله، لأنهم يقولون لأقوامهم نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويدينون فعلاً في شئون الطهارة والشعائر والزواج والطلاق والميراث، بينما هم يدينون فيما وراء هذا الركن الضيق لغير الله، ويخضعون لشرائع لم يأذن بها الله، وكثرتهامما يخالف مخالفة صريحة شريعة الله، ثم هم يبذلون أوراحهم، وأعراضهم وأخلاقهم أرادوا أم لم يريدوا، ليتحقق ما تتطلبه فيهم الأحكام الجديدة، فإذا تعارض دين أو خلق أو عرض مع مطالب هذه الأحكام، نبذت أوامر الله فيها، ونفذت مطالب هذه الأصنام عليهم أن يضيقوا لما هم فيه من الشرك.
الدليل الثالث: ما أورده عن معنى قول الله تعالى: ﴿لا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ (النساء: 94).. قال في الظلال: يكتفي الإسلام هنا بالنطق بكلمة اللسان، فلا دليل يناقضها، أي أنه يقول بإسلام من نطق بالشهادتين دون انتظار لامتحانه، إذ لا يوجد دليل يخالف هذا الظاهر.
الدليل الرابع: ورأي ابن باز: وهو في موضع آخر يحدد قصده من الجاهلية بقوله: إنها تعلن العلمانية كمنهج في التشريع وفي الحياة كلها، وبعضها وضع قوانين من عند نفسه تخالف شرع الله، وقال عنها هذا شرع الله ولا يخفى على مَن يفقه الإسلام أن هذه الأعمال تصبح سببًا لردة المسلم عن الإسلام إذا قالها أو فعلها وهو على بينة من دلالتها، وقد أوضح بيان صادر بتوقيع الشيخ عبد العزيز بن باز يرحمه الله أن مثل هذه الأعمال تعتبر ردة عن الإسلام، وذلك في كتيب صدر عام 1402هـ- 1982 م عن إدارة البحوث والافتاء ب المملكة العربية السعودية بعنوان دليل الحاج والمعتمر.
فذكر البيان: أن من أسباب الردة والاعتقاد بجواز الحكم بغير ما أنزل الله، وإن لم يعتقد أن ذلك أفضل من حكم الله، وكذلك الإعراض الكلي عن الإسلام.
قضية الجماعة والكفر ذكرنا أن أقوال الشهيد وكذا زعموا التبعية له، وكلها تزعم أنه يكفر من ليس في جماعته، وفي الظلال يصف المسلم غير المرتبط بالجماعة، بل القاعد من الأفراد بقوله: أما القاعدون من المسلمين الباحثين والمفسرين الذين لا يتحركون حركة عملية بالقرآن فهم لا يفهمون القرآن ولا يحسنون تفسيره، ولا يدركون منهجه، إن هذا القرآن لا يتذوقه إلا من يخوض مثل هذه المعركة ويواجه مثل تلك المواقف التي تنزل فيها ليواجهها ويوجهها، والذين يلتمسون معاني القرآن ودلالته، وهم قاعدون يدرسونه دراسة بيانية أو فنية، لا يملكون أن يجدوا من حقيقته شيئًا في هذه القعدة الباردة الساكنة، بعيدًا عن المعركة، وبعيدًا عن الحركة، وقد سُئل رحمه الله في تحقيقات الجناية 12/1965م أمن الدولة العليا بمصر: هل ترى أن هناك فرقًا بين المسلم المنتمي لجماعة الإخوان وغير المنتمي لتلك الجماعة؟ والسؤال من صلاح نصار رئيس النيابة وكان الجواب هو:
الذي يميز الإخوان أن لهم برنامجًا محددًا في تحقيق الإسلام، فيكونون مقدمين في نظري على مَن ليس لهم برنامج محدد، والتمييز في رأيي ليس تمييز شخص على شخص، ولكن فقط لأن الجماعة ذات برنامج ومنهج تعمل لتطبيقه.
المصدر
- مقال:' رؤية لتباين الآراء حول فكر سيد قطب موقع اخوان اون لاين