رأفت ناصيف في حوارٍ قبل اعتقاله بساعات
- ليس هناك أي دلائل على عودة حوار القاهرة مرةً أخرى
- كيف نذهب إلى الحوار والعصا فوق رءوسنا ورجالنا في السجون؟!
- نتمسك بالقانون ونُصِرُّ على تنفيذه فيما يتعلق بولاية عباس
- حماس فكرةٌ ومنهجٌ لا يمكن أن تنتهيَ من خلال ملاحقتها
- الموقف العربي ضعيف ويساهم في تعزيز الحصار على غزة

قُبيل ساعات قليلةٍ من اعتقاله مساء الأحد 14/12/2008 م، كان موقع (إخوان أون لاين) هناك مع رأفت ناصيف القيادي البارز في حركة المقاومة الإسلامية حماس وعضو القيادة السياسية للحركة؛ ليحدِّثنا عن الحوار الوطني بالقاهرة الذي يمثِّل حماس فيه؛ وذلك قبل أن تداهم القوات الأمنية الخاضعة لمحمود عباس منزله في طولكرم بالضفة الغربية وتجدد اعتقاله.
وفي لقائه استبعد ناصيف إمكانية استئناف الحوار الوطني في القاهرة قريبًا، مشيرًا إلى عدم وجود أي مجهودات جديدة في هذه الصدد، مؤكدًا تمسُّكَ حماس بمطالبها فيما يتعلق بوقف الحرب ضدها بالضفة الغربية والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين ووقف ملاحقة المقاومين كخطواتٍ تساهم في تعزيز وتهيئة الأجواء المناسبة لبدء حوار ناجح.
وفيما يتعلق بتهديدات الرئيس عباس بالإعلان عن انتخابات مبكرة، أكد ناصيف أن حماس تتمسَّك بالقانون وتُصِرُّ على تنفيذه، منوِّهًا بأن تهديدات الرئيس عباس هدفُها ابتزاز حماس ووضعها تحت الضغط لإجبارها على تقديم بعض التنازلات، فيما انتقد من جهةٍ أخرى الموقف العربي حيال حصار غزة؛ لمساهمته الكبرى في تشديد ودعم الحصار على القطاع.
* بصفتك ممثلاً لحماس في حوارها الوطني بالقاهرة.. هل من جديد بخصوصه؟
- حاليًّا لا توجد هناك أي مؤشرات على قرب استئناف الحوار الوطني، ولا توجد أي جهود بنَّاءة في هذا الاتجاه.. نحن من جهتنا نؤكد أننا ما زلنا على موقفنا تجاه دعم الحوار وبدون أي اشتراطات، المهم أن تتوفر الشروط التي تعزز نجاح هذا الحوار.
* ما أبرز القضايا التي تعرقل بدء الحوار، خاصةً أن كافة الاتهامات التي يروجها الإعلام موجَّهة إلى حماس؟
- حقيقةً.. ما أعاق بدء الحوار هو الحرب الأمنية التي تشنها أجهزة عباس في الضفة الغربية ضد حركة حماس وأنصارها، وفي اللحظة التي تتوقف فيها هذه الحملة ويتم الإفراج عن المعتقلين السياسيين تكون الأمور ممهدة لانطلاق حوار ناجح.
* البعض يقول إن دولاً عربية وجَّهت إليكم رسائل تحذير من المشاركة في الحوار؛ لأنه عبارة عن وقيعة لحماس تُعِدُّها القاهرة؛ مما دفعكم إلى مقاطعته.. فما حقيقة ذلك ؟
- لم يحدث من ذلك شيء.. حماس كانت ذاهبةً إلى الحوار بكل صدق وبحسن نية، ولم تتلقَّ أي اتصال أو مشورة في اتجاه معاكس للحوار.
هذه دعايات كاذبة؛ يحاول البعض أن يعكس من خلالها ما يجري معه بالذات.. نقولها بوضوح: حماس مستعدة لأي حوار بشكل مباشر وسريع.
* بعض المصادر قالت إن تأجيل الحوار كان بسبب ضغوطات خارجية تعرَّضت لها حماس؟
- كما قلت: هذه دعايات يحاول البعض أن يعكس من خلالها الصورة الموجودة عنده، ويحاول أن يُوجِد تبريراتٍ يعيشها هو؛ فحماس تَمُد يدها للحوار منذ الوهلة الأولى بإرادتها وبدون أي ضغوطات خارجية أو داخلية، باعتباره خيارًا إستراتيجيًّا لاستعادة وحدة شعبنا الفلسطيني، بشرط أن تكون الأجواء إيجابيةً، إلا أن المصريين لم ينجحوا في تهيئة هذه الأجواء؛ بسبب استنكاف الطرف الآخر وتعنته وإنكاره وجود معتقلين سياسيين رغم المبادرات وحسن النوايا التي قدَّمتها حماس.
