د. مصطفى الشكعة يروي حكايته مع الإخوان

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
د. مصطفى الشكعة يروي حكايته مع الإخوان

[18-11-2004]

مقدمة

- الإخوان أعادوا الإسلام إلى قلوب المصريين

- البنا داعية لن يتكرر.. وكنت الأقرب إلى قلبه بين طلاب الإخوان

الدكتور مصطفى الشكعة أحد المفكرين البارزين، وهو عضو مجمع البحوث الإسلامية والعميد الأسبق لكلية الآداب جامعة عين شمس، ورئيس لجنة التعريف بالإسلام بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وعضو لجنة الحوار الإسلامي المسيحي بالأزهر الشريف، وواحد من أهم المدافعين عن الإسلام ضد مظاهر الغلوِّ والتفريط والهجمات الشرسة، التي يتعرض لها هذا الدين.

ولكن لا يعرف الكثيرون أن "الشكعة" كان أحد أبناء دعوة الإخوان المسلمين، ومن أقرب طلابها للإمام الشهيد حسن البنا، كما كان سببًا في انتقال مقر الإخوان إلى منطقة الناصرية بالقاهرة.

وفي السطور التالية يسرد الدكتور مصطفى الشكعة قصةَ تعرُّفه على الإخوان، وكيف كان الإمام البنا داعيةً متميزًا جذَب الآلاف إلى صميم سماحة الإسلام، كما يستعرض واقع المجتمع المصري في نهاية الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات، ودور الإخوان فيه، وذلك حين كان في المرحلة الثانوية وأوائل الجامعية، مؤكدًا أنه لو أُجريت انتخاباتٌ نزيهةٌ في ذلك الوقت لفاز فيها الإخوان بأكثر من 70% من عدد الأصوات؛ نتيجةَ قربهم إلى قلوب أبناء المجتمع المصري.


النشأة

نشأ الفتى مصطفى الشكعة في الريف، وتحديدًا في قرية محلة مرحوم المجاورة لمدينة طنطا بالغربية، وتعلَّم في مدارسها الابتدائية وجانب من الدراسة الثانوية، ولمَّا تُوفي والده لم يكن هناك حاجةٌ للبقاء هناك، فانتقل للإقامة مع أخيه الأكبر الذي كان يعمل موظفًا في القاهرة، وكان ذلك في أواخر الثلاثينيات، وكان هذا الأخ عضوًا في جمعية الشبان المسلمين، إلا أنه سرعان ما انتقل إلى الإخوان المسلمين، وبالتالي انتقل معه الشاب مصطفى إلى الإخوان.

وعنهم يقول: "لم تكن هناك هيئات كافية للدعوة الإسلامية على النحو الأمثل الذي يتفق مع سماحة الإسلام وعظمة شريعته باستثناء الشبان المسلمين وجمعية الهداية الإسلامية، فكان الإخوان هم مجددو الدعوة الإسلامية، وكأنَّ الله قد بعثهم لتجديد الدين، وعلى رأسهم مرشدهم حسن البنا.

فالإخوان بعثوا الدين مرةً أخرى في قلب المجتمع، وأحيوه في النفوس، وأهم ما يميزهم تبنِّيهم للوسطية التي يتسم بها الإسلام، وهذه كانت سياسة الإخوان منذ نشأة دعوتهم؛ ولذلك فمن تشدَّد أو فرَّط فقد أخرج نفسه متعمدًا من محيط دعوتهم، وكانت رسالة الإخوان دائمًا بعيدةً عن التطرف والغلوِّ.. أما الذين انجرفوا إلى ذلك فهم قلة سارت على غير ما يتفق مع رسالة الإخوان التي هي رسالة الإسلام الخالصة.


التحاقه بالإخوان

ويتذكر الشكعة بداية التحاقه بالإخوان حين كان مقر الجمعية عبارةً عن غرفة في إحدى الشقق السكنية في حارة عبد الله بك في (اليكنية) وهو الحي العريق المتواضع الملاصق لنهاية شارع محمد علي، وكان يسكن في نفس الحي في بيت مستقل الإمام البنا ومعه والداه وإخوته، وفيه كان الإمام يعقد اجتماعات لمريدي الإخوان، وفي إحدى هذه الاجتماعات عرض أن يتطوع أحد الأعضاء بالبحث عن مقر جديد للدعوة على أن يكون مقرًّا واسعًا.

وحول هذا الموقف الطريف يقول الشكعة:

"بالفعل استجبت لدعوة الأستاذ المرشد، وبدأت أبحث عن شقة مناسبة، ووجدتها في شارع الناصرية، وهو امتداد شارع عماد الدين، وكان المكان عبارة عن شقة لا تقل غرفها عن أربعة، تطل على حديقة صغيرة، وتحدثت مع صاحب الشقة وكان اسمه (مدكور)، وكان رجلاً جسيمًا يجلس على كرسي في الشارع أمام المنزل، فقلت له نريد تأجير الشقة لجمعية الإخوان، فذكر أن إيجارها 125 قرشًا شهريًا، فوافقت وطلبت منه أن نحرِّر العقد، فضحك قائلاً: أرسِل من هو أكبر منك، فذهبت للأستاذ البنا ورويت له ما حدث فابتسم، وأرسل معي أحد الإخوان الأكبر مني سنًا، وهو المرحوم (حمدي الجريسي)، وذهبنا للشقة وحررنا العقد، وانتقل مقرُّ الإخوان إليها".

