دور طلبة الإخوان في التنظيم الخاص وحرب فلسطين
موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)
مقدمة
اقتنع رجال السياسة والحكم في مصر بأن الاحتلال سيخرج بالمفاوضات ووعوده الكاذبة وعدا بعد وعد، ومفاوضات يعقبها مفاوضات، وأصبح حكام الأمة مقتنعين تمام الإقناع أن الإنجليز إذا قالوا فعلوا وإذا وعدوا أوفوا، وكان نتيجة ذلك مراوغة الإنجليز وإطالة أمد المفاوضات فى سلسلة مفرغة لا تنتهي إلى شيء .
وكسب الإنجليز مكاسب كبيرة من خلالها ،فكانت اتفاقية 1936م التي أتاحت لقوات الاحتلال استعمال المطارات والموانئ المصرية فى حربها،ومساندة الحكومات للدولة الحليفة فى حربها طمعا فى أن ينفذ الإنجليز وعودهم بالجلاء عقب انتهاء الحرب ،وبعد انتهاء الحرب بدأت مفاوضات الجلاء من جديد ،لكن بلا جديد.
ولعلنا نتعلم من التاريخ أنه لا توجد دولة فى العالم نالت حقها من المحتل بالوسائل السلمية عن طريق المفاوضات دون نضال وتضحية وتقديم شهداء.
يقول السادات: لقد كان بمصر فى ذلك الوقت خمسة أجهزة سرية هى البوليس السياسي والمباحث الجنائية والمخابرات الحربية للجيش والمخابرات الخاصة بالإنجليز وال C.I.A الأمريكية التى دخلت مصر بعد الحرب العالمية الثانية ..هذا بخلاف جهاز آخر خاص بالملك ويتبع السراي مباشرة ." كلها يهدف إلى القضاء على أى تنظيم ضد الإنجليز أو الملك".(1)
إن الحكم على الأعمال بالنجاح أو الفشل يكون بدراسة الأهداف مقارنة بما تحقق من نتائج ودراسة نسبة النجاح. لقد نشط الإخوان داخل المجتمع يعالجون وفق مبادئ الإسلام الخلل المتغلغل وسط النفوس البشرية والتي عمدت إلى ترك الدفاع عن الوطن وركنت إلى الدعة والراحة.
الأنظمة العسكرية بمصر
ظل الناس يسمعون عن النظام الخاص في دعوة الإخوان المسلمين وعن وسائله وعن أهدافه، من وسائل الإعلام الحكومية المختلفة، وما أكثر الافتراءات التي تم إثارتها ضد الإخوان بسبب هذا النظام، لكن الحقيقة أن هذا النظام لم يكن النظام العسكري الوحيد الذي وجد في مصر، فقد وجدت أنظمة أخرى، مثل فرقة القمصان الخضر والتي أنشأها حزب مصر الفتاة، وأيضا فرقة القمصان الزرق والتي أنشأها حزب الوفد والتي أنشئت بهدف حماية الحزب الذي ينتمون إليه من المنافسين له، واتخذت التدريب العسكري وسيلة لتحقيق أهدافها.
كما شكل الملك فاروق تنظيما من ضباط الجيش أسماه " الحرس الحديدي خصص للقيام بالمهام التي يكلفه بها الملك عن طريق مرتضى المراغي لمواجهة من يعارض السراي من الساسة ،أو ممن يشتم منه رائحة الخطر على النظام الملكي ، فمنهم من قام بمحاولة هدم منزل النحاس باشا ،ومنهم من قام بقتل عبد القادر طه وغير ذلك من الأحداث.
وقد عملا كل من أحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشي على تأسيس تشكيل عسكري سرى للقيام باغتيالات واسعة للانجليز أطلق عليه القبضة الحديدة ،ولعله أول تشكيل عسكري سرى أنشىء لأهداف وطنية ،ونظرا لأهدافه التي أنشىء من أجلها فكان لابد أن يعتمد على السرية ، فلن يسمح الإنجليز بقيام تنظيم عسكري للقضاء عليهم.