* هل يمكن القول إن مصر كان شريكةً في إعاقة الحوار بعد تجاهلها ما تفعله أجهزة عباس بالضفة؟
- عندما طرحنا قضية المعتقلين السياسيين بالضفة على الإخوة في مصر ، تفهَّموا الأمر ووعدوا ببذل الجهود لتحقيق مطالبنا باعتبارها واضحةً ومعلنةً، إلا أنهم أقروا بفشلهم مع الرئيس عباس في إقناعه بتهيئة الأجواء المناسبة للحوار؛ إذ إن عباس أنكر وجود معتقلين في سجون الضفة؛ مما دفع الإخوة المصريين إلى إيثار إعلان تأجيل الحوار لأجَلٍ غير مسمَّى.
* سمعنا أن حماس وضعت شروطًا جديدةً للعودة إلى طاولة الحوار ؟
- ليس لدينا أي شروط.. ما طرحناه خطواتٌ تعزِّز نجاح الحوار؛ ففي اللحظة التي تتوقف فيها الحملة الأمنية بالضفة وملاحقة أبناء حماس والمقاومين وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين سنكون على رأس الذاهبين والجالسين على طاولة الحوار بدون أي شروط.
* أليس من الأَوْلى طرح هذه القضايا على طاولة الحوار بدلاً من استباق الأمور والإعلان عن المقاطعة ؟
- من غير المعقول أن يذهب أي إنسان لخلق شيء إيجابي والعصا فوق رأسه؛ فلا يمكن أن نُقتَل ونُلاحَق ونُعتَقل ونُضرَب وتُغلَق مؤسساتنا ثم نوقِّع ما يريدون.. هذه الصورة لا يقبلها أي عاقل.
* بالمناسبة.. الرئيس عباس عاد بشروطه إلى الحوار، وأصبح مطلوبًا منكم الاعتراف بمنظمة التحرير كشرطٍ لدخولها ونجاح الحوار ؟
- الرئيس يدرك من السبب في تعطيل اتفاق القاهرة عام 2005 م، وكان المفروض من عباس نفسه أن يدعوَ إلى تفعيل وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية منذ ذلك الحين، إلا أنه- على العكس- تسبَّب في أزمةٍ بعدم إعادة تفعيلها لتكون منبرًا وممثلاً لكل الشعب الفلسطيني، وأقول لك إن الرئيس عباس ومَن حوله عطَّلوا إعادة بناء المنظمة، وبالتالي فالمنظمة بصورتها الحالية لا يمكن القبول بها بأية حال؛ لأنها تمثِّل "فتح" فقط وتُهمل باقيَ الأطياف الفلسطينية.
* ولكن أبو مازن سيعلن قريبًا عن انتخابات تشريعية ورئاسية متزامنة.. ما هي خياراتكم لمواجهة هذا الأمر ؟
- نحن نقول إن القانون الأساسي معنا، ولا نتماشى مع أية خطوة ضد القانون، و"التشريعي" سيد نفسه، وبالتالي الرئيس عباس سيجد نفسه في عزلةٍ وصدامٍ مع شعبه في حال أعلن عن انتخابات متزامنة ومبكرة، ومهما فعل فلن يجديَه نفعًا أو يسعفه بشيء.
هذه خطوات تهديدية؛ المراد منها فقط ابتزاز حماس ووضعها تحت الضغط لإجبارها على تقديم بعض التنازلات، إلا أننا نُطمْئِن الجميع: حماس قوية ومتمسكة بالقانون وتُصِرُّ على تنفيذه.
* وماذا سيحدث في حال تجديدِ الرئيسِ ولايتَه بعد التاسع من يناير والاعتراف به من قِبل جميع العالم بعكس رئيس غزة ؟
- ما يهمنا أن يأخذ أي رئيس شرعيته من شعبه؛ فمن أراد أن يأخذ شرعيةً لنفسه ممن يشاء فليأخذها، أما نحن فنأخذ شرعيتنا من شعبنا الذي أعطانا الثقة والشرعية في الانتخابات السابقة ويصر على تنفيذ القانون، وأيةُ خطوة تُتَّخَذ خارج القانون- حتى لو اعترف بها العالم- لن تحظى بموافقة "التشريعي" أو شعبنا.
