د.سيف عبدالفتاح يكتب: القانون الإرهابي .. "الشعب كله إرهابى محتمل"

من | Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين |
اذهب إلى: تصفح، ابحث
د.سيف عبدالفتاح يكتب: القانون الإرهابي .. "الشعب كله إرهابى محتمل"


(7/19/2015)

الحاكم بأمره والمستبد بشعبه يشرع بهواه ويجعل من رغباته أوامر قانونية تعصف بالدستور، فهو لا يقيم وزنا لأى شيء وتحكمه قاعدتان "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"، "فاستخف قومه فأطاعوه".

يقنن هواه ومزاجه فيجعله تشريعا فى غيبة برلمان يمثل أداة للتشريع والرقابة، لسان حاله يقول "ذرونى أقتل" وحال عمله من خلال أدوات بطشه يروع ويعتقل من دون أدنى قيد عليه وعلى سدنته وأدواته فى تنفيذ استراتيجيات الظلم وسيات الظالمين، إنه حال المستبد الذى يجعل من كامل شعبه تحت سيف الإرهاب المحتمل ي2015 الإرهاب بالقانون ويبرر ويمرر استبداه وبطشه بالقانون ليصدر ترسانة قراراته وقوانينه وتشريعاته الإرهابية من اعتبار فصيل جماعة إرهابية وقانون الكيانات الإرهابية، ثم يتوج ذلك بقانونه الإرهابى عن الإرهاب.

يضع من الكلمات والتعبيرات الفضفاضة ليجعل من هواه قانونا ومن مزاجه تشريعا ومن رغباته قرارا ومن بطشه سياسة ومن قمعه وطغيانه ثابتا، يجعل من كلماته الفضفاضة غطاء لاستراتيجيات ظلمه وظلامه بحيث يتبسط نطاق التجريم إلي أوسع مدى ممكن لتكبيل المجتمع، إذ يصبح معها المواطن متهم الي أن يثبت هو براءته وليس العكس، وتوكل للأجهزة الأمنية الحق الحصري في تفسير وتطبيق هذه الكلمات كيفما تشاء ووفق هوى المستبد وأدوات طغيانه.

والقانون الإرهابى الذي بين أيدينا هو جل ما وصلت إليه الأنظمة المستبدة من القمع، لم يحدث أن وصل تشريع فى مصر إلي ما وصل إليه هذا القانون بمقارنته على سبيل المثال بقانون الطوارئ.

وأخطر ما فى الأمر أن تتحول رغبات المستبد الغاصب والمنقلب على الحق بباطله وبطشه إلي قوانين ومواد تشرعن حياة المواطنين دون ضابط أو رقيب خصوصا لو تحدثنا عن استعمال السيسي لسلطاته في إصدار القوانين والقرارات خلال عام واحد المخالفة للحريات العامة وحقوق الإنسان، فإن عدد القرارات والقوانين المخالفة للحقوق والحريات التي تم إقرارها ونشرها بالجريدة الرسمية منذ يونيو [[2014]] وحتى نهاية مايو 2015 بلغت 232 قرارًا ولن تقف هذه الخطورة علي المجتمع القانوني والقضائي في مصر فقط بل علي السلم الاجتماعي والأهلي في أن تكون تغييرات التشريعات والقوانين المنظمة للحياة الجنائية إذا ما ذكرنا ذلك تتم في ظل مناخ هجومي وانتقامي مثلما أراد السيسي أن يظهره من خلال تصريحاته الأخيرة.

يذكر أن قانون مكافحة الإرهاب الذي قام بإعداده على هذا الشكل هي لجنة التشريعات برئاسة وزير الظلم الانتقالي المسمى زورًا بوزير العدالة الانتقالية بعد أن 2015 كل أنواع الانتقائية الجائرة، وكل مسالك الانتقامية الفاجرة، فتخرج علينا لجنة ترزية القوانين الجاهزة والجائرة بهذا القانون الإرهابى فى مادته ومواده، حتى وصفته بعض هيئات سياسية معتبرة وحقوقية وقانونية محترمة أن القانون الوارد بهذا الشكل يمثل نقلة نوعية لحالة القمع في مصر، ولم يسبقه أى قانون آخر بمثل هذا الشكل.

وحتى نكون موضوعيين، فالقانون لم يصدر حتى الآن ولم ينشر في الجريدة الرسمية، إلا أن القانون ليس الأول من نوعه، حيث سبقه القرار بالقانون رقم 8 لسنة 2015، في شأن تنظيم الكيانات الإرهابية والإرهابيين والذي تم إقراره ونُشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 24 فبراير 2015 الماضي.

