د. حسن الحيوان.. القائد القدوة

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
د. حسن الحيوان .. القائد القدوة
حسن وردة.jpg

بقلم: د. محيي حامد

إنَّ أحزان الحياة كثيرة، وكلها تحتاج لأن يستعين عليها المرء بالإيمان بالله، والتسليم بقضائه وقدره، والأمل الدائم في رحمته.. فالحياة حلقات متصلة من السعادة والألم، وليس هذا دومًا ولا ذاك دومًا..

إنَّ من سنةَ الله تبارك وتعالى أن يبتلي عباده بالسراء وبالضراء، بل كلما كان العبد أكثر صلاحًا زاد عليه البلاء فإذا أحب الله عبدًا ابتلاه، وهذا البلاء مع ما فيه من اختبارٍ للعبد إلا أنه تمحيصٌ للذنوب وتكفيرٌ للخطايا حتى يدع العبد يمشي على وجهِ الأرض وليس عليه خطيئة، وهذه سنة الله في أوليائه وعباده الصالحين.. بل إنَّ أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، ومع هذا البلاء إلا أنَّ الله ينتصر لأوليائه وعباده الصالحين في النهاية ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا﴾.

وإنَّ عظمَ الجزاء مع عظم البلاء، فكلما كان البلاء أعظم كان الجزاء أكثر وأكبر.. ولكن لا يثبت في هذه المحن والبلايا إلا الصادقون المخلصون الذين يرجون الله والدار الآخرة ولم تخدعهم هذه الدنيا بأموالها ومناصبها ومتاعها الزائل بل كل همهم هو رضا الله عز وجل وطلب جنته.

لقد اختلطت المشاعر والأحاسيس عند سماع نبأ وفاةِ الأخ الحبيب حسن الحيوان .. فكانت مشاعر الفرح والسرور بأن رزقه الله- سبحانه وتعالى- حسن الخاتمة بعد حياةٍ حافلةٍ بالجهادِ والعمل المتواصل في سبيل إعلاء كلمة الله، والتمكين لدينه، فهنيئًا لأخينا الحبيب بحُسن الخاتمة والشهادة في سبيل الله التي وفَّقه الله لها, وكما نعلم أنَّ الكثير يتمنى، والقليل هو الذي يعمل ويجاهد، ومن هذا القليل يختار الله- سبحانه وتعالى- الذين صدقوا الله فيصدقهم: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب: 23)، ﴿وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ (آل عمران: 140).

وكانت أيضًا مشاعر الحزن والألم التي تعتصر القلب وتُدمي النفس لفقدانِ الحبيبِ الغالي الذي كان له في القلب مكانة وفي النفس منزلة عظيمة لجميل خلقه وحسن عمله وعمق فكره، ولكنه قضاء الله وحكمه، ولا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ* لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ (الحديد: 22- 23) ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (التغابن: 11).

وقد تكون رَفعًا للدرجات، إذْ ربما سبق في علمِ الله منزلة للعبد لا يبلغها بعمله، وحينئذٍ يُقدِّر الله عليه المحنة ليرفع من درجاته وليعليه المنزلة التي أرادها له ففي الحديث "إن لله عز وجل إذا أراد بعبد منزلة لم يبلغها بعمل، ابتلاه ثم صبَّره على هذا البلاء، حتى يبلغه هذه المنزلة".

ثم كانت مشاعر الأمل والبشرى بأنَّ هذه الدماء الذكية الطاهرة التي بُذلت في سبيل الله ستكون سببًا- بإذن الله- في إحياءِ قلوبِ كثيرٍ من الخلق؛ لأنها تُعطي النموذج والقدوة والأسوة ليس لجيلٍ واحدٍ فحسب؛ بل لأجيالٍ متعاقبة, وكما قال الشهيد "سيد قطب": "إنَّ كلماتنا تظل عرائس من الشمع حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكُتبت لها الحياة".

لقد رحل الأخ الحبيب عن دنيا الناس إلى دارِ الآخرة بعد سنواتٍ من العمل الدءوب والجهاد المستمر والتضحية العزيزة في سبيلِ إعلاء كلمة الله ونشر دعوة الإسلام ولتحقيق التمكين لدين الله في الأرض، وحريٌ بنا في هذا المقام أن نتناول عدة جوانب أساسية في سيرةِ الأخ الحبيب منها:

أولاً: نموذج الفرد المسلم القدوة

فعندما نستعرض جوانب هذه الشخصية, نجده نموذجًا للفرد المسلم الذي جعله الإمام البنا هدفًا أساسيًّا من أهدافنا المنشودة في الإصلاحِ والتغيير، ولقد حدد الإمام البنا عشر صفاتٍ لهذا الفرد النموذج فقال: "نريد الفرد المسلم سليم العقيدة، صحيح العبادة، متين الخلق، قوي الجسم، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب، منظمًا في شئونه، حريصًا على وقته، نافعًا لغيره، مجاهدًا لنفسه".

وعندما ننظر في تلك الصفات نجد أنَّ أخانا الراحل قد تمتَّع بها، وكانت بارزةً في شخصيته، ومنها على سبيل المثال:

1. متين الخلق: فالجميع يشهد له بمتانةِ خلقه وبشاشةِ وجه وحسن معاملته مع جميعِ أفراد وشرائح المجتمع المحيطة به، بل كان متميزًا بسعةِ صدره وحلمه ورفقه.

2. مثقف الفكر: مثلما كان متميزًا في علمه وتخصصه كان أيضًا متميزًا في ثقافته العامة والإسلامية فنجده في كلِّ موضوع أو قضية مطروحة للنقاش صاحب رأي وحجة ولديه قدر كبير من العلم والثقافة الذي يعينه على أن يفكر ويقدم الرأي والنفع لهذه الدعوة المباركة.

3. منظمًا في شئونه: ولقد كان دقيقًا ومنظمًا في كلِّ أعماله وترتيب شئونه متوازنًا في جميع شئونه وترتيب اولوياته، فمثلما كان طبيبًا ناجحًا وأستاذًا جامعيًّا بارزًا كان أيضًا داعيًا ومربيًّا وسياسيًّا ماهرًا، وكان أيضًا بارًّا بأهل بيته وعشيرته وأقاربه.

4. حريصًا على وقته: لقد كانت أجندة مواعيده مكتظة ولكن في نفس الوقت وفيًّا لعهده ووعده فلم يتخلف إلا لظرفٍ قهري، وكان أيضًا حريصًا على الاستفادةِ من جميع وقته بأفضل صورةٍ وأحسنِ وجه.

5. نافعًا لغيره: وكان حريصًا أن يُقدِّم لإخوانه ولمرضاه ولدوائر المجتمع المحيطة به كل نفعٍ وخير دون كللٍ أو مللٍ بل بنفس صابرة ومثابرة عالية.

6. مجاهدًا لنفسه: لم يكن لنفسه حظ، وكان يُعطي من نفسه لإخوانه بكل حبٍّ وتواضعٍ وأدبٍ جمٍّ، لا يغضب ولا يثور حتى لو انفعل عليه أحدٌ أو احتدَّ في نقاشه معه فتجده نموذجًا رائعًا للصابر المحتسب وحريصًا كل الحرص على بشاشةِ الوجه وحسن الخلق والأخذِ بمنهجية وموضوعية في العرضِ والمناقشة مع كل المخالفين له في الرأي.

ثانيًا: الداعية المربي

ومثلما كان نموذجًا للفرد المسلم القدوة فقد كان أيضًا نموذجًا للداعية والمربي القدوة الذي يتحرك بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ولا يُبالي بما يلقاه فهو الصابر والمحتسب المحب لدعوته المجاهد في سبيلها، ولقد شارك في كثيرٍ من الندوات والمؤتمرات، وكان له دورٌ بارزٌ في مجالاتِ الدعوة المختلفة يشرح دعوة الإسلام ويطرح الرؤية الصحيحة والمنهج الواضح لهذه الدعوة المباركة في مجالات الإصلاح المتعددة، وكان حريصًا على أن يجالس الإخوان كبيرهم وصغيرهم رجالاً ونساء ويعمل على حسن توجيهم وتربيتهم مما كان له عظيم الأثر في نفوسهم جميعًا.

ثالثًا: السياسي الماهر

ورغم قصر الفترة التي عمل بها في المجال السياسي إلا أنه تميَّز بموهبةٍ بارزةٍ في هذا المجال، وكان له فكره ورؤيته السياسية الواضحة واستطاع بتوفيقٍ من الله عزَّ وجل ثم عمله المتواصل أن يكون من أبرز رموز العمل السياسي والقائمين على إدارته وصاحب تجربة متميزة في هذا المجال.

رابعًا: القائد الحكيم

ويشهد له جميع أحبائه بذلك، فكان مثالاً رائعًا للقائدِ القدوة صاحب الحكمة والرأي السديد، وكان لديه القدرة وعظيم التأثير في كلِّ مَن حوله بالحبِّ أولاً ثم بالإقناع والبرهان ثانيًا ثم بالاحترامِ والتقدير والتواضع لإخوانه ثالثًا، ولهذا كان نموذجًا مثاليًا للإدارةِ الناجحة بالحبِّ والإقناع معًا، لم يختلف معه أحدٌ ولم يغضب منه أحد، بل الحب والتقدير والحرص الجميل علي العمل معه.

خامسًا: المجاهد الصادق

يجب علينا ونحن نتحدث عن هذا الجانب في شخصية أخينا الراحل أن نستشعر هذه المعاني التي ذكرها الإمام البنَّا : "تصور المجاهد شخصًا قد أعدَّ عدته, وأخذ أهبته, وملك عليه الفكر فيما هو فيه نواحي نفسه وجوانب قلبه, فهو دائم التفكير.. دائم الاهتمام.. على قدمِ الاستعداد أبدًا، إذا دُعيَ أجاب, وإذا نُودي لبَّى, غدوه ورواحه وحديثه وكلامه وجدُّه ولعبه لا يتعدى الميدان الذي أعدَّ نفسه فيه, ولا يتناول سوى المهمة التي وقف عليها حياته وإرادته، تقرأ في قسماتِ وجهه, وترى في بريقِ عينيه, وتسمع في فلتاتِ لسانه ما يدلك على ما يضطرم به قلبه من جوًى لاصق وألم دفين, وما تفيض به نفسه من عزمةٍ صادقة، وهمة عالية، وغاية بعيدة؛ وذلك شأن المجاهدين من الأفرادِ والأمم.. فأنت ترى ذلك جليًّا في الأمةِ التي أعدت نفسها للجهاد".. فلقد كان مثالاً للمجاهد الصادق نحسبه كذلك ولا نُزكي على الله أحدًا.

وأخيرًا أيها الأحباب الكرام.. علينا أن نحرص كلَّ الحرص على إعدادِ أنفسنا حتى نكون من المجاهدين الصادقين والفائزين في الدنيا والآخرة، وذلك من خلال:

- دوام الصلة بالله في كلِّ الأحوال دون ترخُّصٍ أو تقاعس؛ ولكن بهمة وإرادة.

- الحرص على العملِ المتواصل، وبذل الجهد والتضحية في سبيل الله.. ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (العنكبوت: 69).

- الحرص على الشهادة وحسن الخاتمة، وهذا يتطلَّب قلوبًا مخلصةً صادقةً ونفوسًا عظيمةً وهممًا قويةً, وصدق الله العظيم: ﴿لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ (آل عمران: 92). نسأل الله العظيم أن نكون من أولئك الذين يختصُّهم ربهم بالشهادة: ﴿وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾ (آل عمران: 140).

اللهم آمين، وصلِّ اللهم على سيدِنا محمد وآله وصحبه وسلم.

المصدر

قالب:روابط حسن الحيوان