* كيف قرأتم قرارات الجامعة العربية الأخيرة بضرورة رفع الحصار عن غزة؟ وهل لمستم جدية في تنفيذ هذه القرارات ؟
- للأسف الشديد وبكل حزن.. لم نكن نأمل يومًا من الأيام أن يكون إخواننا العرب شريكًا في دعم الحصار على غزة.
الموقف العربي - للأسف - خجولٌ ومُساهمٌ إلى حدٍّ كبير في تعزيز الحصار على غزة، وكان دون المستوى المتوقع، ولم يَرْقَ إلى تضحيات شعبنا، وعلى أية حال نأمل أن يتم تنفيذ الحد الأدنى من هذه قرارات: التدخل لرفع الحصار.
* هل هناك اتصالات بين حماس وأطراف عربية رسمية؟ وكيف تلمسون المواقف العربية ؟
- نحن على تواصل دائم بالإخوة العرب والأنظمة العربية، ونضعها في صورة ما يحدث، ونشرح لهم خلفيات المواقف والظروف التي عطَّلت الحوار.. نجد في كثيرٍ من الأحيان تفهُّمًا لهذه الأمور، لكن للأسف لا نجد ترجمةً لذلك.
* في ضوء التغيرات على الساحة الدولية والإقليمية.. ما مدى قدرتكم على استيعاب هذه التغيرات؟ وكيف تُقيِّمون تجربة الحركة في المعترك السياسي وهي تدخل عامها الحادي والعشرين ؟
- في هذا المقام أستذكر كلماتٍ للشهيد حسن البنا في أول محاضراته مع الشباب، حين قال لهم: "إن الناس عندما يدركون حقيقة أهدافكم السامية ستجدون منهم خشونةً شديدةً وعداوةً قاسيةً".
وفيما يتعلق بأداء الحركة بعد واحد وعشرين عامًا من انطلاقتها فهي من نجاحٍ إلى نجاحٍ، ونحن نسير على الخط السليم والاتجاه الصحيح، ونقترب من تحقيق أهدافنا بفضل الله، وأُطَمْئِن كل أبناء شعبنا وحماس بأن النبي عليه الصلاة والسلام حوصر ثلاث سنوات، ولكن الله كتب له النجاح، وتفكَّك هذا الحصار، وكان الفتح المبين، ونحن كذلك سيكتب الله لنا النصر والفرج والفتح المبين.
العالم كله يشهد أن الحركة تتمتع بقدرةٍ هائلةٍ وحُسن اختيارٍ لقراراتها المناسبة.. حماس تقرأ الواقع وتتعامل بسياستها الشرعية، ووَفق ما عليه الواقع وسياساتها وما يحقِّق المصلحة العامة، وهي ثابتة في ذات الوقت على مبادئها وأهدافها.
* ما رؤية الحركة للتمسك بحقها الطبيعي في الحكم في ظل هذا الانشقاق وتزايد الهوة بين أبناء الشعب الفلسطيني وشطرَي الضفة والقطاع ؟
- حماس تتمسك بمنهجها ومبادئها، وتدرك أن ما تعيشه اليوم عارضٌ سيزول قريبًا بإذن الله.. نحن نؤمن بأننا شعب واحد على أرض واحدة؛ ندافع عنها مع الجميع، وسنحميها مع الكل الفلسطيني، وحماس جزءٌ من أمة عظيمة كبيرة، وهذه النظرة لن تتغيَّر مهما تغيَّر التاريخ والزمن.
* هل ما زالت لدى الحركة القدرة على العودة إلى دائرة المقاومة والجهاد في ظل استنفاد طاقتها في صراعات داخلية ؟
- الحركة لم تغادر دائرة المقاومة، ولم تنقطع عنها، وإن تغيَّرت وتيرة العمل المقاوم حسب ترتيبات الإخوة المعنيين بهذا الأمر، لكن الحركة لم ولن تغادر هذا الصف؛ بدليل أن عملية خطف الجندي شاليط كانت في أوج استلام حماس لسدة الحكم في الضفة والقطاع، وعملياتها المقاومة الأخيرة كانت في ظل الحصار، ومن ثم دفاع حماس عن أهلنا في غزة وقصف المغتصبات في أوج الحصار، وحماس لا يمكن أن تغادر مربع المقاومة، ولكنها تسير في جميع الاتجاهات.