كما كون السادات جماعة سرية مسلحة تهدف للقيام بعمليات اغتيال للانجليز وعملائها المصريين (مجموعة حسين توفيق)، والتي قامت باغتيال الوزير أمين عثمان يوم 5 يناير 1946م.(2)
أنشأ الأستاذ البنا النظام الخاص بهدف محاربة الإنجليز فى مصر والصهيونية فى فلسطين ،لذلك كان لابد من السرية حتى لا ينكشف أمره ويصبح عرضة للقضاء عليه ،فلن يسمح الإنجليز بقيام أى تنظيم مدرب للقضاء عليهم.
لقد انطلق الإخوان فى ذلك من عقيدتهم الإيمانية التى تتمنى الشهادة فى سبيل الله ، والتي تدعوهم إلى الأخذ بوسائل القوة فى محاربتهم لأعداء الله ،وأعلنوا ذلك صراحة :الجهاد سبيلنا ،والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا.
يقول صلاح شادي: بعد أن اتضح تواطؤ الإنجليز والأمريكان مع الصهاينة على تسليمهم فلسطين ،أدرك الإخوان المسلمون أن المستعمرين لن يعدلوا عن ذلك إلا مكرهين ، وأيقن مرشد الإخوان حسن البنا أن الإنجليز يسلحون عصابات اليهود ، كما أدرك أيضا أن الحكومة المصرية والحكومات العربية أغلبها متخاذلة إن لم يكن بعضها متواطئ مع الإنجليز لذلك قرر المرشد فى إنشاء نظام سرى يواجه به مسئوليات هذا الفهم إزاء التحرك الصهيوني فى فلسطين الاحتلال البريطاني لمصر.(3)
يقول احمد عادل كمال: كانت الأمة الإسلامية غافلة حين كانت الحركة الصهيونية تولد وتشب وترسم وتخطط وقد جعلت هدفها الأول انتزاع فلسطين من المسلمين وإقامة وطن يهودي بها فى قلب العالم الإسلامي. وسارت الحركة أشواطا نحو تهجير اليهود من كل بقاع العالم إلى فلسطين.
كان أكثر هؤلاء من القطاع الشيوعي وهذه ملاحظة لابد من الوقوف أمامها للربط بين الصهيونية الأم والشيوعية المولودة. فكانت الأفواج الأولى التي غذت قيام دولة إسرائيل من اليهود الروس ثم من يهود بولندة ورومانيا والنمسا. وكان التمويل يأتي من الغرب, من انجلترا وفرنسا والولايات المتحدة. وبدأت حركة شراء الأراضي بفلسطين وإقامة المستعمرات اليهودية عليها.(4)
يقول أشرف العنتبلي: ومن هنا نبتت فكرة " النظام الخاص " للدفاع عن قضية مصر وقضية فلسطين، وأن الإنجليز بتواطئهم مع اليهود لن يعدلوا عن خطتهم ويسلموا البلاد لأهلها إلا مكرهين ، و أن الإنجليز يسلحون عصابات اليهود ، وأنه لابد من معركة فاصلة بين الإخوان المسلمين وبين هذه العصابات.
وأدرك الأستاذ المرشد أن الحكومة المصرية والحكومات العربية حكومات ضعيفة هازلة متخاذلة بل متواطئة ،وأن ليس في البلاد العربية جيوش سوي الجيش المصري، إلا أنه جيش هزال ولا يمتلك الخبرة بحيث لا يقوي علي مواجهة عصابات اليهود المدربة المسلحة بأحدث الأسلحة الإنجليزية والأمريكية أدرك الأستاذ البنا ذلك فكان ذلك حافزًا علي سرعة الاستعداد لتكوين " النظام الخاص" حيث تكون في عام 1940 حين دعا البنا خمسة هم : صالح عشماوي وحسين كمال الدين وحامد شريت وعبد العزيز أحمد ومحمود عبد الحليم، وحدد البنا لهذا الجهاز بعض الأسس، منها:
- العسكرية الإسلامية القوية النظيفة ، وعلي أن يحاط بالسرية المطلقة بحيث لا يعرف عنه أحد شيئًا إلا أعضاؤه .
- أن يكون تمويله من جيوب أعضائه ؛ لأنه علامة الجد فيمن تقدم للتضحية بروحه أن يضحي بماله.
