ذكريات عبد الحليم سليمان مع دعوة الإخوان
من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
[04-07-2004]
محتويات
مقدمة
- التحقت بجماعة الإخوان وعمري تسع سنوات على يد الواعظ الأزهري
- بدأ عبد الناصر إبعاد الإخوان عن الثورة بعد هتافات "الله أكبر ولله الحمد"!
- عبد القادر عودة حمى البلاد من حرب أهلية بين الشعب والجيش
- "سيد قطب" طلب مني أن أصبر وأحتسب برغم ما تعرض له من تعذيب شديد
شيخ من الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وقد قضى في دعوة الإخوان ما يزيد عن الستين عامًا.. إنه الحاج عبد الحليم سليمان- بارك الله في عمره- الذي يروي لموقع (إخوان أون لاين. نت) ذكرياته مع دعوة الإخوان.
فهو يقص كيف حاصر طلاب سوهاج السفير البريطاني، ويؤكد أن انقلاب عبد الناصر على الإخوان بدأ بعد زيارته للصعيد، ويكشف النقاب عن قيام عبد القادر عودة بحماية البلاد من حرب أهلية بين الشعب والجيش، ويشدد على أن التعذيب ضد معتقلي الإخوان سياسة قديمة حديثة، وأن زبانية التعذيب يظهرون عند غياب الضمير الإنساني، واصفًا تغيير المناهج بأنه يهدف إلى تمييع عقيدة الأمة، وأن دور المربين هو صد الهجمة الشرسة الموجهة ضد الإسلام.. فماذا قال الحاج عبد الحليم سليمان أيضًا في هذا الحوار الدسم؟
نص الحوار
- في البداية، متى تعرفت جماعة الإخوان المسلمين؟
- تعرفت على جماعة الإخوان في الصف الثالث الابتدائي من المرحلة الابتدائية، عندما قَدِم بعض دعاة الإخوان إلى محافظة سوهاج، وزاروا معهد (بلصفورة) الديني الأزهري الابتدائي، وجاء الانضمام لصفوف الدعوة بعد ذلك على يد الشيخ أحمد الأحمر من وُعَّاظ الأزهر بسوهاج، فعرَّفني بدعوة الإخوان وأهدافها وغاياتها، فحملتُ هذه الدعوة منذ ذلك الوقت.
المدرسون المبعدون
- تتلمذتَ في المرحلة الثانوية على أيدي شيوخ أفاضل من شيوخ الإخوان، أمثال الشيخ السيد سابق، والشيخ أحمد الشرباصي وغيرهما.. كيف كان ذلك؟!
- في عام 1949م قامت السلطات الأمنية بإبعاد بعض المدرسين المنتمين لجماعة الإخوان ونفيهم إلى سوهاج، وكان منهم فضيلة الشيخ "السيد سابق"، الذي كان يدرس لنا مادة الفقه بمعهد سوهاج الثانوي، وأذكر أن الشيخ "السيد" أقام في سوهاج ما يقرب من خمس سنوات بمنزل الحاج عبد الحي الخولي- عليه رحمة الله، والشيخ أحمد الشرباصي- مدرس البلاغة والأدب، والشيخ محمود فايد- مدرس النحو، والأستاذ حامد كريم- مدرس المواد الاجتماعية، وهؤلاء كان لهم- بفضل الله- دور في نشر دعوة الإخوان بين طلاب معهد سوهاج الديني.
الطلاب والسفير البريطاني
- ما أهم أحداث تلك الفترة في محافظة سوهاج؟
- في تلك الفترة كان الغليان الشعبي على أشده ضد الاحتلال البريطاني الذي كان قابعًا في قواعده على ضفاف القناة؛ مما ولَّد مشاعر الغضب لدى الطلاب بسوهاج، فقاموا بالعديد من المظاهرات، لعل من أهمها تلك التي قام فيها الطلاب بمحاصرة استراحة كبار زُوَّار المحافظة؛ حيث يقيم السفير البريطاني أثناء زيارته لسوهاج، والتحمَتْ جموع الطلاب مع قوات الأمن التي حاولت فك الحصار عن السفير البريطاني.