القانون يمثل صورة واضحة لأحوال مرفق العدالة سابقا، السادر فى ظلمه حاليا، الذي يعمل وفق رغبات السلطة الحاكمة الآن حتي ولو كانت مخالفة للدستور والأنظمة القضائية المصرية كما سيتضح فيما بعد، إذ أنه وطبقا للمعلومات المنشورة فإنه قد تم الإطلاع عليه وتنقيحه من قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، وهو الممثل للقضاء الإداري، كما أنه لم يتم الاعتراض عليه حتي الآن من مجلس القضاء الأعلى ومحكمة النقض برغم ما فيه من انتهاك فاضح وصارخ لمعايير العدالة والحق في الاستئناف والطعن، في حين أن المحكمة الدستورية العليا غارقة في تبعيتها للنظام الحاكم في مصر، ويقف على رأسها الرئيس المؤقت السابق المنتهك بعمد وإصرار للدستور والقانون، والذى ارتضى أن يلعب دور المحلل فى المشهد الانقلابى.

القانون استخدام كلمات وعبارات غامضة وفضفاضة فى تعريف الجماعة الإرهابية، الإرهابي، الجريمة الإرهابية، العمل الإرهابي، تمويل الإرهاب، وغيرها من المصطلحات.. فكيف يمكن تفسير عبارات مثل "الإخلال بالنظام العام" أو "الإضرار بالوحدة الوطنية أو سلامة المجتمع وأمنه" أو "إيذاء الأفراد" أو "إلحاق الضرر بالبيئة"، وكيف يمكن الإثبات بالدليل أن نشاطا معينا نال من سلامة المجتمع أو أضر بالسلام الاجتماعي، أو أن منظمة ألحقت الضرر بالبيئة أو بالموارد الطبيعية أو بالأثار أو الأموال أو المباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة.

كل هذه العبارات المعيبة سيتم تفسيرها علي هوى السلطات الأمنية وحدها دون غيرها، فهي الوحيدة التي تملك سلطة التفسير دون الاستناد إلي معيار قانوني كونها مفاهيم نسبية تقديرية بالهوى يصعب وضع تعريف محدد لها.

القانون كان أكثر تطرفا من كل القوانين الخاصة بالحالات الاستثنائية أو مواجهه الإرهاب، إذ أنه حدد العدد المنشأ للجماعات الإرهابية إلى ثلاث أفراد طبقا لنص المادة الأولي، إذ عرف الجماعة الإرهابية بأنها "كل جماعة أو جمعية أو هيئة أو جهة أو منظمة، أو عصابة مؤلفة من ثلاثة أشخاص على الأقل.."، وهو أقل الجمع والاجتماع، وهو أمر كان محل سخرية وتندر فى وسائل التواصل الاجتماعى من أن أى أسرة مكونة من ثلاثة أفراد هى كيان إرهابى محتمل.

القانون ولأول مرة يقرر أن عمل المنظمات الدولية أو المحلية التي تطالب بحمل مصر بالتوقيع علي الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان علي أنها جريمة إرهابية من الخارج، إذ أنه نص في المادة الثانية منه علي أن من ضمن نطاقات الجرائم الإرهابية من الخارج "حمل الدولة أو أي من سلطاتها أو مؤسساتها على القيام بعمل أو الامتناع عنه"، وبالتالي أصبح عمل الباحثين الحقوقيين والاجتماعيين في منظمات العمل الأهلي المحلي أو الدولي مجرما، وهم في نظر القانون مجرمين إذا أصدروا تقارير وبيانات ليست علي هوى السلطات الحاكمة في مصر.

بل أوضح مشروع القانون أنه من الأعمال الإرهابية "إصدار البيانات" كما ورد في نص المادة الأولى، وزاد من هذا التعريف ما نص عليه في المادة 33 من القانون، إذ أوضح العقوبة الخاصة بإصدار البيانات المخالفة لبيانات الجيش والشرطة بأنها من الأعمال الإرهابية، وهنا يدخل في إطار التجريم العمل الصحفي والعمل الحقوقي الخاص برصد وتوثيق الانتهاكات والجرائم المرتكبة من قبل أجهزة الدولة.

القانون ولأول مرة في تاريخ التشريع الجنائي المصري يقرر حصانة قضائية للقوات النظامية عند استخدامها للسلاح، إذ يقر في نص المادة السادسة منه علي أنه "لا يسأل جنائياً القائمون علي تنفيذ أحكام هذا القانون إذا استعملوا القوة لأداء واجباتهم، أو لحماية أنفسهم من خطر محدق يوشك أن يقع على النفس أو الأموال، وذلك كله متى كان استخدامهم لهذا الحق ضرورياً وبالقدر الكافي لدفع الخطر".. وهذه المادة تعتبر من أخطر المواد فى القانون علي الإطلاق، إذ أنها تشرعن لعمليات التصفية الجسدية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية، بل إنها منعت من الأساس بناء أي مساءلة أو فتح تحقيق حتى في الحادثة.