- ترتيب القيادة بحيث يكون صالح عشماوي الأول باعتباره المتفرغ الكامل ويليه كمال الدين حسين ، فمحمود عبد الحليم فحامد شريت ، فعبد العزيز أحمد.
- يتم ضم الأفراد الجدد ممن يتوسم فيهم الجد وعمق الفهم والاتزان ، وعرضت عليهم الفكرة فاستجابوا لها.
- يتكون من الموظفين والعمال الفنيين ذوي الثقافة الإسلامية والطلاب ، وكان هؤلاء جميعًا هم الرعيل الأول في هذا النظام.(5)
تتكون قيادة النظام من خمسة أفراد يمثلون الصف الأول في قيادة النظام ويرأس كل منهم مجموعة تتكون من خمسة أشخاص، و هؤلاء الخمسة المسئولين عن النظام الخاص هم: عبد الرحمن السندي مصطفى مشهور محمود الصباغ أحمد زكي حسن –أحمد محمد حسنين، وهؤلاء القادة كان معظمهم من الطلاب.(6)
لقد كان النظام الخاص معظم أفراده من طلاب الجامعات حيث يمتلكون الحيوية والنشاط، وقوة الساعد، واتزان العقل، ولقد قام ها الجهاز بالكثير من الأعمال ضد الإنجليز واليهود في مصر لمساعدتهم الحركة الصهيونية على اغتصاب الأراضي الفلسطينية (لا مجال لسرد هذه الأعمال فقد غنت بها كتب أخرى).
وحينما سقطت السيارة الجيب ظهر ضمن المتهمين عدد من الطلاب، فكما جاء في الحكم الصادر في قضية النيابة العمومية رقم 3394 الوايلي 1950 ورقم 227 سنة 1950 كلي سيارة الجيب المتهم فيها عبد الرحمن السندي وآخرين ومنهم:
- عبد الرحمن عثمان 24 طالب حقوق
- صلاح الدين محمد عبد العال 20 طالب توجيهي
- جلال الدين يس 20 طالب وموظف بوزارة التجارة.(7)
الطلاب وحرب فلسطين
لقد عمد حسن البنا إلى تربية الطلبة على حسن الغاية والهدف، والبذل في سبيل الله والعمل على خطى رسول الله، وقد غرس في الكثير منهم المعاني الحقيقية من جهاد واستشهاد وغيرها، ولذا أصبح كثير منهم في شوق إلى الجهاد في سبيل الله، حتى سنحت الفرصة حينما أعلن الإنجليز انسحابهم من فلسطين في 15/ 4/ 1948م وترك فلسطين، غير أنهم كانوا يساعدون اليهود على الاستحواذ على أرض الفلسطينيين بشتى الطرق.
وقضية فلسطين والإخوان ليست جديدة، فمن المعروف أن الإمام البنا والإخوان اهتموا بقضية فلسطين منذ عام 1931م حينما أرسل لمؤتمر القدس الأول برسالة يحي فيها الحضور ويقدم لهم بعض المقترحات، كما عمد إلى نشر القضية الفلسطينية وما يحدث فيها عام 1936م وعرف المجتمع المصري والعالمي بما يقوم به المستعمر الإنجليزي ضد الفلسطينيين لصالح الحركة الصهيونية عن طريق نشر كتاب الدمار والنار في فلسطين.
وظلت قضية فلسطين تستحوذ على قلب وعقل الإخوان المسلمين بسبب ما يحاك لها، حتى جاءت اللحظة الفارقة بين الفلسطينيين واليهود حينما أعلن الإنجليز تخليهم عن الأراضي الفلسطينية في 15/ 5/1948م.
وأعلن الأستاذ البنا فتح باب التطوع، فسارع كثير من الإخوان للانضمام لمعسكر التدريب، بما فيهم طلبة الجامعات والمدارس.
لقد حدد الإمام البنا شروط للمتطوع ومنها أن يوافق والداه على ذلك، وأن لا يكون متزوجا، وأن لا يكون طالبا (خاصة طلبة المرحلة الثانوية)، ويحدد ذلك ما جاء في مذكرات عبد الرحمن البنان حينما طلب من وائل شاهين الالتحاق بمعسكر التدريب وهو ما زال طالب عنده 16 عاما، فكان رد وائل شاهين: هل سنكم مناسب لتحمل مشاق الجهاد والحرب؟ هذا بالإضافة إلى أنك ما زلت طالبًا... وحينما قاطعة البنان في ذلك أردف قائلا: سأوصلك للأستاذ «حسن البنا»، ليبدي رأيه؛ لأنه حسب علمي لم يوافق على إرسال طلبة إلى فلسطين، ولكن حاول بنفسك.
يضيف البنان: وطلبت من الأستاذ البنا أن أنضم لكتائب الجهاد إلى فلسطين، فسألني عن اسمي، وقال لي: بالطبع أنت طالب يا عبد الرحمن، وسيكون الطلبة آخر من يذهبون؛ فإن تحصيل العلم نوع من الجهاد، وأحسست بطعنة في صدري، كيف عرف أنني طالب، لقد كان «حسن البنا» هو أملي الأخير، ولكنه خذلني، ولكنني لم أيأس، قعدت بصفوفه مرة أخرى إلى الصف الذي يسأله، وحاولت تغيير هيئتي أن رفعت ياقة قميصي، وقطبت وجهي، وخشنت صوتي، وتوجهت إليه مرة أخرى متقمص شخصية العمال، وقلت له بصوت خشن: أريد الذهاب إلى فلسطين، إنني من العمال، فنظر إليَّ مبتسمًا وأمسك بأذني، وقال لي: «لا تكذب يا عبد الرحمن، لقد قلت لك: إن العلم نوع من الجهاد، وسيجزيك الله على صدق مشاعرك».(8)
بهذه الرواية التي ذكرها عبدالرحمن البنان، وتتبعنا للمتطوعين من الإخوان سنجد أن عنصر الطلبة كان ضعيف، إلا من استطاع أن يسافر بجهوده، أو كان طالبا في المرحلة الجامعية ويمتلك القوة والوقت، وقد حصل على أذن والديه.
ومع ذلك استشهد بعض الطلبة الذين سافروا إلى فلسطين ففي 17 أبريل 1948م استشهد الطالب بمعهد طنطا الثانوي الأزهري عبدالوهاب البتانوني والذي استشهد في قرية العسلوج حينما كان يحرس مخزن الأسلحة هو واثنين من رفاقه، لكنهم فوجئوا بهجوم يهودي على المخزن فاتفقوا على نسف المخزن حينما يسيطر عليه اليهود ولا يقع في أيديهم غنيمة وبالفعل انتظر الشهداء الثلاثة حتى امتلاء المخزن بجنود اليهود وأشعلوا صناديق المفرقعات فحولت المخزن إلى كومة من التراب وصعدت أرواح الشهداء إلى ربها.(9)
لم تكن هذه الحالة الوحيدة فهناك تواجد الطالب حسن دوح والذي كان احد قادة المتطوعين وحلقة الوصل بينه وبين قادة الجيش المصري.
ومع ذلك تفاعل طلبة الإخوان مع القضية بالاشتراك في المظاهرات التي تدعو إلى فتح باب الجهاد للتصدي للمخططات الصهيونية في فلسطين، ومنها: المظاهرة الكبرى التي دعا إليها الإخوان المسلمون، خاصة بعد قرار مجلس الأمن بتقسيم فلسطين إلى دولتين، وهي المظاهرة التي شارك فيها آلاف من الطلبة في 15 ديسمبر 1947م؛ حيث اشترك فيها طلبة الأزهر والجامعات والمدارس، وتجمَّعت في ميدان الأوبرا، وخطب فيها السيد رياض الصلح- رئيس وزراء لبنان والأمير فيصل بن عبد العزيز والمرشد العام للإخوان المسلمين، وغيرهم من القادة.
كما شارك بعض طلبة الإخوان المسلمين في جمع الأسلحة من مخلَّفات الحرب العالمية وإعدادها ودفعها إلى اللجنة العليا لنصرة فلسطين، والتي كان يرأسها مفتي فلسطين أمين الحسيني.
وعن التصدي للأفكار التي تثبِّط همم الطلبة وتدعو إلى تسليم فلسطين لليهود قام أحد طلبة الإخوان في مدرسته بالتصدي لذلك، فيقول عبد الرحمن البنان: "دخل الفصل مدرس اللغة الفرنسية كان اسمه مسيو ألبير.. وبدأ حديثه بالكلام عن المظاهرات التي يقيمها الطلبة، وأنها مضيعة للوقت، وأخذ يستطرد في تسفيه هذا العمل- كنت شاردًا كعادتي.
ولكنني انتبهت أشدَّ الانتباه لكلامه، والذي أحسست أنه عدائي ومتحامل للغاية، ولما لم يردَّ أحد من الطلبة عليه رفعت يدي بأدب لأتكلم، ولكنه تجاهلني، فوقفت وقلت له: إن المظاهرات يا أستاذ ألبير تعبير منا عن الاستنكار والرفض لهذه المؤامرة التي تحدث في فلسطين، فقال لي بتعالٍ: أية مؤامرة تلك التي تتحدث عنها؟! قلت له بهدوء: مؤامرة تسليم فلسطين العربية لليهود.
فقال لي بحدة: أوليس لليهود حق الحياة كغيرهم؟ أجبته: إنهم يعيشون آمنين في شتى بقاع العالم، ففي مصر يهود، وفي كل البلاد الإسلامية والعربية يعيش اليهود باطمئنان كامل، بل هم يملكون البنوك والشركات وأغلب اقتصاد البلاد، أجابني: ولكن من حقهم أن يتجمَّعوا في بلد واحد، قلت له: هل نبني سعادة اليهود على شقاء أصحاب البلاد الأصليين؟ هل تقبل أن يطردك بعض الناس من منزلك بحجة أنه ليس عندهم مكان مريح يعيشون فيه؟ هل هذا منطق يرضَى به إنسان؟ قال لي بأسلوب متعالٍ: اجلس، والتفِت لدروسك، ولا تتكلم في أشياء أكبر منك.
كما اشترك الطالب عمر شاهين في معسكرات التدريب بالهايكستب؛ انتظارًا للسفر إلى فلسطين للمشاركة في الجهاد هناك، وعلى الرغم من أنه لم يكن قد بلغ السابعة عشرة فإنَّ نشاطه وحيويته وإقباله على التدريب واستعداده النفسي، كان له خير شفيع عند قادته.
وكان من رأي بعض الإخوان أن ينتظر الشباب حديث السن لاستكمال جوانب التربية المختلفة من ثقافة وغيرها أولاً ثم يُفسح لهم مجال المشاركة الجهادية بعد ذلك، وكان لهم حوار ونقاش طويل مع "عمر"، اضطره إلى موافقتهم، والعودة من المعسكر إلى القاهرة لمواصلة الدراسة، فقد كان طالبًا بالمرحلة الثانوية حينذاك.(10)
يقول كامل الشريف:
- ( ولا يزال أهل فلسطين يحمدون للداعية الإسلامي ((سعيد رمضان)) مواقفه الكريمة وأثره البالغ في توجيه الشباب العربي وجهة خالصة). (11)
لقد كان لمتطوعي الإخوان دور كبير أفزع الصهاينة مما دفعهم لنشر المقالات الطوال في صحف أوربا وأمريكا ويفعمونها بالتهم الخطيرة عن الإخوان المسلمين وحقيقة خطرهم على الولايات المتحدة وبريطانيا وكانوا يحاولون بذلك استعداء الحكومة الأمريكية لتقوم بعمل حاسم وسريع وتستأصل هذا الخطر الإسلامي الذي يهدد مصالحها بالزوال وليس أدل على ذلك من مقال كتبته فتاة صهيونية تدعى ((روث كاريف )) ونشرته لها جريدة ((الصنداى ميرور )) في مطلع عام ( 1948 ) ونقلته جريدة ((المصري)) لقرائها في حينه ونحن ننقل بدورنا أهم ما جاء به من التهم ليرى القارئ مدى النجاح الذي أحرزته الدعاية اليهودية حين أقنعت حكومات أوروبا بخطورة حركة الإخوان ودفعتها لمحاربتها بشده قالت الكاتبة في مقالها :
- ((إن الإخوان المسلمين يحاولون إقناع العرب بأنهم أسمى الشعوب على وجه البسيطة وأن الإسلام هو خير الأديان جميعا وأفضل قانون نحيا عليه الأرض آلها)).
ثم استطردت تصف خطورة حركة الإخوان إلى أن قالت :
- ((والآن وقد أصبح الإخوان المسلمون ينادون بالاستعداد للمعركة الفاصلة التي توجه ضد التدخل المادي للولايات المتحدة في شئون الشرق الأوسط وأصبحوا يطلبون من كل مسلم ألا يتعاون مع هيئة الأمم المتحدة فقد حان الوقت للشعب الأمريكي أن يعرف أي حركة هذه وأي رجال يتسترون وراء هذا الاسم الرومانتيكي الجذاب اسم ((الإخوان المسلمين)).
وقالت وهذا هو بيت القصيد:
- ((إن اليهود في فلسطين الآن هم أعنف خصوم الإخوان المسلمين ولذلك كان اليهود الهدف الأساسي لعدوان الإخوان وقد قام أتباعهم بهدم أملاك اليهود ونهب أموالهم في كثير من مدن الشرق الأوسط ويعدون الآن العدة للاعتداء الدموي على اليهود في عدن والبحرين وقد هاجموا دور المفوضيات والقنصليات الأمريكية وطالبوا علنا بانسحاب الدول العربية من هيئة الأمم المتحدة)).
وبعد هجوم عنيف على سماحة المفتى الأكبر وعلى فضيلة الإمام الشهيد ختمت مقالها قائلة:
- ((وإذا كان المدافعون عن فلسطين أي اليهود يطالبون الآن مجلس الأمن بإرسال قوة دولية لتنفيذ مشروع التقسيم الذي أقرته هيئة الأمم المتحدة فإنهم لا يطالبون بذلك لأن الدولة اليهودية في حاجة إلى الدفاع عن نفسها ولكنهم يريدون إرسال هذه القوة الدولية إلى فلسطين لتواجه رجال الإخوان المسلمين وجها لوجه وبذلك يدرك العالم آله الخطر الحقيقي الذي تمثله هذه الحركة ))
- ((وإذا لم يدرك العالم هذه الحقيقة في وقت قريب فإن أوروبا ستشهد ما شهدته في العقد الماضي من القرن الحالي إذ واجهتها حركة فاشية نازية فقد تواجهها في العقد الحالي إمبراطورية إسلامية فاشية تمتد من شمالي أفريقيا إلى الباكستان ومن تركيا إلى المحيط الهندي)) (12)
يقول عبدالعظيم رمضان: لا نستطيع إذن أن ننكر على شباب الإخوان المسلمين حماسهم وإخلاصهم لقضية فلسطين... ولم تلبث أن تطورت القضية الفلسطينية مما دفع بالإخوان إلى قلب المعركة فقد أرسل المركز بمائة متطوع إلى معسكر قطنة بسوريا كما أقاموا بإذن الحكومة معسكرا خاصا بالقرب من العريش يمارسون فيه التدريب وكان يتسع لما يزيد على مائتي منهم يمدهم المركز العام بكل ما يحتاجون إليه من أدوات وتموين وسلاح وعتاد وفى مارس 1948 دخلوا فلسطين واحتلوا هناك معسكر النصيرات جنوبي غزة
وقد رابط الإخوان فى " صور باهر " وفى " بيت لحم" وعلى مشارف القدس واقتحموا " راما تراحيل " فى جبهة الوسط واحتلوا معسكر النصيرات والبريج ونسفوا مستعمرة " ديروم" واشتركوا فى معارك " عسلوج" وحاصروا " المستة وبيروت إسحق" وترددت نقطهم الثابتة والمتحركة فى كل مكان فى جبهة الجنوب واستشهد منهم قرابة المائة وجرح نحو ذلك وأسر بعضهم وكانوا مثال البسالة وحب الاستشهاد.
ويضيف رمضان بعد غمز ولمز: وهناك دلائل على أن هذه الخسائر لم تؤثر على جيش الجوالة أو التنظيم الخاص فيري البعض أن رؤساء الجمعية كانوا حريصين على ألا يتطوع من جماعة الإخوان إلا الأعضاء المنتمون للنظام الظاهري ولا يبعثوا من أعضاء النظام السري إلا قلة.(13)
ويقول اللواء إبراهيم شكيب: ويتطور الموقف ويعقد الطلبة مؤتمرا بحرم الجامعة يطالبون فيه باستقالة الحكومة ما دامت لم تسلك بالقضية الوطنية سبيلا إيجابيا واضحا مبينا على بطلان المعاهدة واتفاقية السودان واستنكار موقف الحكومة من قضية فلسطين وهو ما أيده شباب الأحرار الدستوريين واللجنة التنفيذية لاتحاد المدارس الثانوية والاتحاد العام لطلبة المدارس الثانوية الفنية.
ولم يقتصر دور الطلبة على حملات الاستنكار والاحتجاج وهو أمر لا يمكن الإقلال منه باعتباره قوة ضاغطة على الحكومة , بل وجدت القوى الشعبية المصرية المتحفزة أن التوجه إلى فلسطين هو خير وسيلة للتنفيس عن عدائها لبريطانيا ولربط الكفاح المصري بالكفاح العربي , ومن ثم تدفقت جموع المتطوعين من شباب الضباط الأحرار والإخوان المسلمين وحزب مصر الفتاة والعمال والطلبة , وذلك قبل الحرب النظامية لتقاتل بفلسطين , وقد استشهد بعض الطلبة هناك , فقام طلبة الجامعة وكلية أصول الدين بتأبين هؤلاء الشهداء.
ويستمر الطلبة في المطالبة بإنقاذ فلسطين فتخرج مظاهراتهم هاتفة " أين حيفا يا وفود الجامعة وأين السلاح ياعزام " ويعتصم بعضهم ببعض معاهد التعليم بالإسكندرية حتى تتحرك القوات المسلحة في فلسطين.(14)
لم يتوان طلاب الإخوان عن الاشتراك أو المساهمة في هذه الحرب غير أن كثير من الظروف والعوائق منعت الكثير منهم من الاشتراك في الحرب.
ظل الطلبة هم عماد حركة الإخوان، ومع تدافع الأحداث والانتصارات التي حققها متطوعي الإخوان في فلسطين مما أفزع القيادة السياسية في مصر ومن خلفها الحركة الصهيونية والمحتل، فكان صدور قرار بحل جماعة الإخوان المسلمين في 8 ديسمبر 1948م ومصادرة أملاكها واعتقال قادتها وغلق شعبها، واعتقال كل المجاهدين، حتى انه اعتقل عدد كبير من الطلبة.
يقول د. يوسف القرضاوي: ثم شاء الله أن ننتقل من سجن طنطا إلى معتقل الطور، وبعد فترة نقلونا نحن طلبة الثانوي من معتقل الطور إلى معتقل هايكستب، وفيه جاءنا حسان، من ميدان الجهاد في فلسطين إلى المعتقل، وهو ما استغربه حسان من قومه: أن يكون الاعتقال والحبس وراء القضبان جزاءه وجزاء أشباهه ممَّن خدموا أوطانهم، بإخلاص، وعرَّضوا أنفسهم لخطر الهلاك من أجل أمتهم، وأنشد في ذلك قول طَرَفَة: (15)
- على المرء من وقع الحسام المهند!
كتب كامل عبدالفتاح عن الدكتور أحمد العسال قوله: كانت أولى اعتقالاته وهو في الصف الخامس الثانوي، حينما قام هو وبعض من الإخوان بعمل إضرابات ومظاهرات حتى لا تُحَلَّ الجماعة، واعتقل هو والشيخ القرضاوي وبعض الإخوان الآخرون إثر هذه المظاهرات، وتم ترحيلهم من قسم أول إلى الهايكستب، ثم إلى معتقل الطور، ولما عرفوا أنهم طلاب ثانوية استحيوا وأعادوهم إلى الهايكستب، ثم أعادوهم مرةً أخرى إلى الطور، وكان الشيخ محمد الغزالي في ذلك الوقت هو مسئول الإخوان في المعتقَل، وكان معهم في المعتقَل الشيخ عبد المعز عبد الستار.
وبعد خروجه من المعتقل بعد ما يقرب من 9 أشهر كانت مدة الامتحانات قد انتهت، ولكن قام الدكتور طه حسين وزير المعارف آنذاك بعمل امتحان استثنائي للمعتقَلين، لكنه جاء متأخرًا فامتُحن هو والدكتور القرضاوي، وبعد ذلك تقدَّم إلى كلية الشريعة، ثم اعتُقل بعد ذلك عام 1953م على يد رجال الثورة ثم أُفرج عنه، ثم اعتقل فظل في السجن الحربي حتى يونيو 1956م، فخرج وأتم دراسته بالكلية، وبعد تخرجه منعَته الحكومةُ من التعيين في أي عمل وظيفي، فعمل في المدارس الخاصة؛ حيث عمل في مصر الجديدة.
ويقول عن فترة اعتقاله في السجن الحربي:
- "حرمونا من المصحف، ومع ذلك كان كل واحد منا يقدِّم درسًا مما يعلمه، والاعتقال في السجن الحربي كان قاسيًا جدًّا؛ حيث منعوا عنا كل شيء، سواءٌ كانت مصاحف أو كتبًا، وحتى الزيارات منعوها، وكنا نتدارس مع بعضنا ما نعلمه، واللطيف أن البعض منا تعلم اللغة الإنجليزية على البطانية السمراء والصابون اللوكس، وأتذكر أن أول زيارة لنا في السجن الحربي كانت بعد 7 شهور".(16)
كما قام بعض الطلبة بدافع حماسي بالقدوم على بعض التصرفات المشينة مثل مقتل النقراشي، بسبب غياب القيادة المسيطرة على هؤلاء الفتية، وبسبب بعض التصرفات الغير وطنية (من وجه نظر البعض) قام بها النقراشي باشا زادت من الاحتقان بينه وبين كثير من جموع الشعب بما فيهم شباب وطلبة الإخوان ولقد أفردنا هذا الأمر في كتاب أخر عن النظام الخاص.
انشغل الطلبة في الفترة الانتقالية بدراستهم، وهم في حالة ترقب لعودة الجماعة مرة أخرى، حتى حكمت المحكمة بإلغاء قرار الحل وعودة الجماعة مرة أخرى في 17 سبتمبر 1951م، حيث أقبل عليها الجميع مرة أخرى بما فيهم طلبة الجامعات، حيث حملوها على أعناقهم وأوصلوها لجميع طلبة المدارس والجامعات.
المراجع
- السادات : البحث عن الذات ،المكتب المصري الحديث ، القاهرة، ص 88 .
- أشرف عيد العنتبلي: بحث بعنوان النظام الخاص حقائق وافتراءات، موقع إخوان ويكي
- صلاح شادي: صفحات من التاريخ ، حصاد العمر.
- أحمد عادل كمال : النقط فوق الحروف، الزهراء للإعلام العربي.
- محمود عبد الحليم :الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ،دار الدعوة ،القاهرة ،ط 5 ،1414هـ/1994م.ص 256.
- محمود الصباغ : حقيقة النظام الخاص .ص73
- المرجع سابق: صـ70
- عبدالرحمن البنان: مذكرات فتى الجهاد، دار النشر للجامعات، 2009م، صـ 106.
- توفيق الواعي: موسوعة شهداء الحركة الإسلامية في العصر الحديث، دار التوزيع والنشر الإسلامية، ط 1، 2006م، ص 452.
- عبده مصطفى دسوقي: طلاب الإخوان وحرب التحرير والثورة، موقع إخوان الدقهلية
- كامل الشريف: الإخوان المسلمون في حرب فلسطين، دار الوفاء، ط 3، 1984م، ص 32
- المرجع السابق: ص 33
- عبدالعظيم رمضان: الإخوان المسلمون والتنظيم السري، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1982.
- إبراهيم شكيب: حرب فلسطين 1948م رؤية مصرية، الزهراء للإعلام العربي، 1986م
- يوسف القرضاوي في تقديم كتاب العقد الفريد لحسان حتحوت.
- كامل عبدالفتاح: ترجمة للدكتور أحمد العسال.. مواقع الانترنت.