الصعيد وعبد الناصر
- زار الرئيس الراحل عبد الناصر وبعض من يُسمون بـ"الضباط الأحرار" للصعيد، وعقب هذه الزيارة انقلب عبد الناصر على الإخوان.. فما ذكرياتكم عن هذه الزيارة؟
- ناصَرَ الإخوانُ الثورةَ منذ قيامها، ولكن لا يجتمع سيفان في جراب واحد، فبدأ رجال الثورة في إبعاد الإخوان عن الثورة التي هي في الأصل من صنع الإخوان، وبدأ هذا الإبعاد بعد رحلة الصعيد التي قام بها مجموعة من هؤلاء الضباط الأحرار، وعلى رأسهم محمد نجيب، وجمال عبد الناصر، وخطيبهم الشيخ الباقوري، وبدأت هذه الرحلة من أسوان إلى الجيزة، وكان الإخوان بالصعيد هم المسئولين عن الاحتفالات بهؤلاء الضباط، وكانت هتافات "الله أكبر ولله الحمد" تتردد في جميع المحافظات إلى أن وصل الركب إلى الحوامدية بالجيزة.
- وهناك ضاق عبد الناصر بالإخوان ذرعًا بسبب ما لمسه من تأثير الإخوان في الناس, فهاجم الإخوان في خطابه بشدة، قائلاً للناس: "إنكم كالببغاوات ترددون ما لا تفهمون"، وعندما رجع إلى القاهرة أنشأ هيئة التحرير، داعيًا الإخوان للانضمام إليها!!
دور عبد القادر عودة
- انتقلتُ إلى القاهرة للالتحاق بكلية اللغة العربية عام 1953م، وتعرفت على إخواني بالكلية وبشعبة السيدة زينب في ذلك الوقت، وشاركتُ في الأنشطة المختلفة للجماعة، ومن الأحداث التي شاركتُ فيها مظاهرة عابدين في مارس 1954م؛ حيث تجمَّعنا- نحن الطلاب- من مختلَف الكليات وطوائف الشعب كآفة بميدان عابدين، وحاول رجال الشرطة تفريق الجموع بإطلاق النيران؛ مما أصاب البعض، فرفعنا قمصان المصابين الملطَّخة بالدماء؛ مما ألهب مشاعر الناس، وكانت هذه المظاهرة احتجاجًا على عزل اللواء نجيب.
- وأذكر أننا احتشدنا بالميدان من الساعة العاشرة صباحًا إلى الساعة الرابعة، ولم يستطِع أحد تفريق الجموع الغاضبة غير القاضي الشهيد عبد القادر عودة عندما اعتلى المنصَّة قائلاً: "أيها الإخوة.. شكَر الله لكم.. انصرِفوا"، فانصرف الناس، كأن "بالوعة" ابتلعتهم، وكان هذا التصرف غاية الحكمة؛ لأنه لو حدث صدام بين المتظاهرين والجيش لكانت حربًا أهليةً لا يعلم عواقبَها إلا الله.
سياسة التعذيب
- تعرضتم للاعتقال في عام 1954م، وأُخِذتم إلى السجن الحربي.. فماذا حدث لكم داخل هذا السجن الرهيب؟!
- كنت أقيم مع بعض إخواني في شقة بالقرب من القلعة عندما هاجم رجال الشرطة الشقة، وقُبِض على كل من فيها، وكان ذلك يوم 15/12/1954م بعد أسبوعين من إعدام الإخوة الستة.. وأذكر منهم: عبد القادر عودة, ومحمد فرغلي, ويوسف طلعت, ومحمود عبد اللطيف, وهنداوي دوير..
- وكان الاعتقال بسبب "حادث المنشية" الملفَّق للإخوان، وتم اعتقال جميع قادة الإخوان ومسئولي الشُّعَب والمناطق، واقتيد الجميعُ إلى السجن الحربي، فخرجت صحف القاهرة بعناوين تسجل هذا الحدث، مثل "الإخوان المسلمون يعيدون تنظيماتهم", و"ضبط أكبر عصابة لتوزيع المنشورات بالقاهرة", و"ضبط أكبر عصابة بالدرب الأحمر".
سجن طرة والتعذيب!!
- وقد كان السجن الحربي مذبحةً للوطنيةً؛ إذ كان مثالاً سيئًا في استخدام أبشع ألوان التعذيب والإذلال وانتهاك حرمة الإنسان؛ حيث كان يسيطر عليه مجموعة من غلاظ الأكباد، ممسوخي العقول، الذين يستخدمون مع معتقلي الإخوان وغيرهم أقسى وسائل التعذيب مما لا يخطُر على بال واحد من هؤلاء الذين ساقتهم الأقدار، فوقعوا تحت براثن الطغيان ومخالب أولئك الزبانية بقيادة حمزة البسيوني وأذنابه، من أمثال أمين، وياسين، ودياب وغيرهم، مثل الموجودين في كل زمان ومكان، يظهرون حين يغيب الضمير الإنساني، وقيم العدل والحق.
- وتشهد صحراء العباسية على ذلك؛ حيث دُفِن عشرات الشهداء من الإخوان، ومن أنواع التعذيب التي كانت في السجن الحربي "حفل الاستقبال"، عندما دخلنا السجن الحربي إذ استقبلَنا قساةُ القلوب بحفل "ضرب" استمر من الساعة السادسة صباحًا حتى الثانية عشر ظهرًا، مستخدمين كرابيج وعصى غليظة وقطعًا خشبية، وخصَّني حمزة البسيوني بضربة من حذائه أحدثت شجًّا في جبهتي لا يزال أثره ماثلاً حتى الآن.
- وكانت الطوابير في السجن الحربي في غاية الفظاعة والإذلال، يهرول الجميع، والحراس يصوِّبون البنادق وأدوات التعذيب، والجميع يردد أغنية أم كلثوم.. "أجمل أعيادنا الوطنية.. نجاتك يوم المنشية".
دعوة للصبر والاحتساب
- قابلتَ في السجن الحربي الشهيد سيد قطب.. فماذا دار بينكما من حوار؟!
- من كثرة التعذيب والطوابير الكثيرة وقعتُ فريسةَ الأمراض فنُقلتُ إلى مستشفى السجن الحربي، وقابلت مجموعةً من المصابين إصابات بالغة، منهم الشهيد سيد قطب- عليه رحمة الله- ولم أتعرَّف إليه في البداية؛ بسبب ما لحِق به من أذًى؛ ولأن جسده كان مغطًّى بالكثير من القطن، وبالرغم مما كان به من آلام استقبلني، وقدَّم لي بعض ما عنده من طعام، واطلعت على بعض ما لديه من كتب، وكان دائمًا يطلب مني أن أصبر، وأحتسب.
- هل اعتُقِلتم مرةً أخرى؟
- نعم.. تم اعتقالي مرةً أخرى ضمن من اعتُقِلوا عام 1965م، وكان ذلك بناءً على قرار الرئيس من موسكو، وخرجتُ من المعتقل عام 1967م.
التطوير وعقيدة الأمة
- باعتباركم من رجال التربية والتعليم.. ما الذي تجلبه دعاوى التغيير والتطوير الغربيين من آثار على التعليم في بلدنا الحبيب؟!
- هذا البلد إسلامي، قدَّم على مدار تاريخه للعروبة والإسلام نماذجَ طيبةً من رجالاته ومواقفه، ويريد أعداء الإسلام القضاء على الهوية الإسلامية لهذا البلد، وليس هذا البلد وحده.. بل وجميع البلدان الإسلامية، وأخطر ما يوجَّه لعقيدة الأمة وهويتها هو التمييع الذي يُفقِدها شخصيتها تحت دعاوى مختلفة من التطوير والحداثة، فيُسدل ستار كثيف على هوية الأمة، ويُهال الركام على شخصيتها، وما نشاهده اليوم من حذف أجزاء من مناهج التعليم- التي تمثل العمود الفقري في تكوين الشخصية المسلمة العربية- يؤدي إلى تمييع عقائد النشء والأجيال المقبلة، ويتمثل الحذف في:
- حذف تاريخ الشخصيات ذات البصمات الواضحة في تاريخ الأمة الإسلامية من المنهج.
- تهميش مناهج التربية الدينية.
- حذف غزوات الرسول- صلى الله عليه وسلم.
- طمس الهوية الإسلامية لبعض قيادات الإسلام والمسلمين في العصور الإسلامية الزاهية.
- تسليط الأضواء على الدور الفرعوني، والمحاولات الدائمة لوصله بالحاضر.
- وضع الفترة الإسلامية بين قوسين، كأن هذه الفترة عارضة وطارئة على حياة الأمة.
- وما دور المعلمين والمربين في صد هذه الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين؟
- دور المعلمين والمربين رعاية الشباب المسلم؛ لأن شباب الأمة بخير إذا حَسُن إعدادُه وحسُنَت تربيته، ويتلخص دورهم فيما يلي:
السيرة الذاتية
الاسم: عبد الحليم سليمان عامر سليمان
تاريخ ومحل الميلاد: 15/2/1928م- من مواليد قرية نجع النجار مركز ومحافظة سوهاج.
المؤهلات العلمية: العالية التربوية لكلية اللغة العربية 1958م، والعالمية مع إجازة التدريس 1959م.
الوظيفة: عمل مدرسًا ثم تدرج في مناصب التربية والتعليم حتى درجة مدير إدارة التعليم الخاص بمديرية التربية والتعليم بسوهاج، واستمر بها لسنِّ المعاش عام 1993م.
الاعتقالات: منذ عام 1954م إلى عام 1957م، ومنذ عام 1965م إلى عام 1967م.
المصدر
- حوار: ذكريات عبد الحليم سليمان مع دعوة الإخوان موقع اخوان اون لاين