* الحركة تتعرض لعملية اجتثاث في الضفة الغربية من قِبل أجهزة عباس بالتنسيق مع الاحتلال.. ما قدرتكم على الصمود أمام ذلك ؟
- ما تتعرض له الحركة محاولات استئصالية من قِبل الاحتلال وأجهزة عباس، لكن نُطَمْئِن الجميع أن حماس هي فكرةٌ ومنهجٌ ورسالةٌ لا يمكن أن تنتهيَ وتختفيَ من خلال ملاحقتها هنا أوهناك أو إغلاق مؤسساتها؛ فقد سبق للاحتلال أن مارس هذه الممارسات ضد حركة حماس واعتقل المئات من قياداتها واعتقل الآلاف من أبنائها، ولكنها كانت تخرج من ذلك بقوة!.
* إلى متى تتوقع أن يستمر حال الحركة في الضفة ؟
* أقول لكل أحبائنا ولكل من يحب حماس، قبل أن أقول لأبناء حماس: "اصبروا وصابروا".. إن الله لا يضيع جهد وعمل وصبر المؤمنين.. اصبروا وصابروا؛ لأن رسالتنا أكبر من شخوصنا، ورسالتنا أكبر حتى من حركتنا ومن كل الحركات الموجودة.. رسالتنا أن نقوم بواجب شرعي كبير نسمو فيه على جراحنا، ونحن سنكون دائمًا كالشجر الذي يُلقَى عليه الحجارة فيلقي ثمرًا.
سنصبر حتى يعجز الصبر عن صبرنا، ولكن بالتأكيد هذا الأمر ليس مفتوحًا تمامًا، والحركة ستبقى تتابع معاناة أبنائها وستبقى تعمل على تحقيق الراحة والأمان والاطمئنان لهم إن شاء الله.
* كانت هناك دعوة لأبناء حماس بألا يُسلِّموا أنفسهم لأجهزة الأمن ؟
- نعطي كل أخ من أبناء حماس الحرية في أن يتخذ ما يشاء من الموقف بشكل فردي، ونحن وظيفتنا في حماس كمؤسسةٍ أن نحميَ هذا الأخ.. أن ندافع عن هذا الأخ.. أن نتابع قضية اعتقاله بهذه الصورة العامة.
* صف لنا أوضاع السجون، وكيف يتم فيها الاعتقال، خاصةً أنه كان لك تجربة.
- بدايةً.. إن الاعتقال السياسي جريمة وعملية تتم اعتباطًا بدون تصاريح وبدون قانون.. من المفارقات أنهم أعلمونا شفاهةً أننا معتقلون على ذمة التحقيق لمدة ستة أشهر بقرار عسكري قابلة للتمديد، وأنا شخصيًّا لم أسمع بهذا الأمر في العالم.
وضع الزنازين عمليًّا ضيقة لا تليق بمناضلين ولا تليق بأبناء شعب يضعون إخوانهم ويضعون رفقاء دربهم قبل فترة وجيزة في هذا المكان.
ما أؤكده أن مبدأ اعتقال أي إنسان وكبت حرية الإنسان الحر أقسى من كل الإجراءات المادية، وهو ما ينمِّي ظاهرة الاحتقان ويهدم كل فرص أي توجه نحو قاعدة الاتفاق الوطني والوحدة الوطنية، وممارسة هذا الدور يعني عدم الرغبة في الذهاب إلى حوار وطني.
* كلمة أخيرة توجِّهها إلى أبناء حماس في غزة والضفة الغربية ؟
* أولاً: أحب أن أوجِّه إلى أهلنا في القطاع كلمة، الذين الآن هم في الحصار وفي المعاناة أقول لهم: أنتم المثال الذي سنحتذي به.. أنتم الصورة الرائعة التي ترسمونها ورسمتموها أمام العالم أننا نموت ولا نركع.
وما أحب أن أوجِّهه إلى أهلنا في الضفة الغربية : أننا عندما سرنا في هذا الطريق كنا ندرك تمامًا ما سنعانيه وما سنواجهه من صعاب، وأننا أقسمنا على أن نتحمَّل كل ما من شأنه أن يؤذيَنا في مقابل أن نصل إلى رسالتنا السامية في رفع راية التوحيد على كل ربوع الوطن، وعلى كل ربوع العالم.
نحن نحمل رسالة هداية، ورسالة نور للعالم، هذا النور لا بد أن يصطدم بضرر، ولكن بالتأكيد دائمًا الضرر منزوع، والخير هو الباقي بإذن الله.
المصدر : إخوان أون لاين