ويضيف: "قام الإخوان بعد الانتقال إلى المقر الجديد بإعداد الحديقة لتصبح مكانًا لإلقاء المحاضرات وعقد الاجتماعات، وكان الأستاذ البنا يشجِّع الشباب على العمل في أنشطة الدعوة، ويوليهم اهتمامًا خاصًا، وكان يكلفني بأن أقدم بعض العلماء الذين يلقون المحاضرات رغم شهرتهم الفائقة وسني الصغير، وكان من هؤلاء الأستاذ مظهر سعيد، والشيخ مصطفى عبد الرازق الذي كان أستاذًا بكلية الآداب ورئيسًا للجمعية الخيرية الإسلامية التي أسهمت في تسديد نفقات دراستي؛ لأن الوالد تركنا في حالة مرتبكة ماديًا، كما قدمت أيضًا محاضرات للأستاذ عمر التلمساني الذي كان على جانب كبير من الأناقة، وكانت الوردة الحمراء لا تغادر جيب سترته.


علاقته بالمرشد

الإمام البنا في حديث الثلاثاء

ويشير الشكعة إلى أن علاقةً خاصةً كانت تربطه بالمرشد، قائلاً: كنت قريبًا إلى قلب الأستاذ، ثم صارت العلاقة عائليةً حين عرفنا إخوانه محمد، وجمال، وعبد الباسط، وكان يرانا مع إخوانه في المنزل فصارت العلاقة أكثر روحيةً واجتماعيةً، وكنت ضمن ثلاثة طلاب أقرب إلى قلب البنا مع المرحومَين سعيد رمضان، وأحمد رفعت.

وعن المرشد العام يقول الشكعة "كان الإمام حسن البنا رجلاً طيب السمت، ساحرًا حين يتكلم، إلى درجة تجعل كل من يستمع إليه يتعلق به، وكانت آيات الكتاب العزيز تَجري على لسانه استشهادًا بكل قضية يُثيرها، ويكاد يحفظ حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو بذلك كان واحدًا من دعاة الإسلام التاريخيين، وامتدادًا لشباب الصحابة نقاءً وحماسًا وتفرُّغًا لدعوته، حباه الله بالقبول، ثم موهبة الخطابة والتعامل الجيد مع الناس، وحفظ أسماء من يقابلهم بشكل مثير.. لدرجة أنه كان يعرف أسماء أسر كاملة؛ مما قَّربه إلى قلوب الناس.

وكان الزعماء السياسيون يحترمونه وكذلك رجال القصر الملكي، ويقيمون له وزنًا وقت أن كان أصحاب الوزن الراجح من القلة بمكان، وتبعًا لذلك يحترمون الإخوان وكان إلى ذلك نشيطًا متحركًا كثير الأسفار والارتحال داعيًا إلى الله على بينة، وكانت المدينة التي يذهب إليها يحتشد فيها الآلاف ليستمعوا إلى البنا الذي كان خطيبًا من نوع جديد غير مألوف يجمع بين الخطابة وفنِّ الاستشهاد بالقرآن والسنة، حديثه كان عميقًا فصيحًا يأسر قلوب السامعين ويجذبهم إليه جذبًا رئيفًا، وكان عف اللسان، ذا سماحة في قوله وأدب في تعامله مع الناس الذين صار معظمهم بعد ذلك من كبار أتباعه ومحبيه.

ويواصل الشكعة قائلاً: "كرس المرشد وقته كله للدعوة، بالإضافة إلى عمله كمدرس للغة العربية في مدرسة السبتية الابتدائية الأميرية، رغم المناصب التي عُرضت عليه؛ حيث كان زاهدًا فيها، وكان يرى التدريس للصغار جزءًا من رسالته، وظل يفخر بعمله مدرسًا، رغم أنه من ألمع زعماء العالم الإسلامي بمختلف أقطاره وعواصمه، ثم اندلعت ثورة اليمن التي قامت باغتيال الإمام يحيى حميد الدين، وأرسلت الثورة اليمنية تدعو الأستاذ البنا لكي يزور اليمن، وكنت إذ ذاك أعمل في اليمن، وكان القائمون على الثورة تربطهم رابطة المكان للإخوان؛ حيث كانوا يجتمعون أثناء إقامتهم في القاهرة في مقرِّهم، فلما وجَّه الثوار الدعوة إلى الأستاذ لم يستجب لها، بل أرسل أحد كبار الإخوان ممثِّلاً له في طائرة خاصة.