القانون حرر مأموري الضبط القضائي من القيام بأخذ تصريح لإلقاء القبض علي الأشخاص من النيابة العامة في مخالفة واضحة لقانون الإجراءات الجنائية، إذ أنه أعطى الحق في جمع الاستدلالات في جرائم الإرهاب وإلقاء القبض دون موافقة من النيابة العامة، وأقر حقوقا استثنائية للأجهزة الأمنية لا تتوافر إلا في قوانين الطوارئ مما يجعل هذا القانون بديلا عن قانون الطوارئ بامتياز، وسيدخل الدولة في حالة الطوارئ الدائمة.

أنظر نص المادة 52 والتي أعطت لرئيس الجمهورية نفس الاختصاصات الواردة في قانون الطواريء من إخلاء المناطق و حظر التجوال.

بل أعطى هذا القانون الحق لرئيس الجمهورية، وبمخالفة صريحة وفاضحة لصريح الدستور، وبالالتفاف علية بتفعيل الحالات الاستثنائية الواردة في نص المادة 52 من القانون والتي تعتبر جزءا لا يتجزأ من حالات الطوارئ، ولمدة 6 أشهر قابلة للتمديد لمدد أخرى غير محددة خصوصا وأن الدستور أعطي له الحق في استخدام الاستثناءات في قانون الطواري لمدة ثلاث أشهر فقط قابلة للتمديد لمدة واحدة، والأدهى من ذلك أنه جعل إقرار هذه الحالات الاستثنائية شفوية من قبل رئيس الجمهورية دون إقرارها في الجريدة الرسمية ولمدة ثمان أيام.

القانون أقر نظاما قضائيا جديدا للنظر فيما تسمي قضايا الإرهاب حيث ظهرت فيه مبادئ و معايير (تسريع يد العدالة) التي طالب بها المنقلب المغتصب، حيث أقر القانون بإنشاء محاكم جديدة للجنايات والجنح يصدر بشأنها قرار من المجلس الأعلى للقضاء ظهر ذلك في نص المادة 48 من القانون، في حين أنه أقر وضعا استثنائيا جديدا بالمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية خصوصا المادة 388، إذ أنه جعل الحكم حضوريا بحق المتهم في حالة حضور وكيل عنه أبدي دفاعه، ويفتح هذا النص بابا جديدا للإخلال بالعدالة لجعل الأحكام نهائية بحق المتهمين الذين يصدر بحقهم الحكم غيابيا مما يسقط المرحلة اللاحقة والخاصة بإعادة الإجراءات، إذا ما تم اعتقاله بعد إصدار الحكم وفي هذه الحالة سيكون للمحكمة الحق في انتداب محامين عن المتهمين الغيابيين ليقوموا بالترافع عن المتهم الغيابي لكي يكون الحكم حضوريا فى مواجهته.

القانون قلص من درجات التقاضي في مرحلة النقض، إذ جعل الطعن بالنقض علي الجنح والجنايات الخاصة بالإرهاب خلال 40 يوما من إصدار الحكم في حين أنها كانت خلال 60 يوما، كما أنه أنشأ دائرة تمهيدية تنظر في الطعون منعقدة في غرفة المشورة، فإذا رات أن الحكم مرجح القبول أرسلته الي دائرة أخرى للفصل في موضوعه، وإن كان غير مرجح أصبح باتا نهائيا، وبالتالي ستصبح محكمة النقض محكمة موضوع تفصل في القضايا من أول طعن وليس فى المرحلة الثانية للطعن كما هو الحال الآن، ولن يتم تحديد دائرة للجنايات مرة ثانية لنظر القضية فى حالة قبول الطعن كما هو الآن.

هذا هو مشروع قانون الإرهاب الذى ي2015 أقسى وأقصى درجات الإرهاب فاستحق بحق اسم "القانون الإرهابي"، لنؤكد مقولة سبق أن قررناها وكررناها "الانقلاب هو الإرهاب"، "الإرهاب أصل الخراب".

فهل يريد الإرهابى الأول والمنقلب الأكبر والمغتصب الطاغية أن يجعل شعبا بأسره تحت سيف قانونه الإرهابى؟!، ألا قد بلغ السيل الزبى وطفح الكيل، وآن لكل صاحب كرامة أو عقل ألا يترك الأمر يمر، وما أراه إلا خائفا مذعورا، وما قصد بإرهابه القانونى إلا أن يوقف أى احتجاج أو اعتراض محتمل، ولكن هيهات.. هيهات.. الثورة قادمة ولن يحميك قانون أحمق ولا بطش منك أقوى..

وستعلم أن "الملوك فى الشارع والعبيد أمثالك فى القصر".. أيها الخائف المذعور.

المصدر