ولما انتهت الثورة بالفشل، وعاد الحكم إلى بيت حميد الدين أُودع المصريون بالسجن ومن بينهم ممثل الإخوان وأنا، وكنا عرضةً للإعدام لو لا أن أرسلنا برقيةً إلى وزارة الخارجية في مصر فحولها الوزير إلى النقراشي رئيس الوزراء الذي تدخل لإخراجنا من السجن وتسفيرنا إلى مصر، وحين وصلتُ إلى مصر كتبت للأستاذ حقيقة الرجل الذي كان يمثله، وطلبت فصله من الجمعية، خاصةً أنه كان أحد وجوهها البارزة، ولما لم يُبعد فقد اعتبرت نفسي مستقيلاً، واعتبرني المسئولون في الجمعية كذلك، ويؤكد الشكعة أن هذه الرسالة كانت سببًا في نجاته من الاعتقالات التي تمَّ خلالها القبض على آلاف الإخوان بعد ذلك.


الجهاز الخاص

ويواصل الشكعة شهادته قائلاً: "انضم الناس إلى الإخوان بأعداد غفيرة، حتى إن أغلب الشعوب الإسلامية عرفتهم دون أن يروا البنا، وبعد ذلك قام بعض المنفلتين من الدعوة بقتل الخازندار وحرق الخمَّارات التي تبيع أدوات القمار، وتواطأ بعض أعضاء التنظيم الخاص في قتل رئيس الوزراء.. الأمر الذي أدى إلى القبض على الإخوان.. البريء منهم قبل المسيء، ولكن الأستاذ البنا كتب آنذاك بيانًا وصف فيه قتلة النقراشي باشا بأنهم (ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين)، ولكن الفتنة كانت قد استشرت فاغتيل الإمام البنا. وعن شعوره لحظة الاغتيال يقول الشكعة: "تلقيت نبأ اغتيال البنا بحزن شديد؛ لأنه كان صادق الوعد أمينًا، وباغتياله خسرت الدعوة الإسلامية أحد كبار الدعاة في تاريخها الطويل، وكان متوقعًا قتل البنا؛ لأن قتل رئيس الوزراء كان لا بد من أن يتبعه قتل من هو كفءٌ له، فالذين قتلوا المرشد العام هم الذين قتلوا النقراشي باشا".

وحين سألت الشكعة عن دعوة الإخوان في مجملها وأصولها قال: إن الإخوان من طراز إسلامي صحيح نقي، أما الذين أساءوا للإسلام فليسوا منهم إطلاقًا؛ ولذلك احتفظ الإخوان بقوتهم رغم القهر الذي تعرضوا له؛ لأنهم يستمدون قوتهم من قوة الإسلام كعقيدة ودين وسلوك؛ ولأن الجماهير في مصر وغيرها لا يزالون على حبهم لدينهم والصادقين من دعاته، مؤكدًا أن دعوة الإخوان أخذت تنمو بموهبة الإمام البنا واستقامة أتباعه وصدقهم وبُعدهم عن الانحراف.

وحول مدى انتشار الجماعة في مصر حينئذ قال: إن الفترة التي كنت فيها ضمن صفوف الإخوان خلال دراستي الجامعية شهدَتْ تضاعفًا لتجاوب الجماهير معهم؛ حيث كان يحضر دروسهم الآلاف، إلى أن انتقلت دار الإخوان إلى العتبة فارتفع صوتها وأصبحت تلي الشبان المسلمين من حيث الشهرة..

لدرجة أن بعض ضباط الجيش والبوليس كانوا يحضرون المحاضرات التي يعقدونها بملابسهم الرسمية، وكانت الدولة سعيدةً بتنامي هذه الجمعيات؛ لأن الدولة كانت متدينة بطبعها، فلم يكن من الممكن قراءة ما يمسُّ الإسلام من قريب أو بعيد في جريدة يومية أو مجلة أسبوعية، كما لم يتطاول أحد على الدين إلا بعد دخول الحكم العسكري إلى مصر، ولم يكن يجرؤ أحد أن يخدش الإسلام، بل إن المحاضرات التي كانت تُلقى في الجامعة الأمريكية كان يستعين مُلْقوها بالقرآن والحديث.

وعن تأثير الإخوان في المجتمع بعد أكثر من 75 عامًا من الدعوة والجهاد لإصلاح المجتمع قال: إن الوجه المصري كان إسلاميًا حوَّله الإخوان إلى وجه إسلامي فاعل يَكثر فيه الدعاة والمتطوعون، فضلاً عن دورهم في تنمية ظاهرة الاستقامة بين شباب الجامعات.. لدرجة أن الطالبات السافرات كن يتعاطفن مع شباب الإخوان، وأصبح بعضهن يؤدين الصلاة في غرف خاصة داخل الكليات، وهو ما لم يكن موجودًا قبل ظهور حركة الإخوان.

